لماذا تعامل ترامب مع دعوة رئيس فنزويلا للحوار بإعلان الحرب؟

في رسالة اعتبرها مراقبون استباقا لمؤتمر كولومبيا الداعم لتغيير نظام الحكم في فنزويلا، جدد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، دعوته للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالحوار المباشر بينهما، لإنهاء التوتر في العلاقات المشتركة بين الدولتين.
وأكد مادورو في 18 يناير/كانون الثاني الجاري، في مقابلة مع "واشنطن بوست" أن الأزمة ليست في ترامب، وإنما في الفريق المعاون له، وخاصة وزير الخارجية مايك بومبيو، والذي دعا مادورو، لإبعاده بشكل مباشر عن الملف الفنزويلي.
إلا أن الرسالة التي أطلقها مادورو، خلال مقابلة هي الأولى من نوعها مع الإعلام الأمريكي، منذ الانقلاب الفاشل الذي دعمته أمريكا ضده في فبراير/شباط 2019، لم تقابلها الإدارة الأمريكية بإيجابية، وإنما واجهتها بتصعيد آخر، تمثل في دعوتها لدول الجوار بالعمل معا من أجل إزاحة "مادورو"، باعتباره راعيا للإرهاب في أمريكا اللاتينية.
رسائل الصحيفة
مادورو حرص خلال المقابلة على إرسال العديد من الرسائل الإيجابية لترامب. وحسب متابعين، فإن الرسائل كان الهدف منها إفشال تحركات بومبيو المتوقعة، في مؤتمر مكافحة الإرهاب الذي استضافته كولومبيا في 20 من يناير/ كانون الثاني الجاري، والذي تعهد فيه بإزاحة الرئيس الفنزويلي، وتمكين منافسه خوان غوايدو، الذي تعترف به أمريكا، رئيسا لفنزويلا.
وتأتي أولى الرسائل التي اهتم بها مادورو، بأن الوضع في بلاده مستقر، وأن الصراع الدموي الذي دعمته أمريكا طوال العام الماضي، لم يحقق أهدافها بإزاحته، وهو على حد وصفه: "يمسك زمام الأمور في بلاده بشكل جيد"، وأنه قد تغلب على خصومه في كل من كراكاس وواشنطن.
وبالتالي فإنه يجب على الرئيس الأمريكي الدخول معه في حوار مباشر، لكسر حالة الجمود السياسي، وهو ما كان له تأثير على أكثر من 30 مليون نسمة يعيشون في بلاده ويتعرضون للحصار الأمريكي.
أما الرسالة الثانية التي وجهها مادورو، فكانت لشركات النفط الأمريكية، التي دعاها للاستثمار في بلاده، وأن تقوم هي من جانبها بالضغط على الرئيس ترامب، من أجل "إعادة ضبط العلاقات الأمريكية الفنزويلية".
وأشار مادورو لوجود 15 شريكا أجنبيا في إنتاج النفط ونقله، وهو الأمر الذي أنقذ الاقتصاد من الانهيار التام، موضحا أن أحد هؤلاء الشركاء، شركة "شيفرون" ومقرها الولايات المتحدة، والتي حصلت على إعفاءات من العقوبات لمواصلة شراكتها مع شركة PDVSA.
كما أن وزارة الخزانة الأمريكية تجنبت معاقبة شركة روسنفت الروسية، وشركة سي إن بي سي الصينية المملوكة للدولة، والعديد من الشركات الهندية، التي تستخدم العائدات لسداد الديون.
ونقلت الصحيفة عن مادورو قوله: "إذا كان هناك احترام بين الحكومات، وبغض النظر عن حجم الولايات المتحدة، وإذا كان هناك حوار ، وتبادل المعلومات الصادقة، فاحرص على أن نتمكن من إنشاء نوع جديد من العلاقة يقوم على الاحترام والحوار وهو ما يمكن أن يجلب وضعا مربحا للجميع. علاقة المواجهة تجلب وضعا خاسرا".
