"سيليا" و"سيفاو".. تعرف على سر حظر عشرات الأسماء في المغرب

12

طباعة

مشاركة

في المغرب، راسل ناشط حقوقي أمازيغي رئيس الحكومة ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان ووزير الداخلية، مشتكيا مما اعتبره "انتهاكا جديدا ضد الأمازيغية والأمن الهوياتي".

الناشط والمنسق الوطني لفيدرالية الجمعيات الأمازيغية، أحمد أرحموش، أفاد في رسالته أنه ومنذ ترسيم الأمازيغية في دستور 2011 عبر الفصل 89، رصدت 55 حالة لمنع الأسماء الشخصية الأمازيغية.

أرحموش قال: إنه توصل بشكاية من أحد المواطنين، يفيد خلالها أن أحد مكاتب الحالة (السجل) المدنية رفض تسجيل مولودته الجديدة باسم "سيليا" وهو اسم أمازيغي يعني (الفاتنة بجمالها).

الحالة ليست الأولى في المغرب والأسماء كثيرة، لكن الاسم يحيل على حراك الريف، حيث كانت تحمله "صوت الحراك" وهي مغنية ريفية شاركت في الحراك بأغانيها الثورية، وتعتبر من القياديات فيه، وهي الفتاة الأولى التي جرى اعتقالها قبل أن تخرج بعفو ملكي وتغادر المغرب إلى إسبانيا.

إرث بائد

في جواب له عن سبب الامتناع عن تسجيل المولودة باسم "سيليا، قال موظف المصلحة للأسرة: إن "لائحة وزارة الداخلية لا تتضمن اسما كهذا"، بحسب ما جاء في رسالة أرحموش.

خلال وجوده على رأس وزارة الداخلية (1979ـ 1999)، منع إدريس البصري الرجل القوي في عهد الحسن الثاني، 75 اسما من التداول، وصاغ لائحة بهذه الأسماء وزِّعت على المصالح المتخصصة، مستندة في ذلك على كونها مسيئة للأخلاق العامة أو أنها أسماء ترجع إلى عهود ما قبل الإسلام، أو أنها لا تكتسي طابعا مغربيا.

ويستند الموظفون في المنع على المادة 21 من قانون الحالة المدنية 99/37 المؤرخ في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2002، التي تشير إلى أن الاسم الشخصي الذي اختاره من يقدم التصريح بالولادة قصد التقييد في سجلات الحالة المدنية يجب أن يكتسي طابعا مغربيا.

أغلبية هذه الأسماء أمازيغية، ما جعل الحركة الأمازيغية تعبر - آنذاك - عن امتعاضها معتبرة أنه حصار شديد على هذه الفئة التي لا تعتبر أقلية في المغرب، وأنها تتعرض للعنصرية والتمييز.

الجمعيات المعنية بالشأن الأمازيغي في المغرب دافعت عن طرحها بالقول: إن "التراث الأمازيغي يشكل جزءا مهما من التاريخ المغربي، كما أن العديد من الأسماء العربية تحولت إلى نطق أمازيغي تكيفا مع اللسان الأمازيغي كاسم عبدالسلام الذي تحول إلى عسو، أو عبدالرحيم إلى رحو، أو عبدالله إلى عبو، ومحمد إلى محند، بحسب بحث لأستاذة التاريخ منى هاشم.

بأمر القضاء

رصدت تحقيقات صحفية اضطرار بعض الأسر إلى دفع رشاوى لموظفي المصالح المكلفة حتى يتمكنوا من تسجيل هذه الأسماء، لقناعتهم أنها تمثل امتدادا طبيعيا لحضارة الأمازيغ.

أما من اعتبر منعها "خرقا سافرا لحقوق الإنسان"، فقد لجأ إلى المحاكم من بينهم حالة تحدثت عنها منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية،عن أسرة لم تتمكن في عام 2008 من تسجيل ابنها باسم "سيفاو" (ضوء الفجر).

في المصلحة قال الموظف للأسرة: إن الاسم على قائمتي الممنوعات عام 2005 و2006، لكن الأسرة أقامت دعوى ضد مكتب الحالة المدنية لدى المحكمة الإدارية، التي حكمت لصالحها، على أساسين: أولهما ليس هناك سند قانوني في قانون الحالة المدنية لرفض اسم سيفاو، بغض النظر على قرارات سابقة ضد هذا الاسم طرف اللجنة العليا، وثانيهما، أن الهيئة العليا نفسها، حكمت عام 2007 لصالح الموافقة على الاسم.

وفي 2009 وجهت المديرة التنفيذية لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رسالة إلى وزير الداخلية الأسبق شكيب بنموسى، عرضت فيها حالات عدة لأسماء أمازيغية تم منعها على صعيد المملكة وبعض القنصليات المغربية في الخارج، كما قدمت  حالات انتصر أصحابها على مكاتب الحالة المدنية، بقبول بعض الأسماء الأمازيغية التي اختاروها لأبنائهم.

حرية الاختيار

عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أحمد بوكوس، صرح أن للمعهد موقفا مبدئيا بخصوص منع الأسماء قائلا: "لكل مواطن حرية اختيار أسماء أبنائه".

