أزمة مالية تضرب أبواب الأمم المتحدة.. هذه الدول لم تدفع حصتها
لأول مرة في تاريخها، أعلنت الأمم المتحدة أنها عاجزة عن سداد رواتب موظفيها البالغ عددهم 37 ألف موظف، وقالت إنها ستواجه الإفلاس نهاية أكتوبر/تشرين الأول الجاري، جراء عدم التزام عدد من الدول بدفع مساهماتها في ميزانية المنظمة الأممية.
ونتيجة لتلك الأزمة المالية، أعلنت الأمم المتحدة البدء بإجراءات تقشفية، تتضمن تقليص الرحلات الجوية والاجتماعات والاستقبالات الرسمية في مبنى الأمم المتحدة، وعدم ملء الوظائف الشاغرة، ووصل الأمر إلى إيقاف تشغيل السلالم الكهربائية في مقرها الرئيسي بنيويورك، والحد من استخدام أجهزة التدفئة والتكييف.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للجنة الميزانية بالجمعية العامة المؤلفة من 193 بلدا: إنه لولا عمله منذ بداية السنة في يناير لخفض الإنفاق، لما توفرت السيولة لتنظيم الاجتماع السنوي لزعماء العالم الشهر الماضي.
وصرح غوتيريش بأن المنظمة لا تمتلك مرتبات موظفيها لشهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وأن الدول الأعضاء هي المسؤولة عن الوضع المالي للمنظمة، مشيرا بشكل ضمني إلى البلدان التي لا تدفع مساهمتها أو تتأخر عن سدادها.
وأوضح الأمين العام المساعد لتخطيط البرامج والميزانية في الأمم المتحدة تشاندرا راماناثان أن العجز المالي الحالي الذي تواجهه المنظمة حاليا يصل إلى مليار و385 مليون دولار.
وقال ستيفان دوغريك المتحدث باسم الأمم المتحدة: إن 129 دولة دفعت ما عليها للعام الجاري حتى الآن وهو ما يصل إلى نحو ملياري دولار.
وتبلغ الميزانية التشغيلية للأمم المتحدة في 2019 نحو 3.3 مليار دولار، تدفعها الدول الأعضاء في الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، باعتبار تغطية تلك النفقات مسؤولية جماعية تقع على عاتق الدول الأعضاء.
وتعد الولايات المتحدة من أكبر المساهمين حيث تبلغ حصتها حوالي 22% من إجمالي الميزانية التشغيلية للأمم المتحدة.
وتغطي الميزانية الأعمال في الشؤون السياسية والإنسانية ونزع السلاح والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والاتصالات، وبعثات الأمم المتحدة الخاصة إلى مناطق النزاع.
حفظ السلام
وبالإضافة إلى الميزانية التشغيلية، تتقاسم الدول الأعضاء بشكل سنوي، ميزانية عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي تبلغ نحو 6.6 مليارات دولار، وتدفع الدول الخمس دائمة العضوية (أمريكا، بريطانيا، الصين، فرنسا، روسيا) القسط الأكبر من هذه الميزانية، بالإضافة إلى ألمانيا واليابان وكندا وإيطاليا وأسبانيا.
وتعد الولايات المتحدة من أكبر المساهمين، حيث تدفع ما نسبته 28 % وحسب موقع الأمم المتحدة، فإن 10 بلدان كانت هي المساهم الأكبر في 2018، وتوزعت نسب المساهمة بينهم كالآتي:
- الولايات المتحدة (28.47%)
- الصين (10.25%)
- اليابان (9.68%)
- ألمانيا (6.39%)
- فرنسا (6.28%)
- المملكة المتحدة (5.77%)
- الاتحاد الروسي (3.99%)
- إيطاليا (3.75%)
- كندا (2.92%)
- إسبانيا (2.44%)
ويتم توزيع النسب أخذا بعين الاعتبار عدة أمور، أهمها العضوية الدائمة في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى حجم الثروة والقدرات الاقتصادية لكل دولة من الدول الأعضاء.
