تحول أميركي.. ما مصير "تحرير الشام" بعد تفاهمات روسيا وتركيا بإدلب؟
لا يزال مصير "هيئة تحرير الشام" غامضا بعد توصل الجانبين التركي والروسي إلى تفاهمات نتج عنها وقف إطلاق النار في إدلب السورية بعد معارك طاحنة أدت إلى مقتل نحو 500 مدني، ونزوح نحو 948 ألف شخص غالبيتهم توجهوا إلى مناطق الشمال قرب حدود تركيا.
التشكيل المسلح الذي يقوده أبو محمد الجولاني، وشهد تحولات عدة بعد انفصاله عن "تنظيم الدولة" في 2013، وإعلان انفكاكه عن تنظيم "القاعدة" عام 2016، تصنفه روسيا والنظام السوري تنظيما "إرهابيا"، وطالما اتخذته ذريعة لمهاجمة إدلب، للتخلص من "الإرهاب".
اندماج جديد
لكن آخر التطورات التي ترددت بخصوص ما ستؤول إليه مصائر الفصائل السورية المعارضة في إدلب ومنها "هيئة تحرير الشام"، هو الحديث عن التهيئة للاندماج في تشكيل جديد يضم جميع هذه التنظيمات.
تقارير إعلامية كشفت في 14 مارس/آذار 2020، أن "العاصمة التركية أنقرة تستضيف اجتماعات لممثلي وقادة فصائل المعارضة السورية المسلحة العاملة في منطقة إدلب وريفي حلب وحماة، بهدف التباحث للاندماج تحت راية جسم واحد".
وأكدت أن جهودا تبذل من أجل انضمام "هيئة تحرير الشام" بالجسم الجديد بصيغة جديدة، لافتة إلى أن "الهيئة" التي تشكل معضلة في المنطقة، ستشهد تغييرات هامة في بنيتها من أجل تسهيل الاندماج، قد يكون بالحل والاندماج مع فصائل المعارضة.
ولفتت التقارير إلى أن "الجهود تجري لتقريب وجهات النظر بين الأطراف من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، رغم صعوبات تتعلق بمواقف الهيئة الراغبة بأن تكون لها يد عليا في القرار".
وتعد "هيئة تحرير الشام"، التي تشكل "جبهة النصرة" عمودها الفقري، بمثابة الخاصرة النازفة لتركيا والمعارضة السورية في إدلب، بسبب وضعها في قائمة المنظمات الإرهابية، وتجدها روسيا ذريعة لاستهداف المدنيين، وتوفير الغطاء الجوي للنظام للتقدم في المنطقة، بحسب التقارير.
الباحث السياسي السوري سنان حتاحت قال: "تعامل هيئة تحرير الشام مع الأحداث الحالية، أشاع بعدها أنها يمكن أن تتحول إلى حزب سياسي أو إلى العمل المدني بشكل أكبر. ربما يداعب هذا مخيلة بعض قادة الهيئة بالفعل، لكنه صعب المنال".
ورأى حتاحت، في مقابلة مصورة مع مركز الحوار السوري، أن "الوجود التركي الكبير في إدلب، أدى إلى تراجع أهمية هيئة تحرير الشام بشكل أكبر. والأهم من ذلك، تقلصت أيضا هوامش حركتها، وأن أي حركة تريد القيام بها يجب أن تكون ضمن الهوامش المسموح بها تركيا".
وأردف الباحث: "لذلك سنرى محاولات أكثر من هيئة تحرير الشام لإعادة تعريف نفسها من جديد على المستويين المدني والإداري".
أما القيادي المقرب من الهيئة الملقب بـ"أبو خالد سليم"، فقال: "هناك مداولات داخل تحرير الشام لحل نفسها، لكن ذلك لم يتبلور لموقف، فما زالت القيادة رافضة لحل نفسها إلا بشروط، منها تشكيل كيان جامع للثورة يندمج فيه الجميع، ويحافظ على المناطق "المحررة".
