المنزل تحول لساحة معركة.. هذا ما تعانيه النساء في زمن كورونا
توالت التقارير التي تشير إلى ارتفاع حاد في حالات العنف المنزلي ضد النساء والفتيات في أماكن مختلفة من العالم، وذلك مع اتساع رقعة إجراءات الإغلاق التي تتخذها الدول للحد من انتشار فيروس كورونا.
الشكايات الكثيرة جعلت الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يدعو إلى اتخاذ تدابير لمعالجة "الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي" ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق التي تفرضها الحكومات نتيجة جائحة كورونا.
وفي إشارة إلى نداءاته المتكررة لوقف إطلاق النار في النزاعات حول العالم، للتركيز على النضال المشترك ضد فيروس كورونا، قال الأمين العام: "العنف لا يقتصر على ساحة المعركة. فبالنسبة للعديد من النساء والفتيات، أكثر مكان يخيم فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهن: منزلهن".
وأضاف: "الجمع بين الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن كورونا، وكذلك القيود المفروضة على الحركة، أدت كلها إلى زيادة كبيرة في عدد النساء والفتيات اللواتي يواجهن الإساءة، في جميع البلدان تقريبا".
موجة عنف
في روسيا تلقى مركز الإغاثة الخاص بضحايا العنف المنزلي، في مارس/ آذار 2020، ألفين و537 بلاغا عن حالات عنف منزلي، بزيادة 25% عن الأشهر العادية، وأغلبها بسبب تناول الرجال للخمور.
وأقر بعض مدمني الخمور أن حالتهم تدهورت بسبب الحجر المنزلي وتحولت حياتهم إلى اكتئاب مستمر فازدادت عدوانيتهم كما نما مع ذلك العنف الأسري وارتفعت موجات العنف المنزلي ضد النساء.
وارتفعت حالات العنف المنزلي في فرنسا، مثلا، بأكثر من 30 في المئة خلال أسبوع واحد، ما دفع السلطات إلى الإعلان عن سلسلة من الإجراءات لمساعدة النساء على التبليغ عن تعرضهن للعنف وإيوائهن.
وخرجت تقارير مشابهة في كل من بريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وغيرها، أما في العالم العربي، فجاءت الصرخة من لبنان، حيث صرحت قوى الأمن الداخلي هناك أن الخط الساخن المخصص لتلقي شكاوى العنف الأسري شهد ارتفاعا في عدد الاتصالات التي وصلته بنسبة 100 في المئة خلال مارس/آذار 2020، مقارنة بالفترة نفسها من 2019.
بيان من المجلس النسائي اللبناني رافق الحجر المنزلي بسبب جائحة الكورونا تسجيل حالات عنف أسري غير مسبوقة، إن من حيث العدد...
Posted by Lebanese Council of Women المجلس النسائي اللبناني on Tuesday, April 7, 2020
لا توجد إحصاءات دقيقة في مصر بسبب إغلاق المؤسسات المعنية تجاوبا مع إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا.
وفي العراق وصل الأمر إلى حد إحراق شابة لنفسها خلال أيام الحظر، هربا من عنف متواصل من زوجها وعائلته. وشغلت قصة الشابة مواقع التواصل الاجتماعي.
وتحولت إلى قضية رأي عام قبل وفاتها جراء الحروق الخطيرة، خصوصا عندما أفادت مصادر إعلامية أن زوجها ضابط في الجيش.
الحادث جعل منظمة "هيومن رايتس ووتش" تدق ناقوس الخطر، وتدعو لإقرار قانون ضد العنف الأسري، والتحقيق في الحالات مع الملاحقة القضائية، وضمان العقوبات المناسبة للعنف ضد المرأة.
وأشارت المنظمة إلى أن تدابير مكافحة العنف الأسري أصبحت أكثر إلحاحا في سياق جائحة كورونا.
وحذرت "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" من أن إجراءات الإغلاق يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات العنف في المنزل، كما يتضح من تصاعد العنف الأسري في جميع أنحاء العالم.
غير آمن
"المنزل لم يعد مكانا آمنا لي، ماذا أفعل؟" سؤال تلقته منظمة الصحة العالمية بكثافة خلال الجائحة، فنصحت المعنفات بالتواصل مع العائلة والأصدقاء والجيران، وطلب الدعم من الخط الساخن أو عبر الإنترنت للناجين من العنف.
كما أوصت بوضع خطة أمان في حالة تصاعد العنف، تتضمن إيجاد مأوى للذهاب إليه في حال مغادرة المنزل فجأة بحثا عن الأمان، مع الاحتفاظ ببعض العناصر الأساسية، مثل وثائق الهوية والهاتف والمال والأدوية والملابس، وقائمة بأرقام الهاتف في حالة الطوارئ.
واعتبرت المنظمة العنف ضد المرأة انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان الخاصة بالمرأة، بغض النظر عن مكان حدوثه أو مكانه أو كيفية حدوثه. مشيرة إلى أن هناك العديد من أشكال العنف ضد المرأة، والتي لها العديد من العواقب الصحية السلبية المحتملة على النساء وأطفالهن.
وأوضحت منظمة الصحة العالمية أنه يمكن أن يؤدي العنف ضد المرأة إلى إصابات ومشاكل جسدية وعقلية وجنسية وصحة إنجابية خطيرة، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة.
غالبا ما تكون آثار العنف طويلة الأمد، ويمكن أن يكون للعنف - بجميع أشكاله - تأثير على رفاهية المرأة طوال حياتها، بحسب المنظمة، التي شجبت الأمر، وشددت على أنه "لا يمكن تجاهل مخاطر العنف التي تواجهها النساء وأطفالهن خلال الجائحة".
وحثت المنظمة على دعم هؤلاء النساء، قائلة: "عندما نكون قادرين على منع العنف، أو دعم النساء الناجيات من العنف، فإننا نساعد على حماية حقوق الإنسان للمرأة، وتعزيز الصحة البدنية والعقلية ورفاه المرأة طوال حياتها. وهذا يساعد أيضا في تخفيف الضغط على الخدمات العامة الأساسية الممتدة بالفعل، بما في ذلك النظام الصحي".
"لست وحدك"
تونس التي أقرت عام 2017 قانونا شاملا لحماية المرأة من العنف، أعلنت السلطات فيها إطلاق خط ساخن مجاني يعمل على مدار الساعة، لتلقي الشكاوى حول العنف الأسري خلال فترة العزل الصحي، وروّجت لهذا الخط عبر وسائل الإعلام المختلفة.
جاء الإعلان عن هذا الإجراء بعد أيام من تصريح وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن في تونس، أسماء السحيري، عن تسجيل 40 بلاغا من نساء تعرضن للعنف خلال الأسبوع الأول من الإغلاق، مقارنة بـ 7 بلاغات خلال نفس الفترة من العام الفائت.
وفي لبنان أصدر النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، تعميما بشأن كيفية التحقيق في هذه الدعاوى.
ووجه عويدات إلى فتح محاضر تحقيق فورية في جميع قضايا العنف الأسري، حتى في حالات الجرائم غير المشهودة، وعدم اشتراط حضور الضحية لمركز التحقيق، في حال قالت إنه لا يمكنها الانتقال بسبب الأوضاع الصحية (كورونا)، وقيام المحامي العام الاستئنافي المتخصص بالاستماع إليها عبر تقنية "الفيديو كول".
وأطلقت الحكومة البريطانية حملة جديدة للتوعية بعنوان "لست وحدك" من أجل طمأنة المتضررات من العنف المنزلي.
لكل شخص نجي من علاقة مؤذية، عنف منزلي، أي اعتدائات نفسية، جسدية أو جنسية، انت مش لوحدك! زي ما في ناس كتير اتعرضت لدا في...
Posted by Yasmine Madkour - ياسمين مدكور on Monday, March 9, 2020
وأطلقت منظمة “أبعاد” دعوة مفتوحة إلى التضامن مع النساء، بالوقوف في شرفات المنازل، تحت شعار: “الحجر مش حجز”.
بعد أن رصدت حالات نساء كثيرات لا يملكن القدرة على التبليغ عن تعرضهن لعنف، لعدم امتلاكهن هواتف، أو حتى القدرة على الاختلاء بأنفسهن للتواصل مع الجهات المختصة للمطالبة بالحماية.
تفريغ الغضب
وفيما أفادت غالبية المنظمات العاملة في مجال حماية المرأة بارتفاع نسب التبليغات من نساء تعرضن للعنف مؤخرا، عزا المتخصصون أسباب موجات العنف المتزايدة عبر العالم إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية خلال الجائحة.
الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها العالم، وما نتج عنها من ضغوطات، شكلت عاملا أساسيا في زيادة العنف، وكذا الحجر المنزلي وكل ما تزامن مع أزمة كورونا.
من جهتها وصفت صحيفة "إندبندنت" البريطانية خسارة الكثير من العمال دخلهم اليومي، وتفاقم المشاكل المنزلية والإغلاق وسط ظروف شخصية ومالية ودولية غير واضحة بـ"الماراثون النفسي القاسي".
الصحيفة أفادت بأن الشرق الأوسط ليس استثناء، إلا أن منظمات حقوق الإنسان تقول: إن العنف المنزلي يزداد بسبب المشاكل المالية والأزمات السياسية التي تعاني منها المنطقة، حيث الإغلاق صارم في عدد من الدول إذ لا يسمح بممارسة الرياضة.
قارنت الصحيفة بين الوضع في المنطقة وبريطانيا، التي ارتفعت فيها نسبة الاتصالات على الخطوط الساخنة للعنف المنزلي، بنسبة 48 بالمئة.
وشاركت بريطانيات على مواقع التواصل الاجتماعي صورا توثق تعرضهن لعنف منزلي، وكشفت معلومات أحد برامج المتابعة للعنف ضد النساء أن 14 امرأة، وطفلين، لقوا مصرعهم في الأسابيع الأولى للإغلاق.
“Women share horrific photos of injuries to raise awareness of domestic violence as 14 are killed since start of lockdown”—Article posted in COMMENTS SECTION ��
Posted by Elsa Paris on Tuesday, May 5, 2020
الأخصائية الاجتماعية، لانا قصقص، قالت للأناضول: إن الحجر هو "حالة جديدة على العائلات، وهناك صعوبة في التعامل معه". وتوقعت أن "ترتفع حالات العنف ضد النساء والأطفال، كونهم الفئات الأكثر ضعفا في مجتمعنا، خصوصا أنهم يصبحون أداة لتفريغ الغضب لدى الرجال".
ونصحت النساء اللواتي يتعرضن لعنف بالتواصل مع المنظمات النسائية ومع أشخاص يثقن بقدرتهم على تقديم المساعدة خلال الحاجة.
المصادر
- نساء معنفات ينشرن صورهن على وسائل التواصل الاجتماعي
- معاناة المرأة اللبنانية.. كورونا خارج المنزل وعنف داخله
- Violence against women during COVID-19
- Domestic abuse killings appear to double during UK's lockdown
- كورونا يرفع نسب استهلاك المشروبات الكحولية في روسيا
- العراق: الحاجة مُلحَّة إلى قانون مناهضة العنف الأسري
- ملاك الزبيدي: قصة عراقية قضت حرقا تسلط الضوء على العنف الأسري