تحرشات ومؤامرات.. هكذا تحاول الإمارات السيطرة على قرار عُمان

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"ينظر العمانيون بقلق شديد إلى طموحات الإمارات، في المنطقة، حيث أن حضورها المتزايد في جميع أنحاء المنطقة يزيد من إحساس العمانيين بالحصار، فقد توغلت القوات العسكرية الإماراتية في اليمن بالفعل، وخصوصا في محافظة المهرة التي تحد عمان، وعلى امتداد الموانئ الجنوبية مثل المخا، وعدن، والمكلا وسقطرى".

هذه الأطروحة للباحثة في شؤون الخليج ومنسقة برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية كاميل لونس، شكلت مكمن العلاقات العمانية الإماراتية، التي تتميز بالقلق المستمر، والريبة بين الجارتين الخليجيتين.

وتشترك دولة الإمارات العربية المتحدة مع سلطنة عُمان حدوديا من الجهة الجنوبية الشرقية، والجهة الشمالية الشرقية، ويبلغ طول الحدود بينهما 450 كيلومترا.

وللإمارات التي تتمدد إقليميا بعد ثورات الربيع العربي أطماع غير مخفية في عمان، وتاريخ من التحرشات والمؤامرات، وهو ما جعل مسقط متحفزة لأي نشاط إماراتي. 

ومؤخرا، دعمت أبوظبي كتابا مسيئا لعمان، ضمن سياسة هجومية معتمدة على دبلوماسية السلطنة، المخالفة للقوة الإقليمية المشكلة تحت قيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، ليعيد الهجوم التساؤلات عن مدى محاولات الإمارات الرامية إلى الهيمنة وتقويض جارتها الجنوبية. 

الكتاب المسيء 

في 10 يونيو/ حزيران 2020، أعلن الكاتب السعودي خالد الزعتر، الموالي للإمارات، أنه انتهى من تأليف كتاب بعنوان "سلطنة عمان ما بين الانعزالية المتطرفة والحيادية المتطرفة". وأضاف عبر حسابه بموقع تويتر: أن "الكتاب سيرى النور قريبا". 

والزعتر معروف بولائه الكامل لابن زايد، ويكتب بشكل منتظم في الموقع الإماراتي الرسمي "العين الإخبارية"، وله العديد من المؤلفات الداعمة للتوجه السعودي الإماراتي في المنطقة، أبرزها: "التنظيم القطري والتراكمات التاريخية.. عقدة المساحة والبحث عن الزعامة"، و"إيران الخميني شرطي الغرب"، و"الدويلات العربية ودولة إسرائيل الكبرى". 

ويطعن كتابه الأخير بسياسة الحياد وتحركات القيادة العمانية على المستوى الخليجي والدولي، وهو ما جعل ناشطين عمانيين لشن حملة تغريدات عبر موقع "تويتر" ينالون فيها من الإمارات والزعتر. 

وتساءل بعض المغردين "لماذا تتبنى دولة الإمارات مشروع الإساءة ومعاداة الدول العربية دون استثناء، وهل هناك من سبب يدفعها لذلك!؟". 

وسبق أن نشر خالد الزعتر المدعوم تحليلا في موقع "العين الإخبارية"، وأعاد نشره "مركز الإمارات للدراسات"، يقول فيه: إن الخلل الرئيسي الذي يقود إلى تعطيل عمل المنظومة الخليجية هي ما أسماها "السياسات الشاذة التي ينتهجها النظام القطري، والسياسات الحيادية التي تنتهجها عُمان تجاه إيران والتي تنتهجها الكويت تجاه قطر". 

والزعتر ما هو إلا أحد الأسلحة والأذرع التي تستخدمها الإمارات في الهجوم، ومحاصرة سلطنة عمان، وتهديد استقرارها على طول المدى، وهناك أساليب أشد ضراوة وأكثر عدائية. 

أسلحة الإمارات 

نشرت مجلة "إنتليجنس أونلاين" الاستخباراتية الفرنسية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أن شركة "فيرينت" الإسرائيلية أصبحت الشريك الرئيسي للإمارات العربية المتحدة في مجال أنظمة الاعتراضات (اعتراض البيانات المرسلة عبر الإنترنت).

وأشارت "إنتليجنس أونلاين" إلى أن موقف الإمارات المنافس تجاه جيرانها، ومنهم "سلطنة عمان"، جعلت المسؤولين المشرفين على العقد، يطلبون من "فيرينت" عدم توظيف مهندسين أو فنيين من الدول العربية، وفضلوا توظيف أشخاص من أميركا الشمالية وأوروبا بدلا من ذلك.

وفي فبراير/ شباط 2019، أكدت وكالة "رويترز" "أن فريقا من ضباط المخابرات الأميركية السابقين، اخترق هواتف ذكية وكمبيوترات خاصة بناشطين ودبلوماسيين وزعماء أجانب من خصوم الإمارات وأفراد تحوم حولهم شبهات الإرهاب".

وبحسب تقرير رويترز، ذكر عدد من الضباط السابقين أن "أداة التجسس المتطورة وتسمى (كارما) أتاحت اختراق أجهزة آيفون وحواسيب في عمليات نفذت لحساب الإمارات العربية المتحدة"، وهو ما ورد كذلك في وثائق برمجية اطلعت عليها وكالة الأنباء الدولية ونشرت حولها التحقيق.

وذكرت الوكالة البريطانية أنه في عام 2017، على سبيل المثال، استخدم الضباط السابقون "كارما" لاختراق هاتف آيفون يستخدمه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأجهزة مساعديه وشقيقه، وكذلك أجهزة يستخدمها محمد شيمشك النائب السابق لرئيس الوزراء في تركيا، ويوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان. 

يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان

خلايا سرطانية

استهداف المسؤولين العمانيين، من قبل الإمارات، لم يقف عند كبار رجال الدولة، بل وصل إلى السلطان الراحل قابوس بن سعيد نفسه.

ففي العام 2011، تجسست أبوظبي على سلطنة عمان، واكتشفت الأجهزة الأمنية في مسقط، خلية تجسس تتبع الإمارات اخترقت مواقع عليا في الدولة بهدف إسقاط السلطان قابوس، والعمل على تنصيب شخص يوالي أبوظبي في الحكم.

وأعلنت الحكومة العُمانية حينها تفكيك شبكة التجسس التي تتبع جهاز أمن الدولة الإماراتي، مشيرة إلى أنها كانت تستهدف نظام الحكم في البلاد، وآلية العمل الحكومي والعسكري في السلطنة.

وقتها تدخل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، لاحتواء الأزمة التي كادت تعصف بمجلس التعاون الخليجي، عبر اصطحاب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى السلطنة وتقديمه اعتذارا مباشرا للسلطان قابوس، وفق تقارير غير مؤكدة.

وفي 11 مارس/ آذار 2019، أعلنت السلطات العمانية عن محاكمة خلية تجسس جديدة أمام قضاء البلاد، حيث نظرت محكمة الجنايات بمسقط، في القضية الأمنية التي تورط فيها 5 أشخاص من دولة الإمارات بينهم ضباط، بالإضافة إلى متهمين عمانيين مدنيين.

السلطان الراحل قابوس بن سعيد

أطماع مسندم 

أطماع الإمارات في عمان، تتعلق بمجموعة من العوامل، أبرزها نظرة أبوظبي لسيطرة السلطنة على مضيق هرمز عبر شبه جزيرة مسندم المحاطة من كل الجهات من دولة الإمارات.

وتمتلك الإمارات أطروحات سياسية واقتصادية فيما يخص الدور العُماني تتراوح بين التأثير عليه من الداخل وعبر الضغط عليه، وصولا للتحرك نحو الهيمنة الفعلية على منطقة مسندم والذي قاومته عُمان بسن قانون لمنع تملك غير العمانيين لأراض بمناطقها الحدودية، عام 2018، بعد عمليات شراء قام بها إماراتيون.

ومسندم، هي إحدى محافظات سلطنة عمان، وتقع على شبه جزيرة مسندم، المطلة على مضيق هرمز، الذي يعد المدخل الضيق على الخليج العربي، من شبه الجزيرة العربية.  

بفضل موقع محافظة مسندم الإستراتيجي، تتمتع عُمان بسيطرة جزئية، مع إيران، على مضيق هرمز.

والمضيق ليس بأكمله صالحا للملاحة البحرية فالجزء الصالح للملاحة يقع ضمن المياه الإقليمية للسلطنة والإمارات، وهذه الميزة جعلت أهل المنطقة يتحملون مسؤولية كبيرة تجاه تنظيم الملاحة في هذا المضيق منذ أقدم العصور.

وقد ازدادت الأهمية الإستراتيجية لهذا المضيق في التاريخ المعاصر بعد أن صار معبرا لـ90% من بترول الخليج العربي إلى بلدان العالم.

ولذلك فـ "مسندم" تمثل أقدم المشكلات بين عُمان والإمارات التي بدأت منذ انتهاء الحماية البريطانية في سبعينيات القرن الماضي، وما تزال الإمارات بعد تقسيم الإقليم العماني وتأسيس الدولة تنظر إلى محافظة مسندم باعتبارها إمارة محتلة من قبل مسقط.

وفي العام 2015، أكدت مسقط أن الإمارات تقوم بعمليات شراء غير مسبوقة لأراضي وولاءات قبلية شمالي السلطنة على الحدود معها.

سياسة الحياد

شكلت العقيدة الدبلوماسية لسلطنة عمان منذ تأسيسها، في لعب دور الوساطة على مستويات عدة بين الدول المتناحرة في إقليمها، كما عرفت السياسة العمانية بالحياد المستمر، وعدم الانزلاق نحو خوض صراعات مع دول الجوار. 

وهو ما حدث عندما أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين في يونيو/ حزيران 2017 قطع العلاقات مع قطر وفرض الحصار عليها.

ولكن عمان كانت على النقيض من ذلك، وحافظت بقوة على علاقتها بالدوحة، ولم تتخذ موقفا معلنا تجاه الأزمة القطرية، بل قدمت المساعدات الاقتصادية والسياسية للقطريين، وربحت من خلال ذلك على جميع المستويات، ولكنها خسرت التضامن السعودي الإماراتي، وأصبحت في موضع الريبة لكلا الإدارتين. 

خاصة وأن لعمان سابقة أخطر، بعدم مشاركتها في العملية العسكرية "عاصفة الحزم"، التي شنتها دول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، على اليمن في 2015.

وكان وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، قد صرح في جلسة سابقة في الأمم المتحدة، أن بلاده لم تكن جزءا من "عاصفة الحزم"، وبالتالي فإنها تتقدم باقتراح مبادرة سياسية للحل في اليمن.

ومن تلك المعطيات فإن صعود الإمارات إقليميا مثل التحدي الأكبر أمام سلطنة عمان، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، وقيادة أبوظبي لمحور الثورة المضادة، وتمددها داخل محيطها الشرق أوسطي، لذلك تسعى مسقط خلال الوقت الراهن لامتلاك أوراق تجعلها أكثر حزما وقوة في حماية أمنها القومي، أمام الأطماع الإماراتية.