برلماني تركي لـ"الاستقلال": أنقرة أكبر عائق أمام إسرائيل في المنطقة
تطورات خطيرة حدثت في الأيام الأخيرة على صعيد القضية الفلسطينية. قرارات إسرائيل بشأن ضم الضفة الغربية، وتلويح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإنهاء كافة الاتفاقيات مع إسرائيل.. وغيرها العديد من التطورات غير المسبوقة.
ما موقف تركيا من هذه التطورات؟ هل تخلت تركيا عن القضية الفلسطينية؟ هل حقا ستوقع تركيا اتفاقا مع إسرائيل حول ترسيم الحدود في البحر المتوسط؟ وهل ثمة تبدل في الموقف التركي من "صفقة القرن"؟
حول هذه النقاط، كان حوارنا مع حسن طوران النائب في البرلمان التركي ورئيس لجنة الصداقة التركية - الفلسطينية.
خطة "الضم"
-
ما هو الموقف التركي تجاه نية إسرائيل ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل؟
تابعنا في الأيام الأخيرة موقف الدول والزعماء الواقعين تحت السيطرة الأميركية من إسرائيل والتقارب الحاصل بين هذه الدول من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى. بالنسبة لنا (تركيا) فالموقف من الكيان الصهيوني هو هو لم يتغير، ولا زلنا نطالب إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية ومشاريع السلام والخضوع لقرارات هيئة الأمم المتحدة في هذا الشأن.
أما ضم الضفة الغربية فلم نقبل به ولن نقبل بكل تأكيد. فالضفة الغربية كغيرها من الأراضي المحتلة، ملك للفلسطينيين. وقد لفتنا إلى هذه النقطة تحديدا في المحافل الدولية.
وصرح السيد وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، بأن ما ورد في نص اتفاق الحكومة الائتلافية المزمع تشكيلها في إسرائيل من "ضم الضفة الغربية" تصريح بالغ الخطورة، وأنه ليس إلا غصبا لحق الفلسطينيين في أرضهم وبلادهم.
كما صرح الناطق باسم الحكومة إبراهيم قالن، والناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جليك بتصريحات مشابهة.
-
هل من خطوات تركية على الصعيد الدولي أو الإقليمي لمواجهة هذه القرار؟
شخصيا أؤمن بأن هذه الخطوة التي أقدمت عليها إسرائيل ضاربة بالقوانين الدولية عرض الحائط، لن يقبل بها أي من أعضاء المجتمع الدولي ممن عنده ضمير حي وإيمان بالقيم والقضايا العادلة.
نحن بدورنا دعونا المجتمع الدولي إلى التحرك والحول دون اغتصاب إسرائيل أراضي الفلسطينيين، وسنتابع هذه المسألة على الصعيد الدولي في الاجتماعات الثنائية واجتماعات هيئة الأمم المتحدة. هذه نظرتنا نحن حكومة وشعبا، ونظرتي أنا شخصيا باعتباري رئيس لجنة الصداقة التركية - الفلسطينية في البرلمان.
-
هل هناك آلية تنسيق بين تركيا والفلسطينيين لمواجهة هذا القرار؟
نحن في تركيا لا نقبل بأية اتفاقية أو مشروع تقترحه أميركا أو إسرائيل دون أن تكون فلسطين جزءا من المشروع أو الحل. ولا شك أننا ماضون في وقوفنا إلى جانب إخواننا الفلسطينيين في مواجهة هذا القرار الإسرائيلي الغاشم.
وستبقى العلاقات بين الجمهورية التركية والسلطة الفلسطينية كما كانت في سابقها من تعاون وتحالف. فلم نكن لندع إخواننا الفلسطينيين وحدهم في مواجهة الاحتلال، وسنبقى على موقفنا هذا، ولو لم يبق غيرنا ينصر هذه القضية.
مستقبل العلاقات
-
ما مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية في ضوء هذه التطورات الأخيرة، وقد شهدنا في الأيام الأخيرة هبوط أول طائرة إسرائيلية في تركيا؟ ما دلالات ذلك، وهل تتجه تركيا إلى المزيد من تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟
في العلاقات الدولية، لا يوجد شيء اسمه صداقة دائمة أو عداء دائم. ثمة شيء ثابت وحيد هو القانون الدولي. الطائرة التي تحدثتم عنها ليست طائرة ركاب أو طائرة سياحية. هي طائرة استخدمت لشحن المساعدات التركية البالغة 24 طنا وهذه الطائرة نفسها نقلت المساعدات التركية إلى الولايات المتحدة للوقاية من فيروس كورونا. وقد صرح رئيس إدارة النقل بأنه لا يسمح لغير طائرات النقل بالهبوط والإقلاع.
نعم، غالبا لن تعود العلاقات التركية - الإسرائيلية إلى حالة طبيعية قبل تأسيس دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة. لكن العلاقات التجارية مستمرة ولو في حدها الأدنى بسبب الاتقافيات الموقعة بين البلدين.
