قناة "القاهرة الإخبارية".. لماذا يطلقها السيسي الآن رغم تعثرها لفترة طويلة؟

12

طباعة

مشاركة

بعد ساعات من زيارة ولي عهد السعودية محمد بن سلمان إلى مصر في الثاني من يوليو/تموز 2022، أعلنت شركة المخابرات (المتحدة للخدمات الإعلامية)، تدشين قناة دولية تسمى "القاهرة الإخبارية" كان قد تعرقل تنفيذها عدة مرات بسبب التمويل.

مصادر في "المجلس الأعلى للإعلام" الحكومي في مصر أبلغت "الاستقلال" أن "التمويل السعودي وصل أخيرا بعد تأخره".

وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أنه سبق الاتفاق على ذلك منذ 2021، وكانت هناك نية لإطلاق هذه القناة أوائل العام 2022 لكن الأمر تعرقل وتأخر لأسباب مالية، والآن سيجري إطلاق قناتين جديدتين وتحديث ثالثة هي "إكسترا نيوز".

"مصدر" آخر مطلع يعمل بالإدارة التنفيذية داخل "المتحدة" أكد لموقع "مدى مصر" في 12 يوليو 2022، أيضا أن التحضير لهذه القنوات كان جاريا لكن تعثر عدة مرات.

أوضح أن "انفراجة تمويلية سهلت إعادة العمل على إنشاء القنوات بعد زيارة ولي العهد السعودي للقاهرة".

ضمن القرارات التي اتخذتها شركة المخابرات الإعلامية تطوير قناة "إكسترا نيوز" التي لعبت دورا مهما في الحالة الإعلامية المصرية منذ انطلاقها في 20 ديسمبر/كانون الأول 2016، بجانب إطلاق قناة جديدة تسمى "إكسترا الحدث".

وإكسترا نيوز لعبت دورا مهما في دعم السلطة منذ انطلاقها وكان الهدف منها أيضا منافسة الجزيرة لكنها فشلت.

سيجعل هذا مصر تمتلك أكبر آلة بروباغاندا سياسية في الشرق الأوسط عبر قطاع جديد للإعلام يسمى "قطاع أخبار المتحدة" يضم، بخلاف القنوات التي اشترتها أو تسيطر عليها المخابرات، ثلاث قنوات جديدة.

لكن الإعلان عن تأسيس أكبر قطاع أخبار تملكه المخابرات المصرية في 2022 بجانب ما سيطرت عليه بالفعل (14 قناة)، ودون أن يكون لها صدى أو تأثير في الشارع المصري مقارنة بقناتين أو ثلاثة معارضة قوية بالخارج، يعده مراقبون دليلا على حالة الانفصال الشديدة عن الواقع والزمن وإهدارا لمزيد من الأموال.

وتواجه مصر أزمة اقتصادية غير مسبوقة، والوضع المالي لوسائل الإعلام المملوكة للشركة المتحدة يعاني من خسائر كبيرة حسبما أقر مؤتمر الشركة الذي عقد في 29 مايو/ أيار 2021 لتغيير قيادات الشركة بسبب الخسائر.

وأظهرت الأرقام المعلنة حينئذ تحقيق شركة المخابرات خسائر خلال أعوام 2017 و2018 و2019 و2020، ولم تحقق مكاسب سوى في موسم رمضان 2021.

وتبين أن حصيلة الخسائر للقنوات على مدار أربعة أعوام منذ سيطرة شركة المخابرات عليها هي 380.569.425 مليون جنيه (1 دولار = 18,87 جنيه)، فكيف تنشئ ثلاث قنوات جديدة يتوقع لها نفس المصير بسبب غياب حرية التعبير؟

ماذا يجري؟

كان ملفتا أن القرار الذي نسبته الصحف لشركة المخابرات (المتحدة للخدمات الإعلامية) بشأن إنشاء قطاع جديد للأخبار لم تنشره الشركة على موقعها الإلكتروني أو حسابها على فيسبوك، ومن نشر الخبر هو قناة "إكسترا نيوز".

فلم تعلن الشركة نفسها بشكل رسمي عن تأسيس القطاع أو القنوات الجديدة، واكتفت، يوم إعلان الخبر 6 يوليو 2022، بخبر آخر عما يسمى "منتدى الإبداع" ولا يوجد تصريح واحد لمسؤولي الشركة المتحدة عن هذه القنوات.

