"سري للغاية".. كيف كشف محمد علي المقر الرئاسي لإقامة السيسي؟
"مأوى الذئاب" تاريخياً كان مقر الديكتاتور الألماني أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، ويقع في منطقة غابات كثيفة نائية مجاورة لبحيرات ومستنقعات في بولندا حاليا.
المقر الكبير والسري كان مأموناً لدرجة أنَّ هتلر قضى فيه 850 يوماً بين عامي 1941 (العام الذي غزت فيه ألمانيا الهتلرية الاتحاد السوفيتي) و1944، قبل أن ينسحب إلى سرداب مقره في مبنى المستشارية في العاصمة برلين.
المُؤكَّد أنَّ الخرسانة المسلحة التي بني بها المقر، وحقول الألغام المحيطة به ووسائل التمويه التي كان يتمتع بها أخفقت في منع سقوطه بعد ذلك.
عادة ما يكون الحكام المستبدون موَّلعون بمقرات سرية، وأروقة حكم سردابية، في مصر أصبح مقر حكم السيسي "الكيان" يُمثِّل جدلية لم تُثَر لأحد قبله من الزعماء الذين حكموا مصر على مدار قرون طويلة، فالجنرال فضّل أن تكون مقارَّ إقامته سرية، وفي الوقت ذاته أمعن في بناء قصور رئاسية جديدة بشكل مبالغ فيه، في ظل أزمات اقتصادية وسياسية طاحنة تعصف بالبلاد.
"الكيان"
في 8 سبتمبر/ أيلول كشف المقاول المصري "محمد علي"، عن أول مرة التقى فيها بالسيسي حين كُلف ببناء بيت له عندما كان وزيراً للدفاع، وكان البيت في الأصل مملوكاً للمشير عبدالحكيم عامر (11 ديسمبر 1919 - 13 سبتمبر 1967) وزير الحربية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ثم انتقل إليه المشير محمد حسين طنطاوي (84 عاماً) وزير الدفاع السابق، إلى أن جاء عبد الفتاح السيسي، فقرر هدمه وبناؤه مجدداً بتكلفة 25 مليون جنيه، لكن بعد زيارة السيسي للمكان مصطحباً زوجته وأولاده، ارتفعت التكلفة إلى 60 مليون جنيه بناء على متطلباتهم، حسب فيديوهات محمد علي.
تزامن ذلك مع "أحداث الاتحادية" التي راح ضحيتها العديد من المصريين، بينما كان السيسي وأبناؤه يترددون بشكل منتظم على القصر الجديد، ليتابعوا المستجدات في عملية البناء والتأثيث.
وأضاف المقاول المصري، أنَّه بتولي السيسي للرئاسة أُلغيت فكرة بيت الحلمية، وكُلف ببناء قصر له و5 فيلات لمعاونيه، تقع جميعها في منطقة الهايكستب العسكرية (شرق القاهرة)، والقصر يربطه نفقٌ سري بمبنى إداري مكون من 4 طوابق، أما فيلات المعاونين فيربط نفق سري أيضاً بين كل فيلا منهم بمبنى إداري مكون من طابقين.
وأردف "علي" أنَّه في أثناء عملهم حسب الخطة الجديدة وردتهم أوامر بالتوقف لأنَّه سيتم الانتقال إلى مقر جديد يجمع جهات الحكم كلها، اسمه "الكيان"، يحتوي على 5 قصور في منطقة الجولف بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة، والتي يسكن السيسي في أحدها حالياَّ على حد قول محمد علي.
شركة "أملاك" التي يمتلكها محمد علي هي من نفذت قصور السيسي، ومعاونيه. وقال علي: "اعتقدت في البداية أنَّ الجيش ليس به فساد، لكنني وجدت الفساد منتشراً داخل المؤسسة العسكرية. السيسي حوّل الجيش إلى تاجر منذ توليه السلطة عام 2014".
ثكنة عسكرية
ظل قصر الاتحادية الرئاسي في منطقة "مصر الجديدة" بالقاهرة، مقر الحكم الرئيسي في البلاد، على مدار سنوات طويلة، وعقب صعود عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في يونيو/ حزيران 2014، استبعده تماماً من حساباته.
