في ظل كورونا.. كيف تعيش أسر الأطباء والطواقم الصحية بمصر؟

محمود سامي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

بلهفة وشوق، كانت أسرة الطبيب المصري كامل عادل تترقب عودته يوميا إلى منزله بعد انتهاء عمله بأحد مستشفيات محافظة بورسعيد (شمال شرق)، إلى أن تجرع آلام الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).

حالة القلق التي انتابت أسرة الطبيب الشاب إثر إصابته التي تعافى منها بعد حجر صحي، وغيرها من مئات الأسر المماثلة، ترتبط بتزايد القلق بشأن انتشار الفيروس بين الكوادر الطبية.

وأثارت ما تعانيه بيئة العمل الصحي في مصر من نقص حاد في أدوات الوقاية الأساسية بالمستشفيات، انتقادات كبيرة للسلطات المصرية، خاصة بعد إرسالها مساعدات طبية إلى الصين وإيطاليا والولايات المتحدة لدعمها في مواجهة الوباء.

وخلال الفترة الماضية، رحل 10 من الأطباء إثر الإصابة بكورونا و5 من العاملين بفرق التمريض فضلا عن صيدلي وأمين مخازن، بخلاف عشرات الإصابات من الفرق الطبية في مصر.

فيما ناهز عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا في مصر حتى مساء 10 مايو/أيار -حسب الإحصاءات الرسمية- 10 آلاف حالة، بينما وصل إجمالي الوفيات 525 شخصا، من تعداد السكان الذي يتخطى 100 مليون نسمة.

تجرع الآلام

تروي والدة الطبيب كامل عادل، لـ"الاستقلال"، أن حياة الأسرة تحولت إلى كابوس، وتحديدا حين أبلغهم أنه أجرى تحليلا مسحيا لنفسه أظهر إصابته بفيروس كورونا، ليتم عزله أسبوعين بأحد المستشفيات، مرا كأنهما عاما خاصة مع انقطاع الاتصال به خلال تلك الفترة.

منذ ذلك الحين تعيش الأسرة كل يوم في رعب، دون أن تغيب عن مخيلتها فترة اختلاطه بمرضى كورونا يوميا، وحين عاد لمنزله مجددا رفض احتضان والديه أو أبنائه، واتخذ من إحدى غرف المنزل حجرا إجباريا له، كإجراء احتياطي.

تقول والدة الطبيب الشاب: إن كل مكان كان يمر فيه كان يتم تعقيمه وتطهيره، وبحسرة تضيف: "هذا الأمر كان يوجعنا بشدة".

كانت أخبار وفيات الأطباء عاملا سلبيا في حياة الأسرة طوال الأسابيع الأليمة الماضية، كما أن معاملة الناس وتنمرهم عليه باعتباره مريض كورونا سابق خلقت شعورا سلبيا في نفسية الأسرة التي ترى نجلها شجاعا ضحى بصحته وسعادة أولاده كي ينقذ الناس من الوباء.

وبحسرة تختم والدة الطبيب حديثها بالقول: "لو رجع بنا الزمن كنا سنفكر في ثنيه عن الدراسة في كلية الطب".

ومنذ إعلان مصر عن أول إصابة بكورونا في مارس/ آذار 2020، ويعيش العاملون في المجال الطبي وأسرهم مآس وخوف بخلاف تعرض العديد منهم للتنمر، كما حدث في واقعة رفض أهالي إحدى قرى محافظة الدقهلية (شمالا) دفن جثمان طبيبة من ضحايا كورونا، خشية نقل العدوى إليهم.

وغياب الدعم دفع العديد من العاملين بالمجال الطبي وأسرهم إلى إيصال رسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يشتكون فيها من أوضاعهم التي تبدلت بين ليلة وضحاها وهم يقفون في خط الدفاع الأول في حرب مواجهة فيروس كورونا.

