الرفض العربي للمشروع الإيراني 

12

طباعة

مشاركة

يشهد كل من العراق ولبنان منذ أكثر من شهرين مظاهرات شعبية عارمة في بداياتها المعلنة كانت مطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد، لكن في حقيقتها هي رفض للمشروع الإيراني الذي اعتمد على الطائفية في إدارة الدولة، خصوصا بعدما هيمن حلفاء إيران على الدول التي مكنتهم منها. وبعد سيطرتهم على مؤسسات الدولة وعلى القرار السياسي فيها بدأوا بتمزيق الشعوب من خلال إثارة الطائفية وإقصاء الآخر، بل وشيطنته سواء في العراق أو لبنان وسوريا وبقية الدول إضافة لحرصهم على رعاية المصالح الإيرانية على حساب المصلحة الوطنية.

لكن رغم تشابه الأهداف التي خرجت من أجلها المظاهرات في لبنان والعراق، إلا أنه هناك فرق نوعي ما بين المظاهرات العراقية عن المظاهرات في لبنان وهو خروج المكون الشيعي في وسط وجنوب العراق في هذه التظاهرات الرافضة للمشروع الإيراني والهيمنة الإيرانية على الدولة ومؤسساتها ورفضهم لإدارة الدولة على أسس طائفية.

بينما في لبنان لم يخرج الجنوب اللبناني لحد الآن ولم يشترك في هذه التظاهرات، بل على العكس كان لبعضهم مواقف سلبية من خلال ممارساتهم للعنف الطائفي ضد المتظاهرين، وهنا الفرق عندما يكون الرفض لإيران وحلفائها من العراق ومن المكون الشيعي نفسه.

يبقى العراق هو حائط الصد للمشروع الإيراني وتمدده إلى العالم العربي والإسلامي، فكلما كان العراق معافى يكون العرب في مأمن من التمدد الإيراني، أما إذا مرض العراق فنجد سهولة التمدد الإيراني إلى المنطقة العربية والتاريخ يشهد لنا على ذلك.

لكن للأسف الكثير من الأنظمة العربية حرصت على أن يبقى العرق مريضا وضعيفا نتيجة قصر نظر هذه الأنظمة وخلافها الشخصي بينها وبين النظام في العراق، وهذا لا يعني أن النظام العراقي السابق كان نموذجا يحتذا به، بل هو جزء من المشكلة أيضا ونتيجة هذه الخلافات عكست سلبا على الشعوب العربية وهددت أمنهم القومي وتشويه هويتهم. لكن يبقى النظام العربي هو المسؤول على ما جرى ويجري بسبب عدم معرفتهم بخطورة المشروع الإيراني على المصالح القومية والإستراتيجية للمنطقة العربية.

وقد شاهدنا كيف دعمت بعض الأنظمة العربية أمريكا في احتلال العراق من خلال التسهيلات التي قدمت لهم، سواء من خلال فتح القواعد العسكرية في الخليج وجلب المزيد من القوات أو من خلال الدعم المالي عن تكلفة الحرب، ومع كل هذا الدفع نجدهم اليوم مهددين بالزوال غير مأسوف عليهم  بسبب المشروع الإيراني.

بعد هذه التظاهرات نقول لقد عجزت إيران أن تجعل من شيعة العراق حاضنة لها ولمشروعها التوسعي بإستثناء بعض الأحزاب الطائفية التي هي من ساهمت بتشكيلها وتأسسيها وتدريب مليشياتها لتكون أداة بيدها تستخدمها ضد أبناء وطنهم، كما أن هذه الأحزاب فقدت شعبيتها وشرعيتها داخل المجتمع العراقي وتعيش حالة إفلاس سياسي بعد خروج الشعب العراقي رافضا لهم ولسيدهم الولي الفقيه في إيران.