وقرَّر استمرار سرية مكان إقامته نظراً لاعتبارات المخاطر الأمنية غير العادية، في ظل حالة الاحتقان السياسي، وموجات القتل والاعتقال التي أقدمت عليها أجهزته الأمنية، عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013.
وجرى استقبال العديد من ضيوف مصر من الرؤساء والملوك، فى العديد من القصور الرئاسية، غير قصر الاتحادية، مثل قصر حدائق القبة بالقاهرة، ورأس التين بالإسكندرية.
وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2017، صرَّح اللواء عادل سليمان الخبير العسكري لصحيفة "الثورة اليوم" الإلكترونية: أنَّ "إقامة السيسي تكمن وسط كتيبة صغيرة تضم 3 سرايا وهم الحراسة الشخصية المكونة من 30 حارس بقيادة العقيد محمد الشعراوي، والسرية الثانية هي الحرس الجمهوري والتي تقوم بحراسة المداخل والمخارج والتمشيط بمسافة تبعد 3 كم، والسرية الثالثة وهي حماية سماء موقع إقامة السيسي والتي تعمل طوال الوقت لحمايته هو وأسرته".
وكان ضابط المخابرات المصرية السابق سامح سيف اليزل والذي مات بعد إصابته بالسرطان، أكَّد إبَّان تولي السيسي منصب الرئاسة، أنَّ "إقامة السيسي لن تكون بالقصور الرئاسية المعروفة سواء القبة أو الاتحادية أو عابدين" مشددا ًعلى أنه سيقطن في مكان آخر لم يعلن عنه، حرصاً على سلامته وتأمينه".
مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، أعلنت الحكومة المصرية قُرب الانتهاء من بناء قصرين رئاسيين جديدين، أحدهما ستتخذه السلطة مقراً شتوياً بالعاصمة الإدارية في منطقة شبه صحراوية، والآخر صيفياً بمدينة العَلَمين الجديدة غربي الإسكندرية على شاطئ البحر المتوسط، وبذلك يكون للسيسي قصرين أحدهما في الصيف والآخر في الشتاء.
يحدث هذا التوسع في بناء القصور الرئاسية رغم وجود 90 قصراً واستراحة للرئيس موزعة بين محافظات مختلفة من بينها 8 قصور تاريخية.
ويبتعد قصر العاصمة الإدارية عن وسط القاهرة، نحو 40 كيلومتراً بينما يبتعد قصر العَلَمين عن استراحة محمد نجيب الرئاسية حوالي ساعة وعن قصر المنتزه بالإسكندرية نحو ساعتين.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد افتتحت الحكومة المصرية، في أغسطس/ آب 2019، مقراً جديداً لها بمدينة العلمين الجديدة لتدار منها شؤون الدولة خلال أشهر الصيف.
قصر العلمين
مدينة العلمين الجديدة، التي تتوسط مجمعين سياحيين شهيرين في الساحل الشمالي، غرب الإسكندرية، هما "مارينا" و"هاسيندا"، بالقرب من قاعدة محمد نجيب العسكرية الجديدة التي افتتحت في يوليو/ تموز 2017 والتابعة للمنطقة الشمالية العسكرية.
في بداية تصميم المدينة كان الحديث مقتصراً على أن تضم المدينة أبراجاً سياحية مطلة على البحر، ومكتبة، ومتحفاً، وكنيسة ومسجداً، وحديقة، وأوبرا، ومناطق ترفيهية وتجارية واستثمارية، باعتبار أنَّ المشروع سياحي ترفيهي فقط وليست له أبعاد أخرى، حتى تقرر في فبراير/ شباط 2018، تحويل المشروع إلى ما يشبه العاصمة الصيفية، ببناء مقر لرئاسة الوزراء، وقصراً للرئاسة، تمَّ تصميمه على عُجالة بنمط هجين بين قصري القبة والاتحادية، ومكون من 50 غرفة، و4 صالونات رئاسية، وقاعتين لكبار الزوار، وصالة ألعاب رياضية، و4 مطاعم، أحدها يتمتع بإطلالة مباشرة وفريدة على البحر المتوسط.
