هل تمتلك أسهما في شركة تتربح من الدولة؟.. سؤال قد يفخخ حكومة تونس

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ما حقيقة امتلاكك أسهما في إحدى الشركات المتعاملة مباشرة مع الدولة في قطاع البيئة؟، سؤال وجهه الإعلامي بوبكر عكاشة لرئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ مساء 14 يونيو/ حزيران 2020.

رد الفخفاخ الموجز على سؤال عكاشة بتأكيده الأمر ونفي شبهة تضارب المصالح، تحول إلى أحد أهم القضايا التي شغلت الرأي العام التونسي.

هذا السؤال وإجابة رئيس الحكومة فتحت الباب على مصراعيه أمام الصحفيين والناشطين السياسيين وأعضاء بمجلس نواب الشعب (البرلمان) للتدقيق في المسألة، وتوجيه عدد منهم الاتهام لرئيس الحكومة بارتكاب تجاوز قانوني قد يعرضه للمساءلة السياسية في البرلمان والقضائية كذلك.

تحولت القضية إلى نقاش قانوني مفتوح، لعبت فيه مؤسسات الدولة دورا بارزا في مقدمتها هيئة مكافحة الفساد، ووزير الدولة للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري ومكافحة الفساد محمد عبو.

كما تتالت التصريحات من الأحزاب السياسية المكونة للحكومة في تناولها للموضوع، ما جعل عددا من المتابعين يرون أن هذه القضية لن تمر بسهولة، وسيكون لها تأثير كبير على استقرار الحكومة التي رفعت منذ تأسيسها شعار محاربة الفساد. 

أصل الحكاية

لم يتأخر النائب عن "حركة أمل وعمل" ياسين العياري، طويلا بعد الحوار الذي بثته قناة التاسعة التونسية وإذاعة موزاييك، لينشر على صفحته الرسمية على فيسبوك، أن "رئيس الحكومة الحالي إلياس الفخفاخ وعند مغادرته الحكومة سنة 2014، كان يشغل منصب وزير المالية، أسندت له حينها شركة فرنسية توكيلا بهدف توفير صفقات لها مع الدولة التونسية".

وأوضح العياري أنه، إثر ذلك، "تم إحداث مجمع يضم هذه الشركة الفرنسية وشركة أخرى وأيضا شركة لإلياس الفخفاخ أسهم فيها، وذلك لنفس الغاية أي الحصول على صفقات مع الدولة".

وفق العياري، فإنه في عام 2017، تم الترفيع في رأس المال وصار للفخفاخ حينها ثلثي الشركة التي يملك فيها أسهما، مؤكدا أن "لهذا المجمع مشروعا وحيدا وهو الخاص بالنفايات مع الدولة التونسية، وتقدر قيمته بحوالي 23 مليار دينار (8 مليارات دولار)، ومن اللافت أن هناك حريفا (عميلا) واحدا وهو الدولة.

القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، الذي صادق عليه البرلمان عام 2018، يهدف إلى دعم الشفافية وترسيخ مبادىء النزاهة والحياد والمساءلة ومكافحة الإثراء غير المشروع وحماية المال العام.

ويضبط هذا القانون شروط وإجراءات التصريح بالمكاسب والمصالح، كما يضبط كيفية التوقي من حالات تضارب المصالح ويحدد آليات مكافحة الإثراء غير المشروع.

القانون يمنع المسؤولين الحكوميين من وزراء وكتاب دولة ورئيس حكومة، من امتلاك أسهم أو حصص شركات أو إدارة شركات خاصة يمتلكون رأسمالها كليا أو جزئيا، وتكليف الغير بالتصرف فيها في أجل أقصاه شهران من تاريخ تعيينهم أو انتخابهم بحسب الحال وإلى غاية زوال الموجب.

ويتعين على المسؤولين بعد انتهاء مهامهم لأي سبب كان ولمدة 5 سنوات من ذلك التاريخ، توجيه إعلام للهيئة قبل مساهمتهم في استثمارات في مجالات كانت تحت إشرافهم المباشر أو تقديمهم استشارات لشركات تعمل في مجالات كانت تحت إشرافهم المباشر.

كما يحجر عليهم أثناء ممارسة مهامهم التعاقد بغاية التجارة مع الدولة أو الجماعات المحلية، أو المؤسسات والمنشآت العمومية. 

أسهم الفخفاخ

في 19 يونيو/حزيران 2020، وخلال مداخلة مع إذاعة راديو "موزاييك أف أم"، أكد  العياشي الهمامي، الوزير المكلف بحقوق الإنسان والهيئات الدستورية والمجتمع المدني، أن "الفخفاخ هو عضو مجلس إدارة ووكيل ومالك أسهم بمجمع الشركات"، وأنه انطلق رسميا اليوم في إجراءات التخلي عن أسهمه في المجمع.

العياشي قال: إن رئيس الحكومة صرح بمكاسبه كباقي أعضاء الحكومة قبل الانطلاق في تولي مهام منصبه، وتخلى عن مهام التسيير بالمجمع منذ فترة، بينما بقي الخلاف حول أسهمه في المجمع المحددة بـ22%، وكلف اليوم من يتولى إجراءات الإحالة أو التنازل عنها.

هذا التصريح لم يوقف مسار الاستقصاء حول حقيقة الشركة التي يمتلك رئيس الحكومة جزءا من أسهمها، حيث نشرت وثائق تكشف ما سمي تضارب المصالح.

