قد تؤثر على سباق الانتخابات.. مجلة أميركية: لهذا تفاقمت أزمة فلويد
خلال أسبوع واحد، خرجت الأمور عن السيطرة في مدينة مينيابوليس بالولايات المتحدة، عقب وفاة جورج فلويد الأميركي من أصل إفريقي أثناء اعتقاله على أيدي رجال الشرطة في 25 مايو/أيار 2020.
ويصف تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية ذلك، بالقول: "ففي تحد لحظر التجول الذي يبدأ من الساعة 8:00 مساء، واصل المتظاهرون إشعال النيران في جميع أنحاء المدينة".
ووفقا لحاكم مينيسوتا تيم فالز، الذي عقد مؤتمرا صحفيا يدعو إلى الهدوء وضبط النفس، كانت السلطات تنشر ثلاثة أضعاف حجم القوة التي نشرتها خلال الاضطرابات العرقية في ستينيات القرن الماضي.
ويتابع التقرير: "جرى تخريب ونهب وإضرام النيران في متجر Target، أحد أشهر المتاجر في المدينة. كذلك، تأثرت العديد من الشركات الصغيرة والتي كانت تعاني بالفعل من عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا التاجي".
فقد تم إغلاق المتاجر الصغيرة في الأحياء السكنية الهادئة "سابقا"، حيث بدأ العنف يمتد إليها، كما اندلعت أعمال الشغب والاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد من مدينة نيويورك إلى لوس أنجلوس، وفق التقرير.
أصل المشكلة
ويحاول التقرير تسليط الضوء على أصل المشكلة، بالقول: "لقد اعتقد الكثير من الأميركيين أنه لم يعد هناك وجود للممارسات العنصرية من قبل المؤسسات الرسمية مثل، تسلط الشرطة واستخدام القوة المفرطة غير المبررة تجاه الأقليات".
ولكن في الحقيقة، أدى مقتل "جورج فلويد" إلى إشعال التوترات التي تصاعدت لسنوات في مينيابوليس، ليس فقط بسبب تاريخ المدينة مع قتل سكانها السود على أيدي ضباط الشرطة، ولكن أيضا بسبب تزايد التفاوت الاقتصادي، واتساع الفجوة في إمكانية الوصول إلى تعليم جيد.
وفي الآونة الأخيرة، فإن هناك أيضا آثارا غير متناسبة على المجتمعات السوداء بسبب الفيروس التاجي، سواء من حيث العدوى والوفيات أومن حيث فقدان الوظائف، وفق التقرير.
ويوضح التقرير: "سيكون الضرر طويل الأمد، ومن المحتمل ألا تتعافى هذه الشركات الصغيرة؛ كما تعطلت مشروعات تنمية الإسكان التي تشتد الحاجة إليها، بل إن بعضها قد انهار تماما".
يقول بعض خبراء الحقوق المدنية: إنهم كانوا يتوقعون ذلك، وأن الأمر لم يكن سوى مسألة وقت قبل أن ينفجر هذا الغضب بالنظر إلى تصاعد التوترات الاجتماعية، والاعتقالات العنصرية في الأسابيع الأخيرة.
ويوضح التقرير: "فقد تعرض الرجال السود، الذين يرتدون أقنعة الوجه، للتوقيف والاعتقال خلال إغلاق COVID-19، بما في ذلك طبيب أسود في ميامي، الذي اتضح أنه تطوع لاختبار الأشخاص".
ويتابع التقرير: "لقد سعى عمدة مينيابوليس جاكوب فراي إلى تهدئة المتظاهرين الغاضبين بتوجيه اتهامات جنائية ضد الضابط، ديريك تشوفين (قاتل جورج فلويد)".
وجرى تصوير هذا الضابط وهو راكع على عنق فلويد لمدة تسع دقائق تقريبا، بينما كان الضحية يصرخ: "لا يمكنني التنفس"، وهو ما يذكرنا بحادثة الموت المشين لـ"إيريك غارنر" في مدينة نيويورك في عام 2014.
