"مكايدة سياسية".. لماذا اتهمت الإمارات عمانيا بالتخابر مع قطر؟

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في تقريرها الصادر 9 يوليو/تموز 2020، نددت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية، بالحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية في أبوظبي والذي قضى بالسجن المؤبد على المواطن العماني عبد الله الشامسي. 

المنظمة الأممية قالت: إن الحكم على الشامسي بالسجن مدى الحياة كان مستندا على "محاكمة جائرة فيما يبدو"، ونقلت عن مايكل بيج نائب مدير قسم الشرق الأوسط التابع للمنظمة، قوله: إن "الحكم على رجل لديه الاكتئاب والسرطان بالسجن مدى الحياة، استنادا إلى اعتراف مشكوك فيه، مثال مروع على ظلم النظام القضائي الإماراتي".

وأضافت المنظمة: "ترفض السلطات الإماراتية تقديم معلومات عن حالة الشامسي، وهي تحتجزه خلال أزمة فيروس كورونا في سجن معروف باكتظاظه، وظروفه غير الصحية، ونقص الرعاية الطبية".

التخابر مع قطر

اختطفت السلطات الإماراتية الشامسي من إمارة العين شرق أبوظبي، في 18 أغسطس/آب 2018، وكان عمره حينها 17 عاما، وأخفته قسريا في سجن أمن الدولة، ثم في سجن الوثبة الصحراوي في أبوظبي لأكثر من عام ونصف.

وعقب اختفائه وبلاغ أسرته بشهر، تفاجأت أسرته برؤية ابنها بمعية قوة عسكرية ومدنية داهمت المنزل وقامت بتفتيش أجهزته الإلكترونية، من دون إبراز مذكرة تفتيش، ثم اقتياده معهم مرة أخرى وإخفائه لعدة أشهر.

بعد مضي نحو أكثر من 21 شهرا على اعتقاله، من بينها 18 شهرا في السجن الاحتياطي، قضت محكمة أبوظبي الاتحادية في 6 مايو/أيار 2020، بالسجن المؤبد على المعتقل الشامسي،  بتهمة التخابر مع قطر، وتشكيل خلية تجسس لصالح قطر على الأراضي الإماراتية.

الشامسي أنكر التهم الموجهة له، وقال: إن السلطات الأمنية عذبته بالضرب والتنكيل وضغطت عليه وهددته من أجل تسجيل اعتراف عن تورطه بالتخابر لصالح قطر.

وأوضح الشامسي، خلال إحدى الزيارات العائلية الأخيرة التي تخللت جلسات المحاكمة، أن السلطات الأمنية عذبته بالضرب والصدمات الكهربائية وخلع أظافره، وأن المحققين أجبروه على التوقيع وهو معصوب العينين، فيما أكد أحد أفراد أسرته وجود علامات تعذيب على جسده. 

الصحفي العماني المختار الهنائي كتب على حسابه بتويتر: "بكل أسف أصدرت محكمة أبوظبي الحكم المؤبد ضد الشاب العماني عبد الله الشامسي المحتجز في الإمارات منذ حوالي عامين، بتهم نراها باطلة تتعلق بالتخابر مع قطر ضد الإمارات، تخيلوا كل ذلك بدأ وهو في سن 17 عاما، نقول لكل من راهن على العدالة والتسامح هناك بأنك خسرت الرهان".

منظمة هيومن رايتس ووتش علقت على خبر الاعتراف بأنه مشكوك به، حيث لم يسمح للمحامي بالحضور والسماع للاعتراف وظروف الاعتراف، والتأكد من عدم ممارسة أي ضغوط على الشامسي، فضلا عن الانتهاكات التي تعرض لها، والتي بدت آثارها على جسده، بحسب شهادة أفراد أسرته، والتي ترجح فرضية عدم عدالة المحاكمة.

ورجح ناشطون أن الحكم القاسي عليه بالسجن المؤبد، عقابا له على تغريدات كتبها على تويتر لم تعجب السلطات الإماراتية.

وثائق ملفقة

وإلى جانب التحقيق معه في التهم المزعومة بالتخابر مع قطر وإنشاء خلية تجسس لصالح قطر في أراضي الإمارات، تتهم السلطات الإماراتية الشامسي بحيازة حشيش ومخدرات، وتحقق معه بخصوص مذكرة نشرتها صحيفة البيان الإماراتية، قالت إنها صادرة عن المدعي العام العماني ضد الشامسي.

وفي الوثيقة، إفادة مزعومة بضبط الشامسي والمواطن القطري مبارك الهاجري وزوجته (أخت عبد الله الشامسي)، وبحوزتهم كميات من المخدرات والحشيش.

استنكر ناشطون عمانيون هذه الوثيقة وادعوا أنها ملفقة ومفبركة، المراد منها الحد من التضامن الشعبي مع الشامسي، وتشويه صورته وإثبات إدانته.

كما أشار عدد منهم إلى أن السلطات ضغطت على الشامسي من أجل أن يعترف بتورط عمه (المواطن القطري) الذي ورد اسمه في المذكرة، لكنه رفض.

المغرد الشاهين اعتبر ما جرى مع عبد الله الشامسي بداية العام الحالي، "نقطة التحول الهامة" في قضيته، ففي 7 يناير/كانون الثاني 2020، أخبروا عبد الله بأنه سيتم اعتقال والدته واثنتين من أخواته إن لم يعترف بمشاركة عمه في خلية التجسس والتخابر مع القطري الوارد اسمه في الوثيقة، فاختار أن يضحي بنفسه دون عائلته.

