"موريش" أميركا.. لماذا لا تعتبرهم الرباط سفراء كمغاربة إسرائيل؟
.jpg)
وسط المحتجين ضد العنصرية في أميركا الذين نزلوا لأسابيع إلى الشوارع عقب مقتل المواطن من أصول إفريقية جورج فلويد، على يد أحد عناصر الشرطة، ظهر أشخاص ببشرة سمراء يحملون علم المغرب.
عاد الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي للبحث، من جديد، في أصول هذه المجموعة التي كتبت عنها مجموعة من التقارير، وفي أصولها وعلاقتها بالمملكة، مع تجدد التساؤلات عن هوية مواطنين أميركيين يلتحفون العلم المغربي في احتجاجات أميركا.
يتعلق الأمر بـ"طائفة الموريش" المعروفة أيضا بـ"مغاربة أميركا"، يقدر عددهم في الولايات المتحدة بأكثر من 60 ألفا، ويعتبرون أن المغرب موطنهم الأصلي، الذي عاش فيه أجدادهم ويعتزون به.
لكن في حين لم يقطع المغرب الأواصر مع مواطنيه اليهود، الذين يعتبرهم سفراء له في إسرائيل وباقي الدول التي هاجروا إليها، يدافعون عن مصالحه، ويحافظون على علاقاته المغربية - الإسرائيلية غير الرسمية، ويحجون إلى المغرب بشكل سنوي في مواسم سنوية.
لم يسمع المغاربة عن "الموريش" إلا في مناسبات نادرة منها ظهورهم في احتجاجات أميركا، لا يتحدث المغرب عن هذه الطائفة بشكل رسمي، فلماذا لا يتخذ منها بعثة دبلوماسية تدافع عن مصالحه وثقافته في بلاد العم سام؟.
أصل الموريش
تزعم طائفة الموريش بأن أصل معظم الأميركيين السمر هو شمال إفريقيا، وتحديدا "الإمبراطورية المغربية" التي تشمل دولة المغرب حاليا وصولا إلى نهر السنغال وأجزاء من النيجر ومالي وتشاد، حيث تم بيعهم عبيدا لتجار الرق الأوروبيين، الذين ساقوهم عبر البحر إلى العالم الجديد.
الموريش يعتقدون أن أميركا كانت أرضا تابعة للمغرب قبل أن يصلها كريستوفر كولومبوس عام 1492، وأنهم هم من استوطنوها ونشروا فيها الإسلام وبنوا بها المساجد، حتى جاء الأوروبيون بعد عقدهم صفقة مع سلطان المغرب باستئجار أراضي الولايات المتحدة وفقا لعقد محدد لمدة 50 سنة من أجل استغلالها فلاحيا، لكنهم نقضوا العقد بعد انقضاء المدة ليحتلوا أراضيها كاملة.
كثير من المؤرخين يشككون في هذه الرواية، أحدهم الباحث المغربي في التاريخ المعاصر، أسامة الزكاري، الذي قال في تصريحات لـ"الجزيرة": إن "ادعاء الموريش وصولهم إلى أميركا قبل الرحالة كريستوفر كولومبوس مشوب ببعض التناقضات".
مضيفا: "لأنهم يربطون في أدبياتهم بين وصولهم للعالم الجديد بالحملة التي قام بها السلطان المغربي السعدي أحمد المنصور الذهبي إلى بلاد السودان الغربي (أجزاء من تشاد ومالي والنيجر) سنة 1571، والتي جعلت هذه المنطقة تصبح إلى حد كبير جزءا من الإمبراطورية المغربية".
الزكاري شدد على أن "ربط الموريش بين هذه الحملة وتدفقهم إلى الأراضي الأميركية، يعني حتما أن وصولهم إلى القارة الأميركية جاء في مرحلة تاريخية لاحقة لوصول كولومبوس".
واجب مقدس
يعتبر الموريش تعليق العلم المغربي في معابدهم - التي يبلغ عددها في الولايات المتحدة نحو 90 معبدا - واجبا ومقدسا.
يدخل الموريش الأكسسورات التقليدية في كل لباسهم، إذ يضع رجالهم على رؤوسهم طربوشا شبيها بالطربوش"الفاسي" نسبة لمدينة فاس، ولنسائهم حجابا يشبه العمامة غالبا ما يكون لونه أحمر، تتوسطه قطعة من الحلي.