وتناقش الدول الأعضاء كل 3 سنوات أسس توزيع الميزانية المفروضة على الدول الـ 193 الأعضاء.
دول الأزمة
وفقا للأمين العام المساعد لتخطيط البرامج والميزانية في الأمم المتحدة، تشاندرا راماناثان، فإن 56 دولة من الدول الأعضاء في المنظمة لم تدفع مساهماتها من ميزانية الأمم المتحدة، لعام 2019، غير أن تخلف 7 دول عن السداد، كان هو السبب الجوهري في إفلاس المنظمة الأممية، حيث تسببت بما نسبته 97% من إجمالي حجم الأزمة الحالية، إذ أنها المساهم الأكبر في ميزانية الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تخلفها في سداد ديونها من العام الماضي.
وتلك الدول هي الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، والمكسيك، وإيران، والبرازيل، وفنزويلا، والأرجنتين.
بحسب راماناثان، فإن الولايات المتحدة مدينة للأمم المتحدة بأكثر من مليار دولار، 674 مليون دولار من مستحقات 2019، و381 مليون دولار مستحقة من العام الماضي 2018.
وقال راماناثان: "نتوقع أن تقوم واشنطن بتسديد حوالي نصف مليار دولار لميزانيتنا قبل نهاية هذا العام".
ديون مستحقة
إزاء الديون المستحقة عليها، أبدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفضها لنظام توزيع النسب بين الدول، وقالت: "إنها لن تدفع أكثر من 25%"، ما يعني التسبب بعجز سنوي يبلغ نحو 200 مليون دولار.
ويفترض أن تدفع الولايات المتحدة 28.47% بشكل سنوي، لتغطية ميزانية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وكان ترامب قد صرح بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل عبئا غير عادل في تكاليف الأمم المتحدة، وأنه يجب القيام بإصلاحات داخل الأمم المتحدة وإعادة هيكلتها، وتوزيع النسب والأعباء بشكل يتناسب مع القدرات الاقتصادية لكل دولة، لتجاوز عجز الميزانية.
وفي خطاب له أمام الأمين العام للأمم المتحدة وعدد من ممثلي الدول الأعضاء، انتقد ترامب أداء الأمم المتحدة ودعا إلى إصلاحها وتحسين عملياتها وخفض تكاليفها.
وقال ترامب: "إنها لم تحقق في السنوات الأخيرة كل أهدافها، بسبب البيروقراطية وسوء الإدارة"، وأضاف أن: "ميزانية المنظمة تضاعفت دون حصول نتائج، وشدد ترامب على ضرورة عمل الأمم المتحدة وفق أهداف واضحة لتكون قادرة على استعادة ثقة العالم".
وفي وقت سابق، هاجم ترامب الأمم المتحدة، عبر تويتر، وقال إنها: "الأمم المتحدة تملك إمكانات هائلة لكنها في الوقت الحالي مجرد ناد يجتمع فيه الناس ويتحدثون ويقضون وقتا طيبا. أمر يبعث على الأسف الشديد".
وجاء ذلك الهجوم بعد أيام من تبني مجلس الأمن الدولي قرارا يقضي بوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية.
ذكر دبلوماسيون أن الولايات المتحدة تباحثت بشأن تغطية العجز الحالي، ووضعت إدارة ترامب مقترحا أن يتم تقاسم العبء مع عدد من الدول، من بينها 3 دول عربية هي السعودية والإمارات وقطر.
وانتقدت شيريث شاليت ممثلة الولايات المتحدة في الجمعية العامة خلال الدورة 73 عام 2018 التخفضيات التي تحصل عليها بعض الدول الغنية قائلة: "إن بعض الدول الغنية تحصل على تخفيضات غير مبررة، و ثروتها وقدراتها الاقتصادية لا تتناسب مع مساهماتها في الميزانية، وهي أقل بكثير مع ما يفترض أن تدفعه للأمم المتحدة".
