وفاة مصطفى قاسم.. هكذا يشجع ترامب السيسي على القمع بوحشية
طالب أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي الرئيس دونالد ترامب بفرض عقوبات على المسؤولين عن وفاة المصري الذي يحمل الجنسية الأميركية مصطفى قاسم في سجن مصري، كما طالبوا بتحذير رئيس النظام عبد الفتاح السيسي من التعرض لمواطنين أمريكيين.
ووجه أعضاء في مجلس الشيوخ رسالة إلى ترامب تطالبه بفرض عقوبات على المسؤولين عن احتجاز ووفاة مصطفى قاسم، تشمل منع إصدار تأشيرات لهم.
كما حثوا الرئيس الأميركي على تحديد إن كانت معاملة الحكومة المصرية لقاسم تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وتقتضي فرض عقوبات وفقا لقانون ماغنيتسكي الدولي.
كما أشار الأعضاء إلى ضرورة إرسال رسالة واضحة لا لبس فيها إلى السيسي وزعماء آخرين في العالم، بأن الاعتقال وإساءة المعاملة وتعذيب ووفاة المواطنين الأميركيين لن يتم القبول بها، ولن تمر دون عقاب.
ونقلت "سيوبهان أوجريدي"، الكاتبة في صحيفة واشنطن بوست، فحوى خطاب أرسله اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، إلى الرئيس الأمريكي، يدعونه إلى فرض عقوبات وقيود على التأشيرات على المسؤولين المصريين المسؤولين عن اعتقال ومقتل مصطفى قاسم.
وقال العضوان في مجس الشيوخ كريستوفر فان هولن وباتريك جي ليهي في رسالتهما لترامب التي حصلت واشنطن بوست على نسخة منها: إن "اعتقال مصطفى قاسم ومعاملته داخل السجون المصرية بهذه الطريقة، أمر فظيع للغاية في الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة معونات اقتصادية وعسكرية لمصر تفوق حدود 1.4 مليار دولار سنويا".
وبحسب الصحيفة، تُعد مصر واحدة من أكبر الدول المتلقية للمساعدات الأمريكية في العالم.
مصطفى قاسم
وكان قاسم المولود في مصر ولكنه حصل على الجنسية الأمريكية من مقاطعة بيثنبدج في نيويورك، قد تم اعتقاله في عام 2013 من داخل أحد مراكز التسوق أثناء زيارته لأحد أقاربه.
وجرى احتجاز قاسم لمدة 5 سنوات على سبيل الحجز الاحتياطي، ثم ما لبثت الحكومة المصرية أن أقرت أنه مذنب في سبتمبر/أيلول من عام 2018 بتهم محاولة إسقاط نظام السيسي وحٌكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما.
بعد صدور الحكم عليه، كتب قاسم خطابا إلى ترامب يطلب منه فيه التدخل، حيث قال في الرسالة التي تم تهريبها من داخل السجن، أنه يضع حياته في يد الرئيس الأمريكي.
وأعلن قاسم إضرابا عن الطعام، حيث كان يتناول السوائل فقط، إلا أنه إزاء تعنت سلطات السجن في معالمته بشكل غير آدمي، قرر الامتناع عن تناول السوائل حتي لقي حتفه يوم 13 يناير/كانون الثاني الجاري داخل مقر احتجازه.
وبعد وفاة مصطفى قاسم أمر النائب العام المصري بفتح تحقيق حول ملابسات وفاته داخل السجن هذا الأسبوع.
تشجيع السيسي
واستقبل الرئيس الأمريكي السيسي علانية ودعاه لزيارة البيت الأبيض مرات عدة، على الرغم من تحذيرات الناشطين في حقوق الإنسان لترامب أن الحكومة المصرية تحتجز عشرات الآلاف من المصريين و الأجانب داخل سجونها، بما فيهم صحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى قيام حكومته بقمع الحريات في مصر.
ويتهم عضوا مجلس الشيوخ فان هولين وليهي، ترامب بتشجيع السيسي على قمع الأمريكيين داخل السجون المصرية، مما أدى في النهاية إلى مقتل مواطن أمريكي.
تقول الرسالة: إن "الجهود المبذولة لتأمين الإفراج عن مصطفى قاسم أو غيره من الأمريكيين المحتجزين في مصر، تتقوض بشدة عندما تشير إلى السيسي على أنه رجل صالح و ديكتاتورك المفضل".
وتابعت: "مثل هذه البيانات التي تتعارض مع قيم أمتنا، تشجع السيسي على احتجاز الأمريكيين وإساءة معاملتهم بصورة غير قانونية، والانخراط في القمع الوحشي لحقوق شعبه".
وكان ترامب قد زعم مرارا وتكرارا أن إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في الخارج هو أولوية لإدارته، لكن ما لا يقل عن ستة أمريكيين ومقيمين دائمين "محتجزون ظلما" في مصر وفقا لرسالة أعضاء مجلس الشيوخ.
إثارة القضية
في يناير/كانون الثاني 2018، صرح مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي للصحفيين بأنه أثار مخاوف حكومته بشأن حبس قاسم لدى لقائه السيسي، ولكن لم يتم إطلاق سراح سائق سيارة الأجرة في مدينة نيويورك.
وقال السيناتور فان هولن: إنه في الصيف، بينما كان في رحلة إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التقى بالسيسي وأثار قضية احتجاز قاسم معه مباشرة.