تقوم مبادئ ديانة الموريش على 5 أركان هي: الحب والحقيقة والسلام والحرية والعدالة، ويؤمنون بالأنبياء والرسل السابقين، لكنهم يقدسون "نبيهم" نوبل درو علي.
أما كتابهم المزعوم، ويدعى "قرآن مجموعة الموريش" أو "قرآن الدائرة 7″، فيتضمن آيات من القرآن وعظات من الإنجيل، ويتكون من فاتحة و28 فصلا، الفصل الأول هو خلق وسقوط الإنسان، والفصل الأخير عن نهاية الزمان وتحقيق النبوءات. كما يدعون امتلاك "آيات سرية" من القرآن.
تاريخ صدامي
منذ نشأتها سنة 1913، عاشت الطائفة الموريشية صدامات مع السلطات الأميركية، وزادت بعد الهجوم على معبدهم ووقوع ضحايا في صفوفهم.
في عام 1929، استدعت الحكومة نبيهم "درو" لاستجوابه، وتعرض للتعذيب من طرف شرطة شيكاغو قبل الإفراج عنه، وتوفي مباشرة بعد الحادث يوم 20 يوليو/تموز 1929.
وفي العشرية الثالثة من القرن العشرين سُجّلت قانونا كمؤسسة دينية في ولاية إلينوي الأميركية، لكن لاحق مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، أتباع درو واتهمهم عام 1940 بتأييد اليابانيين في الحرب، دون أن يتمكن من إدانتهم حتى أواسط الخمسينيات.
تواصل الموريشيون مع الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1990، عبر رسالة تتضمن "التعاليم الموريشية" تسلمها آنذاك وزير الدولة مولاي حفيظ العلوي.
وفي 2013 شهدت إحدى المحاكم الأميركية قضية غريبة عندما وقف المنتمي إلى طائفة الموريش، باتلر لامونت، أمام القاضي بعد أن استولى على قصر "بيثيسدا" غير المأهول في واشنطن، البالغة قيمته 7 ملايين دولار، مدعيا ملكيته.
لإثبات ملكية القصر قدم لامونت للقاضي معاهدة سلام وصداقة قديمة بين المغرب والولايات المتحدة ترجع إلى سنة 1787، إضافة إلى معاهدة فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963.
برر الموريشي ادعاءاته بأن جزءا كبيرا من أميركا تابع للإمبراطورية المغربية، وأن أسلافه كانوا هنا قبل تشكيل الولايات المتحدة، وعليه فإن الموريش هم الورثة الشرعيون لتلك الأراضي بما فيها من عقارات. وبعد تشبث لامونت بمغربية أميركا، أمر القاضي باحتجازه في السجن وعرضه على طبيب نفسي.
معظم الموريش لا يحملون الجنسية المغربية الرسمية، لكن بعضهم يزور المغرب بشكل منتظم، والبعض الآخر قرر مغادرة الولايات المتحدة الأميركية للاستقرار بشكل دائم في المغرب.
مغاربة إسرائيل
في عهده، رحب الملك السابق الحسن الثاني بالمغاربة اليهود في إسرائيل، وأكد لهم أن الجنسية المغربية لا تسقط عنهم وأن يمكنهم العودة إلى بلدهم متى ما رغبوا بذلك. وقال الملك الراحل: "حين يرحل يهودي من المغرب، فإن البلد يخسر مواطنا، لكنه في المقابل يكسب سفيرا".
700 ألف هو عدد المغاربة اليهود في إسرائيل، غادروا إليها مهاجرين أو مهجّرين ليعيشوا مواطنين من الدرجة الثانية إلى أن قاموا بثورة داخلها، فتقلدوا أعلى المناصب في الحكومة والجيش، وهم الآن يحكمون داخلها.
أصبح المغاربة اليهود الآن طبقة سياسية، لها كلمتها ووزنها وهذا ليس وليد البارحة، بل مر الأمر بمراحل عديدة بداية من 1980، وتقلد العديد منهم مراكز القرار في إسرائيل، إذ التحق بعضهم بوزارة الدفاع وقوات الجيش ووزراء في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
ولو كان "حزب العمل" قد وصل إلى السلطة في الانتخابات الإسرائيلية كان أعلى منصب في الدولة، وهو رئيس الوزراء سيكون ذا جذور مغربية.
