عملة بلاستيكية جديدة.. لماذا يثير طرحها التخوفات في مصر؟
أثار إعلان البنك المركزي في مصر عن استعداده طرح عملة بلاستيكية جديدة مطلع يوليو/ تموز 2020 بدلا من العملة الورقية المتداولة، حالة من الارتباك على وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة تداول بعض السيناريوهات المتوقعة عقب إصدار تلك العملة الجديدة المصنعة من مادة البوليمر.
أبرز ما تداوله الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي هو أنه سيتم إصدار حزمة من القوانين تشمل إعطاء فترة سماح لحاملي العملات الورقية القديمة من أجل إيداعها في البنوك وليس استبدالها بهدف استقطاب أموال الاقتصاد غير الرسمي داخل القطاع المصرفي وبالتالي ينغمس داخل الاقتصاد الرسمي.
كما ذكر ناشطون أن تلك الخطة تأتي في إطار تحجيم المتهربين ضريبيا من خلال إلزام المتعاملين بتقديم إقرار ضريبي يتوافق مع أمواله التي سيودعها، كما سيتم إجبار الشركات على التحول الرقمي واستخدام Core Pay System وE-Finance، وأنه سيتم تحجيم حرية السحب على أن يتم فتح المجال للتحويلات البنكية سواء عبر شبكة الإنترنت أو من خلال البنك نفسه.
ونفى البنك المركزي المصري تلك الأنباء، مؤكدا أنه لا صحة لإلزام المواطنين باستبدال جميع العملات الورقية بالعملات الجديدة البلاستيكية بحد أقصى نهاية شهر يونيو/حزيران 2020، موضحا أنه لم يتم تحديد أي موعد لطرح العملات المصنوعة من مادة البوليمر.
وشدد البنك على أن كافة العملات الورقية المستخدمة حاليا سارية كما هي دون تغيير، وأنه عند البدء في التحول إلى العملات البلاستيكية الجديدة، سيتم طرح فئة الـ 10 جنيهات كمرحلة أولى، على أن يتم طرح باقي فئات العملة الجديدة تباعا، محذرا من الانسياق وراء تلك الشائعات التي تستهدف إثارة البلبلة بين المواطنين والإضرار بالاقتصاد الوطني.
واقعية الخطة
يرى الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، أن تغير مادة صنع العملة أمر مهم وضروري لأن المادة الموجودة في مصر الآن تكلف الدولة أموالا كثيرة كما أنها سريعة التلف، مضيفا أن هذا الأمر كان معروضا منذ أكثر 20 سنة من قبل البنك المركزي المصري ولكن أصحاب المصالح في استيراد المادة الخام الحالية لصناعة الورق هم من عطلوا هذا الأمر.
وأشار ذكر الله، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن هناك دولا عديدة سبقت مصر في استخدام مادة البوليمر في صناعة عملتها المحلية مثل البرازيل وألمانيا وغيرها من الدول كونها أقل تكلفة وأكثر استدامة وأقل عرضة للتزوير وأكثر سيطرة من قبل البنك المركزي.
وتتميز مادة البوليمر "الصديقة للبيئة" بمقاومتها للماء، ومن منظور بيئي فهي تطيل عمر العملة النقدية، ورغم التكلفة الباهظة لطباعة النقود البلاستيكية، إلا أنها تعد موفرة للحكومات، إذ تعادل في عمرها أربعة أضعاف عمر العملات العادية المصنوعة من القطن، علاوة على أنها مقاومة للرطوبة والغبار، وتتميز بسهولة الاستعمال في آلات الصراف الآلي، وأكثر أمانا ضد خطر التزييف لصعوبة تزويرها، مع توقع تقلص حجمها.
وأكد ذكر الله، أن إحلال مادة جديدة مقابل واحدة قديمة يأخذ الكثير من الوقت وليس كما يتوقع البعض، فعلى سبيل المثال: عند حديث البنك المركزي المصري عن الفئة الجديدة قال إنه سيطرح فئة الـ 10 جنيه لمدة عام أو ما يقارب العام.
