"الجماعة والمصباح" في المغرب.. كيف تشاركا المرجعية وفرقهما التطبيق؟

12

طباعة

مشاركة

لا تعيش جماعة "العدل والإحسان" المحظورة في المغرب صراعا مع النظام- الذي يضيق عليها- فقط، وإنما تدخل في خلاف آخر مع حزب "العدالة والتنمية" الحاكم والمعروف بحزب "المصباح"، رغم تقاسمها معه في المرجعية الإسلامية نفسها، لكن هذه الخلافات تطفو على السطح بين الحين والآخر.

وكان آخرها، هو إعلان الحكومة التي يترأسها سعد الدين العثماني -من حزب المصباح- أن الجماعة تقف وراء أزمة الأطباء الطلبة الذين قاطعوا امتحانات آخر السنة بعد سلسلة من الاحتجاجات.

الخلاف بين الجماعة والحزب، وصل إلى ذروته في 2011، بعد الحراك الذي عاشه المغرب في أعقاب الربيع العربي. إذ دعا رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران، عقب فوز حزبه بالانتخابات التشريعية، الجماعة إلى العمل من داخل النظام والمشاركة في الحياة السياسية وفق القواعد، ما اعتبرته قيادات منها أنه هجوما ضدّها.

كثيرون يضعون الاثنين في كفة واحدة، على اعتبار أنهم إسلاميون، لكن الاختلاف كبير بينهما، فما هي نقاط التباين؟ وهل الانطلاق من نفس المرجعية الدينية يجعل صعوبة في التفاهم والانسجام، باعتبار أنهما يتقاسمان نفس الطرح مع اختلاف في التقييم والمناهج والخيارات السياسية؟

اختلاف النشأة

الودُّ بين جماعة "العدل والإحسان" وحزب "العدالة والتنمية" ليس وليد اللحظة، إنما له امتدادات تاريخية، عائدة إلى تجربة النشأة والمسار، بحسب الباحث في العلوم السياسية، عبدالرحيم العلام في مقال له، لأنه قبل أن يكون للحزب وجود، كانت العلاقة بين جماعة "العدل والإحسان" وحركة "التوحيد والإصلاح" متوتِّرة، ليس فقط بسبب التنافس على المجال الواحد، ولكن أيضا بسبب اختلاف الرؤى والتوجّهات والإستراتيجيات.

فجماعة "العدل والإحسان" لديها مشروع مغاير لما يؤمن به أعضاء "التوحيد والإصلاح"؛ إذ يمكن تلخيص مقومات طرح "الجماعة" في نقاط أساسية من قبيل: التديُّن الصوفي، محورية الزعيم، رفض الملكية، تحقيق شروط القومة (الثورة) كأداة للفعل السياسي. أما أهم مرتكزات "التوحيد والإصلاح" النظرية فهي: الفهم الديني القريب من تجربة جماعة الإخوان المسلمين المصرية، الإيمان بفكرة الإصلاح من الداخل، التناوب على القيادة، تقبُّل النظام الملكي مع الرغبة في إصلاحه.

 

 

ولا تعني الوحدة والتقارب الإيديولوجي تجانسا وتطابقا سياسيا بالضرورة، وهذا ينطبق على كل التنظيمات السياسية، ولذلك نرى أحزابا من نفس المرجعية تتموضع في مواقع سياسية مختلفة، بل متعارضة أحيانا، بحسب تصريح عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة "العدل والإحسان"، عمر إحرشان، لـ"الاستقلال".

وأضاف، أنه في المشهد السياسي المغربي، تظهر هذه القاعدة بشكل واضح، سواء وسط الإسلاميين أو الليبراليين أو اليساريين، وهذا ما يجعل تعميم الأحكام على كل العائلة الإيديولوجية انطلاقا من مكون من مكوناتها مسألة غير دقيقة، بل ظالمة أحيانا.

وأردف إحرشان: لهذا نجد في الحكومة حاليا ائتلافا مكونا من حزب "إسلامي" وحزبين "يساريين" وثلاثة أحزاب "ليبرالية" وبالمقابل نجد في المعارضة أحزابا ذات مرجعية يسارية وإسلامية وليبرالية. وقد ظهر هذا الفرز السياسي بشكل جلي أثناء الربيع العربي سنة 2011.

وأرجع القيادي في جماعة العدل والإحسان، السبب إلى التحالفات/الاصطفافات بين المكونات السياسية، لأنها لا تتم على أساس إيديولوجي/هوياتي، بقدر ما تتم على أساس سياسي يحدده البرنامج السياسي الذي يتسم بطابع المرحلية أساسا.