 

ولم يعلن عن خبر إنشاء "قطاع أخبار المتحدة" سوى عاملين في قناة إكسترا نيوز وصحف تابعة للمجموعة مثل اليوم السابع.

كما لم تنشر الصحف أي أخبار عن اجتماع رئيس الشركة المتحدة مع رئيس القطاع الجديد المكلف (أخبار المتحدة)، ولم يعتمد فريق عمله وهيكل القطاع حتى الآن.

دفع هذا الصحفي في "المصري اليوم" سابقا، والمقيم في كندا حاليا "فتحي أبو حطب" للتساؤل عما جرى: "تطوير أم حركة انفصالية داخل المتحدة"؟!.

قال: "يبدو أن إدارة الشركة المتحدة التي تراجعت عن مشروع القناة الإخبارية في وقت سابق ليست هي الجهة التي اتخذت قرار تأسيس القناة الجديدة وقطاع أخبارها".

ثم عاد ليقول إن "المتحدة أحبطت الانقلاب بهدوء"، وأرسلت رسالة للعاملين مفادها أن "ما حصل كان محاولة لفرض وجود قطاع الأخبار ورئاسته لكن مفيش قطاع ولا فيه رئيس قطاع".

وكان ملفتا أيضا أن هناك فصلا تاما في التصريحات المعلنة بين كافة القنوات التي تمتلكها الشركة المتحدة الاستخبارية تحت جناحها، وهي 14 قناة وفق موقعها، وبين القنوات الثلاث الجديدة التي قيل إنها ستشكل هيكلا منفصلا هو "قطاع أخبار المتحدة".

الدعم السعودي

في 24 مايو/ أيار 2021، زار تركي آل الشيخ مستشار ولي العهد السعودي، مصر والتقى رئيس النظام عبد الفتاح السيسي ومدير مخابراته عباس كامل وأعلن عن توقيع اتفاقات تعاون إعلامي، وتعهد "الشيخ" بدفع تمويل مالي.

وفي 30 من الشهر نفسه، وقعت الشركة المتحدة التابعة للمخابرات ومجموعة "إم بي سي" السعودية اتفاق تعاون قيل إنه "لإنتاج الأعمال الدرامية الكبرى التي تحتاج إلى شركات مختلفة نظرا لتكلفتها الكبيرة".

وهلل آل الشيخ لهذه الاتفاقيات على حسابه في فيسبوك حينئذ قائلا: "اتفاقية مهمة بين كيانات عملاقة ولن تكون الأخيرة إن شاء الله ... يد واحدة دائما".

تبع هذا إعلان "الشركة المتحدة"، نيتها طرح 30 بالمئة من أسهمها بحلول عام 2024، وتردد أن الهدف هو إشراك مستثمرين عرب، وتحديدا من السعودية لشراء الأسهم، كنوع من التمويل لإعلام المخابرات المصرية.

لكن "الشيخ" والسعودية لم يفوا بما تم الإعلان عنه والاتفاق عليه من دفع أموال، والذي كان جزء منه مخصصا لقناة مصرية إخبارية دولية، كحلم مصري قديم، لمنافسة قناة الجزيرة القطرية، وترددت أنباء عن فتور في العلاقات بعدها.

غضب نظام السيسي عندما لم تبادر السعودية بأي خطوة لشراء أسهم الشركة أو تقديم دعم مالي كما توقع لتشغيل قناة مصرية عالمية.

وأوضح مصدر إعلامي وآخر أمني سابق لـ "الاستقلال" في 3 مارس 2022 أن مصر نقلت رسالة غاضبة للسعودية بسبب تراجعها عن تمويل إعلام المخابرات بعد تعهدها بملء مكان الإمارات.

وكرسالة غاضبة للسعودية وقعت شركة المخابرات اتفاقا مع الممثل محمد صبحي بعد انتقاده الشديد لتركي آل الشيخ، كما انتشرت حملة على مواقع التواصل تحت اسم "شوال الرز" للسخرية من المستشار السعودي.

لاحقا، وبعد عام كامل، عادت السعودية لإرضاء مصر، خلال جولة ولي العهد الأخيرة يونيو/حزيران 2022 ضمن سعيها لتنسيق المواقف تزامنا مع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة.

زار محمد بن سلمان مصر والتقى السيسي في ‏21 يونيو ‏2022، وذكر السفير بسام راضي، في بيان ختامي مطول للغاية أنه تم بحث "سبل تطوير وتنمية العلاقات في جميع المجالات".

