شتت شملها.. كيف بدد كورونا سراب "دولة السيسي الجديدة"؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

من كان يستمع إلى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في عام 2019، وهو يقول: "أنا بعمل دولة جديدة"، يظن أنه سخر جميع إمكانيات الدولة لتشييد بنية تحتية قوية في قطاعات التعليم والصحة مثلا، إلا أن الواقع أكد أن مقصد السيسي من بناء الدولة الجديدة، تمثل في بناء القصور الرئاسية، والعاصمة الإدارية الجديدة التي تمكنه من العيش مع وزرائه بعيدا عن ازدحام القاهرة وضوضائها.

جائحة فيروس كورونا، عرت طريقة عمل السيسي طيلة 7 سنوات في بناء دولته الجديدة، بلا سياسات أو إستراتيجيات أو رؤى وخطط، متجاهلا قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة كانت مصر في أمس الحاجة إليها في مثل هذه الأوقات والظروف الصحية الصعبة.

مصر اليوم ليست في حاجة إلى القصور الفاخرة، قدر احتياجها إلى مستشفيات مركزية مجهزة بالأسرة وأجهزة التنفس الصناعي، لإنقاذ حياة أكثر من 100 مليون مواطن، يواجهون خطر الإصابة بجائحة كورونا.

قصور معطلة 

سوء حالة المستشفيات، وقلة التجهيزات والمستلزمات الطبية لمواجهة كورونا في مصر، تسبب في إطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، مطلع أبريل/ نيسان 2020، بعنوان "قصور السيسي للحجر"، بعد أن أجبر النظام المصريين العائدين من الكويت لقضاء الحجر الصحي على نفقتهم الخاصة قبل أن تتراجع عن القرار إثر الضغوط التي شكلها الرأي العام عبر مواقع التواصل ووسائل الإعلام.

القصور التي طالب المواطنون بتحويلها لأماكن للحجر الصحي، كان المقاول والفنان محمد علي، أول من كشف عنها في 8 سبتمبر/ أيلول 2019.

"علي" قال في سلسلة مقاطع مصورة على يوتيوب: إن السيسي بعد توليه الرئاسة كلفه ببناء قصر جديد و5 فيلات لمعاونيه، تقع جميعها في منطقة الهايكستب العسكرية (شرق القاهرة)، والقصر يربطه نفق سري بمبنى إداري مكون من 4 طوابق، أما فيلات المعاونين فيربط نفق سري أيضا بين كل فيلا منهم بمبنى إداري مكون من طابقين.

وذكر المقاول المصري أنه أثناء عملهم حسب الخطة الجديدة وردتهم أوامر بالتوقف لأنه سيتم الانتقال إلى مقر جديد يجمع جهات الحكم كلها، اسمه "الكيان"، يحتوي على 5 قصور في منطقة الجولف بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة، والتي يسكن السيسي في أحدها حاليا. 

وفي 1 سبتمبر/ أيلول 2019، أعلنت الحكومة قرب الانتهاء من بناء قصرين رئاسيين جديدين، أحدهما ستتخذه السلطة مقرا شتويا بالعاصمة الإدارية، والآخر صيفيا بمدينة العلمين الجديدة غربي الإسكندرية.

توسع السيسي في بناء القصور الرئاسية لم يأت بسبب نقص أو عجز في العدد، فمصر بها 90 قصرا واستراحة للرئيس موزعة بين محافظات مختلفة من بينها 8 قصور تاريخية.

قصر العلمين الرئاسي

دولة جديدة!

حديث القصور الرئاسية وشبهات الفساد، دعت السيسي للرد على المقاول، في 14 سبتمبر/ أيلول 2019، عندما تحدث بلهجة غاضبة متحفزة بمؤتمر الشباب، قائلا: "قصور رئاسية؟ آه أومال إيه؟ أنا عامل قصور رئاسية وح اعمل…هي ليا؟ أنا بعمل دولة جديدة".

وأضاف: "الشائعات والادعاءات التي انتشرت أخيرا حول القصور الرئاسية، كذب وافتراء هدفها تحطيم إرادة المصريين، أيوه هبني قصور وبعمل بلد جديدة في العاصمة الإدارية".

وفي 13 سبتمبر/ أيلول 2019، بثت وسائل إعلام صورا لقصر السيسي في العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة، تظهر مساحة السكن الرئاسي بـ 50 ألف متر مربع، في الوقت الذي تبلغ فيه مساحة البيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن 5 آلاف متر مربع فقط.

أما مساحة الموقع العام للقصر والمحاطة بسور خارجي فتقدر بـ 2.3 مليون متر مربع، وهناك مساحة خارجية صممت لتكون حرما للمدخل الرئيسي للقصر، وتبلغ 180 ألف متر مربع، وتبلغ المساحة الكلية للقصر أكثر من 2.5 مليون متر مربع.

وبناء على تكاليف البناء في العاصمة الإدارية، فإن الطابق الواحد من القصر سيكلف الخزينة المصرية 2.25 مليار جنيه، وهو ما يكفي لبناء مئات المدارس أو عشرات المستشفيات، وتوفير آلاف الأسرة المجهزة بأجهزة التنفس الصناعي داخل المستشفيات.

