صحيفة تركية: تدابير يجب العمل عليها لتجنب كوارث الزلازل
نشرت صحيفة "ملييت" التركية مقالا للكاتب تونجا بنجين، سلط فيه الضوء على الاستعدادات غير الكافية في تركيا لمواجهة أي زلزال قوي قد يدمر المباني ويسقط على إثره عشرات الضحايا، لافتا إلى أن الاستعداد للزلزال لا يكون أبدا بتخمين موعد حدوثه.
وقال الكاتب: إن "تركيا تقع على خط زلزال نشط، وبالتالي دائما ما تحدث هزات أرضية ترقى لمستوى زلزال في كثير من الأحيان، ورغم ذلك كله، لا يبدو أن تركيا لديها الاستعدادات الكافية للتقليل من آثار زلازل محتملة، خاصة فيما يتعلق بالتدابير، مثل: تجديد الأبنية أو إصلاحها، وكذلك التوعية اللازمة حول ما الذي يجب أن يفعله المواطن فيما إذا ما حدث زلزال، وما هي التصرفات الصحيحةـ ولذلك تعيش تركيا الذعر نفسه في كل مرة يتكرر فيها الزلزال أو الهزة الأرضية".
سيناريو يتكرر
وأضاف أن "الأمر تكرر مرارا، ولعل الهزة الأخيرة القوية نسبيا في مانيسا وبعدها في العاصمة أنقرة ومن ثم ألازيغ، حيث بالفعل ومن خلال مراقبة المشاهد التي تأتي من هناك عبر الكاميرات، فإن التصرف المشابه للجميع تقريبا هو الهروب الشعوري بدون هدف وبلا وعي، يركض الناس هنا وهناك، كل ما تجده أمامك هو الهروب، وتحطم الأبواب والشبابيك وحتى القفز منها هربا من الخوف صوب المجهول".
وتابع الكاتب في مقاله: "هناك الكثير من الأرواح فقدت جراء هذا الزلزال، لكن السؤال، بعد هذا الزلزال هل ثمة فرق ما؟" وبحسب الكاتب: "لا يبدو أن الإجابة ستكون نعم، بدءا من مشاكل الاتصالات التي تحدث مباشرة بعد الزلزال، حيث تعيش الناس انقطاعا عن أحبابهم وأقربائهم، بل هذا الأمر قد ينسحب على عمليات الإنقاذ والمساعدة التي تكون في هذه الظروف عاجلة وضرورية".
وأردف: "وما يزيد الطين بلة هو المعلومات التي يتناقلها الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعية، منها ما هو خاطئ، وغير دقيق، ومنها ما هو مبالغ فيه، ما يزيد من حالة الهلع والرعب عند الناس، وهو ما تكرر أيضا في ألازيغ".
وأوضح الكاتب أن تركيا عاشت بالفعل زلزالا مدمرا عام 1999، وكانت الوعود آنذاك أن "هذا الأمر لن يتكرر" ولكن؛ لم يجد المواطنون من ذلك كله إلا مجرد وعود وهمية، ليس لها أي أثر على الأرض، وحلقة من الذعر المتواصل مع كل هزة أرضية أو زلزال وتوابعه. والسؤال هو لماذا؟ لماذا يحدث هذا الأمر هنا في تركيا؟
ووصل عدد الوفيات جراء الزلزال إلى 35، حسب ما أفاد به نائب الرئيس التركي فؤاد أوكتاي.
ومساء الجمعة 24 يناير/كانون الثاني الجاري، ضرب زلزال بقوة 6.8 درجات على مقياس ريختر ولاية ألازيغ (شرقا)، حسبما أفادت به رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد"، وشعر به سكان عدة دول مجاورة.
ورصدت الهيئة بعد هذا الزلزال 12 زلزالا بلغت قوته 4 درجات في المنطقة ويبلغ إجمالي عدد الهزات الارتدادية 274، مشيرة إلى أن الأعمال ما زالت مستمرة لإنقاذ من تحت أنقاض 3 أبنية في مدينة ألازيغ، كما أنها أرسلت 1167 عنصرا من فرق البحث والإنقاذ إلى المنطقة.
