اعتقالات الأمراء بالسعودية.. ما أهداف محمد بن سلمان الحقيقية؟

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفتان تركيتان عن حملة الاعتقالات الجديدة التي نفذها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحق عدد من كبار الأمراء في العائلة المالكة، حيث توالت التفسيرات والرؤى حول أسباب الاعتقالات في ظل هذا التوقيت. 

وأبرز من جرى اعتقالهم عم ابن سلمان، أحمد بن عبد العزيز، ومحمد بن نايف اللذان كانا مرشحين لتولي الحكم بعد وفاة الملك سلمان بن عبد العزيز.

وبعد يومين من الاعتقال، قالت صحيفة وول ستريت جورنال في ١٠ مارس/آذار ٢٠٢٠: إنه جرى الإفراج عنهم بعد خضوعهم للاستجواب من طرف الأمن السعودي.

سقوط الأمير

بدوره رأى الكاتب زكريا كورشون في صحيفة يني شفق أن محمد بن سلمان اهتزت صورته دوليا بشكل كبير، بعد حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، غير أن ذلك لم يفت في عضده.

وتابع: "واصل ابن سلمان تسويق نفسه خاصة أمام عمالقة الاستثمار تحت رؤية 2030 وأن جميع موارد البلد الغني بالنفط سيكون قيد تصرف هذه الشركات الضخمة، ما جعلهم يتغافلون تماما عن الجريمة بل ويدعمون الرجل وربما وصل الأمر في بعض الأحيان لتبرير الجريمة لأنه بات أو سيكون الممول الوحيد لهذه الشركات في المستقبل المنظور".

ولفت كورشون إلى أن الحرب في اليمن شكلت فائدة كبيرة لدى لوبي تجارة الأسلحة لكنها في ذات الوقت، وجهت ضربة كبيرة للاقتصاد السعودي ورؤيته.

وعليه لجأ ولي العهد إلى خطوة – في ظنه – أنها ستنقذه مما هو فيه، فأتاح شركة أرامكو التي تعتبر أكبر شركة نفطية في العالم للاكتتاب، أمام الشعب السعودي والعالم، وبالفعل بلغت مبيعات الأسهم الذروة، بقيمة 2 تريليون دولار، لكن المدفوعات لم تتحقق وكانت خيبة أمل كبيرة في سوق الأوراق المالية.

وتابع كورشون: "على الرغم من أن ابن سلمان لعب بأكبر ورقة رابحة في يده، إلا أنه حينما فشل في الحصول على النتيجة، راح نحو خطوة أخرى وهي اعتقال ولي العهد السابق وعدد من الأمراء الآخرين". 

هذا كله جعل أصوات المعارضة تجاه ابن سلمان تتصاعد، سواء في الداخل أو الخارج، وهي تزداد في الدائرة الأكثر قربا من عائلة ابن سلمان أي العائلة المالكة، وبات الكثير ينظر إليه بأنه "شخصية تجتمع فيها كل سلبيات تاريخ المملكة. إلى جانب ذلك تم تحييد والده الملك سلمان الذي يعتبر خبيرا وعارفا بتاريخ الأسرة".

بروز المعارضة

آخر التطورات هذه كانت حينما أقدم ابن سلمان على اعتقال ثلة من أقرب المقربين بينهم عمه آخر أبناء الملك المؤسس أحمد بن عبد العزيز وشقيق الملك الوحيد المتبقي على قيد الحياة، وترويج الأمر على أن الاعتقالات جاءت لأنهم يقفون ضد الملك سلمان".

لكن، بحسب الكاتب: "في الحقيقة هم من الواضح أنهم يقفون ضد سياسات ابنه ولي العهد، وهذه الحوادث وشبيهاتها نظرا لطبيعة الحكم الملكي في السعودية، تتكرر بشكل مستمر، وعادة ما يصل التنافس لدرجة الانقلابات سواء الناعمة أو الخشنة مع الاستعانة بأطراف خارجية".

كورشون تحدث أيضا عن أسلوب مؤسس الدولة "عبد العزيز" والذي لجأ فيه إلى توطين أواصر القرابة مع مختلف القبائل في شبه الجزيرة، عن طريق التناسل والتزاوج منهم، الأمر الذي أسهم في تقليص المعارضة لأبعد حد، لكن في ذات الوقت زيادة أعداد الورثة واختلاف توجهاتهم.

