قصر "انتصار" بالمنتزه.. كيف يُدلل السيسي زوجته بأموال الفقراء؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

عبْر مقطع مصور بفيسبوك من مقرِّ إقامته في برشلونة الإسبانية، وجَّه المقاول والفنان "محمد علي"، اتهامات إلى السيسي وزوجته وقيادات بالجيش المصري، بإهدار المال العام عبْر الإنفاق على مشروعات تستهدف مصالح وأغراض شخصية، دون دراسة أو جدوى اقتصادية.

انتصار عامر، زوجة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، ضمن من تردَّد أسمائهم كثيراً في الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم، وبقوة الصاروخ محدثاً هزة كبيرة في الوسط المصري، ليخرُج هاشتاج على تويتر ساخراً: "صبح على انتصار بجنيه".

مُنذ ثم تولِّيه الحكم في يونيو/ حزيران 2104، والسيسي يحرص على عدم ظهور زوجته انتصار بكثرة أو لعب دورٍ لافتٍ في الحياة العامة يُشبه الدور الذي كانت تلعبه زوجات سابقيه من رؤساء العسكر خاصة (سوزان) مبارك و(جيهان) السادات، لكن يبدو أنَّ زوجته انتصار كان لها رأي آخر، حرصت من خلاله على الظهور بطريقتها الخاصة، التي فضحها فيديو "محمد علي"، وما خفِي كان أعظم.

الثمن باهظ

محمد علي، صاحب شركة "أملاك" للمقاولات، عمل على مدار 15 عاماً في مشروعات ينفذها الجيش المصري بالإسناد أو الأمر المباشر وهو باب كبير للفساد حسب "محمد علي"، الذي وجَّه أول ضربة من نوعها تطعن في ذمة السيسي المالية وتفضح فساده وفساد زوجته السيدة انتصار، وفساد قادة آخرين داخل الجيش.

علي قال: إنَّ "شركته وقَّعت عقد تنفيذ مشروع استراحة رئاسية جديدة (قصر) للسيسي وزوجته انتصار على شاطئ البحر بمنطقة المنتزه بمحافظة الإسكندرية (شمالاً) لقضاء عُطلة عيد الأضحى فيها، رغم وجود قصر رئاسي على بعد أمتار من هذه الاستراحة".

"علي" قال: "انتصار السيسي، رفضت قضاء عطلة العيد في نفس القصر الرئاسي الذي كانت تقضي فيه سوزان مبارك عطلاتها، وأمرت ببناء استراحة رئاسية جديدة بلغت تكلفة إنشائها فقط 250 مليون جنيه، غير ثمن الأرض وتكلفة التأسيس والديكورات، ثمَّ طلبت تعديلات بلغت تكلفتها 25 مليون جنيه".

وأشار محمد علي إلى أنَّ العقار الذي يمكن رؤيته بوضوح من منطقة المنتزه في الإسكندرية مُقام على أرض ليس من المعروف كيف تمَّ تخصيصها من الأساس، شأنُها شأن العديد من الاستراحات التي قال: إنَّه ساهم في إنشائها للسيسي في أماكن مختلفة.

وعلى حدّ تعبيره، فإنَّه "لا يُتصور كيف ومتى سيقيم السيسي فيها جميعاً"، وهو ما يطرح بشكل مباشر قضية ابتلاع الجيش لأراضي الدولة بلا حسيب ولا رقيب.

واختتم قائلاً: "اديني (اعطني) الأمان وأنا هتكلم، تعمل فندق بـِ 2 مليار، وفيلا بـِ 250 مليون، غير ثمن الأرض، أنت بتصرف مليارات، بتهدر ملايين على الأرض، دمرت الشعب، والوطن، وعملت مشروعات فاشلة، سدَّد الفلوس اللي عليك".

 

الظهور الأول 

في مايو/ آيار 2014، ذكر رئيس النظام عبد الفتاح السيسي خلال أول مقابلة تلفزيونية له بثتها قناتي CBC وONTV، قصة الحب التي جمعته بزوجته، مُنذ أن كان طالباً في المرحلة الثانوية، مَطلع سبعينيات القرن الماضي.

