بكاميرا جواله.. كيف تمكن محمد علي من شل أذرع السيسي الإعلامية؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 5 أغسطس/ آب 2015، وقف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي خلال حفل تدشين محور تنمية قناة السويس ليقول: "الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان محظوظا، لأنه كان يتكلم والإعلام كان معاه".

السيسي ظن أنه يمكنه السيطرة على الإعلام واحتكاره، فلا صوت يعلو فوق صوته إنجازاته الوهمية، لكنه نسي أو تناسي أن الزمن غير الزمن، وأن السيطرة على فضاء الإعلام بات ضرباً من الخيال، في ظل عالم مفتوح، من دوائر وقنوات اتصال.

المقاطع المصورة للمقاول المصري والفنان محمد علي شكلت صدمة للسيسي وأجهزته الأمنية، وأذرعه الإعلامية، بعد ما لاقته من تفاعل كبير على مواقع التواصل، وتداولها على نطاق واسع، ما أجبر السيسي على عقد مؤتمر حاشد، للرد على الشبهات والاتهامات الخطيرة التي وجهت له ولعائلته.

ما فعله السيسي أكد عجز إعلامه على التصدي لفيديوهات محمد علي، وهو ما أبرز دور الإعلام الشعبي، ووسائل التواصل الاجتماعي، في التصدي للأنظمة القمعية، وفضح فساد رؤوس الدولة، كما حدث تماماً في أجواء ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

نكسة سبتمبر

النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، يحاول جاهداً دون جدوى احتواء آثار مقاطع الفيديو التي نشرها محمد علي بشهادته على فساد الرئاسة والجيش في مصر، وإهدار مليارات الجنيهات على مشروعات قومية وهمية وأخرى خاصة لرفاهية السيسي وأسرته، وتحديداً بناء القصور الرئاسية الفارهة، مروراً بدفن والدته بمقابر الجيش بعد إنفاق أكثر من مليونين و300 ألف جنيه.

في 10 سبتمبر/ أغسطس الجاري، نشر الروائي المصري "عمر طاهر" مقالة بصحيفة "المصري اليوم"، مشبّهاً ما حدث من قصف دعائي ضد السلطة، بنكسة 5 يونيو/ حزيران 1967.

طاهر قال: إن "وضع الإعلام المصري هذه الأيام على هامش فيديوهات المقاول الممثل يُذكرنى بوضع الطائرات الحربية المصرية أيام نكسة يونيو، تم قصفها وتدميرها وهى تقف مكانها متدثرة بالأوهام".

مضيفاً: "الإعلام عندنا (اتضرب وهو فى مكانه)، منظومة تخضع لسيطرة كبيرة بميزانية مفتوحة ورقابة صارمة وتوجهات محكمة (ماتخرش الميه) بوجوه تم انتقاؤها بعناية مع أحلام سيطرة واسعة، وهم كبير تم قصفه فى مكانه بكاميرا موبايل تبث من غرفة أصغر من غرف تغيير الملابس فى مدينة الإنتاج الإعلامى".

الروائي المصري أكد "هى نكسة بيّنت مدى هشاشة هذا الكيان وهشاشة التفكير فى طريقة تكوينه وإدارته، ارتباك شديد وشلل تام فى أذرع عديدة وطويلة ومتشعبة بلا قدرة على المواجهة أو الرد، والتعالى على مادة صارت الأكثر تداولاً ومشاهدة عند المصريين فى الأيام الماضية".

ثم عقِب "الدرس المستفاد الأول أن منظومة الإعلام عندنا أضعف مما يتخيل القائمون عليها، مصمتة بلا ثغرات للتنفيس، مشبعة بخليط من الغرور وعدم الاحترافية، الأمر الذى يمنح كل ما يأتى من مناطق أخرى جاذبية كبيرة لأنه جديد ومتمرد ويتحدث بطلاقة وجرأة تستحق الانتباه، وبعدين نبقى نشوف الحقيقة من الكذب فيما يقال، لكن بعد أن يكون قد تم الاستماع له كاملاً". 

وأردف طاهر: "فيديوهات المقاول هى نكسة الإعلام المصرى، الذى لم نسمع له صوتًا فى كارثة إعلامية بحتة تهشم كل ما يحاول هذا الإعلام أن يبنيه ويزرعه عند الناس. هذه الفيديوهات أيضًا نكسة فى الطريقة التى تختار بها الدولة الشباب الذين تحتضنهم وتمنحهم فرصًا كبيرة وتعتبرهم عزوتها".

القوة الناعمة

شلل الأذرع الإعلامية للنظام المصري، استدعى السلطة إلى توسيع قاعدة المواجهة، معتمدة على قطاع من الفنانين الذين يمثلون القوة الناعمة المستخدمة في الحالات الحرجة.

