"نيويورك تايمز" تكشف تفاصيل حملة سرية مصرية لدعم العسكر بالسودان
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن حرب إلكترونية تشُنُّها مصر تستهدف دعم الجيش السوداني في مواجهة المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية، مشيرةً إلى أنَّها مُجرد جزء من عملية أكبر بكثير امتدَّت في الشرق الأوسط واستهدفت أشخاصاً في 9 دول على الأقل.
قالت الصحيفة في تقرير لها، إنَّه "بعد أيام من ذبح الجنود السودانيين للمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في الخرطوم (فُضَّ اعتصام القيادة العامة) في يونيو/حزيران الماضي، بدأت شركة تسويق رقمي غامضة في القاهرة في نشر جنود يقاتلون عبر لوحة مفاتيح أجهزة الكمبيوتر على جبهة ثانية: في عملية سرية تمدح الجيش السوداني على وسائل التواصل الاجتماعي".
محاربة المحتجين
وأضافت: "دفعت الشركة المصرية، التي يديرها ضابط سابق في الجيش ويصف نفسه بالخبير في حرب الإنترنت، لكل مجند جديد منهم مبلغ 180 دولاراً شهرياً لكتابة رسائل مؤيدة للجيش باستخدام حسابات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وإنستجرام وتلجرام"، موضحة أنَّ المدربين قدَّموا لهم وسومات ونقاط للنقاش".
وأردفت الصحيفة: "مُنذ الإطاحة بالرئيس عمر حسن البشير في أبريل/نيسان الماضي، قِيل للموظفين الجدد، إنَّ المحتجين زرعوا الفوضى في السودان، وأنَّ مطالبهم بالديمقراطية سابقة لأوانها وخطيرة، وأنَّه لابدَّ من استعادة النظام".
ونقلت "نيويورك تايمز" عن أحدِ المدربين قوله للموظفين الجدد: "نحن في حالة حرب. الأمن ضعيف. على الجيش أن يحكم الآن"، منوهة إلى أنَّ حملات التأثير السري أصبحت أداة مُفضَّلة للقادة في دول مثل الصين وروسيا ، حيث يكمل التلاعب في وسائل التواصل الاجتماعي تكتيكات أذرع قوية في الشوارع.
وأشارت إلى أنَّه "رغم ذلك، في الشرق الأوسط يتم تنسيق تلك الحملات عبر الحدود في محاولة لتعزيز الحكم الاستبدادي وإخماد نوع الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى الربيع العربي في عام 2011".
وتابعت الصحيفة: وفقاً لـِ"فيسبوك"، كان الجهد المصري السري لدعم الجيش السوداني على وسائل التواصل الاجتماعي هذا الصيف من قِبل شركة في القاهرة تحمْل اسم "نيو ويفز" ، مجرد جزء من عملية أكبر بكثير امتدت في الشرق الأوسط واستهدفت أشخاصاً في 9 دول على الأقل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأكَّدت: "تمَّ الكشف عن الحملة في 1 أغسطس/آب المنصرم، عندما أعلن فيسبوك عن إغلاقه مئات الحسابات التي تُديرها شركة (نيو ويفز) وشركة إماراتية تحمل اسما شِبه متطابق".
وبحسب الصحيفة، فإنَّه من خلال العمل الجماعي، استخدمت الشركتان المال والخداع والحسابات المزيفة للاستفادة من جمهور يقرب من 14 مليون متابع على "فيسبوك"، إضافة إلى آلاف آخرين على إنستغرام.
وفي مقابلة، قال متحدِّث باسم "فيسبوك"، إنَّ "الشركة لم تعثُر على أدلة كافية لربط العملية بحكومات مصر أو الإمارات. ولكن كان هناك الكثير من الإشارات لهذا الارتباط".
الشركة المصرية
ومضت الصحيفة الأمريكية تقول: "تقاعد عمرو حسين صاحب شركة نيو ويفز، من الجيش المصري في عام 2001 ووصف نفسه على صفحته على فيسبوك بأنَّه باحث في حروب الإنترنت"، لافتة إلى أنَّه مؤيد صريح لرئيس النظام المصري المُستبِد، عبدالفتاح السيسي، وقام بحملات دعائية علنية لدعم حملة السيسي الصارمة على حريات الإنترنت".
وأردفت: "تعمل شركته من مشروع إسكان مملوك للجيش في شرق القاهرة، حيث يتمُّ تحذير الموظفين من التحدث إلى الغرباء حول عملهم".
وتابعت "نيويورك تايمز" تقول: إنَّ "رسائل الشركة بمثابة صورة تعكس الأهداف السياسة الخارجية لكل من مصر والإمارات والسعودية- وهي الدول التي تُمثِّل محوراً قوياً يتمتع بنفوذ هائل في جميع أنحاء الشرق الأوسط مُنذ عام 2011، ويدعم الحلفاء الاستبداديين أو يتدخل في الحروب الإقليمية".
ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أنَّه "تمَّ وصف الأعمال الداخلية لـ(نيو ويفز) من 4 أشخاص على دراية بالشركة وتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الأمر مع السلطات المصرية".
ورداً على اتَّهامات على "فيسبوك"، قام حسين، صاحب شركة "نيو ويفز"، بتسمية موقع التواصل الاجتماعي بـِ "الكذابين" ونفى أي صلة بالإمارات. وكتب في رسالة نصية يقول: "لا أعرف ما الذي يتحدث عنه الموقع"، واصفاً "فيسبوك" بأنَّه "غير عادل"، ورفض التعليق. ولم يردِّ اثنان من موظفي "نيو ويفز" السابقين على طلبات التعليق، بحسب الصحيفة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن ناشطين سودانيين لاحظوا زيادة في نشاط وسائل التواصل الاجتماعي المؤيد للجيش خلال الصيف، بالقول: إنَّهم لم يفاجأوا بالتعرُّف على الحملة.
وبحسب قول محمد سليمان، وهو مهندس مقيم في بوسطن متحالف مع حركة الاحتجاج في السودان، فإنَّه "كان هناك الكثير من الروايات المزيفة. الأخبار المزيفة هي مصدر خطر حقيقي للسودان. إذا كان هناك أي ثورة مضادة على الإطلاق، فإنَّ إحدى وسائل النظام الرئيسية ستكون وسائل الإعلام الاجتماعية".
وقال "فيسبوك": "إنَّ الشركات المصرية والإماراتية عملت سوياً لإدارة 361 حساباً وصفحة مثيرين للشبهات، ويصل عدد مستخدميها إلى 13.7 مليون شخص"، مضيفاً: "لقد أنفقوا 167 ألف دولار على الإعلان واستخدموا هويات زائفة لإخفاء دورهم في العملية".
دعم حفتر
وبحسب "نيويورك تايمز"، فقد أعطت منشوراتهم دفعة لأمير الحرب الليبي خليفة حفتر، الذي تُعدُّ مصر والإمارات من بين أقوى حلفائه، وأشاد بالإمارات وانتقد دولة قطر الغنية بالخليج، باعتبارها عدواً لدوداً للسعوديين والمصريين والإماراتيين.
وأضافت الصحيفة: "تحدثت رسائل أخرى عن الحرب التي قادتها السعودية في اليمن، كما روَّجت لاستقلال أرض الصومال - وهو هدف رئيسي للإمارات التي تتسابق من أجل النفوذ والعقود المربحة في القرن الإفريقي".
أما موقع الشركة الإماراتية التي تحمل اسم "نيو ويفر"، والتي أغلقت عقب تسمية "فيسبوك" لها في 1 أغسطس/آب المنصرم، فقد سجل عنوان نشاطها التجاري كمجمع إعلامي مملوك للحكومة في أبوظبي.
ونقلت عن وكيل خدمة العملاء في المجمع "توفور 54" إنَّ شركة "نيو ويفر" لديها 10 موظفين مسجلين، مشيراً إلى أنَّ مديرها العام هو محمد حمدان الزعابي. ونوهت الصحيفة الأمريكية إلى أنَّه لم يتمَّ الرد على رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية للشركة.
وزادت الصحيفة: "في القاهرة، قِيل للمتطوعين في عملية شركة (نيو ويفز) التي تستهدف السودان، إنَّ مهمتهم هي خلق توازن بين الجيش والمتظاهرين على وسائل التواصل الاجتماعي". وقال أحد المدربين: "إننا نفعل شيئاً كبيراً جداً، مهم جداً هنا. في الماضي كانت الحروب تدار بالأسلحة. الآن يتمُّ ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
وكانت مصر والسعودية والإمارات الداعمين الرئيسيين للجنرالات السودانيين الذين استولوا على السلطة في أبريل/نيسان الماضي. وقدَّم السعوديون والإماراتيون 3 مليارات دولار كمساعدات بينما قدَّمت مصر الدعم الدبلوماسي.
واستطردت "نيويورك تايمز" تقول: "رغم ذلك، كان من الصعب السيطرة على مساحة وسائل التواصل الاجتماعي النابضة بالحياة في السودان". وأضافت: "مُنذ الاحتجاجات الأولى ضد البشير في ديسمبر/كانون الأول الماضي، استخدم قادة الاحتجاجات الإنترنت لتعبئة المظاهرات، للتحايل على الرقابة الرسمية ولجذب الدعم من المشاهير العالميين مثل نجمة البوب ريهانا".
وأردفت: "خلال ساعات من مذبحة المدنيين في الخرطوم في 3 يونيو/حزيران، كان أول عمل للجيش هو إغلاق الإنترنت في السودان، ثم تحوَّل إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمحاولة تخفيف صورته القاسية.
ماذا عن حميدتي؟
وبحسب الصحيفة، فقد أظهرت الحسابات التي يديرها الفريق محمد حمدان (حميدتي) ووحدته شبه العسكرية (قوات الدعم السريع) وهو يطبخ الوجبات ويلقي خطاباً أمام المسيرات، مما يسلط الضوء على مطالبه بأجور أعلى للمعلمين.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أنَّ "ناشطين سودانيين التمسوا من موقع فيسبوك لإغلاق هذه الحسابات، متهمين الشركة بإعطاء منصة مجانية لمجرم حرب محتمل".
ونقلت عن مسؤول صحفي بشركة "فيسبوك" قوله: إنَّ الشركة رفضت التصرف لأنَّ قوات الدعم السريع أصبحت "ممثلاً للدولة". والجنرال حمدان هو الآن شخصية بارزة في حكومة تقاسم السلطة، التي بدأت تتشكل هذا الأسبوع بتشكيل حكومة جديدة.
وذكرت "نيويورك تايمز" أنَّه في أبريل/ نيسان الماضي، بدأ محققو "فيسبوك" بالتدقيق في "نيو ويفز"، كجزء من الحملة العالمية لعملاق التكنولوجيا لإغلاق ما تسميه بأنَّه "سلوك زائف ومنسق" على نظامه الأساسي.
وواصلت بالقول: كما لاحظ دُعاة الديمقراطية السودانيون شيئاً غريباً: مجموعة من المنشورة المؤيدة للجيش على موقع "تويتر" مكتوبة بأسماء مزيفة، وغالباً ما تستخدم صوراً لنشطاء أو موسيقيين بارزين. لقد وصف هؤلاء التغريدات بأنَّها مزيفة استناداً إلى أخطاء لا إرادية في اللغة العربية تُشير إلى أنَّها كُتبت من غير السودانيين.
وأردفت: "على سبيل المثال، قدَّمت تغريدة كلمة (السودان) بصيغة المؤنث، بينما يكتبها السودانيون بالمذكر"، مشيرةً إلى أنّ "عملية (نيو ويفز) تمثل صدى لنهج الدولة المصرية في التحكُّم في النقاش عبر الإنترنت. في عهد السيسي، حظرت مصر أكثر من 500 موقع على شبكة الإنترنت وأدخلت قوانين تُجرِّم انتقاد الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي وصفها السيسي بأنَّها تهديد للأمن القومي".
وتابعت الصحيفة الأمريكية: "كثيراً ما يتمُّ سجن منتقدي الإنترنت في مصر. في 7 يوليو/ تموز الماضي، قُبض على ريم محمد دسوقي، وهي مواطنة أمريكية مصرية، لدى وصولها إلى مطار القاهرة مع ابنها البالغ من العمر 13 عاماً. صادر المسؤولون هاتفها وانتقلوا عبر مشاركاتها على فيسبوك واتَّهموها باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتقويض مصر".
وأكَّدت "نيويورك تايموز" أن "ريم محمد ددسوقي محتجزة الآن في سجن القناطر خارج القاهرة. وعاد ابنها إلى الولايات المتحدة".
"أرجوكم انسوني"
وأضافت الصحيفة: "بين عامي 2015 و 2017، كتب حسين، صاحب (نيو ويفز)، عموداً في جريدة "البوابة" المؤيدة للجيش. وفي الخريف الماضي، موّل حملة توعية عامة تُحذِّر المصريين من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي".
وأشارت إلى أنَّ حسين قال في مقابلة مع قناة تلفزيونية مؤيدة للدولة: "مُنذ عام 2011 فصاعداً كانت حرباً على وسائل التواصل الاجتماعي" ، مشيراً فيها إلى القول المأثور النازي "كلما كبرت كذبة، كلما زاد عدد الناس الذين يصدقونها".
ونقلت عن "فيسبوك" قوله: إنَّ المديرين التنفيذيين في (نيو ويفز) وشركتها الإماراتية الشقيقة (نيو ويف) بذلوا قصارى جهدهم لإخفاء دورهم في حملة التأثير في الشرق الأوسط، حيث حصلوا على حسابات مزيفة لإدارة صفحات "فيسبوك" التي يُزعم أنَّها مواقع إخبارية حول 9 دول، بما في ذلك السودان والصومال والكويت وليبيا. وغالباً ما كانت الصفحات تتضمن منشورات حقيقية حول أخبار حقيقية أو عناصر ترفيهية خفيفة مثل الرسوم المتحركة، تتخللها عناصر مزيفة تتبع فكرة أو موضوع مشترك.
وأوضحت، أنَّ صفحة (السودان اليوم) على موقع "فيسبوك" على الإنترنت، مرتبطة بموقع إخباري يحمل نفس الاسم نشر 17 مقالاً في الفترة ما بين شهري مايو/أيار وأغسطس/آب متهماً جماعة الإخوان المسلمين بالتآمر للإطاحة بالمجلس العسكري الانتقالي في السودان، و 60 مقالة أخرى تدعم قيادة اللواء حمدان.
وذكرت الصحيفة، أنَّ "فيسبوك" شارك النتائج التي توصَّل إليها مع "تويتر"، والذي قام بحذف حساب "نيو ويفز". ورفض موقع "تويتر" التعليق باستثناء القول: إنَّه أزال عِدَّة حسابات متعلقة بالسودان.
وبيّنت "نيويورك تايمز" في مقابلة بشهر يوليو/تموز الماضي، ادَّعى حسين أنَّ "نيو ويفز" لديها عميل واحد فقط، وهي شركة إنتاج مسرحي تديرها الدولة تسمى "أوبرا بنت عربي". وقال: إنَّه يتحدَّث عن وسائل التواصل الاجتماعي لأنَّ مجتمع الشرق الأوسط "مميز". وقال: "أنا أتحدث عن المخاطر ليس فقط في مصر - في كل عالمنا". يوم الجمعة الماضي، امتنع حسين عن الحديث. وكتب في نصٍّ "ليس لدي شيء بالنسبة لكم. أرجوكم انسوني".