وبالتالي هذه فئة واحدة من الفئات المستخدمة وفي حال كل فئة استغرقت نحو 6 أشهر، فهذا يعني أن تلك العملية تستغرق ما بين 4 إلى 6 سنوات على الأقل وبالتالي إحلال العملة الجديدة محل القديمة سيأخذ فترة طويلة من الزمن.
وبرهن ذكر الله على ذلك من خلال تجربة مماثلة في تركيا، فمنذ أشهر قليلة فقط تخلصت أنقرة من أخر عملة تركية قديمة (والتي كان أمامها 6 أصفار)، أي بعد أكثر من 10 سنوات من تخلي أنقره عنها كعملة أساسية، وبالتالي لا يمكن التعويل على هذه الخطة في إبرام خطط حكومية قصيرة المدى.
وتعد أستراليا من الدول الأوائل فى صناعة هذه العملات منذ عام 1988، بالتعاون بين البنك المركزى وجامعة ملبورن ومنظمة الكومنولث للعلوم والصناعة «CSIRO»، وكانت أولى ثمار هذا التعاون هي ورقة العشرة دولارات، واستمر التطوير باستخدام بصمات تكنولوجية على أطراف العملة لمنع تزويرها، حتى حولت أستراليا كل عملاتها الورقية إلى بلاستيكية عام 1996.
وكانت الكويت أول دولة خليجية تتبنى العملات البلاستيكية من الأوراق النقدية، حسب «فاينانشال» تايمز البريطانية.
صعوبة التنفيذ
وأوضح ذكر الله، أن الخطة المتداولة على السوشيال ميديا حول الاتجاه إلى التعاملات البنكية الإلكترونية بشكل كلي، أمر صعب تنفيذه "لأن مكون الاقتصاد المصري أو تنظيم نواحي الإنسان المصري عن طريق نظام إلكتروني يكون جزء منه نقود غير متوافر بصورة كلية".
وتابع: أن "مصر ما زالت حديثة عهد بتحويل الأموال إلكترونيا عبر الموبايل أو المصرف الجوال"، مضيفا بأنه تم مؤخرا تحويل بعض الخدمات الحكومية إلى إلكترونية مثل شهادات الميلاد والوفاة وغيرها".
ولكن في النهاية تبقى المنظومة الكلية في مصر يدوية وليست إلكترونية ومن بينها القطاع النقدي، وبالتالي تحويل جزء من المنظومة لن يكفي فهناك حاجة لتغير كلي للمنظومة للوصول إلى هذا الشكل الأخير، وفق قوله.
واعتبر ذكر الله، أن إحكام السيطرة على القطاع غير الرسمي ليس بالأمر السهل، خاصة أن هذا القطاع يعمل به نحو 4.4 مليون عامل وفقا لجهاز التعبئة والإحصاء بنسبة تتراوح بين 40 إلى 50 بالمئة من الاقتصاد المصري على أقل تقدير.
وفى دراسة تعود إلى نهاية عام 2018، أعدتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية، عن حجم الاقتصاد غير الرسمي أو ما يطلق عليه الخفي، فإنه قدر بحوالى 4 تريليون جنيه، تعادل نحو 60 بالمئة من حجم التعاملات السنوية للاقتصاد والمقدرة بنحو 400 مليار دولار.
وحول تحجيم التهرب الضريبي من خلال العملة الجديدة يرى ذكر الله، أنه من واقع تجارب دول أخرى يستلزم النظام الضريبي جهازا أو تنظيما إلكترونيا لا يأخذ في الاعتبار فقط الأموال وإنما كل معاملات الشركات بداية من إيجار مبنى الشركة ومرورا بمرتبات العمال والضرائب العقارية والضريبة المضافة وغيرها.
