من العائلة الحاكمة.. لماذا جاء سلطان عُمان بوزير خارجية جديد؟
بعد 23 عاما قضاها في أروقة وزارة الخارجية العمانية، غادر رجل الدبلوماسية يوسف بن علوي منصبه مُكرها، وفتح الطريق أمام شخص جديد سبقته صفة الحنكة السياسية قبل تنصيبه.
بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي (60 عاما)، حمل حقيبة الخارجية العمانية، بقرار أصدره سلطان عُمان هيثم بن طارق، في 18 أغسطس/آب 2020.
وتزامن تعيين الدبلوماسي الجديد مع كومة أحداث تشهدها المنطقة عموما، والخليج العربي خصوصا، أبرزها اتفاق التطبيع المثير للغضب بين الإمارات وإسرائيل، ومن قبله استمرار الأزمة الخليجية وتراجع جهود الوساطة.
وفور إقراره في المنصب الذي جاء بموجب إعادة تشكيل مجلس الوزراء العماني، بدأ مراقبو الشأن السلطاني بالتكهن بشكل سياسة عُمان الخارجية، وما إذا كان سيطرأ عليها تغييرات.
ورأى هؤلاء أن التعيين الجديد يحمل تحولا بسيطا في السياسة الخارجية العمانية، إذ إن البوسعيدي الذي يتولى المنصب ينتسب إلى الأسرة الحاكمة، وهو ما يحصل لأول مرة.
لكن في نفس الوقت يجمع كثير من المراقبين والمحللين على أن التغيير الجديد سيكون له رسائل داخلية تنعكس على الشعب العُماني، دون أن يُحدث تغييرا جذريا في السياسة الخارجية.
صديق البريطانيين
في سيرته الذاتية يغلب طابع الدبلوماسية والحيادية على نهج البوسعيدي، الذي ولد في عمان عام 1960 لعائلة موالية للسلطان الراحل قابوس، لكنها من فرع بعيد بعض الشيء.
الوزير الجديد يتمتع وعائلاته بعلاقات جيدة مع البريطانيين، إذ إن والده حمد بن حمود البوسعيدي كان وزير البلاط السلطاني، قبل أن يصبح مستشارا للسلطان السابق ومرافقا رسميا له حتى وفاته مطلع عام 2002.
وتلقى البوسعيدي تعليمه المبكر في المدارس السلطانية الخاصة بأبناء الأسرة الحاكمة، وتنقل بين مسقط وصلالة، قبل أن يغادر في سن الشباب ليدرس الثانوية في بريطانيا.
وهناك درس في عدد من المدارس الخاصة المخصصة للطبقات الثرية والحاكمة في إمارة ويلز، قبل أن يلتحق بجامعة أكسفورد التي تخرج فيها بدرجة ماجستير في السياسة والاقتصاد عام 1986.
وحمل شهادته بعدها إلى البلاد رفقة شقيقه خالد بن حمد البوسعيدي الذي شق طريقه في عالم الرياضة، وأصبح رئيس الاتحاد العماني لكرة القدم، فيما اتخذ بدر طريق الخارجية.
تدرج المناصب
منذ أن اتخذ البوسعيدي طريق الخارجية العمانية وولج إلى أروقة وزارتها، تدرج صعودا في المناصب، حيث تم تعيينه فيها عام 1990، ثم أصبح سكرتيرا أول، فمستشارا.
وفي عام 1996 أصبح أحد سفراء الوزارة، ثم ترأس دائرة مكتب وزير الخارجية قبل أن يصبح أمينا عاما للخارجية عام 2000، وهو المنصب الذي احتفظ به حتى قرار السلطان الجديد تعيينه وزيرا للخارجية.
وعلى الرغم من دوره الخفي في أروقة الوزارة، فإنه أدى عددا من المهمات الدبلوماسية الرسمية، وأبرزها مساهمته في العديد من الوساطات العمانية الأخرى في ملفات مختلفة، أبرزها الملف اليمني.
كما أن البوسعيدي شارك في المفاوضات السرية التي رعتها عمان بين إيران والولايات المتحدة الأميركية عام 2013، والتي أدت إلى التوصل للاتفاق النووي عام 2015.
وبحسب صحف خليجية، فإن وزير الخارجية الجديد دبلوماسي محترف، يتمتع بحس براغماتي يتفق مع سياسة السلطنة الحيادية التي سارت عليها في عهد السلطان قابوس (1970 - 2020).
أما صحيفة "اطّلاعات" الإيرانية، فوصفت بديل ابن علوي، بأنه شخصية تكنوقراطية "وله علاقات جيدة بإيران"، مؤكدة أنه "رجل حكيم ومن غير المرجح أنه يريد تغيير سياسة عمان الخارجية".
دلالات التغيير
ولا تعتقد الصحيفة بأن السلطان هيثم بن سعيد يريد أن يرسل بتعيين البوسعيدي إشارة إلى الخارج، لكنها تشير إلى شأن داخلي ظهر خلال السنوات القليلة التي كان فيها السلطان قابوس مريضا.
وتوضح أن وزير الخارجية السابق، هو من يقوم بتصميم السياسة الخارجية العمانية وتعزيزها في إطار مدرسة قابوس، وهو الأمر الذي لم يرق للسلطان الجديد، وفق نظرة الصحيفة الإيرانية.