نقص مميت

الدولة الجديدة التي تحدث عنها السيسي أكثر من مرة، لا تعرف إلا بناء القصور فقط، أما المستشفيات والمجمعات الطبية الكبرى والمراكز البحثية ورفع مرتبات الأطباء والمعلمين وأساتذة الجامعة، فليست لها مساحة داخل دولة السيسي الجديدة.

في  30 مارس/ آذار 2020، توفي الدكتور أحمد اللواح، طبيب التحاليل والأستاذ بكلية الطب جامعة الأزهر، بعدما نقل إلى المستشفى في حالة حرجة متأثرا بمضاعفات فيروس كورونا القاتل.

قبل موته، أجرى الطبيب بعض التحاليل لنفسه، فتبين أنه مصاب بالفيروس، فعزل نفسه 9 أيام، ثم طلب من زميله التواصل مع المسؤولين لإتاحة مكان له في مستشفى به جهاز تنفس صناعي، ومع صعوبة التواصل ونقص الإمكانيات، تم نقل الطبيب إلى مستشفى التضامن بمحافظة بورسعيد (شمال شرق)، لكن حالته كانت متدهورة فتوفي، حسب بيان وزارة الصحة.

أين المليارات؟

مصادر طبية مصرية كشفت لعدد من وسائل الإعلام أن أجهزة التنفس الصناعي، تقدر في مستشفيات وزارة الصحة بـ 889 جهازا، ومثلها في المستشفيات الجامعية والخاصة، وهو رقم ضئيل للغاية أمام تعداد مصر السكاني.

وفي 20 ديسمبر/ كانون الأول 2019 أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) النشرة السنوية لإحصاءات الخدمات الصحية لعام 2018، وذكر تراجع عدد الأسرة بالمستشفيات الحكومية إلى 95 ألفا و683 سريرا، مقابل 96 ألفا و111 سريرا عام 2017 بانخفاض بلغت نسبته 0.4%، بالإضافة إلى انخفاض عدد الأسرة بالمستشفيات الخاصة بنحو 661 سريرا ما بين عامي 2018 و2017 بانخفاض بلغت نسبته 1.8%.

ذلك النقص في المستلزمات الطبية، وأجهزة التنفس الصناعي دفع للتساؤل عن الأموال التي وعد بها السيسي في 22 مارس/ آذار 2020، لمواجهة جائحة كورونا.

السيسي قال: "العالم يبذل جهودا كبيرة للسيطرة على فيروس كورونا. الدولة المصرية رصدت 100 مليار جنيه لمواجهة تداعيات هذا الفيروس منذ بداية ظهوره، خصصنا هذا المبلغ واتقال هيتجاب منين.. مصر مش دولة قليلة".

لكن لم تظهر أي بشائر لتلك المليارات، مع واقع مستشفيات متهالكة، بلا أجهزة تكفي لمواجهة الأزمة، فقط إجراءات محدودة قامت بها وحدات من الجيش المصري بتعقيم عدد من المنشآت الحكومية والتعليمية.

المتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي قال: إن "عناصر تابعة لسلاح الحرب الكيميائية وإدارة الأزمات في الجيش، باشرت عمليات تعقيم وتطهير عدد من المنشآت الحكومية التي تستقبل أعدادا كثيرة من المواطنين والجامعات والمدارس".

فشل ذريع

الصحفي المصري طارق محمد، قال لـ"الاستقلال": "جائحة كورونا تمثل اختبارا صعبا للدول والحكومات في مختلف أنحاء العالم، فقوة الدولة تظهر عند الشدائد والحروب والكوارث الطبيعية، ومصر الآن على شفا الاختبار، إذا انفلتت الأمور، وتطور انتشار المرض إلى مستويات أبعد من الوضع القائم ستواجه البلاد كارثة حقيقية كبرى".

وأضاف محمد: "المستشفيات والمراكز الصحية العامة والخاصة في مصر، لا تستطيع أن تتحمل تفشي جائحة مثل كورونا مازالت مستمرة، وذلك يرجع إلى تهاون الدولة على مدار سنوات في تطوير المنظومة الصحية، فلا توجد أجهزة كافية ولا مستلزمات طبية، بالإضافة إلى النقطة الأخطر وهي هجرة الأطباء إلى الخارج، وقلة الطواقم الطبية، فكيف إذا ستواجه الدولة الجائحة وهي لا تمتلك أدوات المواجهة، مثل الجيش الذي يدخل المعركة بلا سلاح".

وتابع: "النظام القائم ارتكب جريمة حقيقية في حق الشعب، وجعله مهلهلا، لا بد أن نعترف بذلك، حيث أفسد الحياة السياسية، وأضعف البنية المجتمعية، وحطم الاقتصاد، وسعى إلى خوض معارك تصفية حسابات ضد ثوار يناير، وجماعة الإخوان المسلمين، والقوى المدنية، ولم يكتف بذلك، بل انزلق إلى مستنقع فساد غير مسبوق، ببناء القصور، وإسناد المشاريع التنموية إلى الجيش، لتصبح الدولة المصرية الآن في حالة رثة، تحتاج إلى وقفة كاملة من جميع فئات المجتمع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن تتفاقم الكارثة".