رغم فوز مرشح السلطة.. هل بدأت ديمقراطية موريتانيا طريقها؟

12

طباعة

مشاركة

لا شيء يبدو مفاجئا في انتخابات موريتانيا، فمرشّح الأغلبية الحاكمة، وزير الدفاع السابق محمد ولد الغزواني فاز بمنصب رئاسة الجمهورية، بعد حصوله على 52% من أصوات الموريتانيين في أول تداول سلمي للسلطة في البلاد عبر صناديق الاقتراع منذ الاستقلال عام 1960.

النتائج التي أعلنت عنها الهيئة المستقلة للانتخابات فجر الإثنين 23 يونيو/حزيران 2019، قوبلت بتشكيك من قبل المعارضة التي أعلن مرشحوها أنهم سيطعنون في هذه النتائج، داعين الشعب الموريتاني إلى ما أسموه بالمقاومة ضمن الأطر القانونية.

رفض للنتائج

عقب إعلانه فوز ولد الغزواني برئاسة البلاد، قال رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات محمد فال ولد بلال، في مؤتمر صحفي بالعاصمة نواكشوط، إن الانتخابات "كانت شفافة ولم تُسجَّل خروقات".

حصل مرشح السلطة، وزير الدفاع السابق محمد ولد الغزواني على نسبة 52.01% من أصوات الناخبين، فيما حلّ الناشط الحقوقي بيرام الداه اعبيد ثانياً بعد حصوله على نسبة 18.57%، وجاء في المرتبة الثالثة مرشح المعارضة الرئيسي رئيس الحكومة الأسبق المدعوم من الإسلاميين سيدي محمد ولد بوبكر بنسبة 17.87%.

وفي المركز الرابع جاء رئيس حزب "الحركة من أجل إعادة التأسيس" المعارض، "كان حاميدو بابا"، بنسبة 8.71%، وجاء النائب البرلماني محمد ولد مولود خامسا بـ2.44 بالمئة، وأخيرا المحاسب المالي، الذي يعرف نفسه بمرشح الشباب "محمد الأمين المرتجي الوافي"، سادسا بـ 0.40 بالمئة.

ومن المقرر أن تحال هذه النتائج في وقت لاحق إلى المجلس الدستوري لإقرارها رسميّاً، وبذلك لن يحتاج مرشّح السلطة إلى جولة إعادة الشهر المقبل، مع المرشح صاحب المرتبة الثانية من حيث عدد الأصوات.

طعون المرشحين

وفي الوقت الذي هنّأ فيه ولد الغزواني أنصاره بالفوز وحسم المعركة الانتخابية منذ الدور الأول، أعلن مرشحو المعارضة رفضهم نتائج الانتخابات المعلنة من طرف اللجنة المستقلة للانتخابات، مؤكدين أن المعطيات المتوفرة تشير إلى استحالة حسم المعركة الانتخابية من الجولة الأولى.

واعتبر مرشحو المعارضة، خلال مؤتمر صحفي مشترك مساء 23 يونيو/ حزيران، أن إعلان الغزواني فوزه، يعتبر "سرقة واختطافا لنتائج لا تزال تفرز من طرف اللجنة المستقلة للانتخابات الجهة المخولة بإعلان فوز المرشحين أو إعادة جولة أخرى من الانتخابات".

وأكد المرشحون أن سير العملية الانتخابية شابه العديد من الخروقات والتجاوزات، وإن إعلان فوز مرشح النظام "استباق لانتهاء فرز النتائج، ومحاولة للالتفاف على خيار الشعب الموريتاني الذي صوّت بقوة ضد خيارات النظام"، مطالبين بـ"انتظار الفرز وعدم إعلان فوز أي مرشح قبل إعلان ذلك من طرف لجنة الانتخابات التي تشرف على سير العملية الانتخابية في البلاد".

3 مرشحين من بين خمسة لم يحالفهم الفوز تقدموا بطعون في نتائج الانتخابات، وحسب وكالة الأناضول، فإن رئيس الحكومة الأسبق المدعوم من الإسلاميين سيدي محمد ولد بوبكر، والنائب البرلماني محمد ولد مولود، تقدما بطعن لدى المجلس الدستوري يوم 26 يونيو/حزيران الجاري، وقبلهما بيوم واحد فقط تقدم المرشح بيرام الداه اعبيد، بطعن لدى المجلس الدستوري.

وعقد المرشحان محمد ولد بوبكر، ومحمد ولد مولود، مؤتمرا صحفيا مشتركا نددا فيه بإغلاق مقرات حملاتهما الانتخابية، واعتبرا أن ذلك تم دون سند قانوني. وأضافا بأنه منذ الإعلان عن نتيجة الانتخابات، تعرض العشرات من أنصارهما للاعتقال على خلفية المظاهرات الرافضة للنتائج.

وطالب المرشحان السلطات بالإفراج الفوري عن أنصارهما. فيما لم يصدر تعليق رسمي حول تصريحات المرشحين واتهاماتهما.

