واشنطن بوست: لهذه الأسباب يحارب نظام السيسي مطربي المهرجانات
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تقريرا سلطت فيه الضوء على قرار الحكومة المصرية حظر مطربي المهرجانات ومنعهم من الغناء وتشديد الرقابة عليهم، مشددة على أن الحظر هو "الفصل الأخير" في معركة مستمرة من أجل الروح الثقافية لمصر، في ظل حكم عبدالفتاح السيسي.
وقال سودران راجيفان، مدير مكتب "واشنطن بوست" بالقاهرة، في تقريره: إن "موقف الحكومة المصرية من مطربي المهرجانات قوبل في الشارع المصري بالمزيد من السخرية".
يقلق النظام
وأضاف التقرير أن حمو بيكا، أحد أشهر مطربي المهرجانات في مصر، نشأ في حي فقير بالإسكندرية، هذه المدينة الساحلية الشمالية ليصبح واحدا من أشهر المغنين في مصر، حيث يصل متابعوه على "يوتيوب" و"ساوند كلاود" إلى الملايين، وقام بإحياء حفلات موسيقية في جميع أنحاء العالم العربي. وتابع: "من المقرر أن يؤدي بيكا حفلا في نيو جيرسي وفلوريدا الشهر المقبل، وعلى الرغم من ذلك، لا يستطيع بيكا الغناء في بلده".
وأوضح أن السلطات المصرية حظرت عروض بيكا وموسيقاه، وأنه منذ فبراير/شباط 2020، صدرت أوامر إلى النوادي والفنادق وأماكن الموسيقى وحتى قوارب النزهة النيلية بعدم حجز موسيقيي المهرجانات، إلا إذا كانوا يريدون مواجهة غرامات قاسية وتقديمهم إلى المحكمة.
وفي حديث للصحيفة الأميركية، قال بيكا (31 عاما)، الذي يفضل الجينز الضيق، والأحذية الرياضية باهظة الثمن ويرتدي خاتمين من الذهب على يده اليسرى: "كان لدي حفل كبير يتوقع أن يحضره 45 ألف شخص".
في دولة تفتخر بأنها قدمت أشهر المطربين العرب، ولا سيما المطربة المشهورة أم كلثوم، تدّعي السلطات أن موسيقى المهرجانات تساهم في التدهور الأخلاقي في مصر، ويقولون: "إن الكلمات تروج للمخدرات والعنف والاختلاط". وفي فبراير/شباط 2020، أعلن صلاح حسب الله، المتحدث باسم البرلمان المصري أن الأمة في حالة حرب بشأن هويتها الثقافية.
وقال صلاح حسب الله، في حديث إلى برنامج تلفزيوني بارز: "كانت مصر تصدّر الفن إلى العالم العربي، لكن الآن شخص ما يخلع ملابسه على المسرح ويغني ويعتبر نفسه الأفضل. إذا كنا نخشى من فيروس يسمى كورونا، فإن هذا الفيروس، المصنف كذبا على أنه فن، يكون أكثر خطورة على مصر من كورونا".
ورأت الصحيفة الأميركية أن الحظر هو "الفصل الأخير" في معركة مستمرة من أجل الروح الثقافية لمصر، والصورة التي تقدمها للعالم، كما أنه مؤشر على كيفية وصول الرقابة والاعتداءات على حرية التعبير إلى آفاق جديدة في عهد السيسي.
وتابعت أنه في ظل حكم السيسي، يتم تجاهل الحماية القانونية للتعبير الفني بشكل روتيني، حيث تمت مقاضاة الراقصات والممثلات بدعوى سلوكهن غير الأخلاقي أو لارتدائهن فساتين شفافة، وحُكم على شعراء وكتاب بالسجن بسبب نشرهم على "فيسبوك"، وهو ما اعتبره النظام تهديدا لمصالح الدولة، كما أُمر بحذف مشاهد من المسلسلات، بدعوى أنها غير أخلاقية أو سياسية أو تصور الشرطة بطريقة غير إيجابية.
ونقلت عن محمود عثمان، الذي يدير مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، وهي شركة محاماة مقرها القاهرة، قوله: "يقلق أي نظام قمعي من أن هؤلاء المطربين أصبحوا أكثر شهرة مع مرور الوقت، لأنه يعني أنه في مرحلة ما قد يعبرون عن أنفسهم سياسيا".
منفذ للفقراء
نشأ بيكا في حي الدخيلة، في أحد الأزقة المظلمة والمباني المنهارة في مدينة الإسكندرية شمال مصر، لم يذهب إلى المدرسة أبدا، وتعلم بسرعة كيفية العثور على عمل في الشوارع، حيث عمل جزارا وسائق سيارة أجرة وبائع فواكه، لكن شغفه الحقيقي كان الموسيقى والغناء.
في عام 2010، أصبح مفتونا بشكل جديد من الموسيقى الناشئة من الأحياء الفقيرة، التي تم عزفها لأول مرة في حفلات الزفاف، حيث بدؤوا في خلط الموسيقى الشعبية، مع ألحان الرقص الإلكترونية الممزوجة بالريغي والراب والهيب هوب.
