ضم الضفة لن يضر الفلسطينيين وحدهم.. هذا ما سيحدث
.jpg)
منذ ثلاثينيات القرن العشرين، أدت عمليات الهروب الجماعية من الفاشية في أوروبا إلى تضاعف أعداد السكان اليهود في فلسطين إلى ثلاثة أضعاف.
كان هذا الصراع دائما، وفق ما تقول صحيفة الجارديان البريطانية، يدور حول الأرض، "فلقد امتلكها العرب، وادعى اليهود أحقيتهم، وكلاهما يعتقد أنهما على حق".
ومن هنا تصاعد هذا الصراع الأساسي التأسيسي بشكل لا يرحم، مع كسب الإسرائيليين الأرض مرة تلو الأخرى، وفق تقرير للصحيفة.
وتحدثت عن "كيف يريد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي والقائد المشارك لدولة ذات أغلبية يهودية قوية بنسبة 74٪، إنهاء المهمة التي بدأها أسلافه".
وحسب الصحيفة، تتمثل خطة نتنياهو في ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية ووادي الأردن، في 1 يوليو/تموز 2020، وهو الموعد الذي قد يتأخر وسط خلافات داخلية، وأخرى مع الولايات المتحدة حول نطاقها ووتيرتها.
وألمح نتنياهو في جلسة مغلقة لأعضاء حزب الليكود، إلى إمكانية تأجيل تنفيذ خطة الضم، وعزا ذلك إلى "اعتبارات سياسية وأمنية"، بحسب ما أفادت القناة الإسرائيلية "كان"، في 30 يونيو/حزيران 2020، لكن دون الإفصاح عن طبيعة هذه الاعتبارات.
ووردت هذه التصريحات المسربة، قبيل اللقاء، الذي جمع نتنياهو بالوفد الأميركي برئاسة آفي بيركوفيتش، مستشار ومبعوث الرئيس دونالد ترمب، الذي يوجد في "تل أبيب" منذ عدة أيام، ويجري مشاورات مع القيادات السياسية والأمنية بشأن الضم.
ووصف العاهل الأردني الملك عبد الله أواخر يونيو/حزيران عملية الضم بأنها "غير مقبولة" وهدد بقطع العلاقات الدبلوماسية. كما وصفت حركة المقاومة الإسلامية حماس الخطة بأنها "إعلان حرب".
وعلى الرغم من أن نتنياهو يبدو مصمما على المضي قدما، فإنه من الصعب رؤية فرص نجاح خطته غير القانونية بموجب القانون الدولي.
ويقول التقرير: "لن تصيب هذه التصرفات الفلسطينيين وحدهم بجروح قاتلة، ولكنها ستضر أيضا بإسرائيل والاستقرار الإقليمي والمجتمع الدولي، الذي حاول دون جدوى حل اللغز الإسرائيلي الفلسطيني، منذ أن دعمت بريطانيا وطنا قوميا لليهود عام 1917".
وتوقعت أن يؤدي "تمديد السيادة" لنتنياهو إلى زيادة صعوبة التوصل إلى حل عادل، وهو أمر بالغ الصعوبة بالفعل، كما أنه بالنسبة للفلسطينيين، فإن الضم سيكون بمثابة حكم الإعدام لأحلامهم ورؤاهم لدولة مستقلة قابلة للحياة".
ووصفت هذا الحكم بأنه "مأساة أخيرة في ملحمة الآمال المحطمة والوعود الكاذبة". ويقول التقرير: "كل هذه أسباب، واضحة جلية لمن يمعن النظر، من أجل التخلي عن تنفيذ هذه الخطة الخطيرة".
ويستدرك: "ولكن في هذه الساحة المتضاربة، غالبا ما يكون العقل والحس السليم غائبين". مرة أخرى، ولكن ربما للمرة الأخيرة، يواجه الفلسطينيون حقيقة تخلي الجميع عنهم.
ويعارض العديد من الإسرائيليين خطوة الضم، في حين لم يحسم شركاء نتنياهو أنفسهم موقفهم تجاه هذه المسألة. وأوضح التقرير: "تسيطر إسرائيل بالفعل على هذه الأرض المحتلة منذ حرب عام 1967، فلماذا المخاطرة بعواقب سلبية متعددة؟".
وبالنسبة للبعض، إنها محاولة مغرورة لمشروع ترك إرث مهيب من نتنياهو وكفيله الرئيسي الأميركي دونالد ترامب، اللذين قد يكونان خارج المكتب قريبا، وفق التقرير.
لا اتفاق
وترى الصحيفة أنه بالنظر إلى الدور المحوري الذي ستلعبه قوات الجيش الإسرائيلي في تنفيذ الخطة، "فإن آراء 220 من كبار القادة السابقين والشرطة، وأجهزة الأمن: الموساد، والشين بيت (جهاز الأمن العام الإسرائيلي)، لها وزنها".
وتتلخص آراؤهم في دعوة إسرائيل بشكل مشترك إلى الالتزام بطريق الدولتين الذي تدعمه الأمم المتحدة، والذي وصفوه بأنه "ضروري لأمن إسرائيل" ومستقبلها الديمقراطي.
