التقارب الاقتصادي بين المغرب والصين.. ما الذي يزعج فرنسا؟

12

طباعة

مشاركة

"الصين منافس قوي لفرنسا (في المغرب)، ولبكين فائض كبير من الدولار تريد التخلص منه، وتمنح قروضا بفوائد هزيلة، الأمر الذي يجعل فرنسا في وضع صعب بهذه الشروط" حقائق أكدتها تصريحات صحفية للمحلل السياسي المغربي عبدالصمد بلكبير.

يبدو أن التقارب المغربي الصيني بات مقلقا لباريس، وهو ما كشفت عنه تقارير صحفية فرنسية، مشيرة إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور المغرب في شهر يناير/ كانون الثاني 2020، لتحريك الجمود الذي يشوب العلاقات بين البلدين في الفترة الأخيرة.

فائق السرعة

أنجزت فرنسا مشروع القطار فائق السرعة في المغرب، الذي انطلقت أولى رحلاته مع بداية 2018، وربط بين مدينتي طنجة (الشمال) والدار البيضاء (وسط غرب)، كلف المشروع ما يقارب 1.9 مليار دولار، حسب التصريحات الرسمية، في حين أفاد رافضون له أن التكلفة تجاوزت 2.5 مليار دولار.  

بعد مرور سنتين على افتتاح المشروع يعتزم المغرب فتح خط جديد بين مدينتي مراكش (جنوبا) وأغادير (جنوب غرب)، لكن الصين هذه المرة دخلت على الخط، وعرضت على المغرب إنجاز المشروع بتكلفة منخفضة بـ50 في المائة.

المشروع اعتبره الملك محمد السادس "ركيزة أساسية في تنمية الجهة (المنطقة)"، ولوّح المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية ربيع لخليع، بعد مرور سنة على افتتاح الخط الأول أنه قد يكون من إنجاز الصين، التي يضعها المغرب على رأس خياراته.

وأشار لخليع إلى أن المملكة قد وقعت مع جمهورية الصين الشعبية خلال زيارة الملك لها سنة 2016، مذكرة تفاهم تتعلق بالشراكة في التكوين في مجال السكك الحديدية والدراسات.

وأكد على وجود مشاورات مع الصين حول هذا الموضوع، لكنه ترك الباب مواربا مع فرنسا عندما أشار في حديثه إلى إمكانية العودة إلى فرنسا أو الاستعانة بروسيا، حسب كلفة المشروع وشكله.

دعم أمريكي

تعتبر فرنسا الاستثمار في الخطوط السككية السريعة بالمغرب حكرا عليها، ما يدفعها إلى الضغط على المغرب لكي يتخلى عن الصفقة مع الصين ويراهن على القطار الفرنسي السريع، وهو ما يندد به القصر المغربي، حسب ما صرحت به مصادر مقربة من القصر لصحيفة "القدس العربي".

وظفت باريس ملف الصحراء، الذي يعتبر حساسا بالنسبة للمغرب، لانتزاع الصفقة، فيما أشار المحلل السياسي عبدالصمد بلكبير إلى أن "فرنسا لا تقبل المنافسة داخل المغرب، وأن الضغط على الرباط سيكون مؤقتا".

ولفتت تقارير صحفية إلى أن فرنسا تعول كثيرا على التعاون الأمني مع المغرب وعلى جهوده في تأمين منطقة الساحل والصحراء من التنظيمات المسلحة.

فرنسا تساندها الولايات المتحدة الأمريكية - التي دخلت هي الأخرى السوق المغربية بقوة عبر قطاع البنوك - ويدخل ذلك ضمن الضغط على كل حلفائها للابتعاد عن المشاريع مع الصين، لأسباب جيو- سياسية، إذ تريد من حلفائها الابتعاد عن المشاريع التي تربطهم بالصين الراغبة في ريادة العالم. 

المحلل السياسي اعتبر أن المغرب يحترم القانون ومداخله، ويعرف كيف يستعمل القانون لصالحه ويبحث عن مداخل قانونية لسياساته. وبيّن أن المغرب ينسق مع فرنسا في مشاريعه بإفريقيا، إلا أن مصالح البلدين تكون غير منسجمة وتنطوي على نوع من المنافسة في بعض الأحيان.

طريق الحرير

أعلن المغرب في 2016، على لسان ملكه محمد السادس أن التزامه مع شركائه التقليديين - الاتحاد الأوروبي - لن يمنعه من التطلع لخلق فرص استثمارية تنعش الاقتصاد الوطني، في ظل تبعات الأزمة الاقتصادية. 

مباشرة بعد هذا الإعلان زار الملك الصين، والتقى الرئيس شي جين بينغ، ووقعا على إعلان مشترك لإرساء شراكة إستراتيجية. وبلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين، في نفس السنة، 4 مليارات دولار  3.5 مليارات منها واردات، وبلغت حصة الصين من إجمالي المبادلات التجارية المغربية 6.2 %. 

وبلغ المتوسط السنوي للاستثمارات الصينية حوالي 37 مليون دولار، ما بين 2014 و2016، مقابل أقل من 310 آلاف دولار قبل سنة 2013.

الاستثمارات القادمة من الاتحاد الأوروبي تسجل تراجعا مقابل القادمة من الصين، إذ بلغت حوالي 1.86 مليار دولار سنة 2017 مقابل أكثر من ملياري دولار سنة 2016 أي بانخفاض 14%.

