مع انسحاب "فاجنر".. ما مستقبل الوجود الروسي في ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

حققت حكومة الوفاق الليبية خلال الأسابيع القليلة الماضية، إنجازات عسكرية تمثلت في طرد مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والتي تضم في صفوفها مرتزقة من التشاد والسودان وروسيا (من شركة فاجنر)، الذين كرر  حفتر نفيه لوجودهم طيلة أشهر.

الهزائم الأخيرة لحفتر في محيط العاصمة طرابلس أكدت بما لا يدع مجالا للشك وجود هذه العناصر الأجنبية المقاتلة في ليبيا والتي خلفت أغراضها ومعداتها وجثث عناصرها.

وأعلنت حكومة الوفاق الوطني، يوم25 مايو/أيار 2020، أنه جرى إجلاء مئات "المرتزقة" الروس الذين يقاتلون إلى جانب حفتر من مدينة بني وليد الواقعة جنوب شرق العاصمة.

وقدرت الحكومة عدد المقاتلين الذين وصلوا إلى بني وليد بـ"حوالي 1500 إلى 1600 مرتزق".  

هذا الانسحاب تحت وقع الهزيمة العسكرية يخفي وراءه على ما يبدو توترا في العلاقة بين حفتر وشركة فاجنر الروسية في الآونة الأخيرة، وهو ما فتح الباب للتساؤل عن مستقبل الوجود الروسي في ليبيا، خاصة مع ارتفاع حدة الاحتجاج الذي عبر عنه الناتو (حلف شمال الأطلسي) والولايات المتحدة الأميركية. 

انسحاب أم مناورة؟

جاء انسحاب المرتزقة من محاور القتال جنوبي طرابلس ومن بني وليد، تزامنا مع نشر القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) صورا قالت إنها لمقاتلات أرسلتها روسيا مؤخرا إلى ليبيا لـ"دعم" مرتزقة شركة "فاجنر" الأمنية.

وهو ما يؤكد ما ذهب له العديد من المتابعين للشأن الليبي أن روسيا لم تدخل طرابلس لتخرج منها بهذه السهولة، خاصة أنها أرسلت بعدها 14 طائرة مقاتلة من الجيل الرابع إلى ليبيا.

فإقامة قاعدة بحرية أو جوية روسية جنوب المتوسط يعد هدفا إستراتيجيا قديما لموسكو، وليبيا بمثابة فرصة تاريخية للروس لمحاصرة حلف شمال الأطلسي من الجهة الجنوبية للمتوسط.

واعتبر الكاتب الصحفي الليبي معتصم وهيبة أن "انسحاب قوات فاجنر من جنوب العاصمة طرابلس باتجاه منطقة بني وليد ومن ثم جنوبا باتجاه قاعدة الجفرة الجوية، هو اعتراف بالهزيمة في الغرب الليبي بعد مساعدة الأتراك لقوات حكومة الوفاق وخصوصا بالطائرات المسيرة والسفن العسكرية مقابل شواطئ صبراتة الليبية".

وأضاف وهيبة في حديث لـ"الاستقلال": أن "هذا الانسحاب هو إعادة للتموضع في أهم قاعدة إستراتيجية في ليبيا وهي قاعدة الجفرة، إذ يبدو أن الروس بعد إرسالهم مؤخرا لطائرات هناك، فهم يعملون على منع تقدم قوات الوفاق باتجاه الشرق والجنوب الليبي، من أجل ضمان حصتهم".

لذلك، فإن انسحاب الروس من ليبيا حاليا، أمر فيه الكثير من المبالغة، لكن مغادرة مرتزقة فاجنر مواقعهم جنوبي طرابلس، قد يكون بقصد تركيع الجنرال حفتر، وفرض شروط روسيا عليه، وإثبات أن مليشياته بدون مرتزقتها لا يمكنها الصمود أمام قوات الوفاق في طرابلس.

وسبق أن اعتمدت موسكو هذا الأسلوب مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في 2016، عندما أعلنت سحب قواتها جزئيا من بلاده، في حين لم يكن ذلك سوى مناورة للضغط عليه.

كما أن موسكو رفضت تنصيب حفتر لنفسه حاكما على ليبيا، وأشار رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، نهاية أبريل/نيسان 2020، إلى أن الروس اتصلوا به ودعوه لطلب هدنة، لأن الوضع على "شفير الهاوية".

وبحسب مقال لـ"إيغور دولانويه" مدير مساعد للمرصد الروسي الفرنسي، فإنه يمكن أن تبدو روسيا قادرة على دعم حفتر من جهة مع الإبقاء على حوار مفتوح مع حكومة طرابلس من جهة أخرى.

