خسر مواقعه في الغرب.. هل تكون نهاية حفتر على أسوار ترهونة؟

12

طباعة

مشاركة

لا يبدو أن خيار المواجهة العسكرية الذي انتهجته حكومة الوفاق الليبية منذ إطلاق عملية "عاصفة السلام" قد يتوقف عند حدود مدينة ترهونة التي تعد أهم معقل لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. 

في 25 من شهر/مارس آذار 2020، أطلقت حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا عملية عسكرية واسعة للرد على خروقات حفتر المتكررة لإقرار وقف لإطلاق النار بعد مؤتمر برلين الذي عقد نهاية العام 2019.

ونجحت حكومة الوفاق باستعادة مدن إستراتيجية على طول الساحل الغربي الممتد من العاصمة طرابلس حتى الحدود التونسية، بالإضافة إلى حصار قاعدة الوطية التي تحوي مطارا عسكريا، قبل أن تطبق قوات الوفاق الحصار على مدينة ترهونة (غربا) وتسجل تقدما واسعا في أكثر من محور.

ويرى العديد من المتابعين للشأن الليبي أن حكومة الوفاق تبنت الخيار العسكري لإنهاء عدوان حفتر على طرابلس والمستمر منذ 4 أبريل/نيسان 2019، فيما قد يفتح تقدم القوات الشرعية الباب أمام مواجهة مفتوحة مع حفتر قد تصل حتى لمعاقله في الشرق الليبي. 

ترهونة وما بعدها

أكد الخبير في الشأن الليبي عصام الزبير أن معركة السيطرة على مدينة ترهونة لن تطول لأكثر من أيام وهي شبه محسومة لصالح قوات حكومة الوفاق التي تحاصر المدينة من أكثر من جانب، وتتقدم ببطء في الوقت الذي فتح فيه طريق لانسحاب المدنيين من محاور القتال. 

ففي الأيام الماضية، أجبر عنصر المباغتة مليشيات حفتر على التراجع من عدة مواقع، لتكثف من ضرباتها بالمدفعية الثقيلة لتغطية عمليات الانسحاب، كما وجهت نداءات عاجلة أطلقت من داخل ترهونة تطالب القوات بالتراجع عن طرابلس والتوجه نحو ترهونة للدفاع عنها، وذلك بعد إعلان قوات الوفاق تمكنها من اقتحام معسكر الحواتم في المدينة. 

وبتحرير مدينة ترهونة، ينتهي وجود مليشيات حفتر بالغرب الليبي، وتتقهقر حملته العسكرية المدعومة من مصر والإمارات والسعودية من أجل السيطرة على العاصمة طرابلس.

ويضيف عصام الزبير في حديث لـ"الاستقلال": أن "تصريحات وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاعا بأن العملية العسكرية لن تتوقف وهي تتجه للسيطرة على ما بعد ترهونة، وتجديده رفض الجلوس على طاولة الحوار مع حفتر، يأتي ضمن إستراتيجية لبسط نفوذ الحكومة على كامل التراب الليبي".

وأكد الزبير أن القوات الموالية لحفتر في أكثر من منطقة قطع عنها الدعم ولم يقدم لها أي إسناد في أكثر من مرة، كما أن الكثير من مساندي حفتر فقدوا الثقة فيه خاصة بعد العمليات الأخيرة التي سيطرت فيها حكومة الوفاق على عدد من المدن.

كما قالت بعض وسائل الإعلام في الدول الموالية: إن حفتر سلم المدن الليبية لحكومة الوفاق. وفقدت عدد من المناطق ثقتها في قدرة حفتر على تحقيق أهدافه ما يرى فيه مراقبون، مؤشرا على تفكك معسكره و"اكتشاف حقيقة الوهم الذي يروج له".

ما قبل العاصفة 

في تصريح لوكالة رويترز يوم 1 مارس/آذار 2020، قال فتحي باشاغا: إن حكومته المعترف بها دوليا "ستسعى قريبا إلى طرد قوات شرق ليبيا التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر وتهاجم العاصمة طرابلس منذ شهور".

وأضاف باشاغا، في نفس المقابلة: أن "حكومة الوفاق وقواتها لا تريد أن تكون طرابلس تحت القصف يوميا وسنطرد هذه القوات خارج العاصمة".

