شبح 2003 يطاردها.. ما تأثير "كورونا" على اقتصاد الصين؟

12

طباعة

مشاركة

تأثير فيروس كورونا لا يتوقف عند تهديده حياة البشر في الصين فقط، التي وصل عدد الوفيات فيها بسبب الفيروس إلى أكثر من أربعمئة شخص، بل يهدد أيضا وبشكل كبير اقتصاد العملاق الآسيوي، إذ تراجع اليوان الصيني مقابل الدولار الأمريكي لأدنى مستوى خلال شهر، وأصاب التراجع قطاعات اقتصادية محلية ودولية.

يعاني اقتصاد الصين من تراجع كبير قبل انتشار الفيروس الذي اكتشف لأول مرة في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 بمدينة ووهان الصينية، بحسب موقع "ياهو" الأمريكي، الذي أوضح أن السبب هي الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة، وأيضا تراجع الطلب في السوق العالمية. 

عاد الموقع للتذكير بالأزمة التي شهدتها الصين في 2003 بسبب المتلازمة التنفسية الحادة "سارس"، واعتبر أن السيناريو ذاته يتكرر، عندما بدأ من الصين وانتشر في 17 دولة وأنهى حياة 700 شخص، ومن تداعياته توقف سوق التداولات الصينية لمدة شهر كامل، ما أدى إلى نزول عملة البلد - اليوان - إلى أدنى قيمة.

فيما يرى دكتور الاقتصاد في جامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، أن الأمر سيكون أشد من 2003، لأن الخوف هذه المرة عالمي وليس محليا فقط، وفور بدء انتشاره أوقفت عدد من الخطوط العالمية للطيران رحلاتها من وإلى الصين، فيما تعتزم بعض الدول إيقاف الواردات أيضا من بكين بسبب التخوف من أن انتقال الفيروس عبر الأيادي المصابة.

انخفاض النمو

وصل "سارس" حينها إلى أستراليا ونيوزلندا وكوريا الجنوبية أيضا، وعرف اقتصاد هذه الدول تضررا بالغا، لكن الخبراء الاقتصاديين لم يتمكنوا إلى حد الآن، بحسب التقرير ذاته، من تحديد حجم الأضرار التي ستلحق باقتصاد الصين جراء كورونا، لأن الفيروس في بدايته ومن غير المعروف متى سيتم القضاء عليه، كما أنه سريع الانتشار.

وأكد كبير الاقتصاديين الآسيويين في "كابيتال إيكونوميكس"، مارك ويليامز، أن الناتج الداخلي الخام للصين، وآسيا بشكل عام، سيتضرر في الربع الأول من السنة، حتى وإن كان من الصعب توقع الأرقام.

لكن الخبراء الاقتصاديين توقعوا انخفاض النمو الاقتصادي داخل نفس الفترة التي تحدث عنها ويليامز بنسبة تصل إلى 4 بالمئة. 

وتحدثت المصادر ذاتها، التي استندت إليها تقارير صحفية، عن تضرر قطاع السياحة بشكل كبير، والذي كان يصل إلى الذروة في هذه الفترة من كل سنة لتزامنها مع احتفالات السنة القمرية، لكن وبسبب الفيروس عرفت البلاد ركودا ليس فقط من الأجانب الذين كانوا يسافرون لمشاهدة هذه الاحتفالات، بل أيضا من أهلها الذين لزموا بيوتهم وأخلوا كل الشوارع. 

وفي حين تسمر عطلة السنة القمرية حتى 25 يناير/ كانون الثاني من كل سنة، اضطرت الشركات لتمديد العطل حتى 10 فبراير/ شباط 2020، فيما أذنت أخرى بالعمل من المنازل، أما الموظفين المقيمين خارج الصين والذين سافروا لقضاء العطلة فسمح لهم بالمكوث خارج البلد.

دكتور الاقتصاد مصطفى شاهين، قال لـ"الاستقلال": "الفيروس سيؤثر بالتأكيد على الاقتصاد الصيني، وحتى وبعد نهايته، سيحتاج إلى فترة للتعافي من تبعاته".

خارق للحدود

الصدع الاقتصادي وصل حتى كوريا الجنوبية التي عقدت حكومتها اجتماعا طارئا ناقشت فيه تداعيات كورونا على الاقتصاد الآسيوي، وناقشت مجموعة من التدابير الاحترازية. خصوصا وأن ظهور 4 حالات من المرض، كانت كفيلة بجعل المؤشر الكوري في سوق الأسهم ينخفض بنسبة 3 بالمئة، فيما عرف المؤشر الأسترالي انخفاضا بنسبة 1.35 بالمئة.

وبالحديث عن التدابير، شدد الخبراء الذين استقت التقارير الصحفية آراءهم، على أن الصين أكثر استعدادا من 2003 لتواجه الفيروس سواء من الناحية الصحية أو الاقتصادية، بالإضافة إلى أن اقتصاد البلد هو أكبر بكثير مما كان عليه حينها. 

وذهب تقرير لصحيفة "الجارديان" البريطانية إلى حد القول: إن الاقتصاد الأوروبي والأمريكي سيعانيان أيضا من الفيروس بنفس الحجم. وتمثل المطاعم الصينية حوالي 9٪ من المطاعم العالمية التي تتخذ من شيكاغو مقرا لها، ولكنها لا تشكل سوى 3٪ من دخل التشغيل.

أما على الأراضي الصينية، فرصد موقع "بلومبرج" الاقتصادي، إغلاق شركة "ستاربكس" الأمريكية كل فروعها في المدن التي ظهر فيها المرض أو اقترب منها، ووصل عددها إلى 4300 فرع، وبذلك تعد هي المتضرر الأكبر اقتصاديا من كورونا.