أما بخصوص حالة جماعة "العدل والإحسان" وحزب "العدالة والتنمية"، فهو أن هناك اختلافات بيّنة مرتبطة بأمور كثيرة عدّدها القيادي بالجماعة في:

  • اختلاف ظروف النشأة: فنشأة حزب "العدالة والتنمية" مرتبطة بسياق مختلف، لأنه امتداد لحزب "الحركة الشعبية" الذي تأسس في بداية استقلال المغرب بإرادة من القصر الملكي لضرب الحركة الوطنية حينها وكسر شوكتها، ولذلك ظل يصنف ضمن الأحزاب الإدارية، أي أحزاب السلطة، دائما.
  • وبالمقابل، ارتبطت نشأة "العدل والإحسان" بموقف معارض جذري للنظام الحاكم سنة 1974 بعد رسالة "الإسلام أو الطوفان"، التي بعث بها الأستاذ الراحل عبد السلام ياسين إلى الملك الراحل الحسن الثاني.

وقد ترتب عما سبق ذكره، نقاط اختلاف كثيرة، منها: طبيعة الموقف من النظام الحاكم، والنظر إلى برنامج التغيير الأصلح للبلاد، والموقف من العملية الانتخابية، والمشاركة السياسية من خلال مؤسسات رسمية مزورة، وأولويات المرحلة أو البرنامج السياسي. ويبقى القاسم المشترك الوحيد بين الطرفين هو المرجعية الإسلامية.

ولا ننسى، أن حزب "العدالة والتنمية" هو رافد لحركة إسلامية هي "التوحيد والإصلاح" ورؤيتها تؤطر الكثير من توجهاته الإيديولوجية والسياسية، وهي حركة تختلف في منطلقاتها ورؤيتها كثيرا عن منطلقات ورؤية جماعة "العدل والإحسان" لأنهما مدرستان مختلفتان في العمل الحركي الإسلامي.

اختلافات جوهرية

إذا أردنا أن نقارن، علينا أن نسلط الضوء على جماعة العدل والإحسان، وحركة التوحيد والإصلاح، فكلاهما حركات إسلامية وواحدة منهما هي المساند الرسمي للحزب، وعن وصفها بالجناح الدعوي للعدالة والتنمية، قال القيادي بالحزب والمفكر والكاتب، الدكتور عبد السلام بلاجي، في تصريح لـ"الاستقلال"، إنه لا يمكن وصفها بذلك، إذ للحركة شراكة تعاون مع الحزب.

وأوضح بلاجي، أن الحركة تؤمن بالمشاركة في أجهزة الدولة، والمجال السياسي فيها، بينما لـ"العدل والإحسان" موقف مغاير، إذ تصطف في المعارضة، وهذه اختلافات رئيسية.

تعنى الجماعة والحركة بالتربية، ولا يشاركان مباشرة في الانتخابات، فحركة "التوحيد والإصلاح" لا تشارك في الانتخابات لأنها لا تدخل إلى العمل السياسي بشكل مباشر، في حين لا تشارك "العدل والإحسان" لأن لها موقفا معارضا أصلا، وهذه هي الفروق الأساسية.

أما بالنسبة للمرجعية الفكرية، فحركة "التوحيد والإصلاح" مرجعيتها متنوعة وبين مصادرها الفكر التجديدي، بينما أساس المرجعية الفكرية لـ"العدل والإحسان" هي الاجتهادات التي قام بها الراحل عبد السلام ياسين، إذ له منابع صوفية. وبالتالي يتعلق الأمر بحركة تؤمن بالمشاركة في مؤسسات الدولة والتغيير من الداخل، وجماعة تعارض هذه المؤسسات وترفض المساهمة فيها.

ولم ينف بلاجي، وجود اختلافات مرجعية وهناك خلاف في المشاركة، وأيضا في طريقة الإصلاح؛ فجماعة "العدل والإحسان" تؤمن بالإصلاح الجذري الشامل، بينما تؤمن الحركة بالإصلاح عن طريق التدرج والمشاركة. وبالتالي يعتنق أعضاء "العدالة والتنمية" نفس الفكر الذي أخذوه من الحركة؛ وهذه هي الفروق الأساسية.

أما نقاط الالتقاء، فهي، بحسب المفكر الإسلامي: المرجعية الإسلامية، لكن لكل اجتهاداته الخاصة في إطارها، إذ يتفقان في القضايا العامة للأمة، أما في القضايا الداخلية فيكون هناك اختلاف مرجعه هو مواقف كل طرف الفكرية والسياسية.

إصلاح ذات البين

في عام 2011، وبعد أن فاز حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات التشريعية التي تلت حراكا شعبيا شاركت فيه الجماعة بثقلها، دعا رئيس الحكومة الجديد -الذي أتى بصلاحيات أوسع من سابقيه- عبد الإله بن كيران جماعة "العدل والإحسان" إلى العمل من داخل النظام كما دعاها إلى المشاركة في الحياة السياسية وفق القواعد التي تضعها الدولة.

الدعوة أثارت غضب قادة الجماعة، بعد أن تحدث الكثيرون عن إمكانية سعي للإصلاح بين النظام والجماعة، التي خففت من مواقفها بعد تولي محمد السادس الحكم، في عام 1999 وسنوات قليلة قبل وفاة مرشدها عبد السلام ياسين في عام 2012.