الشركة التي يساهم فيها رئيس الحكومة وكان أحد مدرائها التنفيذيين تسمى "فاليس"، تم إنشاؤها من قبل اتحاد شركات "سربول، فيفان، الأمان"، ونشرت شركة سربول في 13 أبريل/نيسان 2018، على موقعها بيانا بأن الشركة "فوضت" إلياس الفخفاخ وعلي ماهر العروي بالإدارة.

تم منح "فاليس" قطعتي أرض من قبل وكالة إدارة النفايات الوطنية (حكومية) في 17 أبريل/نيسان 2020، من أجل تشغيل مكبات النفايات بمدن نابل وزغوان وبنزرت، بقيمة إجمالية بلغت 44 مليون دينار (15 مليون دولار).

وأثبتت الوثائق أن العقود مُنحت بالكامل في 17 أبريل/نيسان 2020، وهو التاريخ الذي كان فيه الفخفاخ رئيسا للحكومة، وخلال الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا.

تضارب مصالح

رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، قال في 19 يونيو/حزيران 2020: إن الفخفاخ في حالة تضارب مصالح باعتبار أن لديه أسهما في شركة تعاقدت مع الدولة.

وأفاد الطبيب إلى أن الهيئة وجهت يوم 18 يونيو/حزيران 2020، تنبيها لرئيس الحكومة لتسوية وضعيته إنهاء حالة تضارب المصالح، مشيرا إلى أن الفخفاخ مطالب بالتقيد بالقانون في أجل لا يتجاوز شهرا من تاريخ تلقيه التنبيه.

هذا الملف، ليس الأول الذي تتهم فيه حكومة الفخفاخ التي لم يمض على توليها زمام الأمور 100 يوم، حيث سبق وأن وجهت اتهامات لوزير الصناعة صالح بن يوسف على خلفية ما بات يعرف قضية "الكمامات الطبية ".

هذا الملف الأكبر من حيث الحجم، والذي يتهم فيه رئيس الحكومة بدأت تظهر تأثيراته على التحالف الحكومي المكون لها.

إذ أعاد التذكير باعتراض عدد من الأحزاب والكتل النيابية على فصل وزارة البيئة عن وزارة الشؤون المحلية، ومنح حقيبتها للوزير الحالي شكري بن حسن القيادي في حركة "تحيا تونس"، التي يرأسها رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد.

ابن حسن تقلد منذ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، منصب مستشار بحكومة الشاهد مكلف بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وقبلها كان قد تولى في حكومة الشاهد أيضا، منصب كاتب دولة مكلف بالشؤون المحلية والبيئة منذ 27 أغسطس /آب 2016.

حينها اعتبر رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان نور الدين البحيري، أن الفصل بين الوزارتين وراءه لوبيات فساد وتضارب مصالح لمسؤولين في الدولة، دون ذكر تفاصيل.

وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد ورئيس حزب التيار الديمقراطي محمد عبو، تصدى للدفاع عن رئيس الحكومة في أكثر من وسيلة إعلام.

عبو قال في تصريح صحفي: إن الفخفاخ تخلى عن أملاكه لشخص آخر للتصرف فيها (لم يصرح باسمه)، واتخذ هذا القرار لغلق الملف نهائيا، مشيرا إلى أن الفخفاخ كلفه بالإعلان عن بيع الأسهم وتوضيح المسألة للرأي العام.

وأعرب عبو عن الاستعداد لفتح تحقيق في الموضوع في حال وجود شبهة فساد، معتبرا أن "تضارب المصالح في حد ذاته لا يعتبر فسادا رغم أنه يمكن أن يكون كذلك"، مؤكدا رغبة رئيس الحكومة وأعضائها في كسب المصداقية من خلال احترام القانون وتطبيقه.

سقوط الحكومة

من جهته، لم يستبعد النائب عن "حركة الشعب" بدر الدين قمودي انسحاب الحركة من الحكومة في صورة ثبوت شبهة تضارب المصالح والفساد لدى رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ.

النائب أكد في مداخلة بإذاعة "راديو ماد" أنه يجب ألا تشوب وجودهم في السلطة شائبة وعلى وجوب عدم المساس بثوابت الحركة، مشددا أنه يتعين على الفخفاخ في الحد الأدنى الاعتذار وإلغاء الصفقة.

المحلل السياسي التونسي سليم الحكيمي اعتبر أن ما حصل في ملف تضارب المصالح لدى رئيس الحكومة، أظهر أنياب الديمقراطية في تونس وآلية المحاسبة فيها والتي لا يمكن أن تحد منها لا سلطة رئيس الجمهورية ولا سلطة رئيس الحكومة.

وأضاف الحكيمي في حديث لـ"الاستقلال": "هذا الملف أضعف رئيس الحكومة، خاصة في ظل الخلافات التي برزت في جلسة البرلمان بين الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم، وهو ما قد يفرض عليه القبول بمقترح حركة النهضة بتوسيع الحزام السياسي للحكومة، ولكن أستبعد إمكانية سقوط الحكومة الحالية".

أما فيما يتعلق بتهديد "حركة الشعب" بالانسحاب من الحكومة على خلفية ملف الفخفاخ فأكد المحلل السياسي أن "هدف هذا الحزب ليس مكافحة الفساد أو نجاح الحكومة من عدمه، لكن فقط الإطاحة بالإسلاميين وتحجيم دورهم في الحكومة وهو ما سعت إليه منذ الانتخابات، كما أن وزراءها ليس لهم أداء ملفت داخل الحكومة وبقاؤهم أو خروجهم من الحكومة  لن يؤثر في شيء على تركيبتها ولا على أدائها ".