وقد استخدمت الحكومة العراقية وإيران عدة وسائل لإنهاء هذه التظاهرات وفشلت فشلا ذريعا لقد استخدمت العصا والجزرة واستخدمت الدين والسياسة ضد المتظاهرين ولم تفلح فقتلت أكثر من ٤٠٠ مواطن وجرحت أكثر من ١٥ ألف واعتقلت الآلاف وما زال المتظاهرون مصرّين على مطالبهم التي يمكن تلخيصها بما يلي:

  1.  رفض الهيمنة الإيرانية على العراق. 
  2. رفض إدارة الدولة على أسس طائفية. 
  3. محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة من الدولة. 

هذه المطالب الأساسية للمتظاهرين، ولن تستطيع  الحكومة تلبية هذه المطالب لأن وجودها في السلطة مرهون بتنفيذ ما يرفضه المتظاهرون سواء بالولاء لإيران أو الاعتماد على الطائفية وإثارتها داخل المجتمع العراقي أما الفساد فقد أوغلوا فيه بحيث لا يعرفون طعم القرش الحلال.

لقد اتسع الرفض العربي والإسلامي للمشروع الإيراني وفضح نواياه التوسعية ليس في العراق فحسب، بل في أغلب الدول العربية والإسلامية نتيجة إعتماد إيران على سياسة الأرض المحروقة، ففي كل بلد تدخله إيران نجد ذلك البلد يتمزق نسيجه الاجتماعي وتدمر بنيته التحتية وتكثر في الجريمة المنظمة وهذا ما رأيناه في العراق وسوريا واليمن ولبنان...

كما فشلت كذبة الممانعة التي يدعيها النظام الإيراني في مواجهة أمريكا وإسرائيل ويعلم المتابعون للشان الإيراني بأنه لولا أمريكا ما هيمنت إيران على العراق ولولا روسيا ما هيمنت إيران على سوريا وأن هذا النظام ومنذ مجيئه إلى الحكم سنة ١٩٧٩ لم يدخل حربا إلا مع العرب والمسلمين بينما كفى الآخرين شره.

ومن أهم بوادر فشل المشروع الإيراني هو عدم دعوته إلى التحالف الإسلامي الذي دعا إليه رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد والذي يضم كل من تركيا وإندونيسيا وباكستان وقطر إضافة إلى ماليزيا بسبب سياسته التوسعية والعنصرية المعتمدة على الطائفية.

لكن هل يبقى المجتمع الدولي متفرجا على ما يجري في العراق من قتل وتنكيل على المتظاهرين وتبقى إيران مهيمنة عليه وعلى بقية العواصم العربية، أم يتحمل مسؤولياته تجاه إيران ويقوم بردعها من أجل السلم العالمي والدولي؟

لحد الآن لا توجد أي مواقف دولية جادة في مواجهة إيران الداعمة لحلفائها في العراق وبقية الدول التي تهيمن عليها سوى بعض التصريحات الخجولة والضعيفة التي لا تسمن ولا تغني من الجوع.

وعلى المجتمع الدولي أن يدرك بأن النظم الثيوقراطية والتي رفضتها أوروبا في العصور الوسطى، لا يمكن أن تفرض على العالم العربي والإسلامي في القرن الواحد والعشرين. 

وأن الحروب الطائفية التي عانت منها أوروبا في القرن السابع عشر الميلادي، التي كانت تعرف بحرب الثلاثين عاما بين البروتستانت والكاثوليك، لا يمكن تصديرها إلى عالمنا العربي من خلال إيران بل عليهم مساعدة العراقيين في إيجاد حكومة مدنية ديمقراطية منتخبة تعتمد مبدأ المواطنة في إدارة الدولة، وليس الطائفة.

أما إيران، فعليها أن تنكفئ على حدودها الدولية وتتخلى عن مشروع تصدير الثورة وتبدأ في معالجة مشاكلها الداخلية التي ما عاد تتحملها الشعوب الإيرانية، من فقر وتهميش وعنصرية مقيتة، اعتمدها هذا النظام داخل إيران.

وإلا فهي مقبلة على ثورة عارمة على غرار الثورة الفرنسية التي طالبت بشنق الملوك بعمائم رجال الدين فسيشنق قادة الحرس الثوري بعمائم رجال الدين في قم وإن غدا لناظره قريب.