"الإسلاموفوبيا".. لهذا أصبحت ألمانيا دولة حاضنة لليمين المتطرف
نشرت صحيفة "يني شفق" التركية، مقالا للكاتب إبراهيم كارغول، سلط فيه الضوء على ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، والهجمات العنصرية المتتالية ضد الإسلام والمسلمين في دول أوروبا، والتي كانت نتيجة تحريض رسمي طويل وغياب القيادة الحقيقية في القارة العجوز.
وقال الكاتب في مقاله: إن ألمانيا تحولت إلى مركز "الإسلاموفوبيا" أو ما يمكن أن يوصف بأنه "العنصرية ضد الإسلام وكراهيته، حيث انفجر الإرهاب اليميني المتطرف هناك بعدما أسكت لفترة من الوقت، وهذه المرة ارتكبوا مذبحة جديدة، واستهدف الإرهابيون مرة أخرى المسلمين والمسلمين الأتراك، حيث راح ضحية هذا الهجوم الجديد عشرة من المسلمين، خمسة منهم أتراك".
وقتل 11 شخصا في حادثين لإطلاق نار استهدفا، في 20 فبراير/ كانون الثاني الجاري، مقهيين في مدينة هاناو غربي ألمانيا، ومن بين القتلى مهاجرون أتراك، ورجحت السلطات الألمانية أن تكون دوافع منفذ الهجومين مرتبطة بتيار أقصى اليمين. وأدانت مستشارة البلاد أنجيلا ميركل الهجوم ورجحت ارتباطه بأقصى اليمين.
مهد العنصرية
واستغرب الكاتب، من وقوع الهجوم "بعد فترة وجيزة من تحطيم المخابرات الألمانية لخلية يمينية متطرفة، وكذلك بعد دعوات حماية المساجد عقب التهديدات المتزايدة عليها، كما يأتي متزامنا مع تعيين السفير الأمريكي السابق ريتشارد غرينل، الذي يزعَم أنه يدير اليمين المتطرف في ألمانيا، مدير بجهاز الاستخبارات الأمريكي".
وذكّر كارغول بموقف جون باس السفير الأمريكي السابق في أنقرة والذي ما إن عُين في أفغانستان، حتى قال قبل مغادرته تركيا: إن "بلاده واستخباراتها قد نجحت في منع تنفيذ الكثير من هجمات داعش في تركيا"، وربما هذا يعني أنه أي باس كان ضمن الشخصيات التي وقفت وراء هجمات تنظيم الدولة، وكذا أيضا محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.
وأوضح الكاتب أن وصف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للعنصرية بالسم، بأنه "أمر حقيقي"، حيث قالت: "العنصرية سم، والكراهية كذلك سم، وهذا السم موجود في مجتمعنا".
لكن إبراهيم كارغول، أكد أن العنصرية ليست فقط في ألمانيا فحسب، بل في كل أوروبا التي هي مهد العنصرية ومعاداة السامية الذي بات سما ينتشر في معظم دول الاتحاد الأوروبي، وهما بالإضافة إلى أمريكا وإسرائيل من ابتكرا مصطلح "الإسلاموفوبيا" ومع ذلك هذه الظاهرة باتت تتخذ من أوروبا وطنا لها.
وأضاف الكاتب: إن "الإسلاموفوبيا، هي ظاهرة أنتجتها الصهيونية وتحديدا اليمين المتطرف في إسرائيل، لكن الدولة الحاضنة لها كانت ألمانيا وذلك بسبب الماضي النازي لها، حيث تم استغلال نقاط الضعف وباتت واحدة من ضمن القواعد الخطرة في الحرب ضد الإسلام".
وأشار إلى أن هؤلاء هم الذين طبقوا تعاليم عقيدة "مكافحة الإرهاب الإسلامي" في صورة حرب على الإسلام على نطاق عالمي، وهو النطاق الذي احتلوا به الدول وأشعلوا من خلاله فتيل حروب علنية ومستترة ضد المسلمين في كل مكان، وهو ما لا يزال مستمرا.
ورأى الكاتب أن "دعم أوروبا الإسلاموفوبيا بات نوعا من السياسات المعتمدة لدى أوروبا التي يتحكم بها اليمين المتطرف، فهم يتكسبون من وراء اليمين من أجل القوة والسيطرة، لكن الإسلاموفوبيا هي أداة لليمين المتطرف ليشن حربا على الإسلام، وبينما العالم يميل حاليا بشكل شديد إلى إنشاء القوة وتدعيم مساحات السلطة المركزية وتقوية دروعه الدفاعية، فكل الدول واقعة الآن تحت تأثير هذا الميل".
