للبقاء في الحكم.. احتمالات نجاح بوتين في تعديل الدستور رغم كورونا
في الوقت الذي تتعافى فيه روسيا بحذر من جراء وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، أعاد الكرملين برمجة حدثين رئيسيين يعلق عليهما الرئيس فلاديمير بوتين آماله من أجل مستقبله السياسي.
ووفقا لصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، فإنه بعد الإعلان عن تأجيل احتفال النصر العظيم عام 1945، الذي كان مقررا أصلا في 9 مايو/ أيار 2020، إلى 24 يونيو/ حزيران من نفس العام، أعلن بوتين أن الاستفتاء على الدستور، الذي حدد في 22 أبريل/ نيسان، سيجرى أخيرا في 1 يوليو/ تموز.
وأضافت: "أعلن عن هذا الموعد، خلال اجتماع عبر الفيديو كونفرنس، وفقا لسيناريو إعلامي ينفذ منذ بداية أزمة كوفيد-19، حيث يخاطب فلاديمير بوتين الوزراء والمحافظين والمسؤولين في القطاع الصحي، الذين يجادلون، من خلال الشاشات، بأن الوضع تحت السيطرة بالفعل".
وأشارت "لوفيجارو" إلى أن الدولة، وخاصة موسكو، المدينة الأكثر تضررا من الوباء، بدأت في العودة ببطء إلى وضعها الطبيعي، على الرغم من مستوى العدوى الذي لا يزال مرتفعا - 8000 إلى 9000 حالة جديدة يوميا وأكثر من 4000 حالة وفاة في الإجمال.
وقال فلاديمير بوتين في الأول من يونيو/حزيران: إن الاستفتاء سيجرى في ظل ظروف صحية وقانونية مُرضية ودون التدخل مع تاريخ امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) المقررة في 29 من نفس الشهر.
ومن جهته ذكر رئيس اللجنة الانتخابية المركزية أن "الذهاب إلى مركز الاقتراع سيكون أكثر أمانا من الذهاب إلى المتجر"، كما سيتم تنفيذ التصويت الإلكتروني في عدة مناطق.
ووفقا للصحيفة إذا تم إعادة فتح المتاجر غير الغذائية في العاصمة منذ الأول من يونيو/حزيران (دون المطاعم والبارات ودور السينما والملاعب الرياضية)، لا يزال يُسمح لسكان موسكو بالسير ثلاث مرات فقط في الأسبوع، وخلال فترات معينة ضمن جداول زمنية.
صلاحيات إضافية
وتشير "لوفيجارو" إلى أنه جرى الإعلان عن التعديل الدستوري في يناير/ كانون ثاني 2020، ويتعلق بسلسلة من الأمور الاقتصادية (الحد الأدنى للأجور، وفهرسة المعاشات، وما إلى ذلك) وكذلك تعديلات مجتمعية (ذكر فقرة "الإيمان بالله"، ومنع زواج المثليين، وغيرها من الأمور المتشابهة).
لكن الأهم من كل هذا، وبفضل التعديل الذي فاجأ الجميع، فإن الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، سيُسمح له بولايتين رئاسيتين إضافيتين بعد الفترة التي يرأسها حاليا، والتي ستنتهي في عام 2024، أي أنه إذا رغب سيد الكرملين، 67 عاما، في الاستمرار رئيسا، يمكن أن يبقى نظريا في منصبه حتى عام 2036.
وأكدت الصحيفة: "بعد أن تمت الموافقة على التعديل الدستوري بالفعل في مارس/آذار من قبل غرفتي البرلمان، لم يكن التصويت ضروريا، ومع ذلك، فقد خطط بوتين لإجراء التعديل من خلال صناديق الاقتراع للاستفادة من إضفاء الشرعية السياسية".
وأوضحت أن رهان الرئيس ذو مخاطر محدودة، حيث يبدو أنه من غير المحتمل ألا يتم الموافقة من قبل المواطنين على التعديلات، فبحسب العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت في الأيام الأخيرة، فإن الروس سيصوتون لصالح التعديلات بنسبة 44٪ (معهد ليفادا) و61٪ (بحسب تقديرات أخرى).
وتواصل لوفيجارو: "لكن تبقى حقيقة، أنه كما هو الحال في أي مكان آخر بالعالم، فقد أثر الوباء على العلاقة بين السكان والسلطات في روسيا، وكشف أو أبرز اتجاهات بدرجات متفاوتة".
فحتى لو احتفظ بوتين بشعبية يحسده عليها العديد من القادة الغربيين، فقد تلاشى نجمه خلال الأزمة، حيث أن شعبيته انخفضت عشر نقاط بين مارس/آذار وأبريل/ نيسان، إلى 59 ٪.
شعبية بوتين
وقال أندريه كوليسنيكوف من معهد كارنيجي للدراسات في موسكو: "حتى لو بدأ المنحنى في الصعود مرة أخرى، فإن النقطة القديمة التي كان يقف عليها، حوالي 70٪ ، لا يمكن الوصول إليها الآن".
ويقدر هذا الخبير أنه "منذ عام 2017 أفقده تأثير أزمة شبه جزيرة القرم إمكانية التعبئة"، في إشارة إلى ضم هذه المنطقة عام 2014، والأحداث الرمزية التي من المحتمل أن ترسم المستقبل السياسي.
أي أنه إذا تراجع بوتين خلال الأزمة، مما دفع السلطات الإقليمية والمحلية إلى الصدارة، فإن هذا لم يمنعه من التركيز اليوم على شخصه والسخط الشعبي المرتبط بالوباء والأزمة الاقتصادية.
وأضاف كوليسنيكوف: "لم يبدُ كقائد سياسي، بل مشرف على مؤتمر طبي، وهو مسؤول أيضا عن إعادة توزيع الأموال التي اتضح أنها متواضعة تماما".
ورأت الصحيفة أن رأس السلطة تأثر، أي العمود الفقري للسلطة البوتينية طوال عقدين، مع عواقب سيتعين تقييمها فيما بعد، والأمر نفسه ينطبق على العلاقة بين المركز والمناطق.
وتقول عالمة النفس أناستاسيا نيكولسكايا: "في روسيا كان هناك دائما تصور بأن القياصرة جيدون والبويار سيئون، والآن لم يعد الأمر كذلك".
وفقا لمسح أجرته هذه العالمة مع الاقتصادي ميخائيل دميترييف، فإن 3٪ فقط من الروس "متأكدون بشكل تام" أو "متأكدين إلى حد ما" من أن بوتين قادر على التعامل مع الوضع.
ويصر هؤلاء الباحثون على أن عملهم يُظهر أن "الوعي الجماعي للروس يخضع لتغييرات كبيرة". ويتجلى هذا بشكل خاص، كما يقولون، في زيادة العدوانية على السلطات، والمطالبة بسلطة قوية وزيادة طلب المواطنين باحترام حقوقهم.