الإساءة للنبي محمد.. فصل جديد في الإسلاموفوبيا المتصاعدة بالهند
في 12 أغسطس/آب، اندلعت مظاهرات حاشدة في مدينة بانجلورو الهندية، للتنديد بمنشور مسيء للنبي محمد على "فيسبوك"، كتبه أحد أقرباء البرلماني الهندي سرينيفاس مورثي.
وعقب المظاهرات، حدثت مواجهات مع قوات من الشرطة، أسفرت عن مقتل 3 متظاهرين وإصابة أكثر من ستين شخصا من أبناء مدينة بنغلور جنوب البلاد.
بالنسبة للمتظاهرين، لم تكن احتجاجاتهم على المنشور ذاته، بل رأوا أن هناك تعمدا للاعتداء على المسلمين وأذيتهم، عن طريق الإساءة لرموزهم الدينية، في بلد يفرض قانونه عقوبات على من يسيء للبقرة بصفتها رمزا دينيا مقدسا، أو يقلل من احترامها أو يفكر بذبحها.
أتت تلك الإساءة للنبي محمد كرمز ديني، بالتزامن مع تجاهل السلطات الرسمية، لهذا التصرف الذي أثار حفيظة أكثر من 200 مليون مسلم في الهند.
أما عن مصير الشخص الذي نشر هذا المنشور، فقد عملت الشرطة على تأمينه من المحتجين، وذلك بحسب ما صرح به مفوض الشرطة كمال بانت، مضيفا أن عددا من الضباط أصيبوا.
البقرة المقدسة
طالب المحتجون باحترام المقدسات الإسلامية الخاصة بهم، كما يجري مع البقرة التي يفرض القانون عدم أذيتها أو إزعاجها، أو حتى استفزاز مشاعر الهندوس بمضايقتها أو اعتراض طريقها.
ويتعرض للعقوبة المجتمعية والعقوبة وفق القانون من يقدم على مضايقة بقرة، أو بيعها أو ذبحها أو حتى اقتيادها للذبح.
فبحسب قانون ولاية غوجارات في غرب الهند فإنه يعاقب بالسجن عشر سنوات من يسوق أبقارا للذبح، ويعاقب بالسجن مدى الحياة من قام بذبح بقرة.
ومنذ وصول ناريندرا مودي إلى الحكم، أقرت السلطات قانونا يقضي بمنع بيع الأبقار، وذلك لضمان حمايتها.
وبحسب صحيفة لوفيجارو الفرنسية فإن انتخاب رئيس الوزراء مودي أدى إلى تشديد التشريعات المتعلقة بذبح البقر، وإغلاق الكثير من المسالخ.
فمنذ 2014 وعقب وصول مودي ذي التوجهات الهندوسية إلى الحكم، تكررت حوادث الاعتداء على مسلمين بحجة حماية الأبقار.
وتحظى الأبقار بأعلى درجات الاحترام كرمز ديني مقدس، حتى أن عددا من نساء نيودلهي أصبحت يرتدين أقنعة أبقار، ليحظين بنفس القدر الذي تحظى به تلك الحيوانات من الحماية.
وكان الفنان الهندي سوجار غوش دشن هذا السلوك للتنديد بمعاملة النساء في بلده، طارحا سؤالا قال فيه: هل سوء معاملة هذا الحيوان المقدس أخطر من الإساءة للمرأة؟، وهو الأمر الذي قوبل بالترحيب من قبل قطاع واسع من المواطنات الهنديات اللائي ارتدين أقنعة أبقار للمطالبة باحترامهن من قبل المجتمع.
ولا يعارض المسلمون القوانين والأعراف الهندية التي تدعو لاحترام الأبقار، لكنهم يطالبون باحترام الرموز الإسلامية الدينية ومنحها احتراما كتلك التي يفرضها القانون والأعراف الهندوسية، وإنزال العقوبة بمن يسيء إلى أي رمز إسلامي، وعدم حمايته كما حصل مؤخرا مع كاتب المنشور المسيء للنبي.
نتيجة طبيعية
بحسب مراقبين فإن الإساءة للمسلمين ورموزهم الدينية، يعد نتيجة طبيعية لحملات التعبئة والكراهية التي يشنها أتباع مودي ضدهم في الهند.
وكانت موجة من الكراهية تصاعدت ضد المسلمين الهنود منذ وصول مودي إلى السلطة في عام 2014، فقد مارس سلسلة من الإجراءات التمييزية ضدهم، تمثل أبرزها بإلغاء الحكم الذاتي لإقليم جامو وكشمير ذي الأغلبية المسلمة في 5 أغسطس/آب 2019.
وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان قد هاجم، في تغريدة له بـ5 أغسطس/آب، رئيس الحكومة الهندية، واصفا إياه بالفاشي، بالتزامن مع الذكرى السنوية لإلغاء المادة 370 التي قضت بالحكم الذاتي لإقليم جامو وكشمير.
وقال خان: إن الأعمال الوحشية التي يمارسها نظام مودي حطمت الأرقام القياسية بالوحشية والقمع وفرض الحصار العسكري على جامو وكشمير المحتلة بصورة غير قانونية على مدار عام كامل.
وكان الكاتب أنيس أحمد، كتب مقالا في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تعليقا على إلغاء الحكم الذاتي قال فيه: "إن ذلك الإجراء حلقة من حلقات الاستهداف الممنهج الذي تتبعه حكومة مودي، التي لم تدخر جهدا منذ انتخابه في سبيل استهداف المسلمين والتضييق عليهم، حيث أقدمت حكومته على إغلاق إقليم كشمير وإلغاء الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به".
