كيف يكون شكل تركيا الآن لو نجح انقلاب 15 تموز؟
لا أحد يعلم كيف كانت تركيا ستحتفل، في حال نجح انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016. المؤكد، بحسب الكاتب التركي، محمد بارلاس، أن النتائج كانت ستصبح كارثية بكل معنى الكلمة وعلى كافة مناحي الحياة، وكذا خريطة العلاقات الخارجية لتركيا كانت ستتغير والأولويات ستختلف، كان سيعلن الشهيد خائنا والخائن بطلًا، وكانت قوائم الإعدام طالت حتى وصلت لكل مفصل من مفاصل الدولة.
واعتبر الكاتب في مقال له على صحيفة "صباح" التركية، أن الانقلاب كاد ينجح كما نجحت 5 انقلابات سابقة في تركيا، وأن العسكر كان سيقفز سريعاً وخلال ساعات معدودة إلى سدة الحكم.
ولولا خروج الأتراك، الذي وصفه الكاتب بـ"الأسطوري" إلى الشوارع، والتضحيات الكبيرة التي قدموها ومنها 250 شهيداً وآلاف الجرحى والمصابين لنجح الانقلابيون في هدفهم، ولسيطر هؤلاء على الحكم لسنوات طويلة كما حدث في سنوات ما قبل حكم حزب "العدالة والتنمية"، أي فترة ما قبل العام 2002، ولدخلت البلاد في أتون الحكومات الانتقالية الفاشلة والفاسدة التي كان بعضها لا يصمد سوى أسابيع وربما بضعة أيام في الحكم.
وتابع الكاتب قائلا، إنه لو كانت محاولة الانقلاب الفاشلة نجحت، فمن المحتمل أن يكون منظمو وأنصار الانقلاب قد قاموا بالتصحيحات اللازمة على طريقتهم وبدؤوا بتنظيف المناطق التي يعتبرونها خطرا عليهم.
قوائم الإعدام
تحت هذا العنوان، قال الكاتب، "بالتأكيد سيكون الرئيس أردوغان وعائلته الهدف الأول ورقم واحد على قوائم التصفية والإعدام، وإلى جانبه ستكون هناك قوائم وأسماء عديدة، كتبت وأعدت منذ زمن".
وباختصار، أضاف الكاتب، في هذا اليوم، أي في الذكرى الثالثة ليوم 15 يوليو/ تموز، ربما كان الأشخاص من مختلف شرائح الحياة اليوم في رحلة أبدية (إعدام).
وتساءل بارلاس، من أصلاً يمكنه تخيل، ما الذي سيقوم به من فتح نيران الدبابات والطائرات على الشعب.
كوادر جديدة
ومضى الكاتب، في توقع سيناريو نجاح الانقلاب، قائلاً، "بعد تصفية الرئيس أردوغان ستكون هناك الكثير من الشواغر، خاصة في حزب العدالة والتنمية، والمراكز المتقدمة منه والحكومة، والسؤال هنا، من سيملأ هذه الشواغر، الأشخاص الذين كان الانقلابيون سيضعونهم بدلاً منهم؟!".
على سبيل المثال، نتيجة لمؤامرة منظمة فتح الله غولن ضد زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق دنيز بايكال؛ كان يمكن أن يكون بدلا عنه الزعيم الحالي للحزب كمال كيليتشدار أوغلو.
ويشار إلى أن زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، دنيز بايكال، قد استقال من رئاسة حزبه على خلفية فضيحة أخلاقية. بعد أن أعلن خلال مؤتمر صحفي أنه ضحية مؤامرة حاكها ضده أعداؤه في أعقاب انتشار شريط مصور له مع إحدى النائبات عن الحزب في البرلمان التركي على عدد من مواقع الإنترنت عام 2010.
بايكال البالغ من العمر 71 عامًا، الذي كان يتزعم الحزب منذ عام 1992 دون منافسة تذكر، استقال بعد هذه الحادثة تمامًا وغاب عن الأنظار؛ واتهم وقتها حزب "العدالة والتنمية" بأنه وراء بث الشريط سيما وأنه أتى قبل الانتخابات.
وقال خلال الحادثة، "إذا كان ثمن معارضتي هو الاستقالة من زعامة الحزب فإنني على استعداد لدفع هذا الثمن لكن هذه الاستقالة لا تعني بأي حال الهروب من المواجهة او الاستسلام بل العكس تماما".
