جندي مصري روى سيناء بدمائه.. لماذا حذف إعلام السيسي صورته؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

جاء من قلب الصعيد في جنوب مصر، ليموت في شمال سيناء على الحدود الشمالية الشرقية، مثله مثل مئات من أقرانه قضوا في ذلك المكان على مدار سنوات من الحرب والدماء التي تشهدها تلك المنطقة بشكل مستمر.

ذلك الجندي هو أحمد الكاملي، ابن مدينة أخميم بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، لقي مصرعه يوم 1 مايو/ آيار 2020، حيث أعلن المتحدث العسكري أن عبوة ناسفة انفجرت بإحدى المركبات المدرعة جنوب مدينة بئر العبد (شمالي سيناء)، ما أسفر عن سقوط ضابط وضابط صف و8 جنود.

ورغم أن الحادثة مكررة في سيناء في ظل الحرب المستعرة هناك منذ سنوات، حاصدة أرواح العسكريين والمدنيين على حد سواء، لكن هذه هي المرة الأولى التي تحذف فيها وسائل إعلام وصحف رسمية تابعة للنظام اسم وصورة أحد الجنود من قوائم الشهداء.

ابن الأزهر

أحمد محمد علي الكاملي، مجند مصري خدم في القوات المسلحة بمحافظة شمال سيناء، ولد بسوهاج في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1994، ودرس في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر.

في 1 مايو/ آيار 2020، لقي حتفه ضمن طليعة عسكرية بعد انفجار عبوة ناسفة، في مركبة مدرعة، وفور إعلان النبأ، بدأت مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، تتداول الكلمات الأخيرة للكاملي، التي عبرت عن نفس أبية تعشق الوطن.

آخر تدوينة كتبها الكاملي على صفحته بفيسبوك قال فيها: "سيشهد التاريخ أني قد ولدت ذكرا، وتربيت رجلا وعشت محاربا، وسأموت بطلا إن شاء الله فكن من تكون فأنا لا أري أحدا".

 

ونشر الكاملي صورة له في سيناء، وعلق عليها مستشهدا بأبيات من الشعر "سأضرب في طول البلاد وعرضها.. أنال مرادي أو أموت غريبا، فإن تلفت نفسي فلله درها.. وإن سلمت كان الرجوع قريبا". 

التاريخ القريب للشاب البطل، يؤكد أنه صاحب مواقف مختلفة، وقضايا وطنية عاش من أجلها، ففي اليوم الذي توفي فيه الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية الشرعي الذي انقلب عليه وزير دفاعه عبدالفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز 2013، كتب أحمد الكاملي على حسابه بفيسبوك ناعيا إياه، "قتلوه قاتلهم الله أنى يؤفكون، وداعا سيدي الرئيس".

ومع ظهور فيروس كورونا، سخر الكاملي من طريقة تعامل الحكومة المصرية مع الأزمة، بنشره صورة متهكمة لسيدة تقول للسيسي، "خد بالك ياريس كورونا هيدمر البلد" فرد عليها السيسي "لا ياحجة متخافيش مفيش بلد ولا حاجة!".

ظهرت معارضة الكاملي بوضوح للحكم العسكري، عندما دون "يا أيها الحاكم العسكري على نفسك مش علينا.. بكره ييجي الفجر قهرا للي خانوا الحلم فينا.. اليقين مهما بتقمع ضله بيطبطب علينا". 

مواقف الكاملي المعارضة للسيسي ومنظومته العسكرية، وضعت الأجهزة الأمنية والإعلامية للنظام في حرج، خاصة وأنهم دأبوا يصورون معارضي النظام كإرهابيين.

صحيفة اليوم السابع المملوكة لجهاز المخابرات، حذفت صورة الكاملي، من قائمة الشهداء، ونشرت الصحيفة على موقعها الإلكتروني وصفحتها على "فيسبوك" صورا لـ 9 شهداء فقط ضمن ما قالت إنها لوحة شرف أبطال بئر العبد، مستبعدة الجندي "أحمد علي محمد أحمد"، الشهير بـ"أحمد الكاملي" من اللوحة.

