جدار خرساني على حدود غزة.. لماذا كشفت عنه إسرائيل وصمتت مصر؟

12

طباعة

مشاركة

القناة السابعة الإسرائيلية هي أول من كشفت عن جدار خرساني تشيده مصر على الحدود مع قطاع غزة، في النقطة الحدودية بين معبر كرم أبو سالم، ومعبر رفح الحدودي.

الجدار الجديد يقع على مسافة 10 أمتار من جدار أنشأته مصر عام 2008، بعد اقتحام الغزاويين للحدود المصرية، نتيجة الحصار الاقتصادي الذي فرضته إسرائيل ومصر على القطاع بعد الحسم العسكري الذي نفذته حركة حماس، ضد جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية.

ووفقا لما كشفته القناة الإسرائيلية، فإن الجدار يبلغ ارتفاعه 11 مترا، منهم 5 تحت الأرض، و6 فوقه، لمنع حفر أنفاق بين القطاع وسيناء، ولمنع تسلل السلاح إلى عناصر تنظيم ولاية سيناء، الذين يواجهون ضغوطا عسكرية مصرية منذ العملية العسكرية للجيش المصري في فبراير/ شباط 2018.

ورغم أن الإعلام الإسرائيلي والدولي تحدث عن الجدار، ونشر صورا حية لعمليات الإنشاء الجارية فيه، إلا أن الحكومة المصرية بمؤسساتها المختلفة، لم تعلق على الموضوع، كما أن وسائل الإعلام المصرية، تعاملت معه بتجاهل تام، وكأن ليس له أي وجود.

تساؤلات كثيرة تدور عن جدوى الجدار، وما الهدف الحقيقي منه؟، وهل هو لغلق المجال أمام تنظيم ولاية سيناء كما تزعم الصحافة الإسرائيلية؟، أم أنه يأتي في إطار الخطة الأمنية المصرية الإسرائيلية المشتركة لخنق حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، خاصة وأن إنشاء الجدار بدأ بعد الإعلان عن صفقة القرن؟.

نشاط مصري

وفقا لشهود عيان تحدثوا لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن السلطات المصرية بدأت بتشييد جدار إسمنتي كبير بارتفاع 6 أمتار على طول حدودها مع قطاع غزة وتعمل على هذا الأمر بوتيرة سريعة.

ويشارك عشرات الفنيين والعمال المصريين الذين يبدؤون بالعمل منذ ساعات الصباح الباكر وحتى المساء في تمهيد الأرض وتركيب الجدار، وظهرت نحو 6 رافعات تقوم بتركيب الجدار.

يبلغ طول الجدار الإجمالي 13 كيلومترا يمتد من معبر كرم أبو سالم (كيريم شالوم) شرقا حتى شاطئ البحر في رفح غربا، تم إنجاز 2 كيلومترات منه حتى الآن. 

وتشير الوكالة إلى أنها المرة الأولى التي تقيم فيها مصر جدارا حدوديا بارتفاع 6 أمتار، له قاعدة عرضها حوالى مترا واحدا، وذلك على طول الحدود بينها وبين قطاع غزة، والجدار عبارة عن ألواح إسمنتية جاهزة الصنع يتم تشبيكها معا.

لماذا الجدار؟

حسب مصادر تحدثت لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن الوفد الأمني المصري الذي زار قطاع غزة قبل أيام برئاسة اللواء أحمد عبد الخالق مسؤول ملف فلسطين في المخابرات المصرية، قام بجولة ميدانية على الحدود بين القطاع وسيناء.

ونقلت الوكالة عن مصدر أمني بحركة حماس في القطاع قوله: "الأجهزة الأمنية في غزة تقوم بحماية الحدود وضبطها بشكل كامل، وتمنع كافة أعمال التهريب من قطاع غزة إلى مصر، وبالعكس للأفراد والبضائع بكل أنواعها وما يقوم به الأخوة المصريون ينسجم مع التفاهمات الأمنية بيننا وبينهم لضبط الحدود".

