صحيفة تركية: لماذا يعد تأخير عملية شرق الفرات انتحارا؟

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "يني شفق" التركية: إن مسألة التدخل العسكري التركي في شرق الفرات، شمال شرقي سوريا، بات مسألة وقت "وهي عملية منتظرة خلال أيام أو ساعات"، مبينة أن تركيا أنهت جهوزيتها بشكل تام لتنفيذها.

وذكر الكاتب "إبراهيم كراغول" في مقال له بالصحيفة: أن تركيا لديها تاريخ طويل في الحروب، والدفاع عن أراضيها، يمتد لأكثر من 1000 عام، وعليه فإنه من الضروري استغلال هذه العقلية للخروج من كل أزمة أو مأزق عبر تاريخ طويل من الخبرة والتجارب.

وشدد على أن العملية العسكرية المرتقبة ستقلب الطاولة على من وضعوا "مسودات الخرائط" في وجه تركيا، كما ستفشل مجددا المخططات التي وضعوها بغية طرد تركيا خارج نطاق التاريخ والجغرافيا وحصر أنقرة داخل الأناضول.

ورأى الكاتب أن العملية العسكرية لها جملة من الأهداف، منها تصفية الحسابات مع من أشعلوا فتيل الحرب في سوريا تمهيدا لنقلها إلى تركيا، وكذلك من خططوا لاستهداف تركيا بعد سوريا والعراق، ومن شكلوا "الجبهات الداخلية" وحاصروا البلاد من الخارج لتحقيق هذا الغرض، ومن حشدوا الحشود العسكرية عند المسافة صفر من الحدود وعملوا على مراوغة الدولة من الداخل.

وتأتي هذه العملية بحسب الكاتب، من أجل "رسم ملامح التاريخ والجغرافيا"، حيث ستعمل على إفساد الاستعدادات الكبرى التي أقدموا عليها شمال سوريا من أجل تحقيق هدفهم الأوحد، ألا وهو تقليص حجم أراضي الأناضول؛ مؤكدا أن لدى القوات المسلحة التركية، القوة والعقلية والمهارة والدروس المعبرة المستلهمة من التاريخ والخبرة السياسية والعسكرية والهوية الإقليمية والوعي الوطني لإنجاح هذه المهمة. 

التأخير يعد انتحارا

الكاتب أكد في مقاله أن كل محاولات التحذير والإنذار وصلت إلى طرق مسدودة، ولم يعد هناك مفر من تنفيذ العملية العسكرية، مضيفا: "إذا كان التدخل في الماضي يعني الانتحار، فإن التأخير في تنفيذ عملية عسكرية بات يعني انتحار".

فالتخلي عن هذه الفكرة أو تأجيلها وإهمالها والخضوع للمراوغات من جديد من خلال عروض ومساومات أخرى يعتبر تدميرا لتركيا ومستقبلها، يقول الكاتب.

وأكد أنه: "ليس نفاد الصبر هو ما استدعى تسريع في العملية العسكرية فحسب، بل إن الثقة في الحلفاء قد ضاعت والتي كانت في الأصل عبارة عن مسرحية لا أكثر، وكانت عبارة عن خداع لشعبنا وبلدنا من الداخل لشل حركتها من أجل إجبارها على الاستسلام". 

ويتابع: "لا يمكن لأي دولة في العالم أن تسمح لخطر يكبر أمام عينيها بأن يكبر ويتفاقم أكثر وهي تعلم علم اليقين أنه سيستهدفها في أي لحظة، ولو كان هذا الأمر واقعا في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو "إسرائيل" أو روسيا، ماذا كانوا ليفعلوا؟".

ومضى في تساؤلاته: "هل كان يمكن لأي من هذه الدول أن تسكت وتستسلم لمراوغات السياسة الداخلية وتقف متفرجة وهي تقول "إنه يحدث خارج الحدود"؟

ورأى الكاتب أن عملية بهذا الحجم، تحمل بعدا عسكريا مهما وهو الدفاع عن الحدود من مسافة صفر، وإذا كان الأمر كذلك، لا يمكن الدفاع عن الحدود من داخل الحدود.