بدون جدوى
ردود أفعال المعارضة الفنزويلية، كانت رافضة لكل ما طرحه مادورو، في حواره مع "واشنطن بوست"، وهو ما تشير إليه التعليقات التي نقلتها صحيفة "Stamford Advocate" الفنزويلية المعارضة، والتي تصدر من الولايات المتحدة.
وحسب تعليق المعارض الفنزويلي ليوبولدو لوبيز، والذي يعد المرشد الروحي لزعيم المعارضة غوايدو، على حوار مادورو، فإن كل ما يريدونه هو انتخابات حقيقية وليست انتخابات مزيفة كما يريد مادورو، مشيرا إلى أنه لن يكون هناك حل للأزمة في بلاده إلا من خلال "تغيير النظام".
ويرى لوبيز أن الثقة التي تحدث بها مادورو في لقاء واشنطن بوست، لا يعكس بالضرورة إنهاء الأزمة السياسية في البلاد، حيث لا تزال "الهوة قائمة بين حكومته والمعارضة والمسؤولين الأمريكيين، الذين يطلقون عليه الديكتاتور".
وتشير صحيفة "Stamford Advocate"، إلى أن الأصوات المعارضة لمادورو، ترى بأنه يسعى إلى شراء وابتزاز المشرعين المعارضين من أجل التخلي عن غويدو، وهو ما تمثل تنصيب المفوض العام لويس بارا، ليحل محل غوايدو كرئيس للجمعية الوطنية، بينما منعت قوات الأمن أنصار غوايدو من دخول القصر التشريعي.
ووفق أبرامز، فإن مادورو "لا يمكن الوثوق به في رئاسة انتخابات الجمعية الوطنية الجديدة هذا العام" ، خاصة بعد أن منعت قوات الأمن الحكومية غايدو وأعضاء البرلمان المعارضين الآخرين من دخول الجمعية الوطنية يوم الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري.
وقال أبرامز: "إن الولايات المتحدة تفضل إجراء مفاوضات بين نظام مادورو والمعارضة الديمقراطية في عهد خوان غويدو لترتيب انتخابات رئاسية وطنية جديدة ونزيهة. لقد فشلت جميع الجهود السابقة لأن النظام لم يأخذهم على محمل الجد، وبدلا من ذلك استخدمهم لمحاولة كسب الوقت وتقسيم المعارضة. عندما يكون النظام جاهزا، والمشاركة في مفاوضات جادة مع المعارضة، ستبذل الولايات المتحدة كل ما في وسعها القيام به لمساعدة تلك المفاوضات على النجاح".
أمريكا ترد
ويرى مراقبون أن الرد الأمريكي على دعوة مادورو بالحوار المباشر مع ترامب، جاء سريعا خلال مؤتمر مكافحة الإرهاب الذي نظمته الولايات المتحدة مع الحكومة الكولومبية المعادية للرئيس الفنزويلي، يوم الاثنين 20 يناير/ كانون الثاني الجاري.
وأكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، خلال المؤتمر الذي شارك فيه زعيم المعارضة الفنزويلية المدعوم من واشنطن خوان غوايدو، على أن بلاده مستمرة في دعمها لـ "غوايدو"، وأنها سوف تبذل المزيد من الجهد من أجل الإطاحة بالرئيس مادورو، الذي اعتبره بومبيو أحد أبرز داعمي الإرهاب الدولي.
ووفق ما صرح به بومبيو، فإن فنزويلا دولة فاشلة، تحت قيادة مادورو، وأنها من الانهيار الاقتصادي والتضخم المفرط منذ بداية عام 2016، ما أدى لفرار أكثر من 4 ملايين فنزويلي من البلاد ، وكثير منهم موجودون في كولومبيا المجاورة.
وفي تعليق للباحث السياسي "جوشوا جودمان"، نشره على شبكة "سي إن إن"، فإن المؤتمر الذي نظمته كولومبيا، يعد عرضا جيدا تقوم به إدارة ترامب للرجل الذي تقول إنه الزعيم الشرعي للبلاد، في إشارة لخوان غوايدو، مشيرا إلى أن واشنطن وفرت الحماية له، وساعدته في الهرب من مقر احتجازه ببلاده، كما أنها عقدت مؤتمرا خاصا لدعمه من دول الجوار، بالإضافة لتسهيل قيامه بجولة أوروبية من أجل تشديد الخناق على مادورو.