في المقابل ربطت تقارير صحيفة، الجدار الجديد بصفقة القرن التي كشف عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل عدة أسابيع، وأكدت أن الجيش المصري بدأ في إنشاء الجدار دون إعلان مسبق عنه أو الكشف عن أسبابه.

التكتم من قبل القاهرة على الأمر طرح تساؤلات عن علاقة الجدار، بالدور المصري المنتظر في صفقة القرن؟، وهل مصر تؤمن حدودها قبل الدخول في تنفيذ الجانب المتعلق بها في الصفقة والذي يشمل مشاركتها مع الدولة الفلسطينية المقترحة بـ 12 مشروعا اقتصاديا.

من بين هذه المشروعات إنشاء خطوط نقل إلى غزة، وإعادة تأهيل الخطوط المصرية الحالية المرتبطة بالقطاع، وزيادة إمدادات الطاقة من مصر إلى غزة عن طريق تحديث خطوط النقل لدعم قدرة إجمالية بحجم 50 ميغاواطا.

حسب ناشطين سيناويين، فإن مصر تقوم منذ سنوات بمسح مدينة رفح بشكل كامل من الوجود، وتهجير سكانها، بالإضافة لمناطق واسعة من مدن الشيخ زويد والعريش، مقابل الحصول على المشاريع الاقتصادية المخصصة لها في صفقة القرن، وهو ما يدعم الربط بين أفعال الجيش المصري بسيناء وتفاصيل الصفقة.

حلم إسرائيل

صحيفة "يديعوت أحرونوت"، كشفت عن جانب آخر للجدار، وأنه ليس مشروعا مصريا خاصا، وإنما يأتي ضمن مشروع مشترك مع إسرائيل لفرض سياج كامل على قطاع غزة برا وبحرا، وحسب الصحيفة، فإنه سوف يتم دمج الجزء الغربي من الجدار المصري، بالمنظومة التي أنشأتها إسرائيل تحت وفوق الماء في البحر المتوسط، حول شمال القطاع.

ووفقا لما كشفته، القناة "12" الإسرائيلية، فإن جيش الاحتلال وضع مخططا لإقامة جدار أمني يشكل حلقة دفاعية ثانية على حدود قطاع غزة، حيث يضاف الجدار الإسرائيلي الجديد، مع جدار آخر في العمق الإسرائيلي وقرب بلدات حدودية تحاذي شمال شرقي قطاع غزة، وصولا إلى منطقة ناحل عوز قبالة وسط القطاع.

وحسب الناشط السيناوي عيد المرزوقي، فإن الجدار يعد حلما إسرائيليا طال انتظاره، وكشف من خلال صفحته على "فيسبوك"، أنه بعد 5 أعوام من عمل آلاف الجنود والضباط في إزالة مدينة رفح وقراها الجنوبية والغربية مستخدمين مئات الجرافات في تجريف مئات الأفدنة الزراعية برفح بعد تفجير منازل وبنايات المدينة وقراها في مهمة عسكرية طويلة الأمد، شرع نظام السيسي في بناء جدار مهول على الحدود مع قطاع غزة.

وحسب "المرزوقي"، فإن الجدار "يحقق الحلم الذي انتظره الكيان الصهيوني عدة مرات، وأنه يمثل حالة نجاح للإدارة الإسرائيلية فشلت في تحقيقه منذ عام 1971، عندما شرع شارون في تنفيذ تلك المنطقة العازلة في وقت كانت فيه سيناء محتلة ولهدف محدد هو فصل سيناء عن قطاع غزة ونفذ منه أجزاء، ولكن لم ينجح وكذلك لم تكف إسرائيل عن مطالبة مصر بإنشاء تلك المنطقة العازلة خلال الأعوام الستة التي سبقت وصول السيسي للحكم".