وقال بلاجي، في حديثه لـ"الاستقلال"، إن الجماعة تميز بين الحكومة والنظام، وفي الأدبيات التي تكتبها، تؤمن بأن الحكومة لا سلطة لها ولا يمكنها تغيير شيء وهذه القناعة تتشارك معها فيها بعض المكونات الفكرية، مثل بعض فصائل اليسار، فهي تعتقد أن الحكومات لا يمكنها أن تغير شيئا. وبالتالي انتظارها تغيير الوضع بينها وبين الدولة من "العدالة والتنمية" بعد حصوله على السلطة، هو مستبعد جدا، فموقفهم ليس من الحكومة، بل من الدولة.

"طبعا لم تكن العدل والإحسان تعول على هذا، لأنها أدرى بالسقف المسموح به لكل من ارتضى لنفسه أن يكون أسير لعبة سياسية مغلقة ومتحكم فيها من طرف النظام الحاكم"، بحسب تصريح إحرشان، بل كانت الجماعة تعرف مسبقا أن ملفها ليس من اختصاص الحكومة، وأنه مجال محفوظ للقصر الملكي ومحيطه.

ويؤكد هذا؛ الرسالة التي بعثت بها قيادة الجماعة سنة 2012 لقيادة "العدالة والتنمية" منبهة لها من مخاطر ما سيقدم عليه الحزب من مشاركة تدبيرية لشأن حكومي بدون التوفر على أدنى إمكانيات النجاح، وتبعات ذلك السلبية على الحزب والحركة الإسلامية وحركة التغيير في المغرب.

علاقة بنكيران بالملك

كان بنكيران معارضا شرسا في داخل قبة البرلمان، ما جعل البعض يصنفه في المعارضة حتى للدولة، لكنه نفى ذلك وهو يكرّر أكثر من مرة، منذ وصوله إلى الحكم، أن "الفاعل الرئيسي والحاكم الوحيد في المغرب هو الملك محمد السادس"، مشددا على أن صلاحياته تقع في إطار صلاحيات الملك. وأنه "في المغرب، هناك حاكم واحد".

وذكّر، أن ذلك ينسجم مع قناعته إذ أنه يؤمن بالتعاون، قائلا: "لو دخلت في نزاع مع الملك لكانت التجربة ستنتهي، والمغاربة لا يحبّون النزاع، وهم راضون عن هذا التعاون".

  هذه التصريحات وغيرها، التي كان يؤكد من خلالها بنكيران عن ولائه التام للنظام الملكي بالمغرب، قد تكون زادت الفجوة بينه وبين الجماعة، التي انسحبت مجددا من الساحة السياسية بعد فوز الحزب المصنف إسلاميا بالانتخابات وتغيير الدستور، عقب حراك 20 فبراير/شباط 2011.

وفي حديثه مع الصحيفة، قال عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة "العدل والإحسان"، إن الفرق البسيط، ولكن شديد التأثير طبعا، هو حين يتصرف مسؤولو الحزب من منطلق انتمائهم الحكومي فيتعاملون وفق سقف محدد لهم سلفا وأعراف مخزنية (نظام الحكم العتيق في المغرب) تتعارض مع قناعاتهم الحزبية والشخصية والتربوية، فيصرحون أو يتخذون خطوات أكثر مخزنية من المخزن نفسه، كمؤشر على نجابتهم واجتهادهم لتطبيق توصيات المخزن. وهم بهذه التصرفات يعزلون أنفسهم حتى عن جمهور الحزب والحركة، وهو ما يبين حجم الغضب والاعتراض الذي تلقاه هذه التصرفات من قاعدتهم.  

خلاف لا يفسد الود

لا يرى بلاجي أن الخلاف خفي، قائلا، إن الكثير من الاحترام متبادل، كما أن هناك تعايشا وتواصلا، لكن الاختلاف موجود وواضح، فأحدهم يؤمن بالإصلاح الشامل والآخر بالإصلاح المتدرج، فالأول: يؤمن أن هناك اختلالات لا يمكن المشاركة في السياسة إلا بإصلاحها، والآخر يقول: علينا أن نشارك ونصلح ما يمكن إصلاحه.

هذه الاختلافات لم تؤد إلى اصطدامات، بحسب القيادي في حزب "المصباح" (العدالة والتنمية)، إذ كانت هناك ملاسنات ومواجهات، لكنها لا تتعدى أسوار الجامعات، ما بين طلبة "التوحيد والإصلاح" وطلبة "العدل والإحسان"، لكنها لا تصل إلى مستوى القيادات، بالعكس يتم معالجة هذه الخلافات ويعود التعايش بين الفصيلين مع قبول الاختلاف.

ومن جهته، قال إحرشان، إنه رغم كل ذلك يحرص الطرفان، وخاصة مع حركة "التوحيد والإصلاح"، أن يبقى تدبير الخلاف في إطار أخلاقي يحد تداعياته السلبية ويساعد كثيرا في هذا الضوابط الأخلاقية التي تحكم المكونين معا.