فيما تقلد غادي أيزنكوت منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إلى غاية يناير/ كانون الثاني 2019، وهو مولود لعائلة مغربية يهودية في طبريا وكبر في إيلات، وشغل المنصب بدءا من فبراير/ شباط 2015 خلفا لبيني غانتز، ليكون أول رئيس أركان مغربي في تاريخ إسرائيل.
هروب من العبودية
كان المغاربة أصحاب سفن عابرة للمحيطات، بحسب أستاذ التاريخ، عبد الوهاب الدبيش، الذي أوضح أن الموريش هاجروا إلى أميركا، والدليل على ذلك أنهم يؤكدون على أن المغاربة وصلوا لأميركا في زمن اعتراف المغرب بالولايات المتحدة الأميركية كدولة مستقلة.
واستنادا إلى رواية الموريش، قال الدبيش لـ"الاستقلال": إن وصولهم إلى هناك تزامن مع تجريم العبودية في الولايات المتحدة، إذا أصبحوا أحرارا يشتغلون في إطار تنظيمي معين، ولم ينتبهوا لوضعيتهم إلى حدود بداية القرن العشرين (ما بين 1910-1920)، ثم وجدوا أرشيفا خاصا بهم يقول: إن أصلهم من المغرب، فأخذوا علم المغرب وأصبح يشكل هويتهم الأساسية.
ربط الدبيش بين اسم مؤسس الموريش (درو) الذي يحيل إلى مصطلح زنجي، موضحا أن كل سكان الواحات كانوا ملونين، يعني من أصول إفريقية، وبالتالي فإن لونهم يوحي إلى الطائفة سمراء البشرة بالمغرب.
ومن الناحية الأنثروبولوجية، يمكن القول: إن هذه المجموعة غادرت المغرب، وهاجروا إلى أميركا هربا من الاستعمار الذي كان يتعرض له المغاربة في القرن 15 لأنهم يقولون بأنهم وصلوا هناك قبل وصول كريستوفر كولومبوس، هربا من هجوم الأوربيين على الشواطىء المغربية.
في ذلك الوقت كان العبيد أحد مصادر الربح للأوروبيين، يقول المؤرخ: "قد يكونون هربوا فعلا من العبودية التي فرضتها عليهم دول البرتغال وإسبانيا والبرازيل، إلى العبودية في الولايات المتحدة واستقروا فيها".
ورغم أن العبودية لم ترحل عن أميركا إلا بعد استقلالها مع جورج واشنطن، لكن أبراهام لينكون هو من كان محرر العبيد.
حاجز العنصرية
جوابا على تساؤل "لماذا لا يجعل المغرب من الموريش سفراء له يدافعون عن قضاياه"، قال المؤرخ المغربي: "إن لم يستطع المغاربة إيصال أصواتهم وقضاياهم العادلة إلى العالم، فلا يستحقون هذه القضايا وهم ليسوا أهلا لها حتى يطالبوا بها من الأساس".
واستدرك: "نحن لا نستجدي أحدا في قضية الوحدة الترابية المغربية، هذه قضية الشعب المغربي من الدرجة الأولى، والمغاربة في صحرائهم، ولا أحد يمكن أن يطردهم منها، ومن يهجم عليهم سيلقى رده الملائم".
من جهة أخرى، لفت الدبيش إلى أن "بعض العقول المغربية لا زالت ترفض تعدد الثقافات"، مضيفا أن "المغرب لا تزال فيه القليل من العنصرية".
عاد المؤرخ ليشدد على أن "الموريش طائفة مهمة في الولايات المتحدة الأميركية، رغم قلة عددهم، لكن كلمتهم مسموعة لدى السلطات الأميركية، وهم طائفة مهمة في المراكز التي هم فيها، لأنهم أقلية ولهم تنظيم خاص بهم".
وختم بالقول: "لا أظن أن المسؤولين المغاربة سيغيب عنهم الاهتمام بمثل هذا الملف، وقد يتواصل السفراء مع الطائفة".