فبعد ساعات من تصعيد محمد علي، ودعوته المصريين للتظاهر ضد السيسي مساء الجمعة 20 سبتمبر/ أيلول 2019، بدأت وسائل إعلام وحسابات تواصل اجتماعي مرتبطة بالنظام ترويج فيديو يظهر فيه عدد من الفنانين الذين أعربوا عن تأييدهم ومساندتهم السيسي.

خلا الفيديو من ظهور فنانين بارزين، واكتفى بوجوه محدودة الشهرة، أو تلاشى وهجها، مثل أحمد بدير، الذي اشتهر بمقطع بكائه على مبارك إبّان ثورة يناير، والمطربين هاني شاكر وحكيم، إضافة إلى وجوه غير معروفة لكثيرين، مثل محمود عبد الغني، وحجازي متقال، وهنادي مهنى.

وبينما كان النظام يُعاني تحت وطأة ما نشره محمد علي من وقائع فساد للسيسي وزوجته وعدد من قيادات الجيش، لاذ بالمطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم الشهير بـِ"شعبولا" ليخرج بأغنية تُمجّد في السيسي والجيش وتهاجم محمد علي.

منذ عهد عبد الناصر، والفنانون يُمثلون أداة من أدوات الدولة العميقة وأجهزة المخابرات المصرية، حيث تم استخدامهم لمعارضة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، والتمهيد للإطاحة به.

ساعتها نزل الفنانون بقوة وبشكل جمعي إلى المظاهرات والمسيرات، في احتجاجات 30 يونيو/ حزيران 2013، وتوجهوا نحو ميدان التحرير، وحملوا لافتات مكتوب عليها "مصر بدون إخوان، لا للدستور المعيب، مصر ستبقى مدنية".

إلا أن هذه الوجوه من الفنانيين وأذرع النظام الإعلامية عجزت هذه المرة عن التصدي لمحمد علي ومنع تصدّر هاشتاجه "كفاية بقى يا سيسي"، الذي تداول محلياً وفي دول عربية ليصل إلى الترند العالمي، في دلالة على تصعيد شعبي جارف ضد النظام.

نجل السيسي

أكدت مصادر إعلامية أن رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، كلّف نجله محمود الذي يشغل منصب عميد في جهاز المخابرات العامة، بوضع خطة التصدي لمحمد علي المقاول المتمرد الذي كان يعمل مع الجيش ثم انقلب عليه وكشف عن خفايا إمبراطورية البناء التابعة له، وشبهات الفساد التي تدور حوله. 

عمل محمود السيسي في البداية كان الاعتماد سيتم على برامج التوك شو المعتادة وبعض المواقع التابعة، لكن فوجئ الجميع بحجم المشاهدات والتجاوب مع فيديوهات محمد علي، وهو ما استوجب استدعاء أسماء أخرى ليس معتاداً لها التورّط في تلك القضايا.

استعانت أجهزة مخابرات السيسي بشخصيات مثيرة للجدل ومعروف عنها الهجوم على التراث الإسلامي أمثال إسلام البحيري والمذيع أدهم الكموني وآخرين، علَّهم ينجحون في تفنيد حديث محمد علي، علَّهم يُنقذون ما يمكن إنقاذه بعد فشل أسماء إعلامية تقليدية مثل محمد الباز ومصطفى بكري.

وحين بدا أن عناصر الدولة غير قادرة على الاشتباك وحسم المعركة لصالحهم، تقرَّر أن يُلقى السيسي بكارته الأخير، الفريق محمد زكي وزير الدفاع شخصياً، الذي أصدر بياناً قال فيه: إن "رجال القوات المسلحة سيظلون جديرين بالثقة التي أولاها لهم الشعب بالصدق والولاء للوطن بكل شجاعة وشرف". 

ثم توجيه السيسي الدعوة إلى عقد المؤتمر الوطني (الثامن) للشباب في مركز المنارة للمؤتمرات في القاهرة الجديدة، يوم 14 سبتمبر/ أيلول الماضي، ليقوم بالرد على الاتهامات بنفسه، بعدما تيقّن من فشل رجالاته في الرد على محمد علي، وإعلانه أن "الأجهزة كادت أن تقبل يديه حتى لا يرد" لكنه أصر على الرد.

رد السيسي خلّف حالة جدلية بين المواطنين لم تقل في تأثيرها عن مفعول المقاطع الرئيسية لمحمد علي. لا سيما أن المقاول المصري، قام بدوره بالرد على حديث السيسي، وأظهر تناقضاته، وما وصفها بأكاذيبه. 

