قصة "أحمد وزينب".. كيف يتاجر آباء بأطفالهم على مواقع التواصل؟

12

طباعة

مشاركة

هل هناك بالفعل قانون يحمي الأطفال من الاستغلال على مواقع التواصل الاجتماعي حتى لو كان من طرف الأبوين؟ هل هناك ضوابط للمحتوى الذي ينشر على هذه المواقع، خصوصا إذا تعلق الأمر بأطفال، بعضهم قد يكون حديث الولادة؟

هذه الأسئلة وغيرها طفت على السطح مؤخرا مع تزايد الفيديوهات المصورة لأطفال، بعضهم حديثي الولادة، يتكفل الأبوان بعملية التصوير والبث عبر مواقع التواصل هدفها قد يكون المال أو الشهرة أو كليهما.

مؤخرا غادر الزوجان المصريان أحمد حسن وزينب مواقع التواصل الاجتماعي بعد الجدل الذي أثاره ما ينشرانه على موقع "يوتيوب"، قبل أن يعلنا تراجعهما ويعودا من جديد.

بدأت القصة عندما انتشرت فيديوهات للزوجين رفقة طفلتهما الحديثة الولادة، واتهام المشاهدين لهما بالإساءة للطفلة وتعريضها للخطر واستغلالها من أجل الحصول على أكبر عدد من المشاهدات. 

وصل الحال ببعض المشاهدين إلى حد شن حملة إلكترونية على الزوجين، ووجّه عدد من مستخدمي "فيسبوك" شكايات للمجلس القومي للطفولة والأمومة بمصر لحماية الطفلة من الأبوين.

بعض المصادر الصحفية، أشارت إلى أن المجلس تجاوب مع الحملة وأبلغ النائب العام المصري عن واقعة إساءة لطفلة وتعريضها للخطر.

هوس "الترند"

شغل أحمد حسن وزوجته زينب محمد، دنيا الناس في مصر عبر المحتوى الذي ينشرانه على قناتهما الخاصة على "يوتيوب" وعبر  "فيسبوك". وغالبا ما يشبع هذا المحتوى فضول الناس بالغوص في الحياة الخاصة للآخرين واستباحة خصوصيتهم.

لا يجد الزوجان، حال الكثيرين ممن يستعرضون حياتهم على مواقع التواصل، أي حرج في نشر تفاصيل حياتهما. 

زاد نهم أحمد وزينب بالشهرة بعد إنجابهما لأول طفلة، ليجعلا منها وسيلة للحصول على مزيد من المشاهدات، حسب منتقديهم. 

نشر الزوجان فيديو لابنتهما وهي تبكي بعد أن أيقظها والدها من النوم قصدا ليسمع بكاءها، ورأى مستخدمو مواقع التواصل أن الوالدين يعاملان الطفلة بكثير من قلة المسؤولية بوضعها تحت أضواء الكاميرا طيلة الوقت وهي حديثة الولادة. 

ذهب الثنائي المصري إلى غاية تصوير تفاصيل الولادة من داخل غرفة العمليات، وهو الفيديو الذي ساهم في شهرتهما بشكل أوسع، إذ حصل على أكثر من 5 ملايين مشاهدة.

لم تكن هذه هي الطريقة الوحيدة التي أثار بها الزوجان الجدل، فكلما زاد الجدل زاد عدد المشاهدات وزادت الأرباح، لم يجد الزوجان أي حرج في تعريض حياتهما للانتقادات.

قبل زواجهما بث أحمد وزينب فيديوهات اعتبرها العديدون "مبتذلة" بسبب العناوين التي كانوا يختارونها لمجرد الحصول على أكبر عدد من المشاهدات، ادعى الشابان مرة أنهما تزوجا بعقد عرفي ثم أن زينب حامل قبل الزواج، ليتضح بعد ذلك أنها "مقالب". 

