فنانو المعارضة المصرية بالخارج.. كيف نجحوا في اختراق حصون السيسي؟

12

طباعة

مشاركة

حتى يضمن رئيس سلطة الانقلاب العسكري في مصر عبدالفتاح السيسي عدم تكرار سيناريو ثورة 25 يناير 2011، حصّن الأخير نظامه السياسي بكتلة أمنية ومخابراتية محكمة، وألقى على عاتقها مهمة الترويج له عبر أبواق إعلامية تخضع لإملاءات وشروط مقيِّدة.

فبينما كان الفن يلبس حلة جديدة في مرحلة ما بعد الثورة، وقع الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي في يوليو/ تموز 2013، ضد الراحل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث.

وكما أثّر الانقلاب على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن السينما والمسرح والدراما التي تسهم في تكوين توجهات الشارع المصري تأثرت هي الأخرى.

اضطر عشرات الآلاف من المصريين إلى ترك بلادهم بعد ملاحقة السلطات للمعارضين، فكان من بينهم فنانون ومخرجون وممثلون يؤمنون بقضايا إنسانية تعبر عن الحرية والديموقراطية.

حمل روّد السينما وصُنّاعها معداتهم وكاميراتهم، واتجهوا صوب بلدان تضمن لهم ممارسة أعمالهم بحرية، في محاولة منهم لتوصيل رسائلهم إلى الداخل المصري الذي يحكمه العكسر بالحديد والنار.

محاولات ناجحة

جهود الفنانين المعارضين عندما التقت في الخارج نجحت في إخراج أعمال تلفزيونية تحاكي أفكار سياسية معارِضة، وكان لها صدى واسعا داخل مصر، كما برهنته إجراءات نظام السيسي وهجمات إعلامييه.

وشهدت شاشة المعارضة خلال السنوات الأخيرة، بث أفلام ومسلسلات أثبتت تمكن الفنانين الذين لم يسلكوا طريق السيسي من تطوير أدائهم الفني، وقدرتهم على إيصال رسائل سياسية.

فيلم "بسبوسة بالقشطة" خرج في عرض خاص من مدينة إسطنبول التركية بداية شهر فبراير/شباط 2020، وهو من تأليف وسيناريو وحوار أحمد زين، وإخراج عبادة البغدادي.

قصة الفيلم رمزية إنسانية، تتناول العلاقة بين المعتقل السياسي وما يتعرض له من قمع، إلا أنه يتخذ من الأبعاد الإنسانية في هذه العلاقة منطلقا للصراع الواقع بين الطرفين، كما يكشف إنسانية السجان وبساطة تكوينه النفسي.

أما "شتاء 2016" أول عمل درامي مصري يصور في الخارج، ويلعب بطولته الفنان هشام عبدالله، والفنان هشام عبدالحميد، والفنان محمد شومان، إلى جانب ممثلين فرّوا من الملاحقة بسبب مواقفهم السياسية.

المسلسل الذي أُنتج في 2019 يحكي قصة مجموعة من الشباب الذين تجمعهم رحلة هروب عبر الحدود الجنوبية المصرية إلى السودان، على خلفية أسباب سياسية مختلفة تلامس واقع كثير من المصريين.

وفي إسطنبول أيضا، عرضت فرقة "المسحراتية" العربية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مسرحية "الحرافيش" التي تعالج رواية الأديب المصري العالمي الراحل نجيب محفوظ.

المسرحية تحاكي الواقع السياسي الذي تعيشه المنطقة العربية بشكل عام، ومصر بشكل خاص بعد الانقلاب العسكري عام 2013، بحسب مخرجها حسام الغمري.

هجمات مسعورة

الأعمال السابقة وغيرها شهدت هجوما من وسائل إعلام مصرية مؤيدة لنظام السيسي، بعد أن أحدثت ردود فعل قوية، وأنتجت حالة سعار في الرد عليها.