صغار الضباط 

خلال الجلسة الثانية من المؤتمر، التي عُقدت بعنوان "الأكاذيب على الدولة في ضوء حروب الجيل الرابع"، تحدث السيسي عن "فيديوهات محمد علي، مشيراً إلى خطورتها على المصريين، وبشكل خاص على صغار الضباط بالجيش".

كما تناول دور وسائل التواصل الاجتماعي في "تزييف الوعي بطرق حديثة، وكيف يدخل ذلك ضمن حروب الجيل الرابع".

سبق للسيسي الإشارة في أبريل/نيسان 2016 إلى دور اللجان الإلكترونية للمرة الأولى خلال لقائه بالمثقفين، حين قال "أنا ممكن بكتيبتين أسيطر على مواقع التواصل".

وتنشط العديد من اللجان والصفحات المؤيدة لنظام السيسي مثل صفحة "الجيش المصري الإلكتروني"، التي تُعرِّف نفسها بأنها ليست تابعة لأي جهة سيادية، وتقول "نحن لسنا جهة رسمية ولا مكلفين من قبل أحد، نحن شباب مصريون لبينا نداء الوطن والواجب بعد تعرُّض وطننا الحبيب مصر لهجمات على الإنترنت قررنا الرد وبعنف باسم الجيش المصري الإلكتروني ونحن صامدون.. باقون.. مصريون".

ووفقاً لتقرير نشرته جريدة نيويورك تايمز، فإن الشركة المصرية "نيوويفز" يملكها عمرو حسين، وهو ضابط جيش مصري متقاعد، يدفع لموظفيه الجدد 180 دولاراً شهريا لكتابة منشورات ورسائل مؤيدة للجيش على مواقع التواصل، وأن هناك من يخبرهم بالوسم أو نقاط النقاش.

ومع ذلك فشلت تلك اللجان الإلكترونية في الدفاع عن السيسي ونظامه أمام فيديوهات محمد علي، خاصة مع تكرار الهاشتاجات المطالبة برحيل السيسي، الأمر الذي دفع نشطاء مواقع التواصل للسخرية من تلك اللجان، رغم ما تملكه من إمكانيات مالية وتقنية كبيرة.

توجس قديم 

الضعف الذي ظهرت عليه الآلة الإعلامية للنظام، نابعة من إستراتيجية مُتّبعة، دأبت على تقويض الإعلام، ففي 24 فبراير/ شباط 2016، في خضم مؤتمر إطلاق إستراتيجية مصر للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030"، قال السيسي منفعلاً: "أنا عارف مصر وعلاجها، لو سمحتوا متسمعوش كلام حد غيري، أنا لا بكدب ولا ليا مصلحة غيرها، أنا فاهم أنا بقول إيه"، في إشارة منه إلى أصوات إعلامية مخالفة لسياسته.

ومن مفردات غضب السيسي، وتململه الدائم من الآلة الإعلامية برمتها، قطع خطوات واسعة في تحجيمها، وتجلى ذلك في 11 أبريل/ نيسان 2017، عندما أصدر قراراً، بتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد، أحد أبرز مؤيدي النظام، بالإضافة إلى عضوية 12 آخرين.

وجاء المجلس بمثابة فزاعة السيسي التي يُخوِّف بها كل من يخالفه الرأي، ويحكم من خلالها قبضته على النوافذ الإعلامية برمتها، الحكومي منها والخاص.

توجُّس السيسي كان نابعاً من إدراكه أن بوتقة الإعلام ساهمت في إسقاط مبارك، واندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وإطاحة الجيش بالرئيس مرسي عبر انقلاب عسكري تم التمهيد له شعبياً، وقدّم السيسي نفسه إعلامياً في صورة المُخلّص والقائد المنقذ.

الجنرال يخشى من أن يُضرب بنفس السلاح الذي استخدمه من قبل، وهو ما جعله يتخذ تلك الإجراءات القابلة للتطور والتوسع، لتصل بصناعة الإعلام إلى حالة متردية فيما يخص قواعد العمل، والحقوق والحريات الأساسية.

لكن يظل الإعلام الشعبي، الممثل في وسائل التواصل الاجتماعي، والمقاطع المرسلة غير الخاضعة للضوابط، هي الكابوس الصعب إخضاعه والسيطرة عليه من قبل النظام، حتى وإن وجّه إليه ضربات كما فعل مع فرقة "أطفال الشوارع" أو "شرشوب همام"، عندما قام بالقبض عليهم، وتوجيه الاتهامات إليهم، لكن ظل ذلك الخط يُمثل الحصن الأخير في مواجهة قمع السلطة.