لم يعُد السيسي قانعاً بالقاهرة وقصورها الرئاسية المتمثلة في "الاتحادية والقبة وعابدين" والتي لم يعُد يستخدمها إلّا في المناسبات واللقاءات الرسمية دون إقامة، مفضلاً المعيشة في مقره الخاص، إلى الحد الذي دفعه لتبني مشروع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة التي سيتوسطها مجمع على درجة عالية من التأمين والحراسة العسكرية يضم قصراً لرئاسة الجمهورية ومقر رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع، كما الحال في مدينة العلمين.
في 1 سبتمبر/ أيلول كشفت مصادر لمواقع عربية أنَّ "تكاليف إنشاء القصر الرئاسي والمقر الحكومي تحملتها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة باعتبارها جزءاً من العملية الإجمالية للمشروع، علماً أنَّ الإنفاق على مثل هذه المشاريع الحكومية يجب أن يخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، أياً كان مصدر الإنفاق عليه".
وأشارت المصادر إلى أنَّ "استحداث القصر الرئاسي والمقر الحكومي أدى لتغيير جغرافية المدينة الساحلية الجديدة، بهدف إبعاد المقرّين عن المخاطر الأمنية ومنحهما خصوصية استثنائية، وسيتمُّ الفصل بين المناطق الترفيهية والثقافية وبين الطريق الساحلي العمومي الواصل بين قرى الساحل الشمالي، بطريق آخر مؤمّن عسكرياً يؤدي حصرياً للمقرين الجديدين".
وحسب المخطط الحكومي، ستتشابه "العلمين الجديدة" مع "العاصمة الإدارية" في ضخامة المشاريع السياحية والترفيهية المستهدف جذبها، كما ستضمُّ أبراجاً سكنية سياحية ضخمة أشبه بالأبراج المقامة في مدن الخليج العربي، وتبلغ مساحتها 50 ألف فدان، على بعد 60 كيلومتراً جنوبي الشريط الساحلي، وتفصل المدينة عن المشروعات السياحية الأخرى، وحولها مجار مائية صناعية وبحيرات، ومن المستهدف أن تستوعب المدينة 3 ملايين نسمة.
رقعة الفقر
جاء ذلك بينما أظهرت بيانات الموازنة العامة للدولة المصرية للعام المالي 2018، أنَّ عجز الموازنة بلغ 438 مليار جنيه (24.5 مليار دولار)، بنسبة تعادل 8.4 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وبزيادة 7.5 مليار جنيه (419 مليون دولار)، عن الناتج المحلي للعام المالي الماضي، في وقت يُؤكِّد فيه عبد الفتاح السيسي أنَّ "مصر دولة فقيرة وبحاجة لبيع واستغلال أصولها لسد الفجوة الرقمية الضخمة في ميزان مدفوعاتها".
وكشف فيه تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أنَّ نحو 46 قرية بصعيد مصر، تتراوح نسبة الفقر فيها بين 80% إلى 100%.
ومع اتساع رقعة الفقر تواظب الحكومة المصرية على سياسات الاقتراض من الخارج، حيث أعلن البنك المركزي ارتفاع ديون مصر الخارجية بنحو 13.6 مليار دولار لتصل إلى نحو 106.2 مليارات دولار في نهاية مارس/آذار 2019.
المصادر
- محمد علي يكشف: أنشأنا 12 قصراً للسيسي ومعاونيه
- بالصور.. "جوجل إيرث " يثبت صحة اتهامات الفنان محمد علي في قصور السيسي الرئاسية
- «محمد علي»: السيسي كان يتابع «تشطيبات» البيت أثناء أحداث الاتحادية
- مصر:السيسي وزوجته وجنرالاته في قفص الاتهام بالفساد
- مكان إقامة الرئيس السيسى «سرى للغاية»
- أول حاكم مصري مجهول الإقامة.. أين يعيش السيسي
- محمد علي: السيسي طلب التواصل معي عبر السفارة المصرية في إسبانيا
- قصر رئاسي بحري للسيسي: عاصمة جديدة واحدة لا تكفي
- قصور رئاسية ومقرات حكومية جديدة.. فهل مصر فقيرة حقا؟