لماذا يرغب العراق بالحصول على منظومة أس 400 الروسية؟
تواجه الحكومة العراقية، ضغوطا كبيرة من كتل سياسية تمثل مليشيا "الحشد الشعبي" بالبرلمان لإجبارها على تنويع مصادر السلاح وعدم الاعتماد على أمريكا فقط، وذلك من خلال شراء منظومة "إس 400" الروسية، لا سيما بعد هجمات "إسرائيل" الأخيرة على البلاد.
وأقر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في 22 أغسطس/آب، بتنفيذ الجيش الإسرائيلي هجمات ضد قواعد عسكرية في العراق، مدعيا أنها "أهداف إيرانية"، حيث تعرضت 4 قواعد يستخدمها "الحشد الشعبي" لانفجارات خلصت لجنة تحقيق عراقية إلى أن "تل أبيب" تقف وراءها.
حراك عراقي
على ما يبدو، فإن الحكومة العراقية استجابت لتلك الضغوطات بإرسال رئيس هيئة الحشد الشعبي، مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض في مطلع سبتمبر/أيلول إلى موسكو للتباحث في إمكانية اقتناء منظومة الدفاع الروسية.
وكشفت تقارير إعلامية، أن "زيارة فالح الفياض بصفته الرسمية إلى موسكو، بحثت بشكل مباشر إمكانية تزويد الروس العراق بمنظومات دفاع جوي، وصواريخ أرض جو، وأنظمة استشعار ورادارات حديثة".
ونقلت عن مصادر قريبة من رئاسة الحكومة، أن العراق سيتجه فعليا لشراء ما يريد من الروس لأن الأمريكيين يماطلون، والتهديدات الإسرائيلية جدية أكثر من أي وقت، وما يجري هو ما يمكن اعتباره حراكا عراقيا للدفاع عن النفس، مؤكدة أن "الأمريكيين باتوا على دراية بتحرك العراق نحو موسكو في هذا الملف تحديدا".
ويأتي الضغط السياسي على رئيس الوزراء العراقي، تحديدا من قيادات في تحالف "الفتح" البرلماني بزعامة هادي العامري ونوري المالكي، المقربين من إيران، للمضي بالمباحثات مع الروس وإنضاج صفقة التسليح وتنفيذها.
ورغم معرفة الحكومة العراقية، أن خطوة التوجه نحو الروس ستتسبب بمزيد من التوتر مع الإدارة الأمريكية، لكنها لا تملك خيار مواجهة الضغوط بشأن حماية الأجواء وإكمال متطلبات الدفاع الجوي العراقي.
البيان الرسمي الذي صدر عن مكتب الفياض، أكد أن الأخير "بحث مع أمين عام مجلس الأمن القومي لروسيا الاتحادية نيكولاي باتروشيف، العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين وسبل تعزيزها، واستعراض الأوضاع في العراق والمنطقة، وجهود مكافحة الإرهاب".
وحضر الاجتماع عن الجانب الروسي، نائب أمين عام مجلس الأمن القومي ونائب وزير الخارجية وعددا من مسؤولي الأركان الروسية ومسؤولي الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني، فيما التقى الفياض أيضا بالمبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف.
تعطيل أمريكي
لكن تحرك العراق لشراء منظومة صواريخ روسية لم يكن جديدا، فقد كشف رئيس لجنة الأمن والدفاع السابق بالبرلمان العراقي حاكم الزاملي في مايو/أيار الماضي، عن أن بغداد تتفاوض الآن لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية "أس 400"، مرجحا أن "تدخل هذه المنظومة المهمة إلى العراق خلال العامين المقبلين".
تصريحات الزاملي كشفت في حينها، أن "المباحثات متقدمة ولا تزال مستمرة على قدم وساق من وزارة الدفاع العراقية ومستشارية الأمن الوطني مع الجانب الروسي".
ولفت إلى أن "هناك توجها عراقيا لتعزيز التعاون في مجال التسليح مع روسيا، وهذا ما نتج عنه توقيع عقد بأربعة مليارات دولار لشراء طائرات مقاتلة بجناح ثابت أو متحرك، بالإضافة إلى عقد بمليار دولار لتجهيز العراق بمدرعات".
وعن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من التفاوضات العراقية الروسية، قال الزاملي إن "أمريكا تقف ضد هذه الصفقة، وبالتالي لن تسمح للعراق -بأي شكل من الأشكال- بامتلاك هذا السلاح المتطور".
بالفعل تأكدت تصريحات الزاملي حول المنع الأمريكي، فقد كشف عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كريم المحمداوي، في أغسطس/آب الماضي، عن تعطيل عقد "شراء العراق منظومة "أس 400" الروسية.
وأوضح أن "العراق كانت لديه نية خلال الفترة السابقة، بتطوير منظومته الدفاع الجوية، من خلال شراء منظومة (أس 400) الروسية، لكن الضغوطات والتدخلات الأمريكية، عطلت تلك الصفقة".
وبحسب ما قال النائب العراقي، فإن "الولايات المتحدة الأمريكية، تريد أن تبقى الأجواء الجوية العراقية مخترقة، حتى تتصرف هي وحلفاؤها بكل أريحية، وتنفذ أجنداتها ومشاريعها، دون أي رقيب أو حسيب".
وشدد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، على "ضرورة امتلاك العراق منظومات دفاع جوية متطورة، من أجل حفظ سيادة البلاد، وكذلك حفظ الأمن القومي العراقي، والتصدي لأي طيران معادي، مهما كانت هويته".