وأضاف: "لا تدافع أي دولة عن أراضيها عند النقطة صفر من حدودها، لا سيما إذا كان ذلك التهديد في المنطقة ينمو عند الحدود الجنوبية في سوريا والعراق".

ونوه إلى أن أنقرة لو عمدت إلى ذلك، فإن المعركة ستنتقل غدا إلى كهرمان مرعش وسيواس شمالا، ومن ثم إلى عمق الدولة التركية، فمن الطبيعي أن يعني الفشل في إيقاف الحرب في الخارج مواجهتها من الداخل. 

ومضى الكاتب: "لو طأطأنا رأسنا اليوم لعملية مثل "توفير الراحة" في سوريا كما حدث في العراق واعتبرنا الأمر عاديا، فهذا يعني أن نموذجا آخر من نماذج من هذه العملية سينفذ على أراضينا في المناطق الجنوبية من تركيا"

وعملية توفير الراحة الأولى والثانية هي عملية تمت عن طريق الولايات المتحدة وبعض قوات التحالف بدأت في "أبريل /نيسان" 1991 وذلك للدفاع عن الأكراد الذين فروا من منازلهم في شمال العراق في أعقاب حرب الخليج وتقديم المساعدات الإنسانية لهم.

وشدد الكاتب أن "ممر الإرهاب" وتطلق عليه تركيا "ممر السلام" باعتبار ما سيكون، سيمر داخل تركيا بدءا من الجنوب، "ومن يرسم مسار سوريا ومستقبلها حاليا، سيبدأ برسم مسار تركيا والخرائط المتعلقة بها"؛ وشدد الكاتب على أن: الحاجة لإثبات وجهة نظر كهذه هو أمر لا حاجة له، فمن من القوى العالمية الآن لا يألوا جهدا ولا يدخر وسيلة إلا ويتبعها من أجل إيقاف صعود تركيا؟

العمى السياسي

الكاتب شدد على أن بلاده، خبرت الجغرافيا عبر سلسلة طويلة من دروس التاريخ، بدءا من الحملات الصليبية وليس نهاية بدمار الحرب العالمية الأولى ومعارك الاستقلال؛ مضيفا: أن عقلية إرهابية أو حزب سياسي قليل الخبرة وقاصر النظر، لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يقدم النصح والطريقة المثلى للتعامل مع المشهد الراهن، في بلد خاض أولاده كل ما بوسعهم من أجل حريته.

وأضاف: "لا ينبغي لأحد أيضا أن يحاول أن يحكي لنا ماذا يعني التهديد والحل وبأي عقلية علينا أن نتحرك، ونحن شعب يرسم ملامح التاريخ والجغرافيا على هذه الأرض منذ ألف عام". 

ورأى الكاتب أن محاولة عرقلة جهود تركيا في المنطقة سواء داخل أو خارج الحدود هو واحد من أمرين، إما أنها عملية للترويج للمصالح الأمريكية والأولويات الإسرائيلية والمخططات البريطانية أو أن تكون محاولة لجر تركيا إلى الصراع السعودي الإيراني مؤخرا، واصفا هذه المحاولات بأنها "عمى سياسي". 

وعاد الكاتب في مقاله إلى تاريخ قديم بعض الشيء حيث شدد على أن بلاده لن تسمح لمن أغلق أبواب آسيا الوسطى وقطعوا العلاقات هناك، أن يعيدوا هذه الجهود اليوم، وأن يبنوا جدرانا جديدة على الحدود الجنوبية اليوم وأن يقطعوا العلاقة مع العالمين العربي والإسلامي؛ أو حتى استهداف تركيا من شمال سوريا أو شمال العراق، ولا حتى محاصرتها من ناحية بحري إيجة والمتوسط، ناهيك عن استخدام سلاح أوروبا بدءا من اليونان وحتى رومانيا. 