وأضافت: "تلك التخفيضات التي حصلت عليها دول معينة لا تستند إلى أي طريقة منهجية، ويجب أن تشطب، أكثر من نصف الدول الأعضاء في الجمعية العامة، تحصل على تخفيضات تصل إلى 80%".
تنصل ترامب
منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، عمل ترامب على التنصل من الالتزامات الأمريكية، تحت عدة مبررات، ومع أن مساهمة الدول الأعضاء في أجهزة الأمم المتحدة المتعددة، تكون نابعة من المسؤولية الجماعية الملقاة على عاتق تلك الدول، إلا أن ترامب يرى أنه لابد من وجود استفادة مباشرة من قرارات الأمم المتحدة، لقاء الأموال التي تدفعها أمريكا.
في 2017 أعلن ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ. وأكد في خطاب ألقاه من حديقة البيت الأبيض، أنه يرفض أي شيء يمكن أن يقف في طريق نهضة الاقتصاد الأمريكي، مشيرا إلى أنه حان الوقت لإعطاء الولايات الأمريكية "أولوية على باريس ولندن".
بالإضافة إلى ذلك أقدم ترامب في أغسطس/آب 2018 على إيقاف المساعدات الأمريكية عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
دعم الأونروا
تقدم الولايات المتحدة دعما سنويا يصل ل365 مليون دولار، وهو الرقم الذي يمثل ثلث ميزانية المنظمة البالغة مليار و24 مليون دولار.
ولم يقدم أي من الرؤساء الأمريكيين (ديمقراطيون أو جمهوريون) على قطع الدعم السنوي للمنظمة منذ تأسيسها قبل نحو 70 عاما، بصفته دعما يسهم بشكل فاعل في الاستقرار في الشرق الأوسط، ويمثل إحدى القيم الأمريكية في تقديم المساعدات للفئات الأكثر حاجة.
وقدمت إدارة ترامب 3 أسباب لتبرير قرار وقف التمويل عن الأونروا، وهي الزعم بأن استمرار الوكالة يسهم في استدامة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واتهام الوكالة "بالمبالغة" في تحديد أعداد اللاجئين الفلسطينيين، والادعاء بأن نموذج عمل الأونروا وممارساتها المالية تعاني عطبا لا يمكن إصلاحه.
وتذرعت الإدارة الأمريكية في قرارها الأخير بأنه لا توجد مصلحة قومية أميركية في صرف ذلك المبلغ في الضفة والقطاع، خصوصا في ضوء ما تزعمه من حالة "عداء" فلسطيني نحو الولايات المتحدة.
غير أن الهدف الرئيسي من هذه الخطوة يبقى سياسيا، برأي مراقبين، ويتمثل في تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، من خلال محاصرتهم وقطع شريان الحياة عنهم، وذلك لإجبارهم على قبول "صفقة القرن" التي تنص على التنازل عن الأرض مقابل المال.
المصادر
- أزمة مالية في ميزانية الأمم المتحدة تهدد عملياتها.. وأمريكا مدينة بـ1.5 مليار دولار
- أمين عام الأمم المتحدة: قد نجد أنفسنا غير قادرين على تسديد رواتب الموظفين الشهر المقبل
- الأمم المتحدة تبدأ الإثنين إجراءات تقشفية بمقرها الرئيسي
- واشنطن تريد تعديل خفض مساهمات دول غنية في ميزانية الأمم المتحدة لحفظ السلام
- الأمم المتحدة : مصدر تمويلنا
- الأمم المتحدة قد لا تجد ما يكفي لدفع رواتب موظفيها
- ترامب ينتقد 'بيروقراطية' الأمم المتحدة ويدعم إصلاح المنظمة
- الولايات المتحدة: ترامب يعلن انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ
- قطع ترامب مساعدات الأونروا.. القشة التي قصمت ظهر البعير