لوحة اليوم السابع، محذوف منها صورة العسكري المصري أحمد الكاملي

موقف خسيس

الصحفي المصري محمد يوسف، اعتبر ما فعلته الصحيفة "موقف خسة"، رغم أنها قامت بالتعديل بعد أن لاحظ الجميع استبعاد المجند أحمد الكاملي رحمه الله، ووجهوا انتقادات لاذعة إلى الصحيفة. 

وقال يوسف لـ"الاستقلال": "اليوم السابع، قامت بالمقايضة على الوطن والوطنية، حيث وضعت الانتماء للوطن والموت في سبيله في كفة، والولاء للنظام في كفة أخرى، فالكاملي كان معارضا للنظام، وضد السيسي، ولم يمنعه ذلك من خدمة وطنه والذود عن ترابه وحدوده، ومواجهة العنف والإرهاب، شأنه شأن الكثير من المواطنين المصريين".

وأكد يوسف: "الوطن باق والأنظمة زائلة، والشعوب خالدة، فيجب أن تتم المحافظة على وحدة الشعب بغض النظر عن المواقف السياسية، فمجند مثل أحمد الكاملي له عائلته وأقرانه وقريته ومدينته، فعندما يتم حذفه من قوائم الشهداء، أو تشويه صورته، كيف سيكون رد الفعل من دوائره القريبة؟".

يوسف أكد أن "هناك المئات وربما الآلاف مثل الكاملي في الجيش، ويقومون بخدمة الوطن، بغض النظر عن الانتماء السياسي، وليس من المصلحة أن يتم وصمهم بأي صفة من الصفات الدارجة بحق المعارضين السياسيين".

وخلافا لما فعلته "اليوم السابع"، جاء بيان جامعة الأزهر التي تخرج منها أحمد الكاملي ناعيا للشهيد ومعبرا عن فخر الجامعة بانتماء الكاملي لمؤسسة الأزهر الجامعة.

البيان قال: "جامعة الأزهر برئاسة الدكتور محمد المحرصاوي، رئيس الجامعة، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه القبلي والمشرف العام على قطاع المستشفيات، وجميع منسوبي الجامعة تنعي الشهيد البطل أحمد علي محمد أحمد الكاملي، خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بأسيوط، الذي استشهد أمس جنوب مدينة بئر العبد بمحافظة شمال سيناء".

مضيفا: "نسأل المولى عز وجل أن يتغمد الشهيد بواسع رحمته، وأن يرزق أهله وذويه الصبر والسلوان، وأن يديم الأمن والأمان والسلامة والاستقرار على مصرنا الغالية وشعبها الأصيل". 

ليس وحده

مثل أحمد الكاملي، الكثير من العسكريين ضباطا وجنودا معارضين ومناهضين لحكم السيسي، وهو ما كشف عنه الفنان والمقاول محمد علي، في 17 سبتمبر/ أيلول 2019، في أحد مقاطعه المصورة.

علي قال: "الكثير من ضباط الجيش والشرطة تواصلوا معه، وأبلغوه بتضامنهم مع تحركاته المناهضة للفساد داخل مؤسسات الدولة، والرامية لإسقاط السيسي، والقيام بثورة ضده"، لافتا إلى أن هؤلاء الضباط عبّروا له عن نيتهم "التحرك ضد السيسي، لأنهم يريدون التحرر".

وأكد علي: "اللعبة بيننا والسيسي كبيرة. حتى أن الحرس الخاص به قد يكونوا غير راضين عنه، وهذا أمر طبيعي لأنهم بالتأكيد مثلنا لديهم عقل".

علي الذي حظيت مقاطعه المصورة بمتابعة واسعة داخل مصر وخارجها، شدد على أنه "ليس كل أفراد الجيش والشرطة فاسدين، إلا أنهم يعملون تحت إدارة خاطئة، لكن مؤسستي الجيش والشرطة بهم الكثير جدا من الوطنيين".

ما يؤكد صحة كلام الفنان والمقال المصري ما حدث في أغسطس/ آب 2015، عندما قضت محكمة عسكرية بالسجن لفترات متفاوتة على 26 ضابطا بالجيش برتب مختلفة بعد إدانتهم بتهم شملت التخطيط لانقلاب عسكري.