التهرب الضريبي
وأرجع الخبير الاقتصادي، أسباب التهرب الضريبي الذي يعد شائعا للغاية في المجتمع المصري إلى إحساس عام من قبل المصريين بأن الدولة لا تقوم بما عليها من واجبات ووظائف تجاه المواطنين عوضا عما تحصله من إيرادات، وبالتالي الجميع يرى أن التهرب الضريبي ليست جريمة أخلاقية ولا قانونية.
بالإضافة إلى أن كبار المتهربين من الضرائب لهم مصالح ممتدة ومتشابكة مع أجهزة الدولة المختلفة وبالتالي فإن إبقاء منافذ للتهرب ولتحويل الأموال إلى الخارج هي أمور هامة بالنسبة لهؤلاء الموجودين في السلطة ولا أعتقد أنهم سيحاربون أنفسهم بمثل هذه القواعد أو الإجراءات الجديدة.
وطالب الدولة بالعمل على إشعار المواطنين أن ما تقوم بتحصيله من ضرائب يعود عليهم بالنفع العام من خلال تعظيم الخدمات الصحية والتعليمية وبقية الخدمات المقدمة إليهم حكوميا.
وأكد على أنه "بدون هذا التحسين في الخدمات لن يشعر المواطن بقيمة ما يدفعه من ضرائب وبالتالي سيستمر في محاولات التهرب أيا كان النظام المتبع سواء كان عن طريق نظام مصرفي ونقود جديدة أو النظام القديم".
وتشير التقديرات غير الرسمية، إلى أن حجم المتأخرات الضريبية في مصر يقدر بأكثر من 130 مليار جنيه (8.25 مليار دولار)، فيما يبلغ حجم التهرب من الضرائب نحو 400 مليار جنيه (25.40 مليار دولار)، ليرتفع إجمالي ما تعتزم الحكومة المصرية تحصيله من هذه الحملة إلى نحو 530 مليار جنيه (33.65 مليار دولار).
العملة ليست حلا
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، أن إصدار العملة البلاستيكية سيحقق مجموعة من الإيجابيات للاقتصاد المصري أولها توفير التكلفة الاقتصادية بشكل أكبر من استخدام العملات الورقية بالإضافة إلى طول عمرها الافتراضي.
وبالتالي لن يحتاج البنك المركزي المصري إلى طباعة نقود على فترات قصيرة، بالإضافة إلى أن استخدام الأوراق النقدية وتداولها بشكل كبير يؤدي إلى نقل العدوى أو ما إلى ذلك بينما النقود البلاستيكية يمكن غسلها وتنظيفها وفقا للإجراءات الخاصة بالوقاية.
وأشار الصاوي، خلال حديثه لـ"الاستقلال"، إلى أن القطاع غير الرسمي يعاني في مصر من مشكلات كبيرة جدا وليس فقط قضية استبدال العملة فهذا القطاع له حقوق كثيرة وعلى الحكومة مجموعة من الواجبات لنقل الشريحة الأكبر من القطاع غير الرسمي إلى الرسمي، على أن تؤدي الحكومة واجبها في إنفاق الضرائب في مصادرها ومجالاتها الصحيحة التي يشعر بها المواطن سواء كان في القطاع المنظم أو غيره.
وأكد الصاوي، أن الانتقال من العملات الورقية إلى البلاستيكية لا يؤدي بالضرورة إلى تحجم التهرب الضريبي إلا إذا كان هذا مرتبطا بضبط عمليات التعامل المالي من خلال الجهاز المصرفي كأن يتم تحديد سقف للتعامل الكاش بعيدا عن الجهاز المصرفي.
وهذا كأن تقول الحكومة مثلا "ممنوع التعامل بالكاش أو خارج الجهاز المصرفي بمبلغ أكثر من 10 آلاف جنيه، وبذلك سيتم التعامل مع جميع التعاملات بعد هذا المبلغ في الجهاز المصرفي ويمكن من خلال هذه الآلية حصر المجتمع الضريبي، لكن العملة البلاستيكية في حد ذاتها ليست أداة ذلك الحصر".