ويؤكد "المرزوقي" أن إسرائيل "حققت حصارا كاملا لأول مرة في عهد عبدالفتاح السيسي من الجهات الأربع بشكل محكم، على قطاع غزة، ولعل الهدف الأهم من هذا الحصار بعيدا عما يتردد من روايات تخص الأمن القومي المصري والواقع هو الضغط الكامل والشامل على الفلسطينيين لتقديم تنازلات كبرى لصالح إسرائيل".

تحليلات أخرى تشير إلى أن الجدار الذي ترعاه الولايات المتحدة بشكل مباشر، يأتي ضمن منظومة أمنية إقليمية ودولية، وأنه مرتبط بالاستحقاقات الأمنية المطلوبة من مصر، وأن الأخيرة تريد من خلال الجدار أن تثبت قيامها بما يجب لمنع التسلل ودخول السلاح إلى غزة، ومنع تمدد علاقات "حماس" بالخارج ولا سيما إيران.

وحسب الكاتب الفلسطيني أدهم مناصرة، فإن "وفدا هندسيا عسكريا زار غزة قبل 4 أشهر، وطلب من حماس وضع كشافات وكاميرات وأبراج مراقبة على الجانب الآخر من الحدود".

المرحلة الثانية

وفقا لموقع "ميدل إيست آي"، فإن المرحلة الثانية من الجدار سوف ترتكز على تشديد الرقابة على الأجزاء الحدودية المنفصلة التي تمتد من معبر رفح الحدودي إلى البحر الأبيض المتوسط​، وهي القطاعات التي يعتقد الجيش المصري أنها نقاط ضعف تستخدم للتسلل والتهريب إلى وخارج غزة.

وكشف الموقع أن "قرار بناء جدار يصل إلى عمق الأرض ليس صدفة، حيث سعت مصر بقيادة السيسي إلى إغلاق الأنفاق التي تربط غزة بسيناء، بالإضافة لمنع العناصر التابعة لتنظيم الدولة داخل قطاع غزة، من التسلل للحدود المصرية وزرع عبوات ناسفة على الجانب المصري ونقل الأسلحة والمتفجرات، لأعضاء التنظيم في ولاية سيناء".

وحسب "ميدل إيست آي" فإنه منذ الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي، شرع نظام السيسي في هدم عشرات الأنفاق التي تربط بين القطاع وسيناء، كما قام بإغراقها بمياه الصرف الصحي، بالإضافة لإنشاء منطقة عازلة بطول 1.5 كيلومتر على طول الحدود، في إطار سعي مصر المتواصل لتعزيز أمنها في سيناء.

وفيما يتعلق بموقف حركة حماس، نقل "ميدل إيست آي" عن الخبير الأمني الفلسطيني محمد أبو هربيد، أن الجدار ليس مضرا، خاصة وأنه سوف يساعد في خطة القضاء على الاتجار بالمخدرات ومنع الأنشطة الإجرامية والتخلص من المتطرفين على الجانبين، وهو ما يتناسب مع إعلان الأجهزة الأمنية لحماس أكثر من مرة أنها أحبطت عدة محاولات تهريب قام بها أفراد تابعون لتنظيم الدولة من قطاع غزة إلى سيناء.

وفقا لأبو هربيد، فقد زودت مصر قوات الأمن في غزة بالمعدات والوسائل الأخرى لمساعدتهم على تشديد السيطرة على الجانب الفلسطيني من الحدود تمشيا مع الاحتياجات الأمنية المصرية.

إلا أن خبيرا أمنيا فلسطينيا آخر وهو إبراهيم حبيب المحاضر لأكاديمية شرطة الرباط في غزة، نظر للجدار بشبهات عديدة، وخاصة فيما يتعلق بتوقيته، موضحا أن الجدار من حيث الناحية الأمنية ليس له قيمة، لكن توقيت بنائه مع الإعلان عن صفقة القرن هو الذي يثير الشبهات حول الهدف الحقيقي منه، وأنه محاولة لإجبار المقاومة الفلسطينية على قبول الوضع الراهن.