النظام البرلماني.. كيف نجح في تثبيت دعائم الديمقراطية بتونس؟
رغم سنوات من الثورة في تونس وإرساء نظام ديمقراطي، لا يزال نظام الحكم المطبق في البلاد محل جدل بين مختلف الأطراف والتيارات السياسية.
منذ إقرار الدستور التونسي الجديد في 27 يناير/كانون الثاني 2014، بشبه إجماع بين مختلف الكتل السياسية في المجلس الوطني التأسيسي (200 نائب من أصل 217)، وأصوات ترتفع من وقت لآخر، مطالبة بتعديل نظام الحكم البرلماني.
في الوقت الذي يعبر فيه كثيرون عن رضاهم عن هذا النظام الذي نجح في إدارة البلاد طيلة السنوات الماضية، وضمن الانتقال الديمقراطي في وقت فشلت فيه دول عربية أخرى من تخطي المرحلة الانتقالية والعودة إلى مربع الاستبداد من جديد.
دعوات للتعديل
تعيش تونس هذه الأيام على وقع دعوات لتعديل الدستور، من أجل إحداث تغيير في نظام الحكم، الذي أعطى صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة المنبثقة عن البرلمان، وصلاحيات تنفيذية أقل لرئيس الجمهورية.
انتشرت دعوات للتحرك في الشارع في 1 يونيو/حزيران 2020، إلا أنها لم تلق قبولا شعبيا، كما تجددت دعوات النزول يوم 14 يونيو/ حزيران 2020، داعية لإعطاء صلاحيات أوسع لرئيس الجمهورية.
متابعون يرون أن هذه الدعوات غير جدية إلا أن الدعوات الأكثر جدية، هي مشروع رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي بشر به طيلة سنوات وخلال حملته الانتخابية.
لا يدع الرئيس التونسي فرصة لإظهار عيوب نظام الحكم الحالي، والحث على توضيح أطروحته لنظام جديد، حيث يرى أنه من الضروري منح صلاحيات أوسع للرئيس، وإحداث نظام حكم ليس له شبيه في أي بلد في العالم.
رضا شهاب المكي، المعروف بـ"رضا لينين"، أحد أبرز وجوه الحملة الانتخابية لقيس سعيّد، دعا في تدوينة على فيسبوك الرئيس لتغيير النظام السياسي قائلا: "نحن إزاء موزاييك حزبي غير قادر على تكوين حتى لجنة فما بالك بحكومة؟ فشل يكرر نفسه منذ 2011 وأبناء شعبنا هم من يدفعون الثمن في كل مرة".
ووجه المكي خطابه للرئيس قائلا: "الرئيس قيس سعيّد أنت أمام واجب تاريخي، فالمرحلة لم تعد تتحمل.. من واجب رئيس الجمهورية استفتاء الشعب لتغيير نظام الحكم في تونس".
كما لا تزال رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، تدعو إلى تعديل واسع في الدستور، والعودة إلى نظام رئاسي، شبيه بالنظام الذي ثار عليه الشعب عام 2011.
أما أحمد نجيب الشابي وهو أحد أبرز معارضي نظام بن علي، فيقود مجموعة سياسية بعضها على ارتباط بالمنظومة السابقة، وأخرى تحمل مسؤوليات حكومية بعد الثورة، لتشكيل حزب وسطي كبير قادر على المناورة السياسية، سواء في حال وجوده في الحكم أو انضمامه إلى صفوف المعارضة.
ودعت 4 أحزاب، وهي "الحركة الديمقراطية" و"الأمل" و"مشروع تونس" و"بني وطني"، إلى العمل على إطلاق مبادرة لعقد "مؤتمر وطني للحوار".
من جانبه، أكد رئيس الحركة الديمقراطية أحمد نجيب الشابي، أن البيان الصادر في 2 يونيو/حزيران 2020، هو نتيجة التقاء 4 مكونات رأت أن تلجأ إلى الرأي العام وإلى القوى المعنية وتتوجه إليه باقتراح للتوافق على حوار وطني حول المحكمة الدستورية وإصلاح النظام السياسي والنظام الانتخابي، وإعداد خارطة طريق للخروج من الأزمة الاقتصادية بعد كورونا وتطورات الأزمة الليبية.
قبل أيام، أعاد الاتحاد العام التونسي للشغل، السجال بشأن نظام الحكم إلى الواجهة من جديد لينهي بذلك شبه هدنة سياسية تم الاتفاق عليها بين الأحزاب خلال فترة مواجهة فيروس كورونا.
وقال الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي: "للأسف الشديد منذ 2014 لدينا أحسن دستور في العالم حسب زعمهم والنهاية فوضى في الصلاحيات بين الرؤساء الثلاثة".
مطلب الثورة
بعد فرار الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، مساء 14 يناير/كانون الثاني 2011، نجحت الثورة في فرض تعطيل العمل بدستور 1959، وتم تعديله مرات عديدة ليعطي صلاحيات واسعة لمنصب الرئيس.
