مهدد بالإفلاس.. إلى أين وصلت أوضاع لبنان الاقتصادية؟

في الوقت الذي يحاول فيه رئيس الوزراء الجديد حسن دياب، القريب من حزب الله، تشكيل حكومة، يستمر الوضع كما هو دون تغيير في لبنان، حيث تشهد البلاد مظاهرات شعبية حاشد منذ أكتوبر/ تشرين أول الماضي، جعلت البلاد على شفا الإفلاس.
هذا ما توصلت إليه صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية في تقرير لها بعنوان "لبنان مهدد بالإفلاس"، حيث يجد الآلاف أنفسهم مهددين بخسارة وظائفهم، فيما تعمد مؤسسات عديدة إلى اقتطاع قسم من الرواتب نتيجة الشلل الذي أصاب العديد من القطاعات.
حافة الإفلاس
وقالت الصحيفة في تقريرها: إنه لا شيء يسير على ما يرام في بيروت، ففي منتصف شهر أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أثار قرار الحكومة فرض ضريبة بقيمة 6 دولارات شهريا على مكالمات "واتساب"، وهو تطبيق شائع جدا للتواصل، أعمال شغب، وسرعان ما تحول هذا الغضب إلى احتجاج ضد الطبقة الحاكمة المتهمة من اللبنانيين بالفساد وعدم الكفاءة.
وأضافت: "بعد تدهور سياسي ظل لفترة طويلة، تم تعيين رئيس وزراء جديد، في 19 ديسمبر/ كانون أول 2019، هو الأكاديمي حسن دياب، وذلك بدعم من حزب الله الشيعي القوي وحلفائه، لكن على الرغم من وعوده بتشكيل حكومة من التكنوقراط المستقلين من الطبقة الحاكمة، فإن الخلاف لا يزال مستمرا".
وأكدت الصحيفة أنه في ظل هذا الوضع يواجه لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1990، وسط حالة من عدم الاستقرار السياسي أدت لتنامي مخاطر خفض قيمة العملة، وهي أزمة جعلت تجارا ورجال أعمال لبنانيين على حافة الإفلاس.
وبحسب الصحيفة، فإن البنوك أصبحت في مرمى السكان الذين يتهمونها بسرقة مدخراتهم، حتى إن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال حسن خليل اتهم البنوك بـ"حبس" رواتب موظفي الخدمة المدنية، كما أعلن في 25 ديسمبر/ كانون الثاني، عن إجراء تحقيق في التحويلات المالية الضخمة للخارج.
وكتب الوزير على حسابه في "تويتر" قائلا: "من غير المقبول ما يحصل في بعض المصارف حيث تحبس معاشات الموظفين التي تحولها وزارة المالية شهريا". وأكد خليل أن رواتب الموظفين هي "حق مقدس من غير المسموح المس فيه وعدم دفعه كاملا وفي وقته وسنقوم بكل الإجراءات القانونية لحمايته".
وبحسب الصحيفة، فقد فرضت البنوك اللبنانية سقفا للسحب من الحسابات بالدولار بحيث لا تتجاوز نحو ألف دولار شهريا، وفرضت بعض البنوك قيودا أشد. كما فرض عدد منها سحبا أسبوعيا بالليرة اللبنانية لا يتعدى مليون ليرة، أي ما يعادل 660 دولارا أمريكيا بالسعر الرسمي، رغم انخفاض سعر الليرة بنحو الثلث مقابل الدولار في السوق السوداء خلال الأسابيع الأخيرة، وهو ما أدى إلى غضب شعبي، واتهام البنوك بحرمان المواطنين من مدخراتهم.
ونقلت "لوفيجارو" عن باسكال ديفو، الخبير في بنك "باريس باري با"، أن الإفلاس يهدد لبنان، ووفقا له فالاقتصاد اللبناني يعاني من نقص في الهيكلة وانخفاض في الإنتاج الأمر الذي يؤدي في الغالب إلى استخدام كبير للواردات.
