"يني شفق": ماذا يلزم لفهم ما يدور في المنطقة من صراعات؟
نشرت صحيفة "يني شفق" التركية، مقالا للكاتب لافانت يلماز، سلط فيه الضوء على الصراعات الجارية في المنطقة ككل، مؤكدا أن فهم المنطقة مرتبط كله ببعضه البعض، ولا يمكن فهم جزئية منه دون أن يكون هناك نظرة شاملة على المنطقة بأسرها.
وتحدث لافانت يلماز في مطلع مقاله عن السياسة الاقتصادية والجغرافية، لمنطقة الشرق المتوسط، والتي استوحاها وعنوانها من ندوة دولية عقدت بعنوان: "الأزمات والنظام من شرق البحر المتوسط إلى البصرة"، نظمتها أكاديمية الشرطة الدولية لبحوث الإرهاب والأمن.
صراع أيديولوجي
وقال الكاتب، إنه من الصعوبة بمكان شرح كل ما جاء في الندوة، لكنه حاول في مقاله تلخيص أبرز ما جاءت به، وأوراق العمل والتقارير التي عرضت خلالها، ولاسيما أن فهم أبعاد الاقتصاد والجغرافيا والسياسية مهم جدا لاستيعاب ما يدور في هذه المنطقة.
وأضاف، أن العشرات من الأكاديميين والدبلوماسيين في العديد من الدول المختلفة، أكدوا أن التطورات في المنطقة هي نتيجة لصراع أيديولوجي، بمعنى المساعي الصهيونية وصراعات السلطة الطائفية في سياق تقاسم الموارد الطبيعية الغنية.
وكانت المنطقة، قد شهدت خلال الأيام الماضية استهداف ناقلتي نفط في سواحل الخليج العربي، ما تسبب بارتفاع سعر النفط؛ وأصيبت ست ناقلات نفط خلال الأيام الثلاثين الماضية في هجومين قرب مضيق هرمز الذي تمر عبره نحو خُمس شحنات النفط العالمية، واتهمت واشنطن والرياض إيران بالتورط في الواقعتين، وهو ما تنفيه طهران.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أمريكيين، أن الولايات المتحدة تبحث مع حلفائها مجموعة من الخيارات بشأن كيفية حماية الملاحة الدولية في خليج عمان بعد إصابة ناقلتين نفطيتين بمياه خليج عدن.
وذكر الكاتب، أن خبراء ومصادر في الخليج قالوا، إن الولايات المتحدة وحلفاءها قد يضطرون لتخصيص وحدات مرافقة أمنية لحماية السفن التجارية، للحيلولة دون وقوع مزيد من الهجمات في ممرات شحن النفط بالخليج.
ويؤكد ذلك بقوله، لأننا نرى أن هذه المنطقة الواقعة بين شرق البحر المتوسط والبصرة أصبحت أكثر أهمية مع ملكية العديد من الحضارات والأديان السماوية التي توجه تاريخ البشرية، وتستضيف طرق الانتقال والتجارة الإستراتيجية، واحتياطيات الطاقة الكبيرة المؤكدة والمتوقعة.
من ناحية أخرى، يضيف الكاتب، أن الصراع والأزمة الشديدة التي نشأت بسبب فقدان السلطة، أو فقدان سلطة الأنظمة الاستبدادية، المتحالفة مع القوى العظمى، الفاعل الرئيسي للنظام الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الأولى في المنطقة، يجلب إلى جدول الأعمال نظاما جديدا.
وأوضح الكاتب، أنه وقت الندوة، لم يكن صهر ترامب وخطته الاستشارية على جدول الأعمال، ويقصد لافانت يلماز هنا "صفقة القرن".
لكن الكاتب رأى أنه ومع ذلك، من الواضح أن هذه الخطة ليست مفاجأة بالنسبة لأولئك الذين تابعوا جلسات الندوة في تلك الأيام، لأن الرأي السائد لدى الجميع تقريبا بعد الاجتماع كان أن الولايات المتحدة ستظهر بخطة جديدة للمنطقة في وقت قصير جدا.
حجم الاقتصاد والطاقة
تحت هذا العنوان، قال الكاتب: إنه "لا أحد يعرف بالضبط مقدار احتياطيات الطاقة في شرق البحر المتوسط. نحن نعلم أن هناك احتياطيات مهمة في منطقة شرق البحر المتوسط، لكن ليس لدينا بيانات كافية حول ما إذا كانت هذه كافية لتغيير ميزان الطاقة في العالم".
ومع ذلك، فإن النقاش حول من قام بالاستجابة المؤكدة حتى الآن مستمر بسرعة والاتفاق على أن الدول المجاورة لشرق المتوسط يجب أن تتوصل إلى هذه القضية لم يتم ذكرها بعد. في الواقع ، أصبح نزاع المنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط بالفعل منطقة أزمة مهمة بين الدول المتشاطئة والقوى الرئيسية العاملة أو المتعارضة معها من حيث أمن الطاقة.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية أعربت، أيضا عن قلقها، وطلبت من تركيا التوقف عن خططها للبدء بنشاطات تنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة في قبرص، وهو الاعتراض الذي رفضته أنقرة.
ومارس أعضاء بالاتحاد الأوروبي ضغوطا على تركيا للتخلي عن خططها للحفر البحري للتنقيب عن الغاز الطبيعي في رقعة تطالب بها السلطات القبرصية باعتبارها جزءا من منطقتها الاقتصادية الخاصة حول الجزيرة.
وكانت تركيا أعلنت، عزمها القيام بأعمال تنقيب عن الغاز حتى سبتمبر/ أيلول المقبل في منطقة من البحر المتوسط، إذ تقول وسائل الإعلام القبرصية إنها تدخل في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.
وواصل الكاتب حديثه بالقول: إنه "ليس فقط بلدان المنطقة، ولكن أيضا العديد من البلدان الأخرى تتابع عن كثب التطورات في المنطقة وغالبا ما تشارك بشكل مباشر. على سبيل المثال، نرى أن روسيا، التي أصبحت ضعيفة اقتصاديا ودبلوماسيا في وقت واحد، عادت إلى المسرح العالمي من خلال المشكلات في المنطقة".
وأردف: "من الواضح أن مستقبل مبادرة الحزام والطريق في الصين يعتمد على التطورات في المنطقة، وأن سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل والوضع في فلسطين تتشكل في ضوء التطورات هناك".
تشابك الملفات
ومن جانب أخر، أشار الكاتب إلى أوروبا وهي المحتاجة للطاقة، تريد أن ترى ما إذا كان يمكنها تزويد نفسها بقناة إمداد جديدة، يشدد الكاتب، أنه، من المستحيل اليوم مناقشة التطورات مثل الربيع العربي، والأزمة اليمنية، والعقوبات الإيرانية، والقضية القبرصية، والانقلاب المصري، بصرف النظر عن الموقف الجغرافي السياسي والجغرافي الاقتصادي لشرق المتوسط.
وكان وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو، أكد أن بلاده لا تعترف بأي اتفاق حول التنقيب بشرق البحر المتوسط، طالما لم تكن طرفا فيه. وقال: "أي اتفاق بخصوص شرق البحر المتوسط يعتبر باطلا طالما تركيا ليست طرفا فيه".
وبخصوص التوتر الناجم عن التنقيب شرق المتوسط، شدد على وجوب "ضمان حقوق الشعب التركي في شرق البحر المتوسط". وأضاف: "أرسلنا سفن التنقيب إلى شرق البحر المتوسط لحماية حقوق تركيا وشمال قبرص التركية. شعروا بالذعر عقب ذلك".
تجدر الإشارة إلى أنّ تركيا تؤكد أنها لن تسمح لشركات الطاقة بالقيام بأنشطة التنقيب والإنتاج في المناطق التي تدخل في نطاق صلاحياتها البحرية.
وتابع يلماز، كما ذكر في البداية، أن التقرير كان شاملا تماما، وبصرف النظر عن القضايا التي ذكرها بإيجاز شديد أعلاه، ورد أيضا، تحليل شامل وإرشادات حول مستقبل النظام الإقليمي، وسياسات الشرق الأوسط للقوى الكبرى والجهات الفاعلة الإقليمية، والجغرافيا السياسية في المنطقة، وحروب الوكالة، وقضية الهجرة واللاجئين، والصراعات الطائفية في المنطقة.
ونوّه الكاتب لافانت يلماز، في ختام حديثه إلى أن التقرير الكامل موجود على موقع أكاديمية الشرطة عبر الإنترنت.