الخبير الاقتصادي الصيني والباحث في معهد شنغهاي للدراسات الدولية، زو يويان اعتبر أن "المغرب شهد ثورة هائلة خلال السنوات الأخيرة في مشاريع البنى التحتية، الأمر الذي مكّنه من لعب دور مهم في مشروع خط الحرير الجديد".

وأوضح الباحث الصيني بأن "مدينة طنجة (شمالا) تنشط فيها أكثر من 200 مقاولة صينية، كما تضم المدينة أحد أكبر الموانئ في القارة الإفريقية، ومن المنتظر أن تكون محطة أساسية في المبادرة الاقتصادية الصينية".

عقدة استعمارية

هذه الشوائب بدأت تظهر للعلن عبر مواقف آخرها تقرير لـ"وكالة المغرب العربي للأنباء" - الرسمية - وصفت فيه صحفيي وكالة الأنباء الفرنسية بأنهم "غير قادرين على التخلص من عقدتهم الاستعمارية، الغنية بالافتتاحيات الملحمية التي تمثل السلاح الإعلامي الفتاك للنظام الفرنسي الإفريقي".

مضيفة: "بحصيلة مقلقة ومثقلة بالانقلابات والمؤامرات السياسية، ودعم للدكتاتوريات التي أضعفت عددا من دول القارة، فضلا عن فضائح مالية بالجملة، وامتيازات ضد القانون، مكنت فرنسا من الحفاظ على موقع عين المراقب على مستعمراتها الإفريقية السابقة".

وأضافت وكالة الأنباء المغربية أن من وصفتها الوكالة الفرنسية بـ"غاندي الصحراء، هي في الواقع مغربية وُلدت بمدينة مغربية، تستفيد وتعبث بالانفتاح الديمقراطي للدولة، وتقضي وقتها في التجول عبر العالم بأموال مصالح الاستخبارات الجزائرية، وبجواز سفر مغربي دون أدنى حرج للترويج للطرح الانفصالي". في إشارة للناشطة في جبهة البوليساريو أميناتو حيدر التي يصفها المغرب بـ"الانفصالية".

تقارير الوكالتين الرسميتين للبلدين سبقتها مظاهر أخرى لوجود أزمة بينهما، حيث لوّح وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، بوقف استثمار شركات صناعة السيارات الفرنسية بالمغرب. معتبرا في لقاء مع مهنيي السيارات أن صناعة أكثر السيارات مبيعا بفرنسا خارجها هو مشروع فاشل، وتوعد الوزير بـ"إعادة رسم خطة مستعجلة لتغيير هذا النموذج الفاشل". فما هو السبب الحقيقي للأزمة بين البلدين؟.

خيبة أمل

يعرف الموقع الرسمي للدبلوماسية الفرنسية بلده بـ"الشريك الاقتصادي الأساسي للمغرب"، على الرغم من اشتداد المنافسة في مجالي التجارة والاستثمارات.

ويفيد بأن الصادرات الفرنسية إلى المغرب شهدت تراجعا طفيفا بنسبة 2 بالمائة في عام 2017، في حين ارتفعت الصادرات المغربية إلى فرنسا بنسبة 52 بالمائة بين عامي 2012 و2017.

وأوضحت الدبلوماسية الفرنسية أن هذا الارتفاع شمل، على وجه الخصوص، منتجات النسيج والقطع الكهربائية والإلكترونية ومنتجات الأغذية الزراعية. وتثبت هذه الزيادات عامة تحسن جودة الصادرات المغربية التي تزداد هيمنة المنتجات الصناعية عليها.

وتحافظ فرنسا على تصدرها قائمة المستثمرين الأجانب في المغرب، بحسب المصدر ذاته، إذ بلغت حصة فرنسا 31،4 في المائة (737 مليون يورو) من مجموع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب في عام 2017، التي تتركز معظمها في القطاع الصناعي.

ويتصدر المغرب قائمة وجهات الاستثمارات الفرنسية في القارة الإفريقية، إذ ثمة ما يزيد عن 900 فرع للمنشآت الفرنسية في المغرب. وتجدر الإشارة إلى أن 33 منشأة من بين المنشآت الأربعين المدرجة في مؤشر "كاك 40" حاضرة في المغرب.

هذه الأسباب جعلت فرنسا تعتقد أن المغرب سوف يتعامل معها، كما اعتادت، بشكل تفضيلي، بصرف النظر عن دفتر التحملات (مذكرة الشروط) وطلبات العروض، وهو ما لفت إليه الكاتب والصحفي سليمان الريسوني في مقال له.

الريسوني فسر أسباب الاضطراب بين البلدين بكون المغرب لم يعد في حاجة إلى فرنسا للدخول إلى إفريقيا، بعدما استعاد موقعه الإفريقي في 2016، في حين أنه بحاجة إلى جسر يعبر منه إلى دول أمريكا اللاتينية، موضحا أن دور الجسر تقوم به إسبانيا.

ورأى كاتب المقال في تطور العلاقات السياسية والتجارية مع إسبانيا التي زحفت على المكانة التاريخية لفرنسا لدى المغرب، سببا آخر لغضب فرنسا، خصوصا بعد أن أصبحت مدريد محامي الرباط الأول في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.