معركة غريان.. كيف قلب السلاح التركي موازين القوى في ليبيا؟

زياد المزغني | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في أقل من 24 ساعة، اضطرت قوات حفتر لإطلاق سراح 6 أتراك كانت اعتقلتهم بعد تصريحات شديدة اللهجة من الناطق الرسمي باسم الميليشيا أحمد المسماري اعتبر فيها جميع المصالح التركية في ليبيا هدفا لقواته، محمّلا الأتراك مسؤولية خسارة قواته مدينة غريان الاستراتيجية.

هذا التراجع السريع جاء إثر تصريحات قوية من المسؤولين الأتراك اعتبروا أن قوات حفتر يجب أن تفرج عن المواطنين الأتراك الستة المحتجزين لديها في أسرع وقت ممكن، في حالة عدم حدوث ذلك ستعتبر "هدفا مشروعا" للجيش التركي.

هذه التصريحات والأحداث أعادت من جديد التساؤلات عن الدور التركي في ليبيا وتأثيره على موازين القوى على الأرض، في ساحة تشهد تدخّلات متعدّدة من عدد من اللاعبين الإقليميين.

انقلاب الموازين

صبيحة 26 يونيو/حزيران 2019، استيقظت مدينة غريان جنوب العاصمة  الليبية طرابلس والتي تبعد عنها حوالي 90 كيلومتراً، على نبأ اندحار قوات حفتر تحت ضربات القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.

المدينة الإستراتيجية ظلت واقعة تحت سيطرة حفتر لأكثر من شهرين واتخاذها غرفة عمليات للاستيلاء على طرابلس، منذ انطلاق عمليته العسكرية نحو العاصمة الليبية بداية أبريل/نيسان الماضي.

وتعتبر خسارة حفتر لهذه المدينة الهزيمة الأكبر لقواته منذ هجومه على طرابلس، ومحاولته فرض أمر واقع جديد على خارطة الانتشار العسكرية في البلد الذي يشهد صراعا منذ العام 2011.

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن خسارة حفتر لمدينة غريان التي يتخذ منها مركزا لقيادة عملياته في الغرب الليبي. وذكرت الصحيفة في عددها 29 يونيو/حزيران 2019 أن مدينة غريان تتميز بموقع إستراتيجي ذلك أنها تطل على جبل نفوسة الذي يربط بين غرب ليبيا وجنوبها".

مضيفة: "لهذا السبب اختارها (الجيش الوطني الليبي) ليكون مركز غرفة عملياته، وانطلاقا من مدينة غريان، تمدّ قوات حفتر مختلف مواقعها المنتشرة على طول خط جبهة العزيزية المشرفة على أحواز طرابلس بالأسلحة والمقاتلين.

وأوردت الصحيفة أن حشد حفتر لقواته على مشارف طرابلس منذ 3 أشهر أثار إعجاب عرابيه الإقليميين، الإمارات والسعودية ومصر، الذين اعتقدوا أن تحرير مدينة طرابلس مسألة وقت لا غير. كما استغل حفتر غضب الأهالي من تعسف الميليشيات والعصابات المحيطة بالعاصمة، قبل أن يشن هجومه في 4 نيسان/ أبريل، حسب الصحيفة.

ولعلّ هذه الخسارة المؤلمة لميليشيات حفتر هي ما دفع بالناطق الرسمي باسم قواته أحمد المسماري باتهام تركيا وقطر بالتدخل بشكل مباشر في معركة طرابلس، مشيرا أن ليبيا  تتعرض لغزو تركي. وقال إن تركيا وفرت غطاء جويا بطائرات مسيرة خلال اقتحام "الميليشيات" مدينة غريان.

وأضاف المسماري في ندوة صحفية ببنغازي يوم 29 يونيو/حزيران 2019 أنه بناء على ذلك تقرر اعتبار أي أهداف تركية على الأراضي الليبية أهدافا معادية وأن الأوامر صدرت باستهداف السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية، كما أن هناك أوامر بالقبض على جميع الأتراك في ليبيا.

الخبير في الشأن الليبي عصام الزبير اعتبر أنّ سقوط غريان في يد قوات الوفاق، ودخول قوات الوفاق إلى غرفة العمليات في غريان تعتبر هزيمة لحفتر وقواته.

وأضاف الزبير لـ "الاستقلال" أنّ "انتقال حكومة الوفاق من الدفاع للهجوم غيّر موازين القوة، وسيطرتها على غريان يمكن الحديث عن خسارة حفتر للمعركة، حفتر خسر خط الإمداد الرئيسي وأصبح في موقع مخنوق وقواته المحيطة بالعاصمة تعيش في عزلة ولا يمكن وصول الإمداد له إلا تسللا".

الأسلحة التركية

بات واضحا أنّ ميليشيات اللواء المتقاعد تحظى بدعم لا محدود من قبل داعميه وفي مقدّمتهم الإمارات والسعودية ومصر، الذي لم يقتصر على الدعم اللوجستي بل سجّل تدخّلا مباشرا من قبلهم ومشاركة في المعارك خاصّة باستعمال سلاح الجو في محاولة لحسم المعركة لصالحه في أسرع وقت ممكن.

في المقابل وجدت حكومة الوفاق دعما نوعيا من قبل الجمهورية التركية، حيث أكدت وكالة "رويترز" وصول عشرات المركبات المدرعة من طراز (بي إم.سي كيربي) تركية الصنع إلى ميناء "طرابلس" البحري، ونشر ناشطون مقاطع "فيديو" لهذه المدرعات وهي تدخل إلى قلب العاصمة وسط تكبيرات وصيحات المقاتلين الموالين لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج.

