رسبوا بمعلومات يعرفها تلاميذ ابتدائي.. كيف يختار السيسي مذيعيه؟
تتوالى خطايا وسقطات المذيعين المصريين ضاربة رقما قياسا في التعبير عن مدى الجهل والتسطيح الفكري الذي يحياه إعلاميون يُبرزهم نظام عبد الفتاح السيسي في واجهة الشاشة ليعبروا عنه ويروجوا لسياساته.
أحد أبرز هؤلاء هو المذيع الرياضي مدحت شلبي الذي فوجئ بأن موريتانيا دولة عربية تتحدث لغة القرآن، قبلها بأيام قليلة قرأت مذيعة شابة تدعى نهى درويش خبرا على شاشة "إكسترا نيوز" قائلة في ثناياه: "إن المذكور (الرئيس محمد مرسي) كان يتلقى العلاج الطبي اللازم والكافي، تم إرساله من جهاز سامسونج".
وهو ما يذكرنا بعرض أحمد موسى مذيع النظام الاستخباراتي إحدى ألعاب "الفيديو جيم" المعروفة، على أنها قصف روسي لا هوادة له لـ"تنظيم الدولة" قبل أن يُفتضح أمره ويضطر للاعتذار بقوله: "الخطأ وارد".
"مذيعة سامسونج"
أكبر خطايا إعلام السيسي الأخيرة وأكثرها صراحة ما فعلته المذيعة الشابة نهى درويش أثناء قراءتها لنشرة الأخبار على شاشة "إكسترا نيوز"، عقب وفاة أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر محمد مرسي أثناء إحدى جلسات محاكمته في قضية "التخابر مع حماس".
المذيعة قالت: "نقلا عن مصدر طبي موثوق تم وضع المذكور (الرئيس مرسي) تحت الرعاية الطبية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وتقديم العلاج الطبي اللازم له بشكل دوري".
وفي نهاية الخبر قالت درويش: "وتم الإرسال من جهاز سامسونج"، وهو ما كشف عن الجهة التي أرسلت الخبر الذي تقرأه المذيعة وهو جهاز المخابرات، بعدها مباشرة تم حذف جميع مواجيز الأخبار التي قدمتها المذيعة من على مواقع التواصل الاجتماعي.
أين موريتانيا؟
مدحت شلبي مذيع مصري تعدى السبعين من عمره، كان ضابطا سابقا بالجيش المصري، أثناء حواره ببرنامجه "مساء الأنوار" على قناة "نيل سبورت" مع شباب موريتاني على هامش بطولة الأمم الإفريقية المقامة حاليا في مصر فاجأ المشاهدين بجهله التام.
المذيع سأل المشجع الموريتاني الذي يستعد لنيل الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، عن سر تعلمه اللغة العربية، ليفاجأ شلبي ولأول مرة في حياته أن موريتانيا دولة عربية ولها مقعد دائم مثل مصر تماما في جامعة الدول العربية، وهو ما نزل على المذيع كالصاعقة فاضحا جهله العظيم.
الأمر أثار غضب الشعب الموريتاني المعروف بأنه شعب المليون شاعر والمحب والعاشق للغته العربية، اعتذار شلبي لاحقا لم يحظ بقبول من الإخوة الموريتانيين، فكتب المحامي والناشط الحقوقي سيد المختار ولد سيدي، على صفحته في فيسبوك: "هذا مدحت شلبي يسأل هل موريتانيا دولة ناطقة بالعربية؟.. تخيلوا إعلامي ومذيع ومعلق رياضي عمره 75 سنة، بهذا المستوى من الجهل!!".