وهاجم المذيع أحمد موسى، المقرب من السلطات في مصر، فيلم "بسبوسة بالقشطة" قبل أن يتم عرضه، زاعما أن "جماعة الإخوان المسلمين هي من قامت بتصويره داخل السجون التركية".

وادّعى موسى، الشهير بمواقفه المحرّضة على المصريين الموجودين في تركيا، أن "الهدف من الفيلم تشويه الشرطة المصرية، وأنه تم تصويره في تركيا بعلم (الرئيس رجب طيب) أردوغان".

أما المذيع محمد الباز، المقرب من النظام، قال هو الآخر: إن الفيلم هدفه "تشويه" صورة مصر في المحافل الدولية، مشيرا إلى "أن جماعة الإخوان تروّج الشائعات بهدف هز ثقة المصريين في بلدهم"، على حد زعمه.

الفيلم من الأعمال التي لاقت صدى في الداخل المصري، إذ أن الإعلام المصري شن حملة هجوم عليه قبل أن يتم عرضه أو نشره، وفق ما يقول مخرجه عبادة البغدادي.

وأضاف البغدادي في حديث لـ"الاستقلال": أن "إعلام السيسي بث معلومات مغلوطة في إطار هجومه على الفيلم من قبيل أنه إنتاج تركي، زاعما أنه تم إنفاق عشرات الملايين عليه".

واعتبر أن "ذلك يدل على هشاشة النظام المصري وخوفه من أي رسالة موجهة للجماهير تهز صورته الضعيفة أمامهم"، مشيرا إلى أن "الهجوم يفهم في سياق مراقبة النظام لأي عمل درامي".

ذلك يأتي في سبيل دعم الصورة الذهنية لأذرعه الأمنية والجيش والشرطة، ومنع أي أعمال أو مشاهد تهز تلك الصورة، لكنه -وفق البغدادي- فزع عندما جاء هذا العمل خارج منظومته ودون رقابته.

ويؤكد مخرج العمل أن "هذا الفيلم بداية لها ما بعدها للتعبير عن واقع الشعب الحقيقي وليس البطولات الزائفة التي يصدرها النظام وإعلامه لأدوات بطشه".

حداثة التجربة

وعلى الرغم من حداثة تجربة الإنتاج خارج مصر، إلا أن الأعمال أظهرت صورة متكاملة من الأعمال الفنية، بدءا من تقنيات التصوير وأداء الممثلين وانتهاء بالقدرات الإخراجية.

وفي هذا الجانب، يقول البغدادي: إن بعض التجارب كسرت حاجز الدراما بشكل أساسي لدى المعارضة خلال الأعوام الأخيرة، ومهّدت الطريق لتجاوز العديد من التحديات، وبداية ثمرة حقيقية لتجارب أكثر نضجا لم تكتمل بعد لكنها بداية لها ما بعدها.

ورأى أن استمرار التجارب والتعلم من الأخطاء والتطوير المستمر، يمثل الوسيلة الوحيدة لاستكمال التجربة الفنية، وصولا إلى إنتاج أعمال أكثر احترافية في المستقبل.

و"بسبوسة بالقشطة" حاز الجائزة الماسية كأفضل فيلم قصير، والجائزة البرونزية في فئة السيناريو، من خلال مشاركته في المهرجان الأوروبي للأفلام المستقلة.

وصلت الرسالة

وعلى الرغم من قلة السنوات التي خضعت لها التجربة، فإن الرسائل وصلت إلى قلب الشارع المصري، وذلك بدليل الهجمات التي شُنت عليها، بما في ذلك فيلم "بسبوسة بالقشطة".

الأمر يؤكده البغدادي، إذ يقول: إن ردة فعل إعلام النظام وهياجه على تلك الأعمال، أكبر دليل على وصول رسائلها وتأثيرها وخوفهم من نتيجتها واختراقها للحصار المعلوماتي والفكري الذي تفرضه رقابة النظام على المجتمع .