وجرى الإعلان عن "عزم السعودية قيادة استثمارات في مصر تبلغ قيمتها 30 مليار دولار أميركي"، دون تحديد ماهيتها.

والحديث عن "صفقات واتفاقيات استثمارية وتجارية ضخمة بين القطاعين الخاصين في البلدين بحوالي 30 مليار ريال سعودي وبما يقارب 145 مليار جنيه مصري"، بدون تفاصيل أيضا.

كان من الواضح أن هناك علاقة بين الزيارة وأرقام الاستثمارات السعودية المطروحة وبين الإعلان المصري عن قناة "القاهرة الإخبارية المصرية الدولية" والتي سيتم إطلاقها مع مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في مدينة شرم الشيخ نوفمبر 2022.

ثم إعلان "المتحدة للخدمات الإعلامية"، المظلة الاستثمارية التابعة مباشرة للمخابرات المصرية، 6 يوليو 2022 عن تعيين الصحفي المقرب من أجهزة المخابرات أحمد الطاهري رئيسا للقنوات الإخبارية المملوكة للشركة.

لا أموال سائلة

مصادر "المجلس الأعلى للإعلام" في مصر التي تحدثت لـ "الاستقلال" سابقا، أوضحت أن تأخر السعودية في الرد على طلب مصر تمويل قنوات المخابرات عام 2021 عقب لقاءات تركي الشيخ مع السيسي وعباس كامل، كان بسبب "ترتيبات".

أوضحت أن السعوديين كانوا يرغبون في الدخول مباشرة باستثمار مشترك مع مصر في إدارة القنوات الجديدة عبر تعاون بينها وبين المنظومة الإعلامية السعودية ممثلة في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام «SRMG»، ولا يدفعون أموالا سائلة.

وهذه المجموعة السعودية هي الذراع الإعلامي المالك لعدة منصات إخبارية إقليمية تملكها الرياض أبرزها قناة بلومبيرغ الشرق وصحيفة إندبندنت عربية وشركات توزيع ونشر وإعلانات. 

وقد نقل موقع "مدى مصر" 12 يوليو عن مصدر مطلع بالإدارة التنفيذية لشركة المخابرات تأكيده أن "الانفراجة التمويلية كان مضمونها اتفاقا أن يشترك فريق من المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام مع «المتحدة» في إدارة القناة المصرية.

وبحسب المصدر، تشمل الشراكة أن تضع المجموعة السعودية خطة إنتاج القناة وتتكفل بنظام التشغيل وتكنولوجيا البث بتقنيات عالية الجودة وتدريب أطقم العمل في القنوات.

ويكون دور الشركة "المتحدة" هو الهيكلة المالية الجديدة للعمالة، ويفعل الاتفاق في أغسطس/آب 2022 بعد اكتمال الإنشاءات داخل "المبنى 19" المخصص للقنوات الإخبارية داخل مدينة الإنتاج الإعلامي.

وكشف المصدر عن عقد اجتماعات أخرى بين ممثلين لجهاز المخابرات العامة المالكة لشركة المتحدة وممثلين بارزين للإعلام السعودي كانوا ضمن الوفد المرافق لزيارة ولي العهد، لإعادة إحياء المشروع المتعثر اقتصاديا لقناة أخبار إقليمية مصرية.

وسبق أن جرى الإعلان عن قناة الأخبار الدولية المصرية خلال مؤتمر رسمي لشركة المتحدة عام 2021، وكان من المخطط إطلاقها في الربع الأول من عام 2022.

لكن أوامر من الجهات السيادية المشرفة على عمل "المتحدة" في مايو/أيار 2022 أوقفت العمل لفترة بمشروع القناة، وذلك لاعتبارات تمويلية.

وفي عام 2017 أكد السيسي أن "الاستعدادات جارية لإطلاق قناة إخبارية مصرية وفق المعايير الدولية قريبا"، وأضاف أن "القناة الإخبارية الإقليمية والعالمية رفيعة المستوى تتطلب تكلفة عالية".

وأكد البرلمان المصري حينها أن إعلان السيسي يستهدف مواجهة قناة “الجزيرة” القطرية التي تبث على مدار الساعة برامج وأخبارا تنتقد الحكومة المصرية.