وتابع في مقابلة مع واشنطن بوست: أن السيسي ادعى أن هناك أسبابا لاحتجاز مصطفى قاسم ولكنه لم يستطع الرد أو ذكر هذه الأسباب، ثم ما لبث أن وعد بالنظر في الأمر، ولكنه لم يف بوعده.
وأضاف فان هولين: "من الواضح أن الرئيس السيسي والنظام المصري يعتقدون أنه بإمكانهما الإفلات من العقاب على اعتقال وموت الأمريكيين". وقال: إنه عندما يتعلق الأمر بالعقوبات ، "يجب على الإدارة أن تفكر في جميع الأطراف المعنية".
كما أدان مشرعون آخرون مقتل قاسم، حيث غرد السيناتور ماركو روبيو أنه "أمر شائن تماما أن يحدث هذا على أيدي حكومة من المفترض أن تكون شريكا".
ما موقف بريطانيا؟
بدورها، قالت صحيفة ذا تايمز البريطانية: إن انتقادات كبيرة قد وٌجهت لنظام السيسي جراء مقتل المواطن الأمريكي، مبينة أن رئيس النظام المصري قد يتلقى هجوما متجددا في لندن الأسبوع المقبل بسبب سجل مصر في مجال حقوق الإنسان.
يٌذكر أن السيسي قد تلقى دعوة شخصية من بوريس جونسون لحضور قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية يوم 20 يناير/كانون الثاني، على الرغم من تجدد الحملة على المعارضين منذ سبتمبر/أيلول الماضي وتدهور الأوضاع في السجون المكتظة بالمظلومين.
سيمثل السيسي كل من مصر والاتحاد الإفريقي الذي يترأسه، في زيارته إلى لندن، في الوقت الذي اتهمت منظمات حقوق الإنسان القادة البريطانيين بالتهوين من سجل مصر في هذا المجال، حتى بعد التشويه والقتل قبل أربع سنوات للإيطالي جوليو ريجيني، طالب الدكتوراه بجامعة كامبريدج، بعد أن قبضت عليه الأجهزة الأمنية.
وسيشهد الأسبوع المقبل الذكرى الرابعة لاختطاف ريجيني وقتله. وتقول ذا تايمز: "يجب على جونسون الضغط على الرئيس المصري للحصول على تفسير حول سبب فشل السلطات المصرية في تقديم قتلة ريجيني للعدالة".
وطالبت منظمة العفو الدولية جونسون بتغيير نهج بريطانيا "بهدوء"، وقالت لوسي ويك، مديرة العلاقات الحكومية في منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة: "لقد هونت بريطانيا كثيرا من انتهاكات حقوق الإنسان المروعة في مصر". وبينت أن "السلطات المتشددة في مصر تسيء استخدام قوانين مكافحة الإرهاب بشكل روتيني".
ووصل الأمر خطورة بعدما اكتفت إدارة ترامب، حليف السيسي، بإثارة المخاوف فقط بعد مقتل المواطن الأمريكي. وقال ديفيد شينكر، المسؤول بوزارة الخارجية: "موته في الحجز كان لا داعي له ومأساوي ويمكن تجنبه".
محاكمات هزلية
يذكر أن قاسم، الذي كان متزوجا ولديه طفلان، اعتقل بعد فترة وجيزة من سيطرة السيسي على السلطة في انقلاب عسكري، حينما كان يزور عائلته في القاهرة، حيث ألقي القبض عليه بعد أن أوقفه الجنود بالقرب من ماكينة الصراف الآلي، ورأوا جواز سفره الأمريكي، واتهموه بالتجسس.
وجرى ضم قاسم إلى محاكمة هزلية جماعية تضم أكثر من 700 متهم، حيث لم تمكنهم السلطات المصرية من الدفاع عن نفسهم، بالإضافة إلى التعامل غير الآدمي والتعذيب الوحشي الذي يلاقونه داخل مقرات الاحتجاز المصرية.
ويٌذكر أن مئات السجناء أضربوا عن الطعام في مصر، احتجاجا على الظروف الرهيبة التي يحتجزون فيها، حيث توفي محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب، في يونيو/حزيران من العام الماضي بعد احتجازه في الحبس الانفرادي في سجن طرة، وهو نفس السجن الذي كان قاسم محتجزا فيه.
وقال أنيس كالامارد، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بعمليات القتل خارج نطاق القضاء: إن الظروف هناك كانت وحشية لدرجة أن وفاة مرسي "يمكن أن تصل إلى حد القتل التعسفي الذي تقره الدولة".
سامح شكري، وزير الخارجية المصري التقى ترامب في البيت الأبيض يوم 14 يناير/كانون الثاني الجاري، لكن المسؤولين رفضوا الإفصاح عما إذا كانت قضية قاسم قد أثيرت، أو جرى الحديث عن حقوق المحاكمات العادلة أو ظروف احتجاز عشرات الآلاف من المصريين في "عنابر الموت".
وتتبعا لسجل مصر المتفرد في انتهاكات حقوق الصحفيين والصحافة، داهمت سلطات الأمن مقر وكالة الأناضول للأنباء في القاهرة واعتقلت العاملين فيها قبل إخلاء سبيلهم، حيث اتهمت وزارة الخارجية التركية الحكومة المصرية بالتحرش بالمصالح التركية.
وتأتي هذه المداهمة الأمنية وسط حرب كلامية بين الدولتين، حيث دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حركة الإخوان المسلمين في مصر، والتي يوجد العديد من أعضائها في المنفى في إسطنبول.