وعقب لقاء خاص عقد في 23 يناير/كانون الثاني 2014، أصدرت اللجنة العليا للحالة المدنية بيانا، أكدت فيه على "حرية المواطن في اختيار الاسم الشخصي لمولوده، شريطة ألا يمس بالأخلاق وبالنظام العام، دون تمييز في ذلك بين الأسماء العربية والأمازيغية والحسَّانية (الصحراوية) والعبرية، وذلك طبقا لأحكام القانون المتعلق بالحالة المدنية".

لكن التوترات بين ضباط الحالة المدنية وبين عدد من المواطنين، وأغلبهم من نشطاء الحركة الأمازيغية، بسبب رفض السلطات الترخيص لهم بتسجيل أبنائهم الجدد بأسماء أمازيغية، وصلت حد وضع الجمعيات الأمازيغية تقارير حول الملف لدى المنظمات الدولية العاملة في مجالات حقوق الإنسان.

ورغم أن قوانين الحالة المدنية تغيرت، إلا أن القانون الجديد يشير في بعض فصوله إلى تعريب الأسماء، وتتضمن مدونة الحالة المدنية على فصول تنص على وجود هوية عربية للمغاربة فيما يخص الاسم، والمشكل، بحسب حقوقيين أمازيغيين، يتعلق بالمذكرة الصادرة في عهد البصري (1979ـ 1999) التي مازالت سارية المفعول.

أما منع الأسماء الأمازيغية ببعض الجماعات والقنصليات بالخارج، فهو خاضع بالدرجة الأولى لهوى لبعض الموظفين، إذ أنه يطبق في بعض الجهات دون أخرى، حسب ما رصدت الجمعيات المتخصصة.

هذه الجمعيات اعتبرت أن "وزارة الداخلية لا تقوم بالمهام المطلوب منها في اتجاه التواصل مع موظفيها، من أجل توعيتهم وتنبيههم إلى أن العهد الجديد والدستور الجديد يتطلب الأخذ بعين الاعتبار المستجدات وبالأخص أبعاد الهوية الأمازيغية المقررة في ديباجة الدستور وترسيم اللغة الأمازيغية".

ووفق متابعين، فإن موظفي الحالة المدنية قد يجتهدون بحسب ما يمليه عليهم توجه أيديولوجي معين لا ينصف الأمازيغية، بعيدا عن إرادة المواطنين والهوية المغربية والدستور.

معاداة الأمازيغية

في كتابه "السياسة والدين في المغرب"، الصادر حديثا، قال المؤرخ والناطق الرسمي الأسبق باسم القصر الملكي، حسن أوريد: "حينما توفي محمد باحنيني عام 1991 (شخصية سياسية تقلد مجموعة من المناصب السامية في عهد الحسن الثاني) خلفه في مهمة الحفاظ على التقاليد عبد الوهاب بن منصور (شغل منصب مؤرخ المملكة ورئيسا للديوان الملكي) ممثلا للثقافة الأندلسية، وأضحى عراب التوجه المناوئ وكان ينظر إليه كبدعة من لدن مثقفين أمازيغيين".

وعندما طالب المؤرخ علي صدقي أزايكو بإعادة قراءة تاريخ شمال إفريقيا، اعتبره حزب الاستقلال (وطني محافظ يمثل النخبة التي تتجسد في أهل فاس آنذاك) تجاوزا وراسل ابن منصور، ليحكم على المؤرخ بالسجن.

"هكذا قامت الحركة الأمازيغية"، يقول أوريد في كتابه قبل أن يتابع: "اقترن عمل ابن منصور بتطهير الثقافة المغربية من البعد الأمازيغي، إذ قام بتعريب أسماء الأماكن، وإيجاد أصول عربية في أشجار الأنساب لكثير من الأسر الأمازيغية"، وكانت الأوساط الأمازيغية، بحسب الكاتب، "تتندر بمهمة مؤرخ المملكة الذي كان يفرغ جهده كي يكسب التاريخ والثقافة، حتى تطابق تصورات جاهزة.

ولم يكن بدعا أن يحدد المثقفون الأمازيغ توجهاتهم ضد الثقافة الأندلسية التي كان يمثلها ابن منصور وضد التقاليد عموما. كان الرجل شاهدا على قرار تدريس اللهجات الذي اتخذه الملك الحسن الثاني في أغسطس/آب 1994، لكنه اعتبره مجرد إعلان.

واصل الكاتب تأريخه للأحداث عبر مؤلفه، وقال: "أمام تنامي مد الحركة الأمازيغية وتفشي ظاهرة الأسماء القديمة، تم إحداث لجنة الحالة المدنية للإشراف على الأسماء تحت إشراف مؤرخ المملكة".

لم تعد الأسماء المقبولة إلا تلك الواردة في اللائحة، كما ظهرت أسماء تحيل إلى وجوه قبل الإسلام أو صفات وألقاب، لكنها كانت ترفض بدعوى أنها غير متضمنة في اللائحة، في حين كان يمكن قبول أسماء من قبيل "تاشفين" و"تومرت" لأنها أسماء ملوك وزعماء مسلمين.