وهذا مكّن من دخول الصراع والمنافسة بينهم وهو ما تكرر عام 1870 حين استعان سعود بالإنجليز على عبد الله بن تركي. وعلى أية حال فإن السعودية من الواضح أنه ينتظرها أيام ساخنة قادمة، وفق اعتقاده. 

بدوره قال الكاتب إسماعيل ياشا في مقالة بصحيفة ديرليش بوسطاسي: إن انتقال الملكية من الجيل الثاني للثالث لم ولن يكون بالأمر السهل، وهذا الأمر كان معروفا.

وأضاف: "حاول الملك عبد الله بن عبد العزيز التأكد من أن ابنه الأكبر، الأمير متعب، سيجلس على العرش لكن الأمر لم يتم على هواه وقدم إلى العرش سلمان شقيقه، ثم عين ابنه وليا لولي العهد وما هي إلا أشهر قليلة حتى أعلن محمد بن سلمان نفسه وليا للعهد بدعم من والده". 

ووصف ياشا ما فعله محمد بن سلمان في تلك الفترة بأنها خطوة تحول حقيقية وجذرية في مسار المملكة، حيث كان في الأساس الأمير مقرن بن عبد العزيز هو ولي العهد، لكن وبدون مقدمات تم سلب هذا المنصب من مقرن.

فوضى الاعتقالات

لم يكتف الأمير الشاب بذلك بل اعتقل ثلة كبيرة من رجالات العائلة الحاكمة وأعمدة الثروة والمال في البلاد وزجهم في أحد فنادق المملكة الفارهة كمعتقلين في 2017، وبدأت مسيرة طويلة من المفاوضات بينه وبينهم كل على حدة.

وكان المقابل من أجل إنقاذ كل شخص، أن يتنازل عن جزء هائل من ثروته للدولة وقد كان هذا كله بدعم تام من والده. ياشا أضاف: "لكن أيا من هذا لم يصدم أحدا مثلما حدث في الأيام القليلة الماضية". 

 وكان اللواء نايف بن أحمد، رئيس وحدة الأمن والمخابرات للقوات العربية السعودية، ابن الأمير عبد الله بن عبد العزيز، من بين المعتقلين. كما أن الأمير أحمد بن عبد العزيز، الذي يعيش في لندن ويعارض سياسات ابن سلمان، عاد إلى المملكة بضمان عدم احتجازه لكن ما حدث عكس ذلك وبالتالي ردود الفعل البريطانية المقبلة ستكون مثيرة للفضول.

حاليا، هناك مزاعم بأن الملك سلمان كان مريضا جدا وحتى أنه مات، ولكن وفاته ما زال غير معلن عنها، وهناك من يقول عكس ذلك وأن ما حدث ويحدث هو تدبير من الملك شخصيا، والتهم الموجهة للمعتقلين الجدد هي "الخيانة" والزعم أنهم كانوا يستعدون للانقلاب عبر التواصل مع جهات أجنبية، حيث جرى توريط أفراد آخرين من العائلة بهذه التهم أيضا.

كما أنه ومن بين الإشاعات أن ما يحدث ترتيب لانسحاب الملك من المشهد تماما وتنصيب ابنه مكانه. ورأى ياشا أنه "من الطبيعي أن تنتشر الشائعات المختلفة لعدم وجود وسائل إعلام حرة وشفافة في المملكة العربية السعودية".

لكن في المملكة هناك شيئان مؤكدان بحسب الكاتب، الأول: هناك شائعات تشير إلى أن بعض الأسماء المقربة من إدارة الإمارات العربية المتحدة، والتي كان لها تأثير على الرياض مؤخرا، توضح أن ولي العهد سيعلن نفسه ملكا. ومع ذلك: هل سينجح محمد بن سلمان بهذه الخطوة أم لا؟ وحتى إن نجح فإن مدة الحكم أيضا قيد المناقشة.

الأمر الثاني: من الواضح أن ابن سلمان لن يكون أبدا ملكا قويا، فلعنة الصحفي جمال خاشقجي، الذي قُتل في قنصلية بلاده في إسطنبول وإخفاء جثته، لن تتوقف عن مطاردته.

أضف إلى ذلك أن "الملك محمد بن سلمان" وهو في طريقه إلى الملكية، اعتقل عددا من أعمامه وأبناء عمومته وهو أمر لن ينسوه أبد الدهر. وبصفته ملكا على خلاف مع شعبه وعائلته، سيعيش دائما في خوف من التعرض للقتل والتفجير.