استغلال تجاري

يعتبر القانون المصري كغيره من القوانين في العالم أن ما يقوم به أحمد وزوجته "استغلال تجاري لطفل" حتى وإن كانت ابنتهما، وعقوبته 5 سنوات سجنا وغرامة 200 ألف جنيه مصري (ما يعادل 12 ألف دولار)، وهو ما أكده مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة صبري عثمان، في مداخلة هاتفية على أحد برامج التوك شو المصرية، بعد أن تحولت القصة إلى قضية رأي عام.

كانت ولادة الطفلة "أيلين" نقطة فاصلة في مسيرة الزوجين على مواقع التواصل، إذ قفز عدد المشاهدات لقناتهما الخاصة على يوتيوب من الآلاف إلى الملايين. وبعد الفيديو الذي فاجأت زينب زوجها أحمد حسن بحملها توالت الفيديوهات التي تدور حول الحمل، إلى أن أثار الزوجان صدمة المشاهدين بعرض الولادة من داخل غرفة العمليات، ما جعلهما يتعرضان لانتقادات واسعة، خصوصا بعد تعاملهما غير اللائق مع الطفلة. 

استشارية الطب النفسي للأطفال والمراهقين الدكتورة سميرة الغامدي، في حوار بإحدى القنوات قالت: "تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الأطفال مضاعف بنسبة 500 بالمئة منه على الكبار، واعتبرت أن وجود الأطفال على الشبكات الاجتماعية هو استغلال وعنف ضدهم، المحتوى الذي يقدمه أطفال السوشيال ميديا في العالم العربي، أو الذي يدفعهم المسؤولون عنهم لتقديمه، هو محتوى سيء جدا".

وأوضحت الأخصائية أن "الهدف من استخدام الأطفال في السوشيال ميديا هو مادي محض، وظهورهم على الشبكات الاجتماعية سواء بهدف أو من دون هدف هي تجارة واستغلال لهم. وأيضا انتهاك صارخ لخصوصيتهم". 

وفي الوقت الذي لا تسن فيه الدول العربية قانونا واضحا وصارما للحد من استغلال الأطفال على مواقع التواصل، ذهب الاتحاد الأوروبي إلى حد اقتراح قانون لمنع من هم دون سن 16 من العمر من استخدام كافة مواقع التواصل، بما في ذلك "تويتر" و"إنستجرام" و"فيسبوك" و"غوغل".

خطر نفسي

على المستوى النفسي، فإن الشهرة قد تشكل خطرا كبيرا على الطفل، وفي حوار مع الطبيب النفسي همام يحيى قال: "تشكّل هوية الطفل في مراحلها الأولى هي عملية غاية في التعقيد، لذلك فإن تعريض الطفل للشهرة المبكرة يعد دخولاً في مرحلة لم نعتَد عليها، لا سيما أننا حديثو العهد بمواقع التواصل".

مضيفا: "بالتالي موضوع شهرة الأطفال وكشف حياتهم للجمهور، ورغم هذه التغيرات العديدة وقلة البحوث والدراسات الواردة عنها، إلا أننا لا نعدم القدرة على مقاربة الأمر من خلال التفكير في نتائج هذه الظاهرة".

ويقسم الدكتور همام نتائج هذه الظاهرة إلى مرحلتين:

  • الأولى: عدم قدرة الأطفال على إدراك ما يصلهم من تفاعل على صورهم الخاصة، ومن ثم يتولى أهل الطفل هذه المهمة، وعليه يتحول المديح أو النقد لمسألة شخصية بالنسبة للوالدين، حيث تمت تنحية الطفل تماما عن هذا التفاعل، وكنتيجة يصبح سعيهم الدائم لإبقاء الطفل في الصورة المثالية لاستجلاب مدح الجمهور ورضاه.

وفي حال كانت التعليقات سلبية تنتقد فعل الوالدين أو المظهر الذي ظهر به الطفل، فإن ذلك سيخلق توترا في العلاقة بينهم وبين الطفل. وفي كلتا الحالتين يرى الدكتور همام أن هذه المرحلة ضاغطة على الأهل.