وتستطرد: "خلال هذه السنوات، أصبح ابن علوي صانع القرار في السياسة الخارجية، ومع ملاحظة أن السلطان هيثم صاحب معالم جديدة، فقد استبعد شخصيات قديمة ومستقلة تستطيع الإطاحة به".
وترى الصحيفة أن سلطان عمان "يرغب بأن يكون هو من يرسم السياسة الخارجية العمانية سواء مع إيران أو باقي الدول الأخرى ويريد أن يلعب دورا أساسيا في هذا المجال".
لكنها تؤكد أن سياسة عمان الخارجية لن تتغير بتغيير ابن علوي، وهو ما يؤكده أيضا الكاتب العماني، علي المطاعني في حديث مع "الاستقلال".
نفس المدرسة
ولا يعتقد المطاعني أن يحدث تغيير جذري في سياسة السلطنة الخارجية، لأنها تنطلق من ثوابت ومحددات قائمة في تاريخ عُمان، مؤكدا أن "تغيير مسؤول أو وزير لا يعني بالضرورة تغيير السياسات الخارجية".
ويضيف: "السلطنة دولة عريقة وقديمة، وقراراتها ومواقفها مبينة على إرثها التاريخي ومستقاة منها كدولة مستقلة، منذ بداية النهضة 1970، على الرغم من أنها مليئة بالأحداث والقوى السياسية".
ويؤكد المطاعني أن فلسفتها ستظل كما هي، بمعنى أنها لن تتدخل في شؤون الداخلية للدول، وستستمر في العمل على فض الخلافات والنزاعات بين الدول كدور وسيط.
ويوضح أن ابن علوي ترجم كل مبادئ وقيم السياسة الخارجية، وكان خير ممثل لها في المحافل الدولية وحقق نجاحات كبيرة بحكم قربه من السلطان قابوس.
ويضيف المطاعني: "الوزير الجديد ينتسب إلى نفس المدرسة، وهو موجود في أروقة وزارة الخارجية في أكثر من منصب منذ سنوات، ومتشبع من أفكار السياسة المتبعة في عُمان".
ويشير الكاتب العماني إلى أن البوسعيدي "سيستمر في تقريب وجهات النظر الدولية، وسيعمل على خلق علاقات جديدة، مع المحافظة على التعامل مع أزمات المنطقة بحيادية انطلاقا من المواثيق الدولية".
مرحلة حرجة
الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور عبد الله الغيلاني، يشير إلى أن السلطنة في هذه المرحلة تعبر لحظة بالغة الحرج؛ مليئة بالتحديات والاستحقاقات الاقتصادية والسياسية، وليس بوسعها التفريط في تماسكها الداخلي.
ويضيف لـ"الاستقلال": "المتغير الرئيس هو العنوان (التسمية)؛ من الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية إلى وزير الخارجية، أما السياسة تشترك في صوغها عدد من أجهزة الدولة السيادية، مع بقاء القرار النهائي بيد السلطان".
ويتفق الغيلاني مع المطاعني، فيقول: "لا أحسب أن تحولا جوهريا سيعتري مساراتها، والغالب أنها ستحافظ على ذات النهج الحذر، مع شيء من الديناميكية قد تقتضيها طبيعة الأحداث الإقليمية الملتهبة".
وعلى صعيد الأزمة الخليجية، يؤكد الغيلاني أنها ضمن مدارات السياسة الخارجية العمانية التي بقيت نشطة في تعاطيها معها منذ نشوبها في الخامس من يونيو/حزيران 2017.
ويوضح أنه خلال تلك الفترة كان البوسعيدي أمين عام وزارة الخارجية، أي أنه كان ضمن الفريق الدبلوماسي، وكان بحكم موقعه مطلعا على توجهات الدولة إزاء الأزمة الخليجية.
ويضيف: "تعاطيه معها من موقعه كقائد للدبلوماسية العمانية سيكون امتدادا لنهج سلفه ابن علوي، ولكي يحدث اختراقا جوهريا في هذا المضمار عليه أن ينجز أمرين".
والأمر الأول، كما يقول الغيلاني، يتمثل في بناء علاقات مهنية وشخصية وثيقة مع طرفي الأزمة كما تفعل مع الكويت، أما الثاني فيتعلق ببلورة رؤية عمانية جريئة ومتماسكة تلتقي عليها أطراف النزاع وتحظى بدعم واشنطن.
وفي قصة التطبيع، يقول: "من المؤسف أن مسقط أبدت تأييدها للتطبيع الإماراتي - الإسرائيلي، ولا ريب أن خطوة التأييد تلك لا تتسق مع الطبيعة الحذرة للسياسة الخارجية العمانية".
ويعتبر أنها "جانبت الرصانة العمانية المعهودة وشابها غير قليل من النزغ"، مشيرا إلى أن تأييد مسقط للخطوة الإماراتية ألهب وجدان الرأي العام الذي كان في مجمله رافضا للتقارب مع إسرائيل تحت أي ذريعة.
ويختم بالقول: "بعد قراءة الموقف الشعبي أحسب أن الدولة ستجري مراجعة لموقفها، وأرجو أن تتمكن من التصدي للضغوط الدولية والإقليمية".