وأوضح بيكا في حديثه للصحيفة الأميركية: "نحن نقول ما يجري في الشوارع، واقع حياتنا، هذه الأغاني البسيطة يتم صنعها بثمن بخس، لكنها تعبر عن مشاعرنا تجاه الأشخاص الذين يعانون في الحياة اليومية بمصر".
ونوه التقرير إلى أن شعبية موسيقى المهرجانات، السريعة والمرتفعة الصوت، تضاعفت بعد ثورات الربيع العربي في مصر عام 2011، التي أطاحت بالديكتاتور حسني مبارك، الذي توفي في فبراير/ شباط 2020.
ولفت إلى أن الموسيقى قدمت منفذا للمصريين الفقراء المحبطين من الاضطرابات السياسية، والقمع المتزايد، والاقتصاد المتدهور، وارتفاع معدلات البطالة، وغيرها من المشاكل، في الاستوديوهات المنزلية، غالبا ما تكون في الأحياء الفقيرة، حيث جرى صنع الموسيقى بسعر رخيص على أجهزة الكمبيوتر.
اعتبرتها بعض شرائح المجتمع مبتذلة، في العديد من محطات الإذاعة، تم رفض بث أغاني المهرجانات، وبدلا من ذلك، نمت شعبيتها من خلال الحديث الشفهي وحفلات الزفاف، وفي النهاية عبر الإنترنت.
كانت الكلمات هي التي جعلت أغاني المهرجانات تنتشر في نهاية المطاف على مواقع مثل "يوتيوب"، وقد عرضت الأغاني تفاصيل الضغوط اليومية التي يواجهها المصريون الفقراء، حيث يتحدث أحد المسارات عن كيف كان الناس يائسين للحصول على المال لشراء رصيد لهواتفهم المحمولة، بينما يتحدث آخر عن رجل ذهب إلى الخارج لكسب ما يكفي من المال للزواج من حبه الحقيقي، ولكن عندما عاد، تزوجت من شخص آخر.
وبيّن التقرير: عدد قليل من موسيقيي المهرجانات، إن وجد، يكتبون أغاني معادية للحكومة بشكل صريح، لكن مواضيع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لا تنعكس إيجابا على النظام.
قامت السلطات المصرية بحظر أغاني المهرجانات في شهر فبراير/شباط 2020، بعد حفل "عيد الحب"، حيث كان ثنائي من مطربي المهرجانات - حسن شكوش وعمر كمال - يؤديان أغنيتهما "بنت الجيران"، التي تتضمن كلماتها عبارة "تسيبيني (تتركيني)... أكره حياتي وسنيني، وأشرب خمور وحشيش".
تبريرات الحظر
ودفع ذلك نقابة الموسيقيين في البلاد، التي تتماشى مع النظام، إلى حظر موسيقى المهرجانات، حيث أعلن رئيس النقابة، هاني شاكر، علانية أن مثل هذه الكلمات "غير شرعية وغير أخلاقية" وبالتالي محظورة، وألقى باللوم على مغنّي المهرجانات في "الانحطاط الأخلاقي" للفن والموسيقى في البلاد.
وتحدث منصور هندي، المسؤول في النقابة، للصحيفة قائلا: إنها أرسلت طلبات إلى "يوتيوب" و"ساوند كلاود" لسحب مقاطع فيديو المهرجانات، مضيفا أن "جميع الجهات المعنية تدعم القرار". وأضاف: "نحن نحاول الحفاظ على تقاليد وقيم أمة بأكملها، لا نحارب الفن. نحن نقاتل ضد هذا الانحطاط".
الحظر أثار ردود فعل متباينة، ففي وقت سابق، كانت مجموعة من الفنانين والمغنين يتحدثون في نقابة الموسيقيين في وسط القاهرة، على الجدران كانت هناك صور بالأبيض والأسود لأشهر الفنانين المصريين من الخمسينيات والستينيات، بما في ذلك أم كلثوم، وسرعان ما تحولت المحادثة إلى موسيقى المهرجانات.
ونقلت الصحيفة عن أحد الموسيقيين، قوله: "لا يمكن مقارنة المهرجانات بالموسيقى الكلاسيكية أبدا، الموسيقى تهدف إلى تهدئة روحك، بينما هذه الموسيقى تجعل أسنانك تتشقق".
أما الشاب محمد إبراهيم، (23 سنة) وهو من معجبي بيكا، فقد قال مدافعا عنه: "كل شخص في مثل عمري يحب هذه الأغاني. إنهم يتحدثون عن جيراننا، شعبنا، هذه هي ثقافتنا، إنها تمثلنا، إنهم يتحدثون عن الشباب الذين لا يجدون وظائف، عن مستويات معيشتنا، كلمات صحيحة، أنا نفسي لا أستطيع العثور على عمل".
ويقول مغنيو المهرجانات: إنهم مستهدفون لأنهم أصبحوا أكثر شهرة وثراء، إذ يفكر بيكا في الوقت الحالي بحفلاته الموسيقية الشهر المقبل في نيوجيرسي وفلوريدا في رحلته الأولى إلى أميركا، ويقول: "أنا أصلي لأحصل على تأشيرة الولايات المتحدة. لدي الكثير من المعجبين هناك".