وبحسب إبراهيم كارغول، فإن الفكرة هي إقصاء الآخر، حيث يجرب ترامب فصل روسيا عن تركيا مثلا، وكذلك فصل الصين عن الهند والتفريق بينهما، ورغم أن هذه الدول بها العديد من المشاكل، لكن فيها قادة أقوياء يضبطون هذه المسائل وغيرها، لكن في أوروبا القيادة ضعيفة وبالتالي ترتكز على يمين متطرف، يعتمد على المشاعر الاجتماعية للبلاد، ومنها يسيطر على الدولة ومنافذها.
وتابع: أوروبا لم تعد تعطي الأولوية لمبادئ كالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، كما أنها لم تعد تهتم بأفكار مثل "العيش معا"، فهذه كانت قيم مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وقد تخلوا عنها منذ أمد بعيد.
علامة مسجلة
وذكّر الكاتب بجملة من الأحداث العنصرية التي اعتمدت على إضرام النيران في البيوت، والتي راح ضحيتها أيضا مجموعة من المقيمين الأتراك بعضهم أطفال ورضع، لافتا إلى أن "تاريخ ألمانيا مملوء بوقائع القتل حرقا من سولنغن إلى لودفيغسهافن، وكأن الحرق صار علامة ألمانية مسجلة".
وأكد إبراهيم كارغول أن ما يحدث عادة هو أن تندلع حرائق غامضة في العمارات السكنية التي يسكنها الأتراك ليموت الأطفال وتنقل الجثامين إلى تركيا، ثم يصدر البلدان تصريحات مسكّنة، لكن وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني لا تسأل عن السبب الحقيقي للحرائق.
وأردف: في النهاية تظل تحقيقات الشرطة الألمانية بلا نتيجة، لتغلق النيابة الفيدرالية بعد ذلك ملفات القضايا الواحد تلو الآخر وهذا هو السيناريو المتكرر، حيث برغم آلاف الكاميرات التي تراقب كل نفس، لكن الحادث يبقى مجهولا في نتيجة غريبة وغير منطقية البتة.
ولم يتوقف الأمر عند ألمانيا بل وصل إلى النمسا وعاصمتها فيينا، حيث قضى مجموعة من الأتراك بين قتيل ومصاب، حتى أن عام 2008 شهد قرابة 100 حادثة حرق معظمها استهدف الأتراك المقيمين في أوروبا، بحسب الكاتب الذي يشدد على أن من ينفذ هذه الهجمات هي "الدولة العميقة" في أسلوب ممنهج ومتستر داخليا وخارجيا لكن في الحقيقة هم مجرد عصابات يحركها اليمين المتطرف.
وأفاد بأن كل الحرائق هذه التي حدثت في ألمانيا وغيرها، لم يحدث أن توصلت يوما إلى شاهد عيان أو مقطع مصور من كاميرا مراقبة خلال تحقيقات وصفت بأنها "معمقة"، حتى أن النائب العام عقد مؤتمرا صحفيا قال فيه: "لم نعثر على دليل"، لتغلق النيابة ملفات الهجمات التي لم تتوقف لحظة.
وختم الكاتب مقاله، بالقول: هذه الحرائق أبدا لم تكن عادية، ولا سيما أن التحقيقات ونتائجها لم تكن مقنعة بأي حال، خصوصا وأن المستهدفين مواطنين عاديين، فمنهم من هو بائع شاورما ليس أكثر، مؤكدا أن الأمر بات من جهود فردية إلى تحريض رسمي، حيث أصبحت تصريحات المسؤولين الحكوميين وأفعالهم تحرض الشارع للتمادي في ذلك، بل وتطوير الأساليب، فاستبدلوا الحرائق بالمجازر، أو قد يستخدمونها معها حتى أن هناك من يقول: إن الأمن الألماني لو لم يكن قد شن مداهمات مسبقة وقائية، لكان الأمر الذي حدث في نيوزلندا العام الماضي تكرر في ألمانيا مرة أخرى، ولا سيما وأن آخر هجوم فشلت السلطات الألمانية في اعتقال عضو الخلية التي قامت بتنفيذه.
وكانت السلطات الألمانية -وفي إطار تحقيق واسع لمكافحة الإرهاب- اعتقلت الأسبوع الماضي 12 عضوا في جماعة من "أقصى اليمين" بشبهة التخطيط لشن هجمات واسعة النطاق على مساجد.
وبات تهديد "أقصى اليمين" يثير قلق السلطات هناك، لا سيما بعد اغتيال عضو مؤيد للمهاجرين بحزب المستشارة أنجيلا ميركل في يونيو/حزيران من العام الماضي.