المهمة الصعبة.. لماذا يخشى حفتر تشكيل "الوفاق" لجيش نظامي؟

12

طباعة

مشاركة

لم تمر أيام قلائل على توقيع الاتفاق العسكري بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا المعترف بها دوليا، حتى نفذت ميليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر مجزرة بشعة في قلب العاصمة طرابلس، خلفت أكثر من 30 قتيلا وعشرات الجرحى من طلبة الكلية العسكرية.

تركيا أعلنت وبكل وضوح أن الهدف استجابتها لطلب حكومة الوفاق الشرعية بتدخلها عسكريا في ليبيا هو إعادة تشكيل مؤسسة عسكرية قوية في البلاد، ووضع نواة لجيش وطني قادر على حماية الشعب الليبي.

حسب مراقبين، فإن هجوم حفتر الأخير كان رسالة موجهة للجميع بأن الجنرال ومَن وراءه لن يسمحوا بإعادة تشكيل جيش ليبي لا يعترف بولائه لحفتر ومليشياته.

الهجوم الذي وقع 4 يناير/كانون الثاني الجاري ونفذته طائرات إماراتية داعمة لحفتر، جاء في وقت تصاعدت فيه الهجمات التي تستهدف المدنيين من قبل قوات حفتر أو القوات الداعمة لها، في ظل فشل مستمر في تحقيق أهداف العملية العسكرية التي أطلقها الجنرال المتقاعد، في 4 أبريل/نيسان 2019، للسيطرة على العاصمة.

الكلية العسكرية المستهدفة هي واحدة من عدد من المؤسسات الأكاديمية العسكرية التي أعيد فتحها بعد سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، في خطوة من أجل بناء نواة لمؤسسة عسكرية ليبية موحدة، تحت إمرة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس، وتنهي فوضى السلاح المنتشر في ليبيا منذ العام 2011.

خطوات حكومة الوفاق، قوبلت بأخرى حيث يتلقى حفتر دعما سياسيا وماديا من قبل حلفائه في المنطقة وفي مقدمتهم الإمارات ومصر من أجل تحويل الميليشا التي يقودها إلى جيش نظامي يعود بالولاء الظاهر للحكومة الموازية في الشرق الليبي، ويعمل على إقامة حكم عسكري مشابه لما كانت عليه ليبيا قبل الثورة وغيرها من الديكتاتوريات العربية الساقطة أو المستمرة في الحكم إلى الآن.

الدعم التركي

أوضح الباحث والخبير في الشأن الليبي نزار كريكش أن "الجزء الأهم من الاتفاق التركي الليبي هو السعي لبناء وتدريب الجيش الليبي، وتجميع المجموعات المسلحة وتطويعها في إطار مؤسسة واحدة".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "حكومة الوفاق تعترف أنها غير قادرة على بناء مؤسسة عسكرية موحدة وقوية، وهذا ناتج عن الوضع الذي خلّفه نظام حكم القذافي الذي غيّب كل المؤسسات في ليبيا وجعلها عدوة للشعب".

وتابع كريكش: "حتى المحاولات المحدودة من أجل بناء نواة جيش وطني ليبي حقيقي، وانتداب شباب ليبيين وغرس عقيدة وطنية قائمة على مفهوم الدولة والقانون والمؤسسات، قصفوا في مجزرة الكلية العسكرية الأخيرة".

يذكر أن الاتفاقية الجديدة بين ليبيا وتركيا  تضع الأسس القانونية والأطر الشرعية لعمليات التدريب والتأهيل وتبادل الخبرات التي سيقوم بها الجيش التركي لعناصر ومكونات الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق على اختلاف مراكزهم ومناصبهم العسكرية.

ومن شأن الاتفاق تعزيز العلاقات العسكرية بين الجانبين، خصوصا وأن مذكرة التفاهم الأمنية تغطي جميع الجوانب المرتبطة بقطاع الأمن عموما سواء منه ما يخص مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، أو ما يرتبط بتبادل المعلومات الأمنية، والهجرة غير الشرعية، وهو أمر تحتاجه بشدة حكومة الوفاق التي تواجه حربا شرسة من جانب قوات حفتر.

جيش حفتر

بعد سقوط نظام القذافي عام 2011، انتشرت على مواقع التواصل صور ومقاطع مصورة للزعيم الليبي الراحل وأفراد أسرته، بعضها سري للغاية مسرب من مؤسسات حساسة في الدولة.

انتشر تسجيل مصور يظهر فيه القذافي وهو يعطي تعليمات لقائد قواته في تشاد، يعتقد أنه خليفة حفتر، الذي منح لنفسه الآن رتبة مشير، ويتولى منصب القائد العام "للجيش الوطني الليبي".

ويطالب القذافي عبر اللاسلكي قائد الوحدات الليبية في تشاد بالعودة إلى "فايا لارجو"، أكبر مدن الشمال التشادي، مشيرا إلى أن قوات "العدو" هناك لم تعد لها فعالية ويجري تدميرها الآن، بغارات جوية على ما يبدو.

