الانسحاب الأميركي من العراق.. إعادة تموضع أم تمهيد للرحيل؟

ما زال آلاف الجنود الأميركيين موجودين على الأراضي العراقية ضمن قوات التحالف الدولي الذي تأسس في سبتمبر/ أيلول 2014، بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة، موزعين بين نحو 12 قاعدة عسكرية بمناطق مختلفة من وسط وغرب وشمال البلاد.
لكن قرارا أصدرته واشنطن في 17 مارس/آذار 2020، بسحب قواتها من 3 قواعد عسكرية بالعراق، أثار علامات استفهام بخصوص أسباب الانسحاب، وهل يمهد لانسحاب كامل كما جرى في سوريا، أم أنه إعادة انتشار وتموضع ليس أكثر، وفي حال كان الخيار الأول فما هي تداعياته المتوقعة؟
أسباب الانسحاب
بيان قيادة قوة المهام المشتركة لـ"عملية العزم الصلب" التابعة للتحالف الدولي، في 17 مارس/ آذار 2020، قالت: إن تسليم قوات "التحالف" قاعدة القائم إلى قوات الأمن العراقية بمثابة "يوم تاريخي".
ونقل البيان عن العميد فنسنت باركر، مدير شؤون الاستدامة في قوة المهام المشتركة للتحالف، قوله: "تحتل القائم موقعا مهما في القتال ضد تنظيم الدولة. فقد حررت قوات الأمن العراقية منطقة القائم من شرور التنظيم، وبعد ذلك استخدمتها كقاعدة إستراتيجية خلال معركة الباغوز (مدينة سورية)، آخر معاقل الخلافة المزعومة لتنظيم الدولة. إن ما يحصل اليوم هو بفضل نجاحات شركائنا في قوات الأمن العراقية".
وأكد الجنرال الأميركي في قوات التحالف أن "قوة المهام المشتركة - عملية العزم الصلب ستقوم بإعادة نشر ودمج الأفراد والمعدات في عدة قواعد عراقية خلال 2020".
من جهته، قال الخبير العسكري حاتم الفلاحي الباحث بمركز "راسام" للدراسات السياسية والإستراتيجية: إن "التصريحات الأميركية صدرت عن إعادة تموضع وانتشار لقطعاتها"، لافتا إلى أن "الكونجرس خصص مبالغ كبيرة جدا في الموازنة وصلت إلى نحو 71 مليار دولار لتنفيذ إستراتيجيتها في الدول غير المستقرة بسبب الإرهاب وذكر منها العراق".
وفي دلالة واضحة على أن القوات الأميركية لن تنسحب من العراق الوقت الحالي، فقد خصص الكونجرس مليارا ونصف المليار دولار للجهد المدني لتأمين الاندماج في غرب العراق وسهل نينوى، حسبما أفاد به الفلاحي في حديث لـ"الاستقلال".
وأضاف أن تحريك الفرقة 101 الأميركية المعروفة بـ"النسور الزاعقة" باتجاه منطقة الشرق الأوسط واستبدالها مع عدد من الشركات الأمنية، وكذلك نشر صواريخ باتريوت، أيضا يعطي دلالة واضحة على أن القوات الأميركية ليست بصدد الانسحاب من العراق، وإنما تجري إعادة تموضع وانتشار.
وأكد الفلاحي أن "القوات الأميركية لها انتشار واسع في العراق، لكن يمكن أن تقوم بإخلاء بعض المواقع غير المهمة، ويمكن أن تتعرض لضربات من المليشيات التابعة لإيران خلال المرحلة المقبلة".
أنباء عن إعادة انتشار للقوات الأميركية وقوات التحالف الدولي، حيث من المرجح إفراغ ثلاث معسكرات مشتركة؛ معسكر القائم/غرب العراق، ومعسكر القيارة/جنوب نينوى، ومعسكر k1 /كركوك، معسكرات مشتركة لا تمتلك بنى تحتية دفاعية كاملة وسبق وأن غادرتها القوات الأجنبية مرات متعددة ثم عادت إليها.
— Husham Alhashimi هشام الهاشمي (@hushamalhashimi) March 17, 2020
وفي السياق ذاته، رجح الخبير العراقي في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي أن "تقوم قوات التحالف الدولي بإفراغ 3 معسكرات مشتركة، وهي معسكر القائم في الأنبار غرب العراق، ومعسكر القيارة في جنوب نينوى، ومعسكر (كي وان) في كركوك".
وعن أسباب مغادرة قوات التحالف الدولي لهذه القواعد في الوقت الحالي، رأى الهاشمي في تغريدة على تويتر أنها "معسكرات مشتركة لا تمتلك بنى تحتية دفاعية كاملة، وسبق أن غادرتها القوات الأجنبية مرات متعددة ثم عادت إليها".
التجربة السورية
على ضوء السياسة التي اعتمدها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب منذ وصوله السلطة بأنه سيعمل على إعادة قوات بلاده إلى أرض الوطن، فإن تقارير أشارت إلى أن الانسحاب الأخير من قواعد عدة بالعراق ربما يمهد لانسحاب كامل كما حصل في سوريا، وربما أفغانستان أيضا، في خطوة لإيقاف التكاليف المالية الباهظة، التي تستنزف الميزانية الأميركية.
ونقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن مصادر أمنية عراقية وصفتها بـ"الرفيعة"، قولها: إن إعادة التموضع/ الانتشار، إجراء روتيني، وستدفع بالقيادة العسكرية الأميركية إلى حصر وجودها في قاعدتي عين الأسد (غرب العراق) وأربيل.