رغم أن أبرز أخطاء المذيع الانقلابي الأشهر أحمد موسى كان في أكتوبر/تشرين الثاني من عام 2015م، إلا أنه خطأ يمثل ظاهرة إعلامية لا تنسى على مر الزمان، فالمذيع المشهور بالصوت العالي والنبرة الصوتية النشاز قال في برنامج: "على مسئوليتي" بقناة "صدى البلد" إن الجيش الروسي دك معاقل تنظيم الدولة بلا رحمة، عارضا على الشاشة مشاهدا لما أسماه الهجوم الشامل بعكس ما تفعله الولايات المتحدة برأيه.
مع التدقيق البسيط اتضح أن موسى يعرض لقطات من لعبة إلكترونية "فيديو جيم" اسمها: "Apache Air Assault"، وفيما عد المشاهدون ما فعله موسى سقطة مهنية لا تغتفر، خرج المذيع ليقول ببساطة أن الخطأ المهني وارد "وأتحدى أي فني أن يكشف كيفية حدوث هذا الخطأ.. وهذا الخطأ كشف الحبيب من العدو المتصيد للأخطاء.. النبي (صلى الله عليه وسلم) فقط هو المعصوم من الخطأ".
أذرع السيسي
أذرع السيسي الإعلامية تبث يوميا أكثر من 16 ساعة من المدح الزائد عن الحد له تحت مسمى برامج "التوك شو"، وهو ما يعادل 480 ساعة شهريا تغطي وقت الذروة من 6 مساء حتى الواحدة فجرا.
ورغم عدم وجود تقديرات دقيقة بما يتقاضاه مقدمو تلك البرامج فإن تقارير صحفية مصرية تشير لتقاضيهم عشرات الآلاف من الدولارات مع نسبة إعلانات أملا في توجيه عقل المشاهدين نحو محبة كل ما يصدر عن نظام السيسي.
في المقابل يمارس النظام هوايته المفضلة في منع المواقع الإلكترونية الإعلامية أو حتى الحقوقية التي يشتم منها رائحة معارضته، وفي سابقة عالمية حجب النظام 513 موقعا عن مصر منذ مايو/آيار 2017م، دون تبرير.
ذراع السيسي في هذه الحملة هو "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" الذي أسسه في 11 أبريل/نيسان 2017، والذي امتد نشاطه للسوشيال ميديا في إطار مزاعم حكومية بوقوع 86% من مستخدمي الإنترنت ضحايا أخبار مكذوبة، وهو ما نظمته المادة 19 من قانون تنظيم الإعلام بغلق حتى صفحات السوشيال ميديا الشخصية.
حسب الأعلى للإعلام المُؤسس بموجب المادة (211) من الدستور، والقانون (92) لسنة 2016، صدر 86 قرارا عقابيا على صحف وقنوات ومواقع إلكترونية وصحفيين وإعلاميين خلال عامين من تشكيل المجلس فحسب، وفق ورقة بحثية للمرصد المصري لحرية الإعلام أحد منظمات المجتمع المدني المصري.
وفي 21 من مارس/شباط الماضي قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تغريم جريدة المشهد 50 ألف جنيه وحجب موقعها الإلكتروني 6 أشهر بدعوى خوضها في عرض إحدى الإعلاميات وعدد من الفنانات، ما دعى الجريدة لاتهام رئيس المجلس مكرم محمد أحمد بالتجني على الجريدة لممارسة حقها في النقد السياسي.
وفي 23 يونيو/حزيران الجاري قررت مؤسسة التحرير إغلاق الجريدة والموقع الإلكتروني التابع لها بعد نحو شهرين من الحجب دون تنبيه أو إنذار، وهو ما أثار مخاوف واستياء المنافذ الإعلامية الأخرى والأسرة الصحفية كلها في مصر.
انعدام المهنية
المذيعة والصحفية المصرية صفية سري قالت: "المشكلة الأبرز أننا أمام إعلاميين مصريين يتم اختيارهم بناء على أوامر مخابراتية لا أكثر، وبالتالي فلا مهنية لديهم واختيارهم لا يخضع إلا للأهواء فحسب".