وأثارت واقعة وفاة أول طبيب مصري بفيروس كورونا، أواخر مارس/ آذار 2020، جدلا واسعا؛ إثر ما قاله البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، من أن الطبيب المتوفى، لفظ أنفاسه بسبب عدم توفر جهاز تنفس اصطناعي له، وهو ما وصفه أطباء نقابيون بالشائعة.

وكان الطبيب المصري أحمد اللواح (57 عاما)، أستاذ الباثولوجيا الإكلينيكية بكلية الطب بجامعة الأزهر، هو أول ضحية من أطباء مصر، يسقط في المواجهة مع كورونا، بعد التقاطه الفيروس خلال عمله، قبل أن يتم الكشف عن إصابة زوجته وابنه به بعد يومين من وفاته.

التضحية بالأطباء

وفي أواخر مارس/ آذار، توفي رجل بعد أسبوع واحد من رفض مستشفى بولاق الدكرور العام بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة) استقباله كمصاب بفيروس كورونا لأنه "لم تنطبق عليه قواعد البروتوكول".

حينذاك خرج أحد أطباء العناية المركزة المشرفين على ذاك الرجل في المستشفى، وهو الطبيب أحمد كامل، ليصف بروتوكول وزارة الصحة بـ "الغبي".

وأشار إلى أن تعسف البروتوكول الطبي وإهمال الإدارة الطبية هما سبب التأخر عن كشف حالة المريض المصاب بكورونا، والذي خالط عشرات الأفراد من الطاقم الطبي أثناء مكوثه في المستشفى، ما جعل كامل يصرخ مستغيثا: "الحكومة المصرية تضحي بنا في المستشفيات".

والبروتوكل الذي كان معمولا به مع حالات الاشتباه بفيروس كورونا، وضع العديد من العاملين في المجال الطبي تحت رحمة الإصابة بالوباء.

فوفقا للحكومة المصرية، يجب على المشتبه به أن يكون قد حاز على شرط من اثنين: إما أن يكون خالط حالة إيجابية بكورونا، وإما أن يكون عائدا من بؤرة خطرة مثل الصين وإيطاليا.

وتنازلت وزارة الصحة عن هذه الشروط البيروقراطية بعد إصابة ووفاة عشرات الحالات واعتراض الأطباء عليها.

ومطلع مايو/ أيار 2020، أتم العاملون بمستشفى النجيلة المركزي بمحافظة مطروح 3 أشهر على إعلان المستشفى مقرا للحجر الصحي، منذ أن أبلغتهم وزارة الصحة بالقرار في 31 يناير/ كانون الثاني 2019.

وقالت الطبيبة شيماء صالح: إن العاملين بمستشفى النجيلة، يعيشون اختبارات مشاعر كثيرة، فيها أيام الفرح بالانتصار على الفيروس بشفاء مصابين، وفيها أيام الإحباط واليأس حين كانت تتزايد أعداد المصابين يوما بعد يوم.

وكان الطبيب محمد علام، نائب مستشفى النجيلة، داعما لزملائه حتى تجرع هو الآخر الإصابة بالفيروس لمدة 24 يوما، حتى أعلن في 6 مايو/ أيار الجاري تعافيه وعودته لمنزله بعد قرابة مائة يوم من العمل المتواصل في مستشفى الحجر.

يذكر أن 24 شخصا من الفريق الطبي بمستشفى النجيلة المركزي تعرض للإصابة بفيروس كورونا المستجد، من بينهم نائب مدير المستشفى وطبيبة التخدير، وذلك نتيجة تعرضهم للعدوى من إحدى الحالات المحتجزة، وتم الإعلان عن شفاء 3 منهم فيما استمر عزل وعلاج الباقين.

ومساء 10 مايو/أيار، أدى فريق مستشفى النجيلة، صلاة الجنازة على حالة الوفاة الخامسة بالمستشفى، وهي لطبيب سوري الجنسية كان يعمل في مركز طبي.