الممارسات العنصرية ضد المسلمين، طالت مواطنتهم، ففي يوليو/تموز 2018 أسقطت سلطات مودي الجنسية الهندية عن أكثر من 4 ملايين مسلم، من سكان ولاية أسام، بحجة أنهم مهاجرون غير شرعيين، أتوا من بنجلاديش قبل أربعين عاما.
يأتي ذلك في الوقت الذي صادق البرلمان الهندي في ديسمبر/كانون الأول على مشروع قانون تقدمت به حكومة مودي يمنح الجنسية الهندية لغير المسلمين الذين واجهوا "الاضطهاد" لسنوات في بلدانهم، وفقا لما نشرته الجريدة الرسمية في الهند.
وبموجب القانون سيسمح للمسيحيين والبوذيين والهندوس والجينيين والبارسيين والسيخ، الذين هاجروا من باكستان وبنجلاديش وأفغانستان قبل العام 2015، بالحصول على الجنسية الهندية.
وبالرغم من معارضة أحزاب هندية لذلك القرار، بحجة أنه غير دستوري، إلا أن القانون دخل حيز التنفيذ بعد تصديق الرئيس الهندي رام ناث كوفيند عليه في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019.
وقد تخلل تلك القرارات المجحفة بحقهم، اندلاع عشرات الاحتجاجات لمسلمين هنود تم مقابلتها بالقمع من قبل السلطات، واعتقال المئات واستخدام العنف لتفريقها.
تشجيع دولي
بحسب الكاتب والناشط الحقوقي محمد الأحمدي، فإن ما يحصل اليوم تم بتشجيع مباشر وغير مباشر من قبل حكومة رئيس الوزراء الحالي التي قررت شن ممارسات عنصرية ضد المسلمين منذ وصول رئيس الوزراء مودي للسلطة في 2014.
يضيف الأحمدي لـ"الاستقلال": أن "المنشور المسيء للنبي محمد صلوات الله عليه، جزء من حملات إلكترونية يشنها أنصار اليمين المتطرف الحاكم، ضد المسلمين، والتي ترافقت مع حملات أمنية ضد الجاليات المسلمة في الولايات الهندية".
ويتابع الأحمدي: أن "من المفارقات العجيبة أنهم قتلوا عددا من المحتجين الذين طالبوا بمعاقبة المسيء للنبي كرمز ديني إسلامي، واعتقال عشرات آخرين، في مقابل توفير الحماية الكاملة للشخص الذي قام بهذه الإساءة، واستفز مشاعر ملايين المسلمين في الهند".
يضيف الكاتب اليمني: "من المؤسف أن مودي يحظى بدعم أنظمة عربية، على رأسها أبوظبي والرياض، وهي الأنظمة التي باركت إلغاءه الحكم الذاتي لإقليم كشمير، وباركت أيضا خطواته بسحب الجنسية عن ملايين المواطنين الهنديين من معتنقي الديانة الإسلامية".
ويتابع الناشط الحقوقي: "وفي الوقت الذي كان ينبغي على السعودية أن تتبنى قضية المسلمين، وهي التي تصدر نفسها كحامي حمى الإسلام والمدافع الأول عن قضايا المسلمين، نراها على العكس من ذلك تؤيد وتبارك خطوات الحزب الحاكم الذي عرف بتطرفه وعدائه ضد الأقلية المسلمة في الولايات الهندية".
ويختم الأحمدي بالقول: "في تصوري سيتصاعد العداء ضد المسلمين مرافقا للموجة العالمية التي تغذي الإسلاموفوبيا في الغرب وفي عدد من أقطار العالم طالما أن هناك أنظمة عربية تمول تلك الحملات وتبارك تلك الممارسات وتؤكد على التحذير من خطر الإسلام، كما هو التصريح الشهير لعبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات في التحذير من مسلمي أوروبا".
المصادر
- الهند.. آلاف المسلمين يحتجون على إساءة طالت النبي محمد
- النبي محمد: مقتل ثلاثة خلال أعمال عنف في الهند بعد وضع منشور "مسيء" للمسلمين
- بسبب إساءة للنبي محمد على فيسبوك.. اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين بمدينة بنغلور الهندية
- 44 قتيلا خلال ثلاث سنوات بسبب "ذبح البقر" في الهند
- الهند.. ضرب مسلم حتى الموت بسبب شائعة عن ذبح بقرة
- لوفيغارو: البقرة المقدسة تعرقل اقتصاد الهند
- مصور هندي: هل تستحق الأبقار الهندية احتراما أكثر من النساء؟
- مقترح حكومي بمنح الأبقار هويات يثير حفيظة مسلمي الهند
- الهند: أتباع "مودي" يستغلون كورونا لشن حملات كراهية ضد المسلمين
- الهند تمنح الجنسية للمهاجرين ما عدا المسلمين
- رغم الاحتجاجات.. رئيس الهند يقر قانونًا يمنح الجنسية لغير المسلمين فقط
- الأمم المتحدة: قانون المواطنة الهندي يتضمن تمييزا واضحا ضد المسلمين
- الأمم المتحدة: قانون الجنسية الجديد في الهند ينطوي على "تمييز" ضد المسلمين
- ما مصير 1.9 مليون مسلم بعد تجريدهم من جنسيتهم الهندية؟