ففي حين يجد الغربيون أنفسهم بعيدين شيئا فشيئا عن إيجاد حل للأزمة السورية، فإن ليبيا تمد روسيا بأسباب القوة في عملية الشد والجذب التي تدور بينها وبين المجموعة الأورو ـ أطلسية بخصوص ملفي أوكرانيا وسوريا.

كما أن ليبيا تمثل ملفا حساسا يغذي انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي تتعلق بمسألة المهاجرين. ومع ذلك يشكل البلد الإفريقي أيضا مجالا محتملا لتعاون بارد بين الروس والغرب. 

بالإضافة لذلك، بدأت روسيا بمسك أحد طرفي خيوط اللعبة في ليبيا، خاصة بعد دخول تركيا كداعم رئيسي لحكومة الوفاق، وهو ما ظهر بالفعل في مؤتمر موسكو الذي عقد قبل أشهر بين الفرقاء الليبيين. 

تدهور عسكري

في 18 مايو/أيار 2020 ، أعلنت حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا عن سيطرة قواتها على قاعدة الوطية الإستراتيجية (غرب ليبيا) بعد أسابيع من حصارها إثر طرد قوات حفتر من الساحل الغربي للبلاد الممتد من العاصمة طرابلس إلى الحدود التونسية. 

وبالسيطرة على هذه القاعدة اشتد الخناق على مليشيات اللواء المتقاعد والمرتزقة العاملين تحت إمرته، في مدينة ترهونة ومن تبقى منهم في جنوب العاصمة طرابلس. 

في هذا الوقت، بدأ يظهر للعلن آثار وجود المرتزقة الروس في صفوف مليشيات حفتر بما خلفوه من كتابات على الجدران وخطط عسكرية باللغة الروسية.

كما عثرت قوة تابعة للداخلية الليبية، يوم 23 مايو/أيار 2020، على جثة مرتزق من شركة "فاجنر"، بعد تحرير منطقة صلاح الدين جنوبي العاصمة طرابلس، من مليشيا حفتر. 

ورغم نفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يناير/كانون الثاني 2020 مشاركة مجموعة فاجنر في دعم حفتر في القتال الدائر في ليبيا، غير أن صحيفة ميدوزا الروسية، أكدت أن موسكو تقدم دعما كبيرا للواء المتقاعد رغم عدم مشاركتها رسميا في الحرب، وذلك مقابل الوعود بعقود النفط والسكك الحديدية والطرق السريعة.

وفي تقرير للصحيفة تحدثت فيه مع 4 مرتزقة وشخص مقرب من شركة فاجنر التي تجلب المرتزقة لحفتر، قالوا: إن أعداد القتلى الروس في ليبيا قد يصل إلى 35 شخصا وتعود أصولهم إلى إقليم كراسنودار ومقاطعتي سفيردلوفسك ومورمانسك.

وأشارت الصحيفة إلى أن ذوي المقاتلين لم يتلقوا أي خطابات رسمية من وزارة الدفاع الروسية أو أي جهات أخرى ولا أي معلومات من شركة فاجنر، والذين يتولون في أغلب الأحيان إيصال شهادات الوفاة والأوسمة لذوي القتلى.

وكشف أحد المرتزقة المشاركين بالقتال الدائر جنوب طرابلس للصحيفة أن وضع الروس في الأراضي التي تسيطر عليها قوات حفتر صعب للغاية، معلقا "ليبيا ليست سوريا".

وأضاف أنهم تركوا وحدهم من دون أي مساعدة من وزارة الدفاع الروسية كما حدث بسوريا، كاشفا عن خلافات مع قوات حفتر.

في 18 مايو/أيار 2020، عرضت قوات حكومة الوفاق، منظومة الدفاع الجوي الروسية «بانتسير» خلال تظاهرة بميدان الشهداء وسط العاصمة طرابلس.

وجاء العرض احتفالا بتحرير قاعدة الوطية الجوية من مليشيات حفتر، حيث كانت المنظومة صاروخية مضادة للطائرات، مثبتة على شاحنة للنقل الثقيل. 

مصير هذه المنظومة كان أفضل من نظيراتها، والتي استهدفتها الطائرات المسيرة تركية الصنع، داخل قاعدة الوطية قبل تحريرها وفي مدينة ترهونة آخر معاقل خليفة حفتر. 

وأكدت عملية بركان الغضب في بيان لها أن "منظومة بانتسير الصاروخية المدفعية المضادة للطائرات مثبتة على سيارة MAN-SX45 نقلت إلى ليبيا من الإمارات لدعم مليشيا حفتر الإرهابية في العدوان على طرابلس". 

وبخسارة هذه المنظومة تضاعفت نجاعة الهجومات الجوية للطائرات المسيرة التركية، مما جعل العناصر المقاتلة على الأرض فريسة سهلة لها دون الخشية على خسارة الطائرات.