كما أغلقت ماكدونالد نصف مطاعمها في البلد، بالإضافة إلى عشرات الشركات الأخرى.

تأثر قطاع صناعة السيارات بشكل كبير، خصوصا وأن لليابان وحدها 160 شركة بمدينة ووهان - مركز تفشي المرض - والمناطق المجاورة لها. واستعادت اليابان موظفيها وعائلاتهم من المدينة، فيما أكدت شركتا "تويوتا" و"هيونداي" أنهما ستبقيان مصانعهما مغلقة، وبدأت شركات "هوندا" و"نيسان" و"رينو" في إرسال العمال غير الصينيين لبلادهم.

وقال ويليامز: إن استمرار إغلاق هذه الشركات لفترات طويلة سيؤثر على الإنتاج بشكل كبير، وأن هذا التأثير سينقل العدوى للشركاء خارج الصين. وهو ما ظهر من خلال تعليق الخطوط الجوية البريطانية "بريتيش إيرويز" رحلاتها المباشرة من وإلى الصين، لتليها شركة "لوفتهانزا" الألمانية إلى جانب شركتيها السويسرية والنمساوية.

خطط بديلة

شركة "آبل" كانت قد طلبت من مورديها في الصين، ما يصل إلى 80 مليون آيفون في النصف الأول من عام 2020، ضمن خطة زيادة إنتاج هواتفها بنسبة 10% في الفترة المذكورة، لتكون بذلك من أكبر المتضررين من الفيروس.

وطلبت آبل ما يصل إلى 65 مليونا من هواتف آيفون القديمة، وما يصل إلى 15 مليون وحدة من هاتف آيفون المنخفض السعر الذي تخطط للكشف عنه في مارس/آذار المقبل. 

لكن الإنتاج الشامل الذي من المقرر أن يبدأ في الأسبوع الثالث من شباط/فبراير 2020، قد يتأخر بسبب تفشي الفيروس، ما جعل الشركة تبدأ في التفكير بخطط بديلة.

وحذر الموردون من أن خط إنتاج هواتف آيفون سيتأثر بشكل كبير، حيث إن كبرى مراكز التصنيع موجودة بالقرب من إقليم هينان وجواندونغ اللذين سجلت فيهما 100 حالة من المرض، كما سجلت 500 حالة في إقليم شانغهاي الذي يأتي في المركز الثاني من حيث عدد مراكز التصنيع.

ولو استمرت الأزمة الاقتصادية داخل الصين لفترة، يقول خبير الاقتصاد مصطفى شاهين: "الاقتصاد الأمريكي سيدفع حتما الكثير من الصناعات للانتقال إلى أمريكا، وبما أنها توقف الواردات من الصين وتحديدا ولاية ووهان، فإن المنتجين المحليين سيضطرون للاعتماد على أنفسهم لتصنيع ما تحتاجه بلادهم، وأوروبا أيضا قد تحذو هذا المنحى".

مصائب قوم

في الوقت الذي تحدث فيه الخبراء الاقتصاديون عن تضرر اقتصاد أمريكا، خرج وزير تجارتها ويلبر روس، ليقول: إن تفشي "كورونا" في الصين قد يفيد الاقتصاد الأمريكي من خلال عودة فرص العمل إلى داخل البلاد.

قبل أن يزيد: "يتعين على قلب كل أمريكي أن يكون مع ضحايا فيروس كورونا، لذلك لا أريد أن أتحدث عن أي انتصار في ظل مرض مؤسف للغاية وخبيث للغاية، لكن الحقيقة هي أنه يضع الشركات أمام أمر آخر تجب مراعاته عند استعراضها لسلسلة التوريد الخاصة بها".

وتابع: "هذا الفيروس يعتبر عاملا جديدا يجب على الناس أخذه بالاعتبار، لذلك أعتقد أن فيروس كورونا سيساعد في الإسراع بعودة فرص العمل إلى أمريكا الشمالية، أي إلى الولايات المتحدة وربما أيضا إلى المكسيك".

فيما رجح مسؤول تنفيذي في مجموعة تجارية أمريكية، أن "تغذي تصريحات روس حالة الكراهية بين الكثير من الصينيين باعتبار أن الولايات المتحدة استغلت معركتها التجارية مع الصين لوقف نهوض البلاد، وتتطلع الآن إلى الاستفادة من محنتها".

فيما ذكّر الخبير الاقتصادي في حديثه مع "الاستقلال"، أنه قبل الفيروس كان هناك اتفاق بين الدولتين القويتين، بأن "تستورد الصين كمية أكبر من صادرات الولايات المتحدة، إذ كان رقم صادرات الصين لأمريكا نحو 500 مليار دولار سنويا فيما لا تتجاوز قيمة ما تستورده 150 مليار دولار سنويا، وبالتالي كان هناك عجز 350 مليار دولار لصالح الصين". 

الآن وبسبب الفيروس قد يرتفع الرقم، يقول شاهين: "التجهيزات الطبية التي تتوفر عليها الصين قد لا تكفي لمواجهة الفيروس في حال انتشاره، ما قد يدفعها لاستيراد بعض الأدوية والتجهيزات، ومنها الكمامات التي بدأت باستيرادها بالفعل من تركيا، فهم بحاجة إلى 200 مليون كمامة إضافية - نحن نتحدث عن مليار و400 مليون نسمة - تخشى الدولة من تفشي المرض بينهم".