انقسام برلماني
في السياق ذاته، قال العضو الحالي في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية بدر الزيادي، إن "الحكومة العراقية تمتلك الحق بتنويع مصادر تسليح الجيش العراقي، إلا إن الجانب الأمريكي يضغط لعدم الخروج من عباءته في قضايا التسليح".
ولفت الزيادي في تصريحات له مطلع سبتمبر/أيلول الجاري إلى أن "واشنطن لن تسمح للحكومة العراقية بالذهاب نحو شراء منظومة الدفاع الجوي (أس 400) الروسية"، مضيفاً: أن "واشنطن تمارس ضغوطا كبيرة تجاه الحكومة العراقية للتراجع عن توجهها الرامي لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية".
لكنه أكد: أن "الجانب الأمريكي سيوافق على شراء منظومة أقل تطورا، لأن (أس 400) يؤثر على طائراتها المتطورة ويكشف تحركاتها داخل الأجواء العراقية".
زيارة مستشار الأمن الوطني العراقي إلى روسيا، أفضت إلى موافقة مبدئية من الحكومة الروسية على تزويد بغداد بأسلحة دفاع جوية حديثة، إلا أن الأمر أحدث انقساما بين الكتل السياسية في البرلمان العراقي.
وأفادت تقارير إعلامية بأن "الموضوع أوجد انقساما بين بعض الكتل السياسية، بين من يعتبرها مغامرة ستردّ واشنطن عليها بعقوبات، ومن يرى فيها حقا سياديا عراقيا في شراء السلاح والتعاون العسكري، أو أي مجال آخر مع الروس”.
وكشفت أن زيارات سيجريها عسكريون روس إلى العراق خلال الأسابيع المقبلة، ضمن اجتماع غرفة العمليات الرباعية التي تضم موسكو، وطهران، وبغداد، إضافة إلى ممثلين عن نظام بشار الأسد.
التقارير أكدت أن الروس وافقوا بشكل مبدئي على تزويد العراق بأسلحة دفاع جوي حديثة ومقاتلات حربية، وتعجيل شحنات ذخيرة لأسلحة العراق من منشأة روسية تعود لحقبة الاتحاد السوفييتي.
حماية إيران
الحديث عن سعي العراق للحصول على منظومة صواريخ روسيا، أخذ بعدا آخر، إذ أشارت تقارير إلى أن ضغط حلفاء إيران (الحشد الشعبي) على العراق لشراء "أس 400" لا يتعلق بحماية أجواء البلاد وحفظ سيادته، قدر تعلقه برغبة طهران في توفير خطوط دفاع داخل العراق، يمكن استخدامها في أي نزاع أمريكي إيراني.
وتفيد أوساط سياسية عراقية، بأن امتلاك بغداد لمنظومة الدفاع الجوي الروسي "أس-400" يعني وضعها تحت السيطرة الإيرانية، وهو ما لا يمكن للولايات المتحدة قبوله.
وفي المقابل، فإن البعض يرى أن روسيا لن تسلم العراق منظومة صواريخ "أس 400" بهذه السهولة، لأن الأمر لا يتعلق بإيران فحسب، وإنما مصالح إسرائيل لا تزال تشكل أهمية كبيرة لدى موسكو.
وربط أصحاب هذا الرأي بما حصل مع نظام الأسد، الذي حصل في أكتوبر/ تشرين الأول على منظومة صواريخ روسية من نوع "أس 400" لنفس السبب وهو التصدي للهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، إلا أن الأخيرة تعرضت لهجمات بعد ذلك دون أن توقفها صواريخ الروس.
وهو ما فسره مدير مركز الدراسات الإسلامية بمعهد التنمية الابتكارية، كيريل سيمونوف، بالقول إنه "من المستبعد أن ينعكس ذلك على مستوى العلاقات بين روسيا وإسرائيل، ففي الحقيقة، شحنات أس-300 رمزية تماما، وليس من المعروف إلى أي مدى سيكون السوريون أنفسهم أحرارا في التصرف بها".
وحصلت تركيا مؤخرا على منظومة "أس 400" الروسية، رغم الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة والتي خلصت إلى حرمان أنقرة من طائرات "أف 35" الأمريكية، كرد فعل على غضب واشنطن من الخطوة التركية.
ويعد النظام الصاروخي الروسي "أس 400" الذي يصل مداه إلى أربعمئة كيلومتر أحد أكثر الأنظمة تطورا، ويستطيع تدمير أهداف تتحرك بسرعة خمسة كيلومترات في الثانية، بما فيها الطائرات والصواريخ ذاتية الدفع ومتوسطة المدى والصواريخ المجنحة.
المصادر
- فالح الفياض يصل إلى موسكو في “زيارة عسكرية”
- نتنياهو يقر: إسرائيل استهدفت "قواعد إيرانية" في العراق
- بعد نشرها بسوريا.. لماذا لم تتصدّ “أس-300” للضربات الإسرائيلية؟
- العراق يسعى لشراء منظومة إس 400.. وهذا موقف أميركا
- الدفاع النيابية: أمريكا لن تسمح للعراق بشراء منظومة اس 400 الروسية
- الكشف عن سبب تعطيل عقد شراء العراق لمنظومة "اس 400" الروسية
- مصدر نيابي:فالح الفياض طلب من روسيا تزويد العراق بصواريخ إس 400
- هل اقترب العراقيون من الحصول على منظومة دفاع جوي روسية؟
- الحشد الشعبي يتحدى واشنطن بصفقة صواريخ أس400-الروسية