وتوقع الباحث الأمريكي أن تقوم الخارجية الأمريكية بترتيب لقاء هو الأول من نوعه يجمع بين ترامب وغوايدو، في العاصمة السويسرية على هامش مشاركة ترامب بمنتدي دافوس الاقتصادي الذي بدأ أعماله يومي 21 و 22 من يناير كانون الثاني الجاري.
بالعودة لصحيفة "Stamford Advocate"، الفنزويلية المعارضة التي تصدر من أمريكا، فإن إدارة ترامب تفكر في اتخاذ خطوات أكثر استفزازية للإطاحة بـ"مادورو"، بما في ذلك الحصار البحري للنفط الفنزويلي الموجه إلى كوبا، وتحريك دعاوى قضائية دولية ضده تتبناها الأمم المتحدة، التي وثقت خلال عام 2018، العديد من الانتهاكات الحقوقية والتعذيب وقتل المعارضين.
الهروب الأمريكي
ووفق تحليلات متنوعة عن التوتر الجديد في العلاقات بين الرئيس الفنزويلي، والإدارة الأمريكية، فإن البعض ذهب إلى أن الرئيس الأمريكي، يريد الهرب من مشاكله الداخلية والمحاكمة البرلمانية التي ينتظرها، من خلال بوابة فنزويلا.
ويدعم وجهة النظر السابقة ما نشرته وكالة cnbc الأمريكية المتخصصة في الاقتصاد، عن قرار وزارة الخزانة الأمريكية يوم الثلاثاء 21 يناير/كانون الثاني الجاري، بفرض عقوبات على 15 طائرة تعمل لحساب شركة النفط المملوكة للحكومة الفنزويلية، بحجة أنها تنقل مسؤولين كبار في حكومة مادورو.
ووفقا للوكالة نفسها فإن هذه الخطوة الأمريكية هي الأحدث التي تم اتخاذها بموجب الأمر التنفيذي رقم 13884، الذي وقعه ترامب في أغسطس/ آب 2019، والذي يجيز فرض حظر على ممتلكات ومصالح الحكومة الفنزويلية.
وقد علق وزير الخارجية بومبيو على القرار في بيان رسمي أكد فيه أن هذا الإجراء يعزز جهود الولايات المتحدة لاستخدام العقوبات المستهدفة والدبلوماسية الثابتة لإنهاء محاولات مادورو لاغتصاب السلطة، ودعم الانتقال الفنزويلي إلى الديمقراطية، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية الحرة والنزيهة.
وحسب بومبيو فإنه "يجب أن يؤدي المشروع الذي نعمل عليه إلى استقالة مادورو، ويمكن شعب فنزويلا من إجراء انتخابات حرة ونزيهة، نحن نعمل مع بلدان في أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى، وأوروبا ودول في جميع أنحاء العالم لتحقيق هذه النتيجة".
وأضاف قائلا: "من الواضح أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين علينا القيام به، مادورو ما زال في السلطة، حيث أطلق واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في تاريخ العالم، لكننا نتحرك معا إلى الأمام".
المصادر
- مادورو: فنزويلا مستعدة لفتح صفحة جديدة مع إدارة ترامب
- ترامب يهرب من مشاكله الداخلية من بوابة فنزويلا
- بومبيو يدعو إلى دعم جهود إزاحة مادورو
- غايدو مع يلتقي بومبيو في مؤتمر مكافحة الإرهاب في كولومبيا
- الولايات المتحدة وكولومبيا تتعهدان بدعم جهود الإطاحة بمدورو الفنزويلي
- فريق ترامب يقفز لدعم انتفاضة فنزويلا
- خوان جويدو ينطلق في جولة تسلط الضوء على روابط "الإرهاب" في فنزويلا
- أزمة فنزويلا: كيف تصاعد الوضع السياسي
- إدارة ترامب تزيد الضغط على نظام مادورو بفرض عقوبات جديدة