اللواء المتقاعد حاول استغلال هذا المقطع التاريخي لصالحه، رغم أنه لم يكن مشرّفا كما يعتبره معارضوه، حيث تسبب في هزيمة كبيرة للجيش الليبي بمعركة وادي الدوم التي وقع فيها أسيرا قبل أن يطلق سراحه في صفقة مشبوهة ليلجأ إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وبدعم من الولايات المتحدة، تشكلت فرق عسكرية عرفت باسم "قوات حفتر" مقرها تشاد وتضم نحو 2000 ليبي، وعقد حفتر العزم على الإطاحة بالقذافي.

لكن انتهاء الحرب الباردة، وتغير السلطة في تشاد، ورغبة باريس وواشنطن في تطوير العلاقات مع القذافي، أطاحت بأحلام حفتر الذي انتهى به الأمر منفيا في الولايات المتحدة ثم في فيينا، وفقا لإذاعة "مونت كارلو".

تابع حفتر نشاطه لاحقا في محاولة الانقلاب على نظام القذافي، لكن موجة اعتقالات واسعة عام 1993 أحبطت آماله للمرة الثانية، وأُسر اثنان من إخوته خلالها. 

تاريخ حفتر بدا مثاليا للمحور الإقليمي المضاد للربيع العربي، فالرجل عسكري، معاد للإسلاميين، وكان جزءا من النظام القديم ومعارضا له في فترة ما وهو ما يسمح له بلعب دور رئيسي في تأسيس قوة عسكرية على أنقاض المؤسسة العسكرية السابقة تؤهلها بالسيطرة على الدولة ومفاصلها في ظل الفراغ المؤسساتي الموجود، والصراعات المتعددة.

المهمة الصعبة

يصر حفتر وداعموه من خلال وسائل الإعلام الخاصة بهم إلى إطلاق اسم "الجيش الوطني الليبي" على الميليشيا التي يقودها حفتر، رغم أن أغلب المنضوين تحتها من المدنيين من أبناء القبائل التي تحالف معها حفتر، والتي تورطت في الدفاع عن نظام معمر القذافي في العام 2011.

وبعد انقلاب حفتر في 14 فبراير/شباط 2014، أصبح السلفيون المداخلة أحد أهم القوى الضاربة لحفتر، وتشكلت ألوية وكتائب تقاتل في "جيشه"، وأسس العديد منهم مليشيات موت واغتيالات خاصة، مع سيطرة منهم على عدد من السجون والمدارس وأغلب المساجد، حتى توزعت قوتهم بين منطقة الشرق والوسط والغرب.

ومن بين أبرز الأسماء المنتمية لهذا التيار المقاتل ضمن صفوف قوات حفتر، الرائد محمود الورفلي أو المعروف بضابط الإعدامات، وهو من أبرز القادة العسكريين المقربين من حفتر.

يقود الورفلي إحدى السرايا المقاتلة في كتيبة القوات الخاصة المعروفة باسم كتيبة الصاعقة، عرف بوحشيته وفظاعته في مواجهة خصومه السياسيين والعسكريين، كما قاد عمليات إعدامات ميدانية موثقة بالصوت والصورة وجرائم نبش القبور في شرقي ليبيا، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية منتصف أغسطس/آب مذكرة توقيف بحقه.

الخبير الليبي نزار كريكش اعتبر أن ما يجري في ليبيا هو حالة مشابهة لما كان عليه الوضع في لبنان خلال فترة الحرب الأهلية.

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "هنالك رغبة في السيطرة على الوضع السياسي في ليبيا من خلال المؤسسة العسكرية، وهذا ما تعمل عليه مصر فحتى إن تم الاتفاق على بناء مؤسسة واحدة فمصر ستعمل على أن يكون الجزء الكبير منها مواليا لحفتر ولها".

المؤسسة العسكرية

تحت رعاية مصرية، عقدت جولات من المفاوضات من أجل توحيد المؤسسة العسكرية الليبية جرت في العاصمة المصرية القاهرة، بحضور ممثلين عن الجهتين، الغربية ممثلة في حكومة الوفاق والشرقية ممثلة في قوات حفتر وبرلمان طبرق.

إلا أن هذه المفاوضات باءت بالفشل مثل غيرها، ما جعل البعض يشكك في النوايا المصرية وجدية مساعيها لتوحيد الجيش الليبي، خاصة مع دعمها طرفا على حساب الأطراف الأخرى.

سعت مصر إلى تشكيل لجان فنية تضم ضباطا من المنطقتين لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، دون الحديث عن تبعيتها للسلطة المدنية في البلاد.

كما تم الترويج إعلاميا إلى اتفاق بين المجتمعين على الإبقاء على حفتر في منصبه الذي منحه له البرلمان الليبي في طبرق، قائدا عاما للقوات المسلحة مدة 4 سنوات، يضاف إليها عام آخر.

وبدأ العميد أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم جيش حفتر يتنقل من شاشة إلى أخرى من القنوات المؤيدة لقائده، للتبشير بهذا الاتفاق الذي يجعل من اللواء المتقاعد قائدا أعلى للقوات المسلحة الليبية.

إلا أن المجلس الرئاسي  التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، اعتبر تصريحات المسماري "غير مسؤولة وتؤثر سلبا على النتائج المرجوة من اجتماعات مهمة مستمرة من أكثر من عام".

كما أكد المجلس في بيان له أنه "ملتزم بالثوابت التي نص عليها الاتفاق السياسي، وعلى رأسها مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة تبعية المؤسسة العسكرية لسلطة مدنية تنفيذية".