خلال اعتقاله تعرض الشامسي للانتهاكات والتعذيب، وتدهورت حالته الصحية وأصيب بفيروس كورونا، وكانت العفو الدولية بالإضافة لمركز الإمارات لحقوق الإنسان قد أكدا إصابة الشامسي بفيروس كورونا، وكتب مركز الإمارات لحقوق الإنسان تغريدة أكد فيها تلك الإصابة.

ويحمل الشامسي سجلا طبيا سيئا، حيث يعاني من عدة مشاكل صحية من بينها ورم خبيث من الدرجة الرابعة، وتم استئصال إحدى كليتيه جراء الورم، في حين كان مستمرا في تلقي العلاج حتى فترة اختطافه.

وإلى جانب الأمراض العضوية، يعاني الشامسي أيضا من أعراض الاكتئاب والاضطراب النفسي، وكان قبيل اعتقاله، يتناول الأدوية الخاصة بها، حسب إفادة والدته، غير أن السلطات الإماراتية منعت تواصله مع أهله فساءت حالته الصحية والنفسية.

محاكمة صورية

أمضى الشامسي أكثر من عام ونصف في السجن دون توجيه أي تهمة ضده، وأول تهمة وجهت له كانت قبل شهر من محاكمته التي بدأت في فبراير/شباط 2020.

وحسب الناشط الحقوقي عبد الله الطويل، فإن أسرة الشامسي حاولت معرفة سبب اعتقال ابنها، إلا أن السلطات لم تتجاوب معها، كما رفضت النيابة التعاون مع الأهل، ومنعوهم من زيارته، بحجة أنه ما يزال في التحقيق.

محاكمة الشامسي بدت كما لو كانت صورية وشكلية، تضمنت 3 جلسات فقط، إحداها في فبراير/شباط، والثانية في مارس/آذار 2020، واستمرت 5 دقائق، والثالثة والأخيرة في مايو/أيار 2020، وبعدها نطق بالحكم، بحجة التدابير الاحترازية لكورونا.

ورغم ضغط المنظمات الحقوقية، (العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش، الفريق التابع للأمم المتحدة)، للإفراج عن الشامسي، أو محاكمته بشكل قانوني والسماح له بممارسة حقوقه، إلا أن السلطات تجاهلت كل تلك المطالبات.

أواخر أبريل/ نيسان 2020، أصدر "فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي رأيا في قضية الشامسي، في مذكرة مكونة من 10 صفحات، و78 بندا، وخلصت إلى أن احتجازه أمر تعسفي، مشيرا إلى أن رد الحكومة على ادعاءات التعذيب وانتهاك الإجراءات القانونية الواجبة لا يدحض تلك المزاعم بشكل كاف، و"على السلطات ضمان الإفراج عنه فورا".

توتر قديم

توالت بيانات الاستنكار والإدانات الحقوقية والدولية للحكم الصادر بحق عبد الله الشامسي، في ظل إصرار من النظام الإماراتي على تجاهل تلك الإدانات.

تجاهل وإصرار أبوظبي على المضي في الحكم بالسجن المؤبد، وفق مراقبين، يؤكد حالة التوتر التي تخيم على العلاقات بين الإمارات وعمان، وهو توتر قديم، نشأ عقب القبض على خلية إماراتية في يناير/كانون الثاني 2011،  بمسقط تسعى لقلب نظام الحكم في سلطنة عمان.

العلاقات بين البلدين، مرت بعدة محطات من التوترات، لكنها تضاعفت عقب القبض على خلية تجسس إماراتية في مارس/آذار 2019، وهو الأمر الذي كشف عنه وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، معلقا أن "مثل تلك الأمور تحصل بين الجيران".

سعت بعد ذلك أبوظبي إلى تجنيد عدد من الذباب الإلكتروني وإطلاق حملة إلكترونية تستهدف الاستقرار في عمان وتسعى إلى إطلاق الشائعات حول وجود خلافات بين العائلة الحاكمة قالت إنها ستؤثر على الوضع السياسي والاقتصادي.

رجح متابعون أن الإمارات سعت، من خلال هذا الحكم لبعث رسالة لعمان، تقول إنها قادرة على إزعاج السلطنة، وإلحاق الضرر بمواطنيها من خلال المؤسسات القضائية المحايدة.

الرسالة الأخرى التي أرادت الإمارات إيصالها لعمان أن ادعاءات عمان بوجود شبكات تجسس إماراتية في مسقط، يماثله حدث مقابل وشبيه بإنشاء عمانيين لشبكات تجسس في الإمارات أيضا، وهو ادعاء، إن لم يكن دقيقا، لكنه يأتي في سياق المكايدات السياسية.

مناشدات الأم

إلى جانب مطالبات المنظمات الحقوقية وجهت والدة عبد الله الشامسي، عدة مناشدات لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وكتبت في إحداها رسالة قالت فيها: رسالة أرجو أن تصل إلى سيدي الشيخ محمد بن زايد الله يحفظه.. ابني عماني عمره 19 وأنا أمه إماراتية، ابني موقوف من تاريخ 18/8/2018 ولا نعرف ما هي تهمته وعندي تقارير طبية.. في عام التسامح وقرب عيد الأضحى ألتمس منكم سيدي أن تعفو عنه ..الله يجزيك كل خير.

 

إلى جانب تلك المناشدات التي تم تجاهلها من قبل نظام الإمارات، وجهت الأم مناشدة أخرى للسلطان هيثم بن طارق سلطان عمان للتدخل والإفراج عن ابنها الذي يعاني من مرض السرطان، ما يجعل مناعته أضعف في القدرة على مقاومة ظروف الاعتقال، غير أن توتر العلاقات بين عمان والإمارات، قد أسهمت فيما يبدو في عدم نجاح تلك المناشدة حتى الآن.