مواجهات بالشوارع

مباشرة بعد إعلان ولد الغزواني فوزه تفجرت مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين رافضين لنتائج الانتخابات، حيث فرّقت قوات الأمن متظاهرين في مقاطعة السبخة بولاية نواكشوط الغربية، بعد إشعالهم إطارات سيارات في بعض طرقات المقاطعة وإحراق سيارات وممتلكات عمومية.

كما وقعت في عدة أحياء من العاصمة الموريتانية مناوشات واشتباكات بين المحتجين ورجال الأمن، أشعل خلالها المحتجون إطارات السيارات، واستخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

واتهم المرشح المعارض بيرام ولد أعبيدي النظام بـ"استفزاز القوى المعارضة وتخويف المواطنين عن طريق عسكرة الشوارع، والاعتداء على المحتجين المطالبين بفرز عادل للأصوات، مؤكدا أن إعلان مرشح النظام فوزه مجرد محاولة للالتفاف على خيار الشعب وهو أمر غير مقبول من مرشحي المعارضة".

وأضاف ولد أعبيدي أن "النتائج التي تم إعلانها لا تمثل إرادة الشعب وخياراته وتطلعه للتغيير، العملية الانتخابية برمّتها شهدت الكثير من التجاوزات وعدم الشفافية التي انتهجها النظام الحاكم من أجل تعديل النتيجة لحساب مرشحه".

وتابع: "إعلان المرشح محمد ولد الغزواني الفوز قبل فرز النتائج، يعني أن هناك نية مبيتة لدى السلطة لتزوير النتائج وحسمها لمصلحة مرشحها حتى قبل اكتمال فرز النتائج من طرف اللجنة المستقلة للانتخابات الجهة الوحيدة المخولة بإعلان من هو الفائز أو الخاسر في الانتخابات".

وأطلق مرشحو المعارضة الأربعة دعوة من أجل التظاهر مساء الإثنين 24 يونيو 2019 من وسط العاصمة باتجاه مقر اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات لرفض النتائج المعلنة، وفق ما أكده مصدر من المعارضة لموقع صحراء ميديا الموريتاني، إلا أن السلطات رفضت السماح بتنظيمها.

وكما كان متوقعا، أصدرت وزارة الداخلية الموريتانية بياناً حذّرت فيه أن "أي تجمع غير مصرح به يضع منظميه في مسئولية أي تبعات قد تمس الأمن العام وتحت طائلة القانون".

رغم الخروقات.. الأفضل

رغم ما رافق الانتخابات من انتقادات واحتمالات لتوجه المعارضة للطعن القانوني بها ورفض نتائجها، إلا أن هنالك أصواتا اعتبرتها الأفضل في تاريخ موريتانيا.

محمد جميل ولد منصور الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، هنأ الغزواني بالفوز، قائلا في تدوينة على فيسبوك: "الانتخابات التي أعلن عن نتائجها المؤقتة، رغم كل الخروقات، تعتبر من أحسن الانتخابات التي مرت في البلاد إن لم تكن الأحسن".

وتوجه ولد منصور برسالة للمرشح الفائز قائلا: "بعد تهنئته بالنجاح أذكره أن للزمن كلمته ولاستحقاقات اللحظة حاجتها، البلد بحاجة لجو سياسي جديد يتعامل فيه مع الناس بمنطق مسؤول يتجاوز نظرة الاتهام والتخوين إلى عقلية الوطن الجامع والمشترك والذي هو للجميع ويسع الجميع".

وأضاف ولد منصور أن موريتانيا "بحاجة للحوار السياسي الجدي وإصلاح الاختلالات البيّنة في البناء الديمقراطي"، كما طالب أيضا مرشحي المعارضة أن يضعوا اللحظة في سياقها الزمن السياسي، وأن "يدركوا أننا بحاجة لتجاوز معنى التأزم والحدية ونعطي فرصة لتهدئة الجو السياسي وتطبيع العلاقات السياسية".

وفي نفس السياق اعتبر الإعلامي الموريتاني محمد عالي أنّ التجاوزات التي شابت الانتخابات الرئاسية الموريتانية "لا تعتبر مؤثّرة على نتائج الانتخابات"، قائلا لـ"الاستقلال": "الانتخابات حصلت بشكل طبيعي كما يقع في أي دولة ديمقراطية، وحصلت بعض التجاوزات القليلة، لكن في المقابل لاتملك المعارضة أي أدلّة على التزوير خاصّة في ظل حضور قرابة 100 مراقب دولي".

وأضاف: "إن كانت هنالك عمليات تزوير مثلما كان يقع في تسعينات القرن الماضي فعليها أن تتقدّم بطعون للجنة المستقلة للانتخابات، ولكن يجب أن تكون مدعومة بأدلّة"، وتساءل الإعلامي الموريتاني عن غياب ممثلين للمرشحي المعارضة في مكاتب الانتخابات؟

وأكّد محمد عالي أن المفاجأة حصلت أولا بحصول مرشح السلطة على 50% فقط من الأصوات، والمفاجأة الأكبر هو تقدّم المرشح الحقوقي بيرام الداه اعبيد متقدّما على رئيس الحكومة السابق سيدي محمد ولد بوبكر المدعوم من الإسلاميين.