ورأى في تصريحات صحفية، أن "تحرير الشام أثبتت فشلها عسكريا وتنظيميا، وهو أمر لم يكن أحد يتوقعه حتى أشد الناس عداوة لها، لذا طلبت منها تركيا حل نفسها والاندماج مع الفصائل الثورية، لكن ما يزال هناك تيار قوي داخل الهيئة يرفض الحل، ويطالب بوضع هيكلية جديدة لها".
تحول أميركي
وفي إشارات أخرى اعتبرها مراقبون أنها توحي إلى إعادة تموضع جديد محتملة لـ"هيئة تحرير الشام"، وذلك من خلال ربطه بتحول الموقف الأميركي مؤخرا في التعاطي معها، بعدما صنفتها واشنطن عام 2018 على لوائح الإرهاب.
آخر نقاط التحول تلك كانت في 3 مارس/ آذار 2020، حين زار المبعوث الأميركي، جيمس جيفري، ومندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، الأراضي السورية ودخلا عبر معبر باب الهوى إلى داخل إدلب الواقعة تحت سيطرة "الهيئة" ذاتها.
وقبل ذلك، كانت التصريحات التي أدلى بها جيفري أواخر يناير/كانون الثاني 2020، حيث قال: "تحرير الشام تركز على قتال قوات النظام، ولم يشهد لها تهديدا على المستوى الدولي"، الأمر الذي اعتبره مراقبون بأنه يمثل مرونة أميركية تجاه عدوهم السابق.
وأضاف جيفري خلال مؤتمر صحفي: "تحرير الشام تعرّف نفسها أنها تمثل معارضة وطنية تضم مقاتلين وليس إرهابيين، لكن أميركا لم تقبل بهذا التوصيف بعد".
وفي تصريحات سابقة، فسّر فاتح حسون القيادي في حركة "تحرير وطن" السورية، تحول الموقف الأميركي، بالقول: "مواقف جيفري الأخيرة لم تثر الكثير من الاستغراب، فلم يحدث سابقا صدام مباشر بين الهيئة والولايات المتحدة في سوريا أو خارجها، بل قامت واشنطن باستهداف قياديين محددين في الهيئة محسوبين على الجناح المتشدد فيها، في الوقت الذي كانت لها قدرة على استهداف رأس الجولاني، ولم تفعل".
ورأى أن هذا لا يثير الريبة إذا علمنا أن "الطرف الذي تمتع بكفاءة عالية في مكافحة تنظيم الدولة هو هيئة تحرير الشام، التي تعتبر أعلم الفصائل بطريقة تقويض نفوذ التنظيم، وعملت على ذلك بجهد كبير، متجاوزة كل الحدود في ذلك. وكان لها دور واضح في تسليم رأس البغدادي إلى ترامب، ليحقق بذلك إنجازا تاريخيا، سيستثمره في الانتخابات الرئاسية المقبلة في أميركا".
وأشار حسون إلى أن أدبيات "هيئة تحرير الشام" وسياستها داخل سوريا وخارجها "تبدلت تدريجيا عما كانت عليه عندما انطلقت تحت مسمى جبهة النصرة، فقد مرت بمرحلة قطع ارتباطها مع القاعدة بشكل غير كامل، عندما حلت نفسها تحت مسمى جبهة فتح الشام، ثم فك ارتباطها الكامل تحت مسمى هيئة تحرير الشام، وفي كل مرحلة استغنت عن قيادات، وبدلت معتقدات، والتزمت بسلوكيات أقرب إلى الاعتدال شيئا فشيئا".
ورأى أن هذا "فعل يمكن البناء عليه من أجل التخلص السلمي والهادئ من التشدد، وهو ما ساهمت الولايات المتحدة - ولو كان بدرجة قليلة - في تحقيقه، في الوقت الذي عملت فيه كل من إيران وروسيا على منعه بتسهيل تشكيل تنظيمات ذات ارتباطات وثيقة بالقاعدة".