واتُهم تشوفين بالقتل من الدرجة الثالثة، والأمر هنا مختلف تماما مع مصير دانيال بانتاليو، ضابط شرطة نيويورك المسؤول عن وفاة غارنر الذي لم يوجه له أي اتهام وما زال مستمرا في عمله، وفق التقرير.
وتابع: "لقد أشعل أيضا قتل غارنر، جنبا إلى جنب مع إطلاق النار على مايكل براون في فيرجسون - ميسوري، في أغسطس/آب 2014، الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، ونشأت حركة "الحياة السوداء مهمة".
عنف الشرطة
قال إدوارد ماكغواير، أستاذ علم الجريمة والعدالة الجنائية في جامعة أريزونا: "في الماضي، كان هناك اتجاه عام بين أجهزة الشرطة للدفاع عن بعضها البعض من الانتقادات، حتى عندما بدا أن مواقفهم لا يمكن الدفاع عنها".
وتابع: "نحن لا نرى ذلك في هذه الحالة. لقد امتلأت صفحتي على تويتر الآن بتصريحات قادة الشرطة من جميع أنحاء العالم التي تدين تصرفات هؤلاء الضباط".
البعض الآخر أكثر تشككا، فقد قال مايكل بيل، ضابط متقاعد في القوات الجوية: "إذا لم يتم تسجيل الحادث وإذا لم تكن المدينة تحترق، لما جرى القبض عليه (الضابط تشوفين)".
مايلك بيل الذي بدأ حملة وطنية لمحاسبة الشرطة، بعد ما قُتل ابنه الذي يبلغ من العمر 21 عاما بالرصاص في كينوشا - ويسكونسن، في عام 2004، أضاف: "لا ينبغي أن يكون هذا ما يتطلبه الأمر لتحقيق العدالة. هذا مجرد مؤشر على مدى سوء النظام".
في الواقع، لقد كشف الغضب في واحدة من أكثر المدن الأميركية استقرارا عن الواقع القبيح الذي لم يتغير إلا قليلا من حيث محاسبة الشرطة على المعاملة العنيفة للمواطنين، كما يقول الخبراء. ويوضح التقرير أن ذلك يرجع إلى: "التعاون الداخلي بين أقسام الشرطة المحلية ونقاباتهم".
يتدهور الأمر أيضا، بسبب المحامين العاميين الذين يعتمدون على نقابات الشرطة للحصول على الدعم الانتخابي، بالإضافة إلى نظام المحاكم، وجميعهم يحصلون على استفادة ماليا من رسوم الاعتقال وتذاكر الغرامات، حيث يتم إدانة عدد قليل جدا من الشرطة بتهمة القتل الخطأ أو سوء استخدام السلطة، وفق التقرير.
وقال فيليب ستينسون، مؤلف كتاب "النزاهة في الشرطة"، والباحث في جامعة بولينج جرين بولاية أوهايو، والذي يحتفظ بقاعدة بيانات لاعتقالات وإدانات ضباط الشرطة في كل ولاية أميركية: "إنها المصالح المادية كالمعتاد، عندما يتعلق الأمر بالمساءلة في المحاكم عن جرائم الشرطة".
وكتب ستينسون، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "منذ بداية عام 2005، لم يتم القبض إلا على 110 من ضباط إنفاذ القانون المحليين المحلفين بتهمة القتل أو القتل غير العمد نتيجة لإطلاق النار أثناء الخدمة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ومن بين هؤلاء الضباط الذين تم اعتقالهم، حتى الآن، أُدين 42 فقط في الدولة بأكملها خلال الـ 15 سنة الماضية".
ويقول التقرير: إنه "في كثير من الأحيان تقع هذه الانتهاكات على الأقليات". ففي السنوات التي تلت حادثة فيرجسون عام 2014، كشفت مقاطع الفيديو الخاصة ممارسات الشرطة التي لم يتم التحقق منها في عصر ما قبل الهاتف الخليوي.
ومن ذلك، الحادثة سيئة السمعة التي أطلق فيها ضابط شرطة ساوث كارولينا مايكل سلاجر النار على الهارب "والتر سكوت" ثماني مرات، ثم جرى تصويره وهو يدس جهاز الصعق الخاص به بجانب جثة الضحية، وفق التقرير.