وفي السؤال عن إمكانية انسحاب تلك القوات من بلاد الرافدين، وقدرة الجانب العراقي على التوصل مع الجانب الأميركي إلى جدول زمني ينظم عملية الانسحاب، أكد التقرير "عبثية المفاوضات... لأنها شراء للوقت، فالجانب الأميركي أقرب إلى فكرة الانسحاب، لجملة من الأسباب".
وأوضحت أن "التكلفة المالية الهائلة، التي تصرفها واشنطن على قواتها في العراق، قد تدفع إلى تنظيم انسحاب في المدى المنظور، خاصة أن تلك التكلفة قد بلغت خلال الأعوام الأخيرة أكثر من 1.2 تريليون دولار".
وفيما يتعلق بالهجمات المستمرّة ضد المصالح الأميركية في العراق، أشار التقرير إلى أنها "قد تدفع واشنطن إلى التعجيل في تنفيذ الانسحاب، لكن لن يكون من دون حفظ ماء وجهها. إن الانسحاب الموعود قد تسبقه ضربات أميركية مركزة ضد مقار ونقاط انتشار حلفاء طهران".
ورجح التقرير أن يكون الانسحاب بُعيد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية (تشرين الثاني/ نوفمبر 2020)، لكنه لم يستبعد، إمكانية تقريب الموعد، خاصة إن شعر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بصعوبة الظفر بالولاية الثانية، مع تفشي فيروس كورونا المستجد في بلاده، والذي سيقوض الكثير من خياراته داخليا وعالميا.
ونوه إلى أن "هذه الخيارات، وفي هذا الظرف، قد تدفع بالرئيس الأميركي إلى تنفيذ وعوده، وتكرار سيناريو أفغانستان في العراق، في الوقت المنظور، وبتطور لم يكن يحسبه أحد".
لكن الخبير العسكري العراقي حاتم الفلاحي، رأى عكس ذلك تماما، قائلا: "الولايات المتحدة تنظر إلى أنه لا يوجد لها شريك في العراق لمواجهة تنظيم الدولة، لذلك هي تنتظر تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، وإذا كانت هذه الحكومة ستؤمن المصالح الأميركية من قواعد ومصالح اقتصادية، ومن بعد ذلك ستحدد موضوع الانسحاب من عدمه".
تداعيات كبيرة
الفلاحي شدد على أن تداعيات الخروج الأميركي ستكون كبيرة جدا، فكما صرح ترامب أن بلاده ستفرض عقوبات على العراق لم يسبق لها مثيل في حال مضت حكومة بغداد بإخراج قوات بلاده، إضافة إلى تجميد أموال العراق الموجودة بالبنوك الأميركية والتي تقدر بأكثر 32 مليار دولار، كما ستمنع حكومة العراق من الوصول إلى الأموال في البنك الاحتياطي بنيويورك، والتي تودع فيه عائدات بيع النفط العراقي.
وأردف الفلاحي قائلا: "لذلك فإن أمر انسحاب القوات الأميركية سيسبب إشكالية كبيرة للعراق، إذا خرجت دون تنسيق، وليس اضطراريا، وأنا لا أعتقد أنها ستخرج".
وواحدة من الأسباب المهمة التي رآها الفلاحي أنها أيضا قد تحول دون خروج القوات الأميركية، هو أن "إيران ستكون هي المستفيد الوحيد بالسيطرة على مقدرات العراق، إذ أن الرئيس الإيراني أعلن أن بلاده تطمح إلى زيادة التبادل التجاري مع العراق ليصل إلى نحو 20 مليار دولار.
الرئيس الاميركي دونالد ترمب يقول في مقابلة مع فوكس نيوز الليلة الماضية ان #السعودية ستدفع مقابل مزيد من القوات الاميركية فيما اجبر كوريا الجنوبية على دفع أموال مقابل الجنود الاميركيين هناك كما خير #العراق بين الدفع او بقاء القوات الاميركية. pic.twitter.com/xSViODIVnG
— ZaidBenjamin (@ZaidBenjamin5) January 11, 2020
وأظهرت وثيقة رسمية تحمل توقيع رئيس الحكومة العراقية المستقيل عادل عبدالمهدي في مايو/أيار 2019، أن "عدد قوات التحالف الدولي في العراق حتى ديسمبر/ كانون الأول 2018، بلغ 8956 فردا منهم 6132 من الولايات المتحدة بصفة مستشارين ومدربين ودعم وإسناد جوي".
وتتوزع القوات الأميركية بين أكثر 12 من قاعدة وموقع عسكري، ففي المنطقة الشمالية توجد في قاعدتي التون كوبري ورانج بمحافظة كركوك، وقاعدتي سنجار والقيارة التابعتين لمحافظة نينوى، إضافة إلى قاعدة بلد بمحافظة صلاح الدين.
��
— alsanad org (@AlsanadOrg) May 7, 2019
بالوثيقة
اجابة مكتب السيد رئيس الوزراء عن سؤال السيد النائب فالح الخزعلي عن كتلة السند الوطني، حول عدد القوات الأجنبية في البلاد وماهي صفة وجودهم ، وماهي المدة الزمنية لإبقائهم في العراق pic.twitter.com/zGGSKcLRvN
وفي إقليم كردستان العراق توجد في 3 قواعد، اثنتان منها في منطقتي أتروش والحرير، والأخرى بمدينة حلبجة. أما في غرب العراق وتحديدا بمحافظة الأنبار، فهناك قاعدتا التقدم وعين الأسد، وتحوي أعدادا كبيرة من القوات الأميركية.
وعلى صعيد العاصمة بغداد، فيتركز انتشار القوات الأميركية في معسكري بسماية والتاجي، إضافة إلى قاعدة فكتوريا المحاذية لمطار بغداد الدولي. كما لهم انتشار في مواقع عسكرية تنتشر في سدّي حديثة ونينوى غرب وشمال العراق.