-
هل تؤثر التوازنات التركية في البحر الأبيض المتوسط على الفلسطينيين، في انتشار أحاديث وأقاويل في وسائل الإعلام عن نية عقد اتفاق ترسيم حدود بحرية بين إسرائيل وتركيا؟
بعض المحللين قالوا إن تركيا وإسرائيل في سبيل توقيع اتفاقية "منطقة بحرية مشتركة" وبعض وسائل الإعلام نشرت ذلك. وهو غير صحيح. تركيا لها حليف واحد في المسألة الليبية هو حكومة الوفاق الوطني الشرعية. وإسرائيل بدورها كذبت الادعاءات بشأن اتفاقية مرتقبة بين تركيا وإسرائيل.
فإسرائيل تدرك جيدا أن أكبر عائق وحائل بينها وبين التوسع وبسط نفوذها في المنطقة هو تركيا. ولا أعتقد أن هناك نقطة تتقاطع فيها مصالح تركيا وإسرائيل. هذا ولم يمض زمن طويل على محاولة إسرائيل عقد اتفاقيات مع اليونان والقسم اليوناني من قبرص، تلك المحاولات التي لم تر النور بفضل ثبات تركيا في موقفها.
بالنسبة لنا نحن فقد وقعنا الاتفاقية البرية البحرية مع ليبيا ونفذناها، وقدمنا الاتفاقية إلى هيئة الأمم المتحدة وطبقنا مقتضيات القانون الدولي. وبالمناسبة فالسياسة التركية في البحر المتوسط لها منحى مهم وهو فلسطين. فنحن نهتم بالتطورات على الساحة الفلسطينية وتأثير سياساتنا في فلسطين ونحرص بدقة شديدة على منع أي إجراء يضر بإخواننا في فلسطين.
"لطخة القرن"
-
هل هناك تغير في الموقف التركي تجاه صفقة القرن؟
لا، موقفنا لم يتغير من "اتفاقية التقسيم والإبادة" التي تسمى صفقة القرن. ولا يمكن لدولة أخرى مهما كانت أن تحدد موقف تركيا. فتركيا دولة مستقلة ذات تاريخ وحضارة عريقة، ومسؤوليتنا التاريخية والإنسانية والإسلامية تحتم علينا أن نقف مع القضايا العادلة في كل زمان ومكان.
وتركيا منذ احتلال فلسطين عام 1917 كانت المدافع الأول عن القضية الفلسطينية. وكل أفراد الشعب التركي لا يلفت انتباههم شيء كالقدس والمسجد الأقصى، فإذا ذكرتهما رأيتهم متطلعين.
كما أن الجميع يعلم الأهمية الكبيرة التي يوليها رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لقضية فلسطين، ويعلمون أيضا مشاعره الحميمة تجاه القدس والمسجد الأقصى. وطالما كان ثابتا في موقفه من قضية فلسطين دون تراجع أو تنازل.
ومن آخر مواقفه، خطابه التاريخي في الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ عرض على المنصة خريطة الاحتلال وتوسعه، لافتا انتباه المجتمع الدولي إلى توسع الاحتلال الإسرائيلي دون توقف.
وقبل ذلك لما أعلن ترامب مع نتنياهو من البيت الأبيض أن عاصمة إسرائيل هي القدس، قدم اعتراضا مكتوبا إلى هيئة الأمم المتحدة مسجلا بذلك أن الاحتلال لا يمكن أن يقبل بحال.
ونحن الشعب التركي ندرك أهمية القضية الفلسطينية والمسؤولية التي تقع على عاتقنا تجاه إخواننا في فلسطين، لاسيما مع الروابط التاريخية والثقافية الضاربة بجذورها في أعماق الماضي.
-
لماذا تصر تركيا على موقفها هذا رغم أنه يمكن أن يؤثر سلبا على علاقاتها مع المجتمع الدولي، لا سيما علاقاتها مع أميركا؟
تركيا تدرك تماما أنه لا يمكن أن يتحقق السلام في الشرق الأوسط والعالم قبل خروج الاحتلال الإسرائيلي من فلسطين وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
أما الإجراءات الأحادية التي تتحذها أميركا وإسرائيل متجاهلة القوانين والأعراف الدولية، فلن تحق باطلا أو تبطل حقا، ولن تنجح في قتل روح المقاومة في الشعب الفلسطيني في القدس، وغزة، ونابلس وسائر المدن الفلسطينية.
صفقة القرن هذه التي قدمت للعالم بألوان وردية هي في الحقيقة حلقة جديدة من مسلسل الظلم والاحتلال الذي يقاسيه الفلسطينيون منذ سنوات كثيرة. وهذه الصفقة أحرى بها أن تسمى "لطخة القرن" لا "صفقة القرن". ولا شك في أنها ستزيد من عمق الأزمة في المنطقة.
وفي الوقت نفسه نرى أن كل الحلول الغربية، بريطانيا أمس، وأميركا اليوم، تتضمن إجلاء الشعب الفلسطيني أو إبادته. وهذه الصفقة التي تزينها أميركا للعالم وتبهرجها هي في الحقيقة "خيانة القرن".