خشية الاعتقال.. هكذا يقايض أطباء مصر الحرية بالصمت

12

طباعة

مشاركة

تتعرض الطواقم الطبية المنهكة وغير المجهزة في مصر للتهديد، بسبب التحدث علنا عن ظروف العمل السيئة في مواجهة تفشي فيروس كورونا، حيث تتزايد أعداد المحتجزين من قبل وكالة الأمن الوطني.

وأوردت صحيفة الجارديان البريطانية بعض قصص الأطباء الذين تلقوا تهديدات إما عبر واتساب، أو رسائل رسمية، أو شخصيا.

كما قالوا إن مديري المستشفيات والمسؤولين الحكوميين أخبروهم أن عدم حضور المناوبات أو النشر على وسائل التواصل أو التعبير العلني عن اعتراضات سيؤدي إلى شكاوى لوكالة الأمن الوطني، الجهاز المخابراتي الأساسي في مصر، والتي تقول جماعات حقوقية إنها اعتقلت العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية.

قصص حية

قالت طبيبة في منطقة 6 أكتوبر القصية بالقاهرة: إن إدارة المستشفى انتظمت على تهديد العاملين بالإحالة إلى الأمن الوطني بعد أن أعربوا عن مخاوفهم بشأن طبيب توفي ولكن لم يسمح بإجراء اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل PCR عليه.

وأضافت: "أخبرونا أن حساباتنا بمواقع التواصل الاجتماعي ستتم مراقبتها، وقد بلغ بي الأمر أن حذفت جميع زملائي لأنني لا أستطيع الوثوق بأي منهم".

وينقل تقرير الجارديان ما قاله طبيب آخر في مستشفى بالإسكندرية من أنه لم يتجمهر مجموعة من الأطباء للمطالبة بإجراء اختبار الكشف عن فيروس كورونا لزميل تظهر عليه أعراض هذا المرض إلا وظهر أمامهم عناصر من أمن المستشفى وشرطة يرتدون زيا مدنيا.

يتابع طبيب الإسكندرية سرده قائلا: "نشرت (على وسائل التواصل الاجتماعي) معلومات حول الحادث وذلك عندما عدت إلى المنزل، لأكتشف بعدها أنه قد تمت إحالتي إلى التحقيق، وأخبرني مدير المستشفى أن الأمن الوطني يريد التحدث معي".

وسجلت مصر أكثر من 80 ألف حالة مؤكدة مصابة بفيروس كورونا، على الرغم من أن وزيرا في الحكومة حذر مرارا من أن الأعداد الحقيقية للحالات قد تكون خمسة أو حتى عشرة أضعاف الأرقام الرسمية.

وقدر المركز المصري لبحوث الرأي العام، المعروف باسم "بصيرة"، أن ما لا يقل عن 616 ألف مصري قد أصيبوا بـكوفيد 19، كما توفي ما لا يقل عن 117 طبيبا جراء الاصابة بالفيروس.

يبرز تقرير الجارديان تشخيصا قدمه الأطباء لنظام صحي منهك بفعل الفيروس ذي عدد قليل من أسرة المستشفيات والأدوية المتاحة لا يخوّل حتّى علاج أشد الحالات حرجا.

يشرح الأطباء أنّه في ظل اختبار الجائحة للبنية التحتية الصحية بمصر، تعرض العاملون بالقطاع الطبي، الذين أسمتهم السلطات "الجيش الأبيض"، لأفعال انتقامية بسبب التحدث جهرا.

كما أصبحت نقابة الأطباء المصرية، وهي هيئة شبه حكومية تمثل العاملين في مجال الرعاية الصحية، هدفا بعد أن اتهمت رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتحريض الأطباء على الغضب عندما حذر من أن الحكومة "ستتخذ الإجراءات القانونية المناسبة" ضد الأطباء المتغيبين عن العمل.