جرح مفتوح
كتب ديفيد هاريس، أستاذ القانون الجنائي في جامعة بيتسبرغ، في رسالة إلكترونية: "في حين أن مينيابوليس تسمح بهذا النوع من ضغط الرقبة الذي قتل فلويد كشكل من أشكال القوة غير المميتة، تراجع الآخرون عن هذه الأنواع من الممارسات القاتلة المحتملة أو على الأقل وضعوا قيودا على كيفية ومتى يمكن استخدامها".
شيكاغو، على سبيل المثال، تضع قيودا على الجلوس، أو الوقوف، أو الركوع على صدر المشتبه به، بعد السيطرة عليه، بسبب مشاكل التنفس المحتملة، كذلك منعت شرطة نيويورك استخدام الخنق للسيطرة على المشتبه بهم، وذلك على الرغم من أن الضابط الذي قتل "إريك غارنر"، خنقا، بقي في العمل لمدة خمس سنوات ولم يتم توجيه أي تهم له.
ويتابع التقرير: "وفقا للشكوى الجنائية المرفوعة ضد ضابط شرطة مينيابوليس المخضرم، فقد ركب المدعى عليه على عنق السيد فلويد لمدة 8 دقائق و46 ثانية في المجموع، دقيقتان و53 ثانية من هذا بعد أن كان الرجل ساكنا تماما".
وفي تعليق للعمدة فراي، في وقت لاحق، قال: "إن تقنية التقييد التي استخدمها شاوفين كانت ضد اللوائح". ويجري تدريب الشرطة على أن هذا النوع من التقييد مع شخص في وضعية الانبطاح هو أمر خطير بطبيعته، ولذلك تم طرد أربعة ضباط آخرين في مينيابوليس، وفق التقرير.
ويتوقع التقرير أن تلقي هذه القضية ظلالها على الساحة السياسة، بالقول: "من شبه المؤكد أن تدخل مسألة الممارسات العنصرية العنيفة للشرطة في السباق الرئاسي لعام 2020".
وبدا أن الرئيس دونالد ترامب، الذي أسف في البداية لوفاة فلويد، زاد من تأجيج التوترات، عندما غرد مقتبسا مقولة من عهد الفصل العنصري الأبيض: "عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار".
ومن اللافت للنظر أن ترامب، وفي مؤتمر صحفي في روز جاردن، رفض الحديث عن مينيابوليس على الإطلاق، قائلا: "أنا هنا لأتحدث عن الصين".
في الوقت نفسه، قال المرشح الديمقراطي المحتمل، جو بايدن: "إن ترامب يدعو إلى العنف ضد المواطنين الأميركيين"، مبينا "أن وفاة فلويد كشفت عن جرح مفتوح في تاريخ الأمة ناجم عن العنصرية، التي لا تزال تلطخ الولايات المتحدة".
ويوضح التقرير: "ترامب يبدو حريصا على اللعب على قاعدته المحافظة البيضاء إلى حد كبير، كما فعل دائما في مواجهة الأزمات".
على الرغم من اعتقال شاوفين، يحذر مسؤولون من تدهور الأوضاع خلال عطلة نهاية الأسبوع مع توقع زيادة أعداد المتظاهرين.
وتقول السلطات: إن المقاومة أكبر بكثير مما كان متوقعا، وبينما كان هناك العديد من المتظاهرين السلميين، هناك أعداد متزايدة من مثيري الشغب المسلحين، فقد تعرض بعض الضباط إلى إطلاق النار، وفق التقرير.
وتابع: "يقوم مثيرو الشغب بوقف نصف المقطورات والشاحنات الصغيرة والإغارة عليها". وقال المتحدث باسم الحرس الوطني في مينيسوتا، جون جنسن: إن الحرس يرافق ثلاثة فرق من إدارة الإطفاء إلى الحرائق في جميع أنحاء المدينة.
كما أذن الحاكم للحرس الوطني بزيادة قوته بألف جندي إضافي، وهو أكبر انتشار في تاريخ مينيسوتا. وفي غضون ذلك، قدم مكتب التحقيقات الفدرالي معلومات استخبارية تفيد بوجود تهديدات خطيرة لجنود الحرس الوطني، حسبما قالت السلطات.