وقال نادر مصطفى سكرتير لجنة الإعلام بالبرلمان في تصريح صحفي إن "إعلان السيسي بشأن الاستعدادات لإطلاق قناة إخبارية مصرية عالمية المستوى أسعد الملايين من المصريين، حيث عانت الدول العربية الكثير من قناة الجزيرة القطرية".

وجرت عدة محاولات عربية سابقة لمنافسة الجزيرة بواسطة قنوات مثل العربية وسكاي نيوز، وإكسترا نيوز ودي.أم.سي المصريتين لكن دون جدوى، وظلت القاهرة تحلم بخطة إطلاق قناة إخبارية إقليمية تنافس نظيرتها القطرية.

لكن بسبب نقص التمويل لم تتحقق الخطة الإعلامية المصرية، حتى تدخلت السعودية لدعمها أخيرا بعد تردد.

لماذا ستفشل؟

يؤكد صحفيون وناشطون أن القناة الدولية المصرية الجديدة ويتبعها "إكسترا الحدث"، و"إكسترا نيوز" ستفشل في تحقيق أي تغيير في الساحة الإعلامية وستظل أبواقا للسلطة لا تتمتع بأي حرية إعلامية ما سيجعلها بلا قيمة وإهدارا للأموال.

الصحفي قطب العربي، أمين المجلس الأعلى للصحافة في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، أكد أن هذه القنوات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ بثها لغياب حرية التعبير وتردديها مثل بقية قنوات السلطة ما يمليه عليها الرقيب العسكري.

أوضح لـ "الاستقلال" أنه لا يمكن للنظام بتركيبته وعقليته الحالية، وعدائه الظاهر لحرية الإعلام أن يؤسس قناة إخبارية دولية ناجحة تنافس الجزيرة بنسختيها العربية أو الإنجليزية، أو ينافس أي قناة لديها رؤية إعلامية حرة.

أكد أنها "ستكون قناة فاشلة ومجرد سبوبة للبعض، وسينفق عليها المليارات دون أن تحقق أي نجاح لغياب الحرية التي تمنح القناة وغيرها الشفافية وحرية نقل المعلومات".

أشار إلى تجربة قنوات مصرية معارضة من الخارج بأقل التكاليف لكنها تقول الحقيقة وبها حرية إعلام وإقبال المصريين عليها بما جعل النظام يتدخل لمنعه من تركيا بأي ثمن لأنها تبث من مكان حر وتحقق نجاحات ضخمة وتصل إلى جمهور كبير.

وبالتزامن مع إعلان هذا القطاع الجديد لقنوات مصرية بدعم سعودي، أصدرت "مراسلون بلا حدود" تقريرا عن حالة القمع للصحافة في مصر وتحريك السيسي الصحفيين الموالين له كدمى لتشويه زملائهم منتقدة غياب حرية الإعلام.

وفي تقرير من 27 صفحة بعنوان "دمى السيسي"، قالت المنظمة 29 يونيو/حزيران 2022 إن وسائل الإعلام الموالية لرئيس النظام تتهم الصحفيين المعارضين له بالانتماء إلى الإخوان المسلمين، أو تقول عنهم إنهم "عملاء للخارج" و"عملاء الفوضى".

واتهمت "مراسلون بلا حدود" الإعلام الرسمي المصري ومقدمي البرامج التلفزيونية الموالين لعبد الفتاح السيسي بالانخراط في "حملة ضد الصحافة في مصر" حيث يقبع العديد من الصحفيين في السجون.

وقالت إن أجهزة الأمن المصرية لم تكتف بالرقابة على الصحف، اشترت مجموعات الصحف الرئيسة في البلاد، وأجهزة الاستخبارات المصرية تمتلك، من خلال شركة قابضة، "قرابة 17 بالمئة" من وسائل الإعلام في البلاد.

ومن خلال تملكها وسائل الإعلام الرئيسة، تستطيع أجهزة الاستخبارات، وفقا للمنظمة، أن تنظم بشكل "منسق" حملات إعلامية ضد صحفيين معارضين لعبد الفتاح السيسي أو ينتقدون نظامه.

ويوضح التقرير كيف يجري استخدام تلفزيونيين مؤيدين ووسائل إعلام تسيطر عليها في مصر لإطلاق حملات تشهير ضد القلائل الذين لا زالوا ينتقدون السيسي والحكومة.

وشددت المنظمة على أن مفهوم الصحافة ذاته "خاطئ في مصر لأن الصحفيين مطالبون باستخدام الرواية الرسمية للسلطة لرواية الأحداث عند تغطية أي حدث".