وألقى مدبولي باللوم على "افتقار الأطباء للانضباط" كسبب لارتفاع عدد حالات الإصابة، كما ألقت قوات الأمن القبض على أمين مال النقابة محمد معتز الفوال في منزله بسبب منشور على فيسبوك انتقد فيه خطاب مدبولي، ليُتّهم بعدها بـ"نشر أخبار كاذبة" والانضمام إلى جماعة إرهابية.

اعتقال المشتكين

ويؤكد تقرير الجارديان أن قوات الأمن منعت الأطباء فيما بعد من عقد مؤتمر صحفي للرد على اتهامات مدبولي، موردا قول المسؤولة بالنقابات، منى مينا، التي شهدت الحادث: "أذكّر الجميع بأن التكتم على المشكلة لا يحلها".

كما أشار التقرير إلى أنّ ما لا يقل عن سبعة أعضاء من النقابة الطبية محتجزون حاليا بسبب حديثهم عن كوفيد ـ 19 على وسائل التواصل الاجتماعي بتهمة "نشر أخبار كاذبة "، كما حبست قوات الأمن عضو مجلس الادارة، أحمد صفوت، بمعزل عن كل اتصال بالعالم الخارجي إثر انتقاده خطاب مدبولي.

وقد وثقت منظمة العفو الدولية الحقوقية اعتقال ما لا يقل عن ستة أطباء وصيدلانيين احتجزهم الأمن لتحدثهم علنا عن الوباء.

إحدى الحالات متمثلة في تبليغ مدير مستشفى الأمن عن طبيبة حامل بعد أن اتصلت بالخط الساخن الحكومي لتسجيل حالة إصابة بكوفيد ـ 19، ليتم اعتقالها بتهم شملت الانضمام إلى جماعة إرهابية.

يقتبس تقرير الجارديان قول أحد العاملين بالقطاع الطبي بمستشفى عمومي في الجيزة: "نحن عديمو القيمة بالنسبة لهم، إنهم يضحون بنا؛ لا يتوفر لدينا اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) ولا أدوية وأماكن لاستقبال المرضى".

وتابع: "نحن نطلب منهم التزام الحجر الصحي في المنزل ومحاولة العثور على الأدوية، على الرغم من أننا على يقين بوجود نقص في هذه الأدوية حتى في الصيدليات الخاصة".

كما يصف هذا العامل كيف قيل للأطباء إن الغياب يعني أنه سيتم التبليغ عنهم لدى الأمن الوطني، وهي هيئة سيئة السمعة تخفي المواطنين قسرا وتعذبهم في محاولة للقضاء على المعارضة حتى من أكثر المنتقدين اعتدالا.

يقول العامل: "لا أجرؤ على أن أتغيب، حتى عن تلك المناوبات حيث لا يمكنني مساعدة أي شخص، أنا لست معترضا على تعريض نفسي للخطر إذا كان بإمكاني مساعدة الناس، لكنني أفعل ذلك بدون تقديم أي خدمة لهؤلاء المرضى".

وهذا الطبيب اشترى لنفسه درعا للوجه بسبب النقص الشديد في معدات الحماية في جميع أنحاء مصر، مبينا أنه كان يخشى أن يُنظر إلى طلب درع من مستشفاه على أنه شكوى من الممكن أن توقعه في مشكلة حيث من المحتمل ألا يكون هناك دروع بالمنشأة.

ويضيف: "كان شراء الدرع أهون بكثير من السجن، هذه مقايضة بين المال والحرية".

وأوضح جميع العاملين في المجال الطبي الذين تم إجراء مقابلات معهم أن أخبار الاعتقالات أو التهديدات كان لها تأثير مرعب، حيث كانت تهدف إلى جعلهم يعيدون النظر في التعبير عن مخاوفهم الخاصة.

وقال طبيب الجيزة: "ليس عليهم أن يعتقلوا كل من يتحدث، ولكن فقط إلقاء القبض على عدد قليل والبقية سيخشون فعل الشيء نفسه، فهؤلاء الأطباء لا يريدون مواجهة نفس المصير".

وأشارت الجارديان في الختام إلى أن المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات لم يتجاوبا مع طلب التعليق.