وقال مراقبون، بعد هذه الحادثة، إنه تم إعداد الأرضية اللازمة، وأُجبر دنيز بايكال على الاستقالة، ثم جرى تغيير "جينات" الشعب الجمهوري ليصبح حزبًا على "الطراز الأوروبي".
"مع الانفصاليين يدا بيد"
وأفاد المقال أنه عقب انتخابه، فضّل كيليتشدار أوغلو توصيف "حزب الشعب الجمهوري الجديد" على "الطراز الأوروبي" وأقدم على الخطوات اللازمة لأجل ذلك، عبر إخراج الشخصيات القوية في الحزب من اللعبة، وإزاحة القياديين فيه، كما محا ماضي الحزب الأعرق في تركيا، ليرسم له خارطة طريق جديدة.
بعد ذلك، أضاف المصدر ذاته، بدأت التحركات من أجل تشكيل كادر للحزب، فتم التخلص من الطاقم اليساري القومي، واستُبعدت الشخصيات الهامة فيه. وحل محل هؤلاء شخصيات من أمثال سيزغين طانري كولو، أحد محاميي "بي كي كي"، وحسين آيغون من اليسار المتطرف، وأران أردم، المسجون بسبب ارتباطاته بتنظيم غولن.
ومنذ ذلك الوقت، بدأت الصيحات تتعالى من داخل الحزب بأن "الشعب الجمهوري أصبح يسير يدًا بيد مع الانفصاليين وعناصر تنظيم غولن".
لم يستغرب الكاتب من أن يقود كمال كليتشدار أوغلو الحزب بعد نجاح الانقلاب؛ ففي المحصلة، متسائلا، "ألم يدعم حزب الشعب الجمهوري الانقلابات التي حدثت في تركيا بداية من انقلاب مايو/آيار 1960 وأخيراً في فبراير/شباط 1997؟"، وزاد مشددا، "لا يغيب عن البال مرور كليتشدار أوغلو بكل أريحية بين الدبابات التي أحاطت بمطار أتاتورك ليلة انقلاب يوليو/تموز 2016".
هل كان غولن سيعود؟
تساءل محمد بارلاس، هل كان سيعقد احتفال كبير لاستقبال فتح الله غولن (المتهم الأول بالتخطيط للانقلاب) كبطل قومي في حفل كالذي استقبل فيه آية الله الخميني زعيم الثورة الإيرانية؟
أم ستعود العلاقة إلى ما كانت عليه سابقًا بشكل وثيق مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وتعتمد تركيا على الاحتلال الإسرائيلي لتمتين العلاقة مع واشنطن كما كان الوضع سابقا؟
وهل سيكتفي أعضاء منظمة غولن بأن يكونوا أعضاء في الحكومة التي ستشكل بعد الانقلاب؟ ومن سيشغل مناصب الوزراء لتحقيق تلك الأهداف التي خطط لها الانقلابيون؟
لصالح من؟
لو كان الانقلاب قد نجح، وحدث ما سبق ذكره، أي الأطراف كانت ستصبح أكثر سعادة؟
وتابع المقال قائلا: من يعرف كم كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والانقلابي عبدالفتاح السيسي، ومن هم على شاكلتهم، سيسعدون ويسرون؟
إلى ماذا كان سيؤول مصير اللاجئين في هذه البلاد؟ قبل أن يستدرك؛ بعضهم كان سيتبوأ المناصب والبعض سيكون مصيره مجهولا، ليس هذا فحسب، ربما كان سيتم إعلان الشهداء الذين قتلوا أثناء صدهم للانقلاب كخونة، وذلك في الاحتفالات التي كانت ستجري في اليوم التالي لنجاح الانقلاب، وربما تحول المحاربون الذين تصدوا للانقلابيين وبقوا على قيد الحياة إلى سجناء.
وخلص الكاتب التركي إلى أنه، "لو فكرنا بهذه الطريقة، سنفهم تمامًا الخطر الذي واجهناه وكان يمكن أن نواجهه من جديد".
يذكر أنه وبعد ساعات قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة راحت فضائيات وقنوات تلفزيونية كبرى تزف بشرى لمشاهديها بنجاح العسكر في إزاحة أردوغان وحزبه وحكومته من سدة الحكم. بل وتؤكد بثقة أنه "جارٍ قتل الرئيس التركي أو على الأقل إلقاء القبض عليه ومحاكمته". حتى أن وكالات أنباء عالمية كبرى أعلنت أن رجب طيب أردوغان طلب اللجوء السياسي لدولة أوروبية وأن طائرته في طريقها لإحدى تلك الدول.