وتابع التقرير: "أضف إلى ذلك الانتقادات الحادة التي تتعرض لها خطة الضم من اليهود البريطانيين والأميركيين". كذلك فإن البرلمانيين والحكومات الأوروبية غير راضية عنها، ومن الواضح أن الخلافات الحادة في الخارج هي انعكاس لخلافات الداخل.
وواصل أن "هناك حديثا، وإن كان غير مقنع، عن عقوبات واعتراف دبلوماسي رسمي بدولة فلسطينية".
واستدرك: "ولكن، مثل الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، ينقسم الاتحاد الأوروبي إلى المنتصف، فالمحافظون في المجر وبولندا والنمسا أكثر تعاطفا مع أفكار نتنياهو من الأوروبيين الغربيين".
ولا تزال حكومات فرنسا وبريطانيا وألمانيا تدعم عملية السلام بعد أوسلو، إلا أنها تدرك أنها في طور الاحتضار. وأوضح التقرير أن "القادة الأوروبيين ممزقون، إنهم يخشون أن يؤدي الضم إلى زيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة".
فمن الممكن أن يثير الضم تصاعدا "في الهجمات ضد السامية، ويمكن استخدامه لتبرير الاستيلاء على أراضي القرم في روسيا عام 2014"، لكنهم يخشون أيضا انقساما عبر الأطلسي حول "خطة السلام" التي تبجح بها ترامب، والتي لا أمل فيها، والتي تؤيد الضم، وفق الجارديان.
ويقول التقرير: "ليس من قبيل المبالغة، أن نقول إن القضية تطرح معضلة وجودية للأمم المتحدة، وهي بطل طويل الأمد لحل الدولتين".
وقد حذر أمينها العام، أنطونيو غوتيريس، من أن الضم سيشكل "أخطر انتهاك للقانون الدولي". وتعلق الصحيفة: "للأسف، من شأنه أن ينتهك أيضا مصداقية الأمم المتحدة الأكثر هشاشة من أي وقت مضى".
وتابع: "بينما كان يتحدث، مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، كان يصر على أن أي خطوة هي قرار إسرائيل فقط".
لقد كان موقفه هذا، الذي يتماشى مع تقويض الولايات المتحدة لمواقف الأمم المتحدة المشتركة بشأن إيران وتغير المناخ وفيروس كورونا التاجي، دليلا آخر على الأحادية المدمرة لإدارة ترامب بازدراء، وإشارة واضحة إلى أنها ستدعم نتنياهو تقريبا مهما فعل.
انقسام عربي
ويقول التقرير: إنه "لدى الأردن ومصر معاهدات سلام مع إسرائيل تستند جزئيا إلى حل في فلسطين". وتساءل: "هل سيترددون الآن ويتوقفون، على سبيل المثال، عن التعاون الحدودي لمكافحة الإرهاب؟ خاصة مع إصرار الرأي العام على ذلك".
واستدرك: "لكن الرئيس المصري الديكتاتور يعتمد على دعم الولايات المتحدة ومساعدتها وأسلحتها، وهو غير معروف باهتمامه بالإرادة الشعبية".
ويوضح التقرير خطوط الانقسام الإقليمي النامي المألوفة، بالقول: "تدعم إيران وقطر وتركيا حماس في غزة وتصدح بالقضية الفلسطينية، في حين أن مواقف السعودية والإمارات والدول العربية المصنفة على أنها معتدلة تأتي من واشنطن".
وأضاف: "دول مثل لبنان والعراق عالقة في المنتصف، وتأمل إيران أن يؤدي الضم إلى تدمير التحالف العربي غير الرسمي لإسرائيل ضد طهران".
وتساءل: "بالنسبة للفلسطينيين، المنقسمين على الدوام، ماذا يمكنهم أن يفعلوا؟ يبدو الحديث عن انتفاضة جديدة مبالغا فيه".
ويرجع التقرير ذلك إلى عدة أسباب، أهمها أنه "ليس هناك ما يشير بعد إلى تصاعد الغضب في الشارع العربي، والتحركات الانتقامية ضد إسرائيل، مثل إنهاء التنسيق الأمني، والذي قد يأتي بنتائج عكسية".
فيمكن للسلطة الفلسطينية أن تنهار، وسيكون البعض سعداء بذلك، فهناك الكثير ممن يتهمون رئيسها محمود عباس بالتعاون الفعلي مع المشروع الصهيوني، وفق التقرير.
وأشار إلى أن الخطر الواضح، في حال استمر نتنياهو حتى في الضم الجزئي، على مراحل، هو أن حركة الجهاد الإسلامي ستستغل الاستقطاب والخلل الناتج عن ذلك.
وفي مثل هذه الظروف، يمكن أن يُطلب من الجيش الإسرائيلي احتلال كل الضفة الغربية وقطاع غزة من جديد، وفرض نظام يشبه الفصل العنصري على شعب محروم وغير معترف به وواقع تحت الأسر، وفق التقرير.
ومع استمرار النزاع حول الأرض بعد عقود عديدة، تلوح في الأفق كارثة ثانية، تقول الجارديان.