تنشئة وتدريب
ونقل الكاتب عن المستشار في الهلال الأحمر التركي الدكتور مقداد قاضي أوغلو، قوله: "ما يحدث هو الجهل بعينه، وداخل هذا الجهل ثمة أبنية آيلة للسقوط، وثمة أشياء غير ثابتة، وفي الحقيقة هناك غياب في المعلومة حول التصرف التالي لبعد حدوث المصيبة، لا يوجد تعليم، هذا كله يعمل على قتل المجتمع".
وأضاف قاضي أوغلو: "بالتأكيد، لا يوجد تغيير سلوكي في البشر، لذلك يجب أن يتدخل المختصون من قبيل علماء الاجتماع وعلماء النفس في هذه المسألة، لكن أيضا هذا الأمر لا يحدث، ولا حتى التنشئة منذ الصغر يتم العمل عليها، لماذا منذ 20 سنة ونتحدث عن الزلزال، ومع ذلك لا يوجد في البيوت أدنى تدابير من أجل التقليل من الخسائر في الأرواح على الأقل، حتى من يستطيع ذلك ماليا لا يقم بذلك، ولا المتعلم أيضا، ومن الطبيعي أن من لا يملك العلم ولا يحوز المال ألا يفعل شيئا من هذا كله".
ولفت إلى أن "الدولة كل ما تفعله هو الحديث فقط، دون إجراءات عملية على الأرض وهذا ما يجب علاجه بأسرع وقت، واللعب على نفسية المواطنين من أجل حثهم على تغيير سلوكهم هذا من قبل المختصين". ورأى أن "الطريقة الوحيدة للحد من الذعر تتمثل في التدرب على كيفية التصرف أثناء حدوث زلزال".
وأكد قاضي أوغلو أن "التدريب على مواجهة الزلازل يقلل من تأثير الصدمة والذعر بنسبة 50 بالمئة، وبالتالي، هذه نقطة غاية في الأهمية يجب البدء بتنفيذها بشكل دوري ومستمر، بحيث يتحول رد الفعل من هلع وخوف إلى تصرف محكم وهذا التصرف المحكم يكون طبيعيا مع التدريب والمراس، ولا سيما وإن الناس بالعادة لا تتصرف وفق ما قرأته أو سمعته، بل ما يخطر على بالها للوهلة الأولى وبدون تفكير، وبالتالي يجب أن نصل لهذه الدرجة، من التدريبات المستمرة".
وأوضح أن "الواقع في تركيا غير ذلك، حيث باتت التمارين وسيلة للتباهي، وإن حدثت فهي تكون للافتراض المستحيل تقريبا، أو سيحدث في مكان ليس هنا، يجب أن تكون تعبئة وطنية ووحدة وتضامن قائم على المجتمع".
رفع الجهوزية
وشدد على ضرورة أن "يتحمل الجميع مسؤوليته، العائلة والأفراد والمدرسة والمدراء والمسؤولون، الجميع يجب أن يتعلم التصرفات اللازمة لمثل هذه الظروف: مهارات إطفاء الحرائق، الإسعافات الأولية، البحث والإنقاذ، ولا سيما وإن هذه المهارات غاية في الأهمية ويجب أن تكون حاضرة لدى الذهن بشكل مستمر".
وأضاف قاضي أوغلو أن "أول 30 دقيقة بعد حدوث الزلزال غاية في الأهمية، وهي التي تقع على عاتق المواطن، بحيث ينقذ جاره، أو يطفئ الحرائق أو يبحث في الأنقاض، وإذا ما وصلنا لهذه الدرجة نكون قد قدمنا خطوة غاية في الأهمية".
وخلص الكاتب التركي إلى أن مواجهة الزلال لا تكون بتخمين متى، أو الاكتفاء بالتصريحات التي تقول بعد كل هزة أرضية: إن إسطنبول لا تتأثر بها، وبدلا من الركون للراحة، يجب التركيز على مواجهة الزلزال بشكل صحيح وعلمي وعملي.
واختتم تونجا بنجين حديثه بالقول: "بات المطلوب محددا سواء من ناحية حضرية أو عملياتية، وأيضا من ناحية رفع الجهوزية لدى الناس وتعزيز الوعي بذلك، بحيث نقضي على هواجس الناس من تخيلاتهم المتمثلة في سقوط المنزل عليهم، أو فقدان الطفل في مدرسته وغيرها من تلك الهواجس".