ومن بين المطالب التي كانت مرفوعة في اعتصام القصبة الثاني، انتخاب مجلس وطني تأسيسي لسن دستور جديد للبلاد وإقامة نظام برلماني يقطع نهائيا مع حكم الفرد الواحد وأي محاولة للرجوع إلى الوراء وهو ما تم بالفعل في 27 يناير/كانون الثاني 2014.
عرفت تونس خلال فترة صياغة دستور ما بعد الثورة نقاشات معمقة، بالخصوص داخل المجلس الوطني التأسيسي، حول طبيعة النظام السياسي الواجب اعتماده، ودامت هذه النقاشات 3 سنوات انتهت بتبني نظام برلماني معدل يسميه البعض أيضا بالنظام النصف أو شبه البرلماني.
النظام الجديد منح مجلس نواب الشعب صلاحيات التشريع والرقابة ومنح الثقة للحكومة وسحبها، والرقابة على عملها، وأسند لرئاسة الحكومة جلّ الصلاحيات التنفيذية، في حين يختص رئيس الجمهورية باختصاص حصري في 3 مجالات فقط هي الدفاع والأمن القومي والعلاقات الخارجية.
ضمانة للديمقراطية
منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، تداول على تسيير البلاد 8 حكومات متتالية بتحالفات برلمانية مختلفة، وضمنت توزيعا للسلطات ما بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، رأى عدد من المهتمين بالشأن السياسي التونسي أنه جنّب البلاد انفراد أحد الأطراف بالسلطة.
ويعدد مناصرو الدستور الحالي، إيجابيات النظام السياسي الذي أقره، حيث يرونه سببا رئيسيا في نجاح تجربة الديمقراطية في تونس، حيث فرض على جميع الأطراف السياسية التشارك في إدارة البلاد، وضمن تعددية واسعة في مختلف الحكومات.
كما أن هذا النظام ساعد في ضمان الاستقرار في البلاد خاصة في بعض الفترات الصعبة والتي كان آخرها، وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في 25 يوليو /تموز 2019، والجدل الذي دار وقتها بشأن من تؤول له صلاحيات الرئيس وقت مرضه أو في حالة موته.
وفق مراقبين، لا يمكن تحميل النظام السياسي الحالي في تونس، مسؤولية كل النقائص التي عاشتها البلاد، فلا يمكن الحكم بنجاح أو فشل أي نظام سياسي في غضون 5 سنوات فقط منذ إقراره، خاصة مع عدم استكمال كافة مؤسساته وفي مقدمتها المحكمة الدستورية.
ورغم أن القانون الانتخابي الحالي ساهم في إفراز تعددية واسعة داخل البرلمان، لكنه في ذات الوقت حرم كتلا كبيرة من الحصول على أغلبية مريحة تؤهلها لتشكيل حكومة مستقرة تدير شؤون البلاد عبر تنفيذ برامجها، وفق متابعين.
أيضا خلقت تجربة تولي حركة نداء تونس للحكومة منذ العام 2014، فترة تولي زعيمها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي رئاسة الجمهورية، نموذجا أفقد منصب رئاسة الحكومة جزءا كبيرا من صلاحياته، فكان منصب رئيس الحكومة أقرب إلى سلطات وزير أول، قبل أن يبرز خلاف حاد بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد ونجل الرئيس حافظ قائد السبسي.
من جهته اعتبر المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم أن "من يطالبون بتغيير النظام السياسي هم الفاشلون في الانتخابات، بعض هؤلاء كانوا في السلطة مثل محسن مرزوق (رئيس ديوان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي) ولم يحتجوا على النظام السياسي وقتها.
وأضاف سالم في حديث للاستقلال: "هؤلاء يريدون القفز على نتائج الانتخابات ويتهربون من تقييم فشلهم عبر طرح قضايا في وقت لا أراه مناسبا بالمرة، حيث تستعيد البلاد نشاطها بعد جائحة كورونا التي انتصرت فيها تونس".
برأي سالم "المشكل ليس في النظام السياسي، بل في القانون الانتخابي الذي لا يسمح للحزب الفائز بالحكم، وهؤلاء يرفضون رفع العتبة الانتخابية. في انتخابات 2014 فاز نداء تونس بالرئاسات الثلاث، لكن الانشقاقات والمشاكل داخل الحزب أثرت على الدولة، المشكل في العقلية ونقص الثقافة الديمقراطية".
صعوبات التغيير
لتغيير نظام الحكم في تونس يجب ضمان غالبية الثلثين بحسب ما يقره الدستور، حيث نص الفصل 143 منه أنه "لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور، ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر".
وينظر مجلس نواب الشعب في مبادرة التعديل للموافقة بالأغلبية المطلقة على مبدأ التعديل. يتم تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب. ويمكن لرئيس الجمهورية بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس أن يعرض التعديل على الاستفتاء، ويتم قبوله في هذه الحالة بأغلبية المقترعين.
وأمام تمسك حركة النهضة (54 نائبا من أصل 217) بالإضافة إلى ائتلاف الكرامة (21 نائبا) وكتل أخرى لم تعبّر بعد عن موقف مؤيد لتعديل الدستور، تبدو فكرة تعديله شبه مستحيلة خلال العهدة النيابية الحالية.