"تسوّق نفسها"
وانطلاقا من وجهة نظر القيادي في حركة "تحرير وطن" السورية، كشفت تقارير محلية نقلا عن مصادر قالت إنها قيادية في "هيئة تحرير الشام" أفادت بأن "الهيئة تسعى إلى إعادة تسويق نفسها بوجه جديد معتدل، للخروج من قائمة المنظمات الإرهابية".
وألمح المصدر في حديث لـ"شبكة شام" السورية إلى إمكانية إعلان الولايات المتحدة إزالة الهيئة من قائمة المنظمات الإرهابية قريبا. وذكر أنها تعمل منذ زمن طويل عبر وسيط دولي (لم يكشف عنه)، مؤكدا أنها استجابت للشروط والمعطيات التي تم تحديدها لرفع التصنيف عنها.
واتساقا مع ذلك، أظهرت تصريحات للقائد العام لـ"هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، جانبا من ذلك التحول الذي يتحدث عنه المحللون، إذ تحدث لموقع "مجموعة الأزمات الدولية" عن بدايات تشكيل "جبهة النصرة" واضطراره لإعلان ارتباطه بتنظيم القاعدة في البداية، كونه لم تكن لديه خيارات بعد انشقاقه عن تنظيم الدولة.
مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع الجولاني في إدلب حاول من خلالها تمرير العديد من الرسائل بعد الحديث عن الوضع الحالي في إدلب وماحولها، أبرزها:
— وائل عبد العزيز | Wael Abdulaziz (@waelwanne) February 20, 2020
- أن تنظيم هيئة تحرير الشام وطني/محلي غير جهادي وغير معولم وغير عابر للحدود ومنفتح على العالم الخارجي .https://t.co/zDwsAeG6du
وقال الجولاني خلال المقابلة التي نشرت في 20 فبراير/ شباط 2020: إنه رغم ارتباطه بتنظيم القاعدة، تعهد بعدم استخدام سوريا من التنظيم أو أي فصيل آخر، كمنصة إطلاق للعمليات الخارجية، والتركيز على قتال النظام السوري وحلفائه هناك.
وفي تطابق لافت مع تصريحات جيفري، أشار الجولاني إلى أن هدف "الهيئة" حاليا هو قتال النظام "الفاقد للشرعية"، مؤكدا أن "أيديولوجية الهيئة اليوم تستند إلى الفقه الإسلامي، مثلها مثل أي جماعة سنية محلية أخرى في سوريا".
واعترف الجولاني بارتكاب أخطاء في إدلب، خاصة فيما يتعلق بمهاجمة فصائل المعارضة السورية والقضاء عليها، وقال: "لقد استخدمنا القوة في الماضي ضد الفصائل التي اعتبرناها إشكالية، إذ حاولت الولايات المتحدة عن طريق الخطأ إنشاء ودعم مجموعات ليس لها وجود أو دعم في سوريا".
وتابع: "نحن بحاجة إلى التحدث إلى المعارضة. نحن لا ندرك أننا نستطيع أن نحكم إدلب بمفردنا. نعم، مثل معظم الحركات في وقت الحرب، ارتكبنا أخطاء، لكننا نحاول إصلاحها الآن".
وأكد الجولاني سعي الهيئة إلى التكيف مع الحقائق الجديدة على الأرض، مشيرا إلى استعداده للتركيز على الأراضي الخاضعة لسيطرته على الأقل. واستطرد: "لقد تأثرت الحركة بأوضاع السلفية الجهادية التي انبثقت من الرغبة في مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق".
المصادر
- أنقرة تستضيف اجتماعات لتوحيد فصائل المعارضة السورية
- جدل حول إمكانية حل "تحرير الشام" بإدلب رغم نفي الأخيرة
- مصادر تكشف عن إجراء أمريكي قريب بشأن هيئة تحرير الشام!
- ثلاثة مؤشرات على قرب حل “تحرير الشام”.. هل تُزال من “قوائم الإرهاب”
- بوادر تغيير في الموقف الأميركي من هيئة تحرير الشام
- The Jihadist Factor in Syria’s Idlib: A Conversation with Abu Muhammad al-Jolani