وأكد أن عائدات الميزانية المحدودة والعجز المتراكم لا يخدم الاقتصاد اللبناني فالدين العام وصل إلى 150 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي وهو رقم مخيف، إذ أنه يقترب من الدين العام الذي أدخل اليونان في أزمة اقتصادية كبيرة عام 2010، حيث كان يتم تمويله عموما عن طريق الودائع المصرفية من الشتات، لكن النظام توقف منذ عام 2011.
ونقلت عن ديفو قوله أيضا: إن هذه الأزمة تعود 2011 حيث أحداث الربيع العربي وتدفق اللاجئين السوريين بسبب الحرب، حوالي 1.5 مليون، أو ربع السكان اللبنانيين، ما أدى إلى زيادة في الانفاق وتباطؤ في النمو.
كما أنه في عام 2015، انخفاض أسعار النفط وتأثيره على دول الخليج جعل الخليجيين يحدون من رحلاتهم السياحية استثماراتهم في العقارات بلبنان، مما قلل من الموارد الرئيسية الأخرى للبلاد. وقد أثار هذا الأمر عدم ثقة تجاه اقتصاد لبنان في المستقبل وأثر على الودائع، مما أدى إلى نضوب الموارد اللبنانية من 2017-2018.
ركود وفقر
وأوضح الخبير الاقتصادي أن هذا العام بين "تسارع فقدان الثقة، وقبل كل شيء، الأزمة السياسية المستمرة منذ الخريف، حُرم الاقتصاد من الدعم الخارجي، الذي أصبح محظورا بالكامل، ونتيجة لذلك، يتوقع البنك الدولي حدوث ركود في بلد يتفاقم فيه عدم المساواة بشكل خاص".
ورأى في حديثه للصحيفة، أنه لحين الخروج من الأزمة، على البلاد أولا "الحد من التدفقات الخارجية، على سبيل المثال عن طريق فرض ضوابط على رأس المال، ولكن لا يمكن الاستمرار عليها لفترة طويلة لأنها تخنق الاقتصاد، وثانيا "العثور على موارد أخرى"، في دول الخليج على سبيل المثال.
في غضون ذلك، يؤكد باتريس جيفرون، أستاذ الاقتصاد في جامعة "باريس دوفين" للصحيفة، أن "هذا البلد يغطي 85 بالمئة من احتياجاته من المعدات والمواد الغذائية من خلال الواردات، وأن النقص والزيادات في الأسعار تلوح في الأفق، مما يزيد من الفقر المستشري بالفعل، وكل ذلك على خلفية فشل البنية التحتية في إدارة المياه والكهرباء والنفايات، إن لم يكن الغياب التام، ولا سيما في قطاع النقل العام" محذرا من أن هذا الوضع قد يصبح غير ممكن.
وفي 11 ديسمبر/ كانون أول، دعا مانحو لبنان إلى الحاجة الملحة "لتبني مجموعة كبيرة وموثوقة من الإصلاحات الاقتصادية"، وهي تدابير يجب أن تفعل بتشكيل حكومة إصلاحية جديدة. لكن الحكومة المزمع تشكيلها متهمة بسيطرة حزب الله عليها، وهذه الجماعة مستهدفة بالعقوبات من قبل الولايات المتحدة التي تعتبرها منظمة "إرهابية"، وهو ما يشكل خطرا من خلال تعقيد وصول المساعدات الدولية للبنان.
ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر/ تشرين أول حراكا شعبيا غير مسبوق ضد الطبقة السياسية كاملة التي يتهمها المتظاهرون بالفساد ويحملونها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، ويطالبون رحيلها بالكامل.
وتحت وطأة الحراك الشعبي، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري، استقالته في 29 من الشهر ذاته، وذلك بعدما قوبلت الورقة الإصلاحية التي أعلنها برفض شعبي وعرقلة سياسية.
وأعقب استقالة الحريري طرح أسماء عدة لتأليف الحكومة، إلا أن جميعها فشل بفعل ضغط الشارع، فيما أفضت الاستشارات الأخيرة إلى تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة لكنه لم يفلح فيما أوكل إليه حتى الآن.