واعتبر الكاتب أن الحرب في سوريا لم تعد مسألة سورية، بل تحولت منذ وقت طويل إلى حرب عالمية؛ "وما يجري هو محاولات من أجل ألا يكون لتركيا موقف حاسم وصارم وهي مجرد مسرحية خطيرة للغاية ضد تركيا شمال سوريا لن تكون، ولن تسمح تركيا لأحد أن يلعب أدوارها".

ولفت إلى ضرورة إيقاف كل من جماعات الضغط وأصحاب المصلحة داخل تركيا ممن يرتبطون بالقوى الخارجية وكوادر حزب الشعوب الديمقراطي وتنظيم غولن "الإرهابي" ومنعهم أن يكملوا هذه المسرحية.

والتدخل في شرق الفرات -بحسب الكاتب- لا يختلف في شيء عن عملية التدخل في قبرص، بل إنها أهم في كثير من الجوانب؛ "ذلك أن هذا التهديد يستهدف الوطن الأم بشكل مباشر، ويستهدف علانية، صعود تركيا الذي بدأ بعد مائة عام من السبات، والحال أن تركيا لن تستطيع مواصلة هذا الصعود دون التدخل في شرق الفرات قبل أن ينسحب الأمر على التوتر الحاصل هناك شرق البحر المتوسط وبحر إيجة، حيث التوتر جراء قضايا اللاجئين من جهة وقضايا التنقيب عن النفط من جهة أخرى".

لا تخضع هذه المنطقة "شرق الفرات" والواقعة على الحدود الجنوبية لتركيا شمال شرق سوريا لتنظيم "بي كا كا" المصنف في تركيا إرهابيا فحسب، "بل هي أيضا خاضعة للاحتلال الأمريكي الذي يدعم هذه القوات، وهذا يعني أن تركيا محاطة بالعدو وهي عمليا أمام حصار على كافة الحدود الجنوبية، بدءا من إيران شرقا إلى البحر المتوسط غربا".

وعرج الكاتب على أن النجاح المبني على عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" جعل من جبهة البحر المتوسط آمنة، وبوابة تركيا شرقا حيث الحدود مع العراق على وشك أن تكون هي الأخرى آمنة بفضل عمليات "المخلب الأولى والثانية والثالثة" والمستمرة شمال العراق، ويتبقى جبهة سوريا، وهي جبهة طويلة وعميقة بعض الشيء وبالتالي الانتهاء من هذه الجبهة أمر لا مناص منه وهو دين في رقبة كل من يشعر أنه ينتمي لوطنه تركيا. 

يقول الكاتب: "لا يمكن لأي دولة الاعتراض على الخطوة المرتقبة مهما كانت قوة الدولة بما فيها الولايات المتحدة وتابعتها إسرائيل، وكذلك الدول التي تعد أنفسهما حليفة لهما وهي كل من السعودية والإمارات، وهو تحرك نابع من حقد يعود لمئات السنين، لكن أي قوة لن تستطيع الوقوف أمام هذه المسيرة أو تغيير مجرى التاريخ".

ورأى أن العبارات التي يستخدمها الرئيس رجب طيب أردوغان ويستمدها من أعماق التاريخ وماضي الدولتين السلجوقية والعثمانية هي امتداد للتاريخ، ويخاطب بذلك أردوغان الجينات السياسية للمواطنين الأتراك؛ لكن أيادي وصفها الكاتب بأنها "غريبة وغامضة" تحاول إبطال مفعول تلك العبارات. 

وختم الكاتب مقاله: بأن منطقة شرق الفرات مسألة بقاء، وتنفيذ عملية عسكرية فيها ضرورية كمسألة حياة أو موت، وتركيا تقدم على هذه الخطوة لإفساد كل الألاعيب، التي تحاك منذ مدة، ونتيجتها قطعا سيكون إنهاء الحصار الخارجي وإفساد المسرحيات التي تحاك من الداخل.