وقبل نحو أسبوعين، أعلنت الطبيبة منار سامي بمدينة الزقازيق (شمالا) تأكد إصابتها بكورونا وهي وزوجها الطبيب أحمد إبراهيم، فيما تحدث أطباء مراقبون أن وزارة الصحة رفضت منحها إجازة رعاية طفل قبل إصابتها.

وقالت عبر فيسبوك: "بعد تأكد إصابتي بكورونا ولا راد لقضاء الله.. أوصيكم خيرا ببناتي". وأضافت في تدوينة أخرى: "أقسم لكم أننا نصارع الوقت والألم والملل والخوف والقلق.. وأطفالي هم الأبطال الحقيقون.. ضحية أب طبيب وأم طبيبة".

سلبيات واحتجاجات

ويوم 7 مايو/أيار، أصدر الفريق الطبي بمستشفى أسوان الجامعي (جنوبا) بيانا بعد إصابة 16 من الطاقم الطبي بكوورنا، رصد فيه العديد من السلبيات داخل المستشفى.

وأكد البيان أنه لم يتم سحب المسحات للفريق الطبي المخالط رغم ظهور الأعراض عليهم، وأنه تم عمل تحليل سريع.

وأشار إلى أن سحب العينات يتم بطريقة عشوائية لبعض المخالطين، وأن المستشفى يتعامل مع الأمر بالتعسف والعناد وعدم الاكتراث لصحة الفريق الطبي، وعدم توفر وسائل الحماية الشخصية، مؤكدا أن استمرار الوضع لن يخلق إلا أزمات متكررة.

وفي 28 أبريل/ نيسان، أضربت ممرضات بمستشفى المنصورة (شمالا) للتأمين الصحي، عن العمل، احتجاجا على رفض مديرية الصحة أخذ مسحات لهم بعد التأكد من إصابة 5 أطباء بعناية القلب بالمستشفى بفيروس كورونا.

وسبق أن حذرت نقابة الأطباء وزارة الصحة من مغبة الاعتماد على إجراء الكاشف السريع فقط للاطمئنان على خلو أعضاء الفريق الطبي بمستشفيات علاج حالات كورونا، قبل عودتهم للاختلاط بعملهم العادي وأسرهم، وهو التحليل الذي لم تثبت فاعليته أو جدواه.

وقالت: إنه يهدد بنتائج خطيرة في زيادة انتشار العدوى وسط الأطقم الطبية والمجتمع، حيث إنه حسب إرشادات منظمة الصحة العالمية هذا التحليل لا يمكن الاعتماد عليه للتشخيص ويستخدم فقط للأغراض البحثية وأن التحليل الوحيد المعتمد هو تحليل (بي سي أر).

وفي 3 مايو/ أيار 2020، طالبت نقابة الأطباء، وزارة الصحة، بتفعيل تطبيق بعض الإجراءات الاحترازية الإدارية الخاصة بالطواقم الطبية العاملة بمستشفيات العزل والحجر الصحي لحمايتهم من التعرض للعدوى.

ومن هذه الإجراءات المطبقة بالفعل ببعض الجهات وغير مطبقة بجهات أخرى، وفق بيان للنقابة، التأكيد على إستثناء من العمل بمستشفيات العزل أو الحجر الصحي، كل من يزيد عمره عن خمسين عاما، وأصحاب الأمراض المزمنة، والسيدات الحوامل، والأمهات لأطفال أقل من 12 عاما. 

مطالب الأطباء تأتي بعد ما يزيد عن شهر من مخاطبة نقابة التمريض، رئاسة مجلس الوزراء، لطلب منح إجازة للممرضات الحوامل، والحالات المرضية للأمراض المزمنة منهم، ومن لديهم أطفال، حفاظا عليهم وعلى أولادهم، من خطر العدوى بالفيروس كورونا المستجد، دون أن تتلقى ردا حتى الآن.