يبدو أن دعم "أنقرة" لا يهدف فقط لدعم مقاومة حكومة الوفاق في صد العدوان، بل يهدف لحسم المعركة لصالح حكومة "طرابلس" وإفشال مشروع حفتر المدعوم من "محور الشر الثلاثي"، وهو ما تجلّى بوضوح خلال المعركة الأخيرة لاستعادة مدينة غريان.

وهو ما أكدته صحيفة  لوموند حيث قالت: "فقدان حفتر المفاجئ لمدينة غريان تفسره العديد من المستجدات، لعل أبرزها استخدام قوات فايز السراج لأول مرة طائرات مسلحة من دون طيار أرسلتها تركيا".

وأضافت الصحيفة أن "امتلاك قوات حكومة الوفاق الوطني لهذه التكنولوجيا جاء ردا على الدعم العسكري الذي تتلقاه قوات حفتر من الإمارات، الذي يعد انتهاكا لحظر الأمم المتحدة لبيع أو تزويد ليبيا بالأسلحة منذ سنة 2011".

الدور الإقليمي

ولا يجد الأتراك حرجا من الحديث عن دعمهم لحكومة الوفاق حيث قال المبعوث التركي إلى ليبيا النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، أمر الله إيشلر، في حديث مع وكالة الأناضول: "حفتر يسعى لدفع ليبيا نحو التطرف والإرهاب"، مشيرا إلى أن احتجاز قواته 6 مواطنين أتراك كانوا يعملون في مدينة بنغازي الليبية يؤكد هذا النهج.

وأكد أن بلاده قادرة على حماية مواطنيها في أي بقعة من الأرض، وأنها لن تتردد في اتخاذ أي إجراء في هذا الصدد.

وتابع المبعوث التركي إلى ليبيا قائلا: "تركيا تقيم تعاونا واضحا وتوفر الدعم اللازم بموجب القانون الدولي للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، بموجب الاتفاق السياسي المعتمد من قبل الجهات الفاعلة العالمية في روما، والذي جرى التوقيع عليه لاحقا في المغرب نهاية عام 2015".

وشدد إيشلر على أن تركيا تريد حلا سياسيا للأزمة الليبية تقوده الجهات الشرعية لتحقيق تحول سياسي في البلاد، مشيرا إلى أن الذين يصرون على الحل العسكري يهدفون لزعزعة استقرار البلاد بخلاف الرغبة التركية.

الباحث التونسي المختص في الشأن الليبي بشير الجويني يعتبر أن الدور الإقليمي "كان مؤثرا في ليبيا لا في حرب التحرير فحسب بل تاريخيا كان الأمر كذلك، غير أن اللافت هذه المرة هو المأزق الذي تعانيه قوى الثورة والردة على حد السواء فكلاهما على ارتباط بقوى خارجية".

وأضاف الجويني لـ "الاستقلال": "أما بالنسبة للسلاح التركي فهو على خلاف باقي الأسلحة التي تم الحديث عنها هو موّجه من دولة ذات سيادة إلى حكومة شرعية معترف بها، وقد تم الإعلان عنه قبل شحنه وهو يدخل في باب العلاقات بين الدول".

وتابع: "سلاح تركيا للوفاق على عكس سلاح حفتر الذي تم الإشارة إلى عدم شرعيته لا في التقارير الأممية المختلفة فحسب بل تستعد واشنطن مثلا لفتح تحقيق في حصول حفتر على سلاح أمريكي عبر الإمارات وهو ما يتنافى مع اتفاقية المستخدم الأخير الذي تحكم بيع الأسلحة (خاصة النوعية )ونقلها".

خسارة فادحة 

لا تعتبر خسارة الأرض فقط هي الخسارة الوحيدة التي منيت بها قوّات حفتر في مدينة غريان، فبعد ساعات قليلة من استرجاع المدينة من قبل قوات الوفاق  كشف عن مخزون من الأسلحة والمعدات أمريكية الصنع بينها طائرات مسيرة وصواريخ متطورة تحمل أرقاماً لعقود توريد إلى دولة الإمارات.

تم دعوة عدد من وسائل الإعلام في المدينة وعرض الأسلحة التي خلّفها عناصر ميليشيا حفتر قبل فرارهم من المدينة أو وقوعهم في الأسر، حيث كشف الإعلامي خليل الكلاعي على حسابه على فيسبوك صورا للأسلحة التي غنمتها قوّات الوفاق في غريان ، قائلا: "صواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدروع والتحصينات بالإضافة إلى مقذوفات مورينكو gp6 الصينية وجدت بحوزة قوات حفتر في غريان".

وأضاف: "بالنسبة للنوع الأول يمكن تتبع مساره عبر رقم الشحنة، أما النوع الثاني وهو مقذوف مدفعي موجه بالليزر مصدره الإمارات وتدقيقا حكومة أبوظبي وفق ما هو مدوّن على صندوقه".

وأوردت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أنّ الكتابات المدوّنة على صناديق هذه الصواريخ تشير إلى أنّها بيعت إلى الإمارات، حليفة الولايات المتحدة، في 2008.

وأعلنت الولايات المتّحدة أنّها تتحقّق من صحّة معلومات بشأن العثور في مدينة غريان على 4 صواريخ أمريكية مضادّة للدروع من طراز "جافلين" تركتها قوات حفتر لدى انسحابها من غريان.

وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية  لنيويورك تايمز طالباً عدم ذكر اسمه: "نحن نأخذ على محمل الجدّ كل المزاعم المتعلقة بسوء استخدام معدات دفاعية أمريكية المنشأ. نحن على علم بهذه التقارير ونبحث عن معلومات إضافية".