وعن خطأ المذيعة يوم وفاة الرئيس مرسي أوضحت سري لـ"الاستقلال": "من المفترض أن تراجع المذيعة نهى درويش نشرة الأخبار قبل الهواء لتعرف ما فيها، ولا تقع في هذا الخطأ المهني الفج الزاعق، ولكنها لم تفعل ونفذت ما يُملى عليها من القراءة، أيضا لا نستغرب أن يخطئ ضابط الجيش السابق مدحت شلبي في معرفة دولة عربية يعرفها تلاميذ المدارس في الابتدائي".
وتضيف سري: "كنا نُختبرُ في المعلومات العامة في التلفزيون الحكومي، أيام كان الاختيار يخضع لأسس حقيقية، الآن الأوامر بالتعيين تأتي رأسا من المخابرات لا أكثر، ومن هنا انعدم دور اللجان المختصة وصالات التحرير لنشرات الأخبار والمعدون من برامج التوك شو، وصار الجميع يُخدمون على النظام الحالي".
الإعلامي المصري أيمن عبد الرازق قال: "أمثال مدحت شلبي لا يقصدون بالتأكيد فضح أنفسهم، ولكنه الجهل يأبى إلا أن يطل برأسه، فالرجل رتبة في الجيش لا أكثر، وأمثال أحمد موسى ليسوا إلا مخبرين ظهروا على الشاشة عبر الإبلاغ عن زملائهم والبحث عن البدايات أجدى في التعامل مع هؤلاء".
وأضاف عبد الرازق لـ"الاستقلال": "النظام يستخدم هؤلاء لغرض محدد لا اختيار لهم فيه وهو تلميع صورته ولذلك من يفكر منهم إما تمت تنحيتهم في برامج ذات واجهة ثقافية أو ترفيهية أمثال: محمود سعد، منى الشاذلي، وحتى عمرو الليثي الإعلامي صار منغمسا في استدعاء شخصيات دخيلة على الفن مثل حمو بيكا ومجدي شطا".
السياسي والبرلماني المصري السابق محمد الفقي قال لـ"الاستقلال": "معيار كفاءة الإعلامي بمصر صار في ترتيب أكثر من متدن مع عدم التخصص، التعليم في مصر صار فاشلا، والتقهقر في الثقافة صار أمرا عاما، عبر هؤلاء الأدعياء وانعدام الرؤية لديهم".
ويضيف الفقي: "النظام في مصر الآن أخذ الجمهور والشعب إلى ثالوث: "الجهل والفقر والمرض ليُحكم الانقلابيون في النهاية سيطرتهم على البلاد، ومن هنا تضطلع المخابرات بتعيين وتوجيه المذيعين".
مضيفا: "هكذا تتم صناعة العملاء دائما، وكل همّ الانقلابيين في مصر التلاعب بالطبقة المتوسطة لتحويلها إلى فقيرة لا هم لها سوى السعي على الرزق، وبذلك تضيع الثقافة والفهم ويختفي أثر التعليم، وتظل البلاد في حلقة مفرغة من الضياع".
المصادر
- خطأ فادح من مذيعة اكسترا ينوز خلال قراءة خبر عن الرئيس "مرسي"
- اكتشف أن موريتانيا بلد عربي.. مواقع التواصل تسخر من مذيع مصري
- مدحت شلبي يثير غضب الموريتانيين بتساؤلات عن عروبتهم
- بالفيديو.. كيف رد أحمد موسى على خطأ فيديو حرب روسيا ضد "داعش"
- إعلاميّ يعرض بثورة يناير على التلفزيون المصري ويمتدح مبارك
- تامر أمين يتعرض لـ موقف محرج على الهواء
- ذراع السيسي الإعلامية.. التلاعب بالعقول
- أول تطبيق للائحة جزاءات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام: حجب موقع “المشهد” وتغريمه 50 ألف جنيه
- إغلاق مواقع وغلاء الصحف.. الصحافة في مصر تدخل غرفة الإنعاش