  • الثانية: هي التي يصبح الطفل فيها قادرا على فهم التعليقات التي تأتيه على صوره، ويكون بالطبع معرضا لأن يقرأ تعليقات الاستخفاف به وبأهله، ويقرأ أيضاً تلك التعليقات الإيجابية والمادحة.

في الحالتين سيخسر الطفل طورا مهما من أطوار عملية نموه الطبيعية كأي طفل، ألا وهو الحكم القيمي على تصرفاته وسلوكياته، فهو في حالته هذه يأتيه ذم أو مدح على سلوك لم يكن له فيه يد، بل كان نمطا مفروضا موجها من قِبل أهله.

مورد أموال

رغم أن انفتاحهم على مواقع التواصل أكبر، إلا أن نجوما أجانب وآخرين من العالم العربي اختاروا إبعاد أبنائهم تماما عن الأضواء، وفي حال ظهورهم معهم يعمدون إخفاء وجوههم، ويصرحون بأن الغرض من ذلك لحماية خصوصية أطفالهم في هذا السن، وكذلك للحفاظ على أمن حياتهم، وأن الاختيار سيكون لهم في الوقت المناسب بالظهور من عدمه. 

على الطرف الآخر، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تحقيقا، كشفت فيه أن العلامات التجارية العالمية تعقد صفقات لصالح أطفال في سن العامين والثلاثة وأطفال في عمر ما قبل المراهقة لديهم عدد كبير من المتابعين على موقع "يوتيوب" و"إنستجرام".

في حين يحرص القائمون على هذه الحسابات على التشديد بأنها تدار بواسطة الأهل وأنها مسجلة لأوصيائهم، ذلك بسبب قانون الخصوصية الفيدرالي الذي يحمي الأطفال تحت عمر 13 عاما.

وأوضح التحقيق بأن حسابا لتوأمتين متماثلتين في الثانية من عمرهما، يتابعهما أكثر من 2 مليون متابع على موقع "إنستجرام" يجلب ما بين 10 آلاف و20 ألف دولار على كل منشور ترويجي. بينما يصل مقابل الإعلانات الدعائية على قناة الأسرة على موقع "يوتيوب" إلى ما يتراوح بين 25 إلى 50 ألف دولار.

أدخلت الأسرة طفلها الثالث، قبل أن يولد، إلى عالم المال والأعمال على السوشيال ميديا، إذ فتحت له حسابا على "إنستجرام" تابعه قبل قدومه إلى العالم 112 ألف مشاهد، حسب الصحيفة.

وقال رب الأسرة لـ"نيويورك تايمز": "العلامات التجارية قد تدفع من 10 آلاف إلى 15 ألف دولار مقابل منشور دعائي على إنستجرام، بينما فيديو إعلاني مدفوع على يوتيوب قد يدر 45 ألف دولار. أما الإشارة إلى منتج أو شركة لمدة 30 إلى 90 ثانية في فيديو أطول يمكن أن تكلف المُعلن بين 15 إلى 25 ألف دولار.

تنص قواعد التلفزيون بأمريكا الذي تراقبه هيئة الاتصالات الفيدرالية، على فصل الإعلانات عن المحتوى والحد من استخدام مُضيفي البرامج والشخصيات للمنتجات بغرض الدعاية والترويج. لكن شبكة الإنترنت لا تخضع لذلك.

ويمتلك يوتيوب قواعده الإرشادية الخاصة لإعلانات الأطفال، لكنها غالبا ما تكون صعبة الضبط، إذ وجدت الصحيفة الأمريكية على موقع الفيديوهات أن العديد منها إعلانية مدفوعة لمؤثرين.

وترى الأستاذة بكلية الإعلام والتواصل بالجامعة الأمريكية سابقا كاثرين مونتغومري، أن "هذا تلاعب شديد بالأطفال الصغار"، مشددة على أن هناك طمسا متعمدا للخطوط بواسطة هذا النوع من الإعلان والدعاية.