وأشار المخرج المصري إلى أن الأعمال الفنية المعارِضة تركز على رسائل تتعلق بالقضايا الأساسية والقيم المجتمعية، كالحرية والعدالة ومقاومة الظلم والقضايا التي لا تجد من يتحدث عنها.

وزاد، قائلا: "تلك القضايا أصبحت مهملة بشكل كبير في الأعمال التي تقدمها الآلة الفنية للنظام القمعي في مصر"، مؤكدا أنها "تمثل قطاعا كبيرا من الشعب كقضايا المعتقلين وقمع الحريات وحقوق الإنسان".

رسائل مغايرة

بعد الانقلاب خرج الكثير من صناع الأفلام والمنتجين والمخرجين، وكان لهم دور كبير في معالجة رسائل مغايرة عن تلك الموجودة أساسا في مصر والتي أصبحت أداة في يد النظام.

هذا حديث المصري أحمد أبو الفتوح، مخرج مسلسل "شتاء 2016"، والذي أكد لـ"الاستقلال" أن الأعمال الفنية في بلاده تخضع لرقابة النظام العسكري بشكل مباشر.

وأضاف: "كلها أصبحت نسخة واحدة تحمل نفس الرسائل وتعالج القضايا ذاتها، وليس هناك من يُسمع صوتا للناس ومعاناتهم"، في ظل ما تشهده البلاد من ترد للأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية.

وأشار أبو الفتوح إلى أن الفنانين والمخرجين عندما اجتمعوا خارج مصر اتفقوا على إخراج مشاريع تمثل واقع المصريين في الداخل وتحكي قصصهم ومشاكلهم وحياتهم وهموهم، وذلك أعطى مصداقية للأعمال ونسب مشاهدات عالية.

وبرأي المخرج المصري، فإن الفن قوة ناعمة لكنها خضعت على مر سنين إلى سطوة الدولة في مصر، كما استخدمته كوسيلة لتوجيه الرأي العام وتكوينه كيفما ووقتما تشاء.

واستدرك: "لكنها الآن أصبحت في يد فئة من الناس (في إشارة إلى المعارضة) يحملون رسائل للمجتمع والرأي العام، يعرضون من خلالها مشاكل الناس ومعاناتهم".

جوائز مرعبة

وعلّق أبو الفتوح على الجوائز التي حصدتها بعض أعمال الفنانين المعارضين، قائلا: "هذا الأمر بالنسبة للنظام المصري ليس معهودا وغير محبذ".

ويعتبر أن فوزها يعني توصيل صورة حقيقة للأوضاع الأمنية والحقوقية في مصر للمجتمع الدولي، وليس المحلي فحسب، وهو بذلك يكون صوتا مغايرا ومخالفا للنظام.

وأشار المخرج المصري إلى نقطة مهمة، إذ أن هذا الأمر يقلق نظام السيسي ويمثل أزمة حقيقة بالنسبة له، كما يدفعه إلى التصرف بردود فعل عنيفة عبر حملة استنفار أمني تشمل اعتقالات.

ولفت إلى أن النظام اعتقل  مؤخرا ذوي الممثل المصري محمد شومان، بعد فيلم "بسبوسة بالقشطة" الذي شارك في بطولته مع الفنان هشام عبدالحميد، ومجموعة من الممثلين المصريين الموجودين في إسطنبول.

واستغرب أبو الفتوح الحملة الإعلامية التي شنتها وسائل إعلام النظام على الفيلم، خاصة أنه لم يعرض للعموم، إنما عروضا خاصة استهدفت شريحة معينة من المهتمين.

وعن مسلسل "شتاء 2016" الذي أخرجه وتم بثه في رمضان الماضي، يؤكد أبو الفتوح أنها "تجربة درامية ناجحة"، مستندا إلى المشاهدات التي حصدها.

وأوضح أن القناة الرسمية على منصة "يوتيوب" حققت ما يقرب من 14 مليون مشاهدة على الإنترنت فقط، وذلك حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، معتبرا أن نجاحه ينبع من قصته التي تحكي وقائع إنسانية تعرض للناس للمرة الأولى.