في تلك الفترة شهد محيط العاصمة الليبية تكثيفا للقصف الصاروخي والمدفعي من قبل مليشيات حفتر، أدى مرارا لإغلاق مطار معيتيقة، الوحيد العامل في العاصمة وتسيطر عليه حكومة الوفاق الوطني، بالإضافة  إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين .

ورغم إعلانها، نهاية شهر مارس/آذار 2020 الموافقة على هدنة إنسانية للتركيز على جهود مكافحة فيروس كورونا، إلا أن مليشيات حفتر تواصل خرق التزاماتها بقصف مواقع مختلفة بالعاصمة.

وفي الوقت الذي يطالب الشارع المناهض لحفتر بشن هجوم واسع وإبعاده عن ترهونة، وقلب الموازين خاصة مع إمكانية تراجع الدعم العسكري والمادي المقدم من الإمارات والسعودية لحفتر مع انهيار أسعار النفط وانهماك حكومات هذه الدول في سبل مكافحة جائحة كورونا.

وقال رئيس حكومة الوفاق فايز السراج في أول تعليق على عملية عاصفة السلام: "إننا حكومة شرعية مدنية تحترم التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، لكنها ملتزمة قبل ذلك تجاه شعبها وعليها واجب حمايته، في إطار حق الدفاع المشروع عن النفس وفي حدود القانون الدولي".

وأضاف: "أكدنا أننا سنرد على الانتهاكات المستمرة للهدنة، وقلنا وما زلنا نقول بأننا لن نقف مكتوفي الأيدي، وهذا تحديدا ما حدث حيث أصدرت الأوامر بالرد وبقوة على الاعتداءات الإرهابية المتكررة على المدنيين".  

سقوط سريع 

في بداية الأسبوع الثالث لانطلاق عملية عاصفة السلام، حققت قوات حكومة الوفاق الوطني نصرا ساحقا على مليشيات حفتر بعد سيطرتها على 8 مدن على طول الساحل الغربي، أبرزها صبراتة وصرمان اللتان كانتا تمثلان مصدر قوة لتلك المليشيات. وتوعد السراج بإعادة المرتزقة الداعمة لحفتر جثثا هامدة إلى الدول التي خرجوا منها.

وعلى إثر هذا الانتصار، خاطب السراج مليشيات حفتر وداعميهم من "العواصم المتآمرة"، بقوله: "أبناؤكم الذين بعثتم بهم ليموتوا على أرضنا سنعيدهم إليكم في توابيت برفقة وثائقهم الثبوتية".

وأضاف السراج مخاطبا الدول التي تدعم حفتر: "مدرعاتكم التي بعثتم بها صارت رمادا، وما سلم منها صار في قبضتنا وسنحفظها في متحف الحرب لتظل شاهدا على غدركم وتلعنكم الأجيال مدى الدهر، وذخائركم التي قتلت أبناءنا وطائراتكم التي دمرت مدننا وغطرستكم أيضا ستحاسبكم عليها شعوبكم قبلنا".

بعد إنهاء قوات قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا سيطرة مليشيات حفتر على تلك المدن، اتجهت أنظارها نحو مدينة ترهونة غربي ليبيا التي يقبع بها "اللواء التاسع" التابع لحفتر والتي تشكل الخطر الأكبر على طرابلس، كونها النقطة الفاصلة والأخيرة في الحرب الدائرة في البلاد.

وأعلنت قوات الحكومة الليبية يوم 19 أبريل/نيسان 2020، إطلاق عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على مدينة ترهونة، بهدف التوغل نحو المدينة الإستراتيجية ، وأضاف: "تتقدم حكومة الوفاق بغطاء جوي مساند للعملية البرية".

وبحسب خبراء عسكريين فإن تقدم الجيش من ثلاثة محاور أربك ميليشيات حفتر وتسبب في انهيارهم ووقوع عدد كبير منهم أسرى، وهو ما أجبرهم على سحب مجموعات من محاور طرابلس، الأمر الذي انعكس إيجابا لصالح الوفاق في محاور القتال جنوب العاصمة.

فاتساع رقعة الحرب شل قدرة قوات حفتر على صد الهجوم، حيث إنها في الفترة الأخيرة نهجت سياسة الضغط على محور أو محورين، مما أعطى مؤشرا على مدى الإرهاق الذي وصلت إليه.