وقال السيسي لمحاوريه، إبراهيم عيسى ولميس الحديدي،: إنَّه وعد زوجته، دون أن يُفصح عن اسمها، بأنَّه سيتقدَّم لخطبتها فور نجاحه بالثانوية العامة، وتزوجها بالفعل بعد تخرُّجه من الكلية الحربية عام 1977.

وفي 17 فبراير/ شباط 2014، تداولت  الصحف المصرية صورة عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري على رئيسه المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، بجوار زوجته أثناء حفل تكريم ضباط محالِين للتقاعد.

كان هذا أول ظهور رسمى لزوجة السيسي، وبحسب الفيديو الذي نُشر على صفحة المُتحدث باسم الجيش المصري ظهرت كذلك زوجة الفريق صدقي صبحي رئيس أركان الجيش المصري. 

وبرَّرت الصحف المصرية هذا الظهور بأنَّ "بروتوكولات إحالة كبار القادة العسكريين للتقاعد تستوجب اصطحاب الزوجات خلال الحفل، وتستوجب أيضاً أن يشهد كبار القادة الحفل بصحبة زوجاتهم".

 

مجوهرات ماسية

في 24 مارس/ آذار 2017، بحسب تقرير صحيفة القدس العربي، فإنَّ انتصار السيسي، ظهرت في احتفالية بعيد الأم بملابس من ماركات شهيرة وقَدَّرت "مديرة مبادرة الرئاسة 2018"، هالة البناي، ثمن المجوهرات الماسيّة التي ارتدتها السيدة انتصار بحدود 750 ألف دولار، وهذه زوجة الرئيس الذي ما انفك يدعو فقراء بلاده للتبرع لصندوق "تحيا مصر".

وفي 6 سبتمبر/ أيلول 2017، انتقد رواد مواقع التواصل السيسي لارتداء ساعة ثمينة، وحمْل زوجته حقيبة وحُليّ ثمينة في مؤتمر "بريكس".

تردَّد وقتها أن سعر حقيبة قرينة السيسي، من ماركة "جوتشي" العالمية يبلغ 1500 دولار (الدولار يساوي نحو 16.5 جنيها مصرياً)، حسب الموقع الرسمي لماركة جوتشي، وبلغت قيمة ساعة السيسي 200 ألف دولار.

(صورة تداولها ناشطون استدلوا بها على البذخ الذي تعيش فيه زوجة السيسي)

تعشق التسوق

لم تعُد زوجة السيسي، مكتفية بالجلوس داخل القصور الرئاسية، فالسيدة التي لم تظهر إلا مرات محدودة في الولاية الأولى للسيسي، باتت ترافقه بصورة بارزة في جميع المناسبات والأسفار، سواء ظهرت رسمياً أو غابت عن الإعلام، وظهر عشقها للتجوال والتسوق في المدن التي يزورها زوجها، كما حدث في ميونيخ بألمانيا أثناء مشاركة السيسي في "مؤتمر ميونيخ للأمن" منتصف فبراير/ شباط 2019.

وفي الشهور الأخيرة، ظهرت قرينة السيسي في استقبال أكثر من رئيس زار البلاد، أبرزهم رئيس فرنسا وقرينته، والرئيس الفيتنامي السابق وزوجته، كما كانت في استقبال زوجة الرئيس الأمريكي ميلانيا ترامب، خلال زيارة الأخيرة إلى قصر الاتحادية.

 كذلك، رافقت انتصار زوجها في فعاليات داخلية بداية من مؤتمرات الشباب في شرم الشيخ وأسوان، وصولاً إلى الاحتفال بيوم المرأة العالمي.

وخلال 5 سنوات تقريباً قضاها السيسي في قصر الاتحادية رئيساً، لم تخرج زوجته إلا في زيارتين بمفردها، الأولى لدار أيتام تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، والثانية تفقَّدت خلالها مشروع الصوبات الزجاجية برفقة عدد من زوجات الوزراء.

اللافت أنَّ السخرية التي تتعرض لها عبْر مواقع التواصل لم تمنعها من الظهور والحرص في كل مرة على تجنب أخطاء الإطلالة التي سبقتها، وذلك ما بين انتقادات الوزن الزائد (ظهرت بوزن أقل نسبياً في المناسبات الأخيرة)، والتخلي عن الفخامة في الملابس والأكسسوارات واستبدال أخرى بها، لمُصممين ومُصممات مصريات، وصولاً إلى مخاطبة الشباب عبر فيسبوك.

 

سيدة القصر 

الحديث المتعلق بالاستراحات، والقصور الرئاسية، لم يظهر مع تداول المقطع الأخير للمقاول محمد علي فقط، بل ممتد مُنذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة.

ورغم أنّه دائم الزعم أنَّ مصر بلد فقير جداً، وتقديمه مسوغات الوضع الاقتصادي المتدهور وإجراءات التقشف التي تتبناها السلطة، غير أنَّ الإنفاق الحكومي الضخم في عدَّة مجالات بينها بناء القصور الرئاسية والمقرات الحكومية يكشف أنَّ التقشف للفقراء حصراً، ولا ينطبق هذا على عائلة الرئيس أو زوجته. 

وفي 1 سبتمبر/ أيلول الجاري، أعلنت القاهرة قرب الانتهاء من بناء قصرين رئاسيين جديدين، أحدهما ستتخذه السلطة مقراً شتوياً بالعاصمة الإدارية، والآخر صيفياً بمدينة العَلَمين الجديدة غربي الإسكندرية.

ويحدُث هذا التوسع في بناء القصور الرئاسية رغم وجود 90 قصراً واستراحة للرئيس موزعة بين محافظات مختلفة من بينها 8 قصور تاريخية.

ويبتعد قصر العاصمة الإدارية عن قصر الاتحادية الذي يدير السيسي حالياً شؤون الحكم منه، نحو 40 كيلومتراً بينما يبتعد قصر العَلَمين عن استراحة محمد نجيب الرئاسية حوالي ساعة وعن قصر المنتزه بالإسكندرية نحو ساعتين.

بذخ وإسراف

بناء المقرات الرئاسية والحكومية الصيفية والشتوية يحدُث بالتزامن مع اتساع رقعة الفقر بين المصريين وتصريحات المسؤولين بضرورة تحمُّل إجراءات التقشف وما يسمى بالإصلاح الاقتصادي التي من ضمنها رفع الدعم عن الوقود.

بحسب تقارير إعلامية تنفق رئاسة الجمهورية نحو 6 مليارات جنيه ما يعادل (400 مليون دولار) نفقات سنوية أجور ورواتب العاملين وتجديدات وتجهيزات للمباني، ولا يتضمن هذا الرقم تكلفة بناء القصور.

وفي نهاية يوليو/تموز 2019، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5% من عدد السكان، بنهاية العام المالي 2017/ 2018، مقابل 27.8% لعام 2015/ 2016.

وكشف تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أنَّ نحو 46 قرية بصعيد مصر، تتراوح نسبة الفقر فيها بين 80% إلى 100%.

ومع اتساع رقعة الفقر تواظب الحكومة المصرية على سياسات الاقتراض من الخارج، حيث أعلن البنك المركزي ارتفاع ديون مصر الخارجية بنحو 13.6 مليار دولار لتصل إلى نحو 106.2 مليارات دولار في نهاية مارس/آذار الماضي، مقارنة بشهر يونيو/حزيران من العام الماضي.

كذلك ارتفاع إجمالي الدين العام المحلي للبلاد 20.25% على أساس سنوي إلى (4.108 تريليونات جنيه)، ما يُعادل 241.9 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.

فيديو "محمد علي" سيظلُّ علامة تأريخ وتوثيق لارتباط اسم انتصار السيسي بملف الاستراحات والقصور الرئاسية، التي كشفت عن سطوتها